الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلى الله عليه وسلم ولم يكن ذلك لأمته، وهذا قول رديء لا ينبغي أن يضاف إلى موسى عليه السلام1.
ومما يؤيد أنه من وضع الإسرائيليين الدهاة أن نحوا من هذا المروي عن قتادة قد وراه الثعلبي وتلميذه البغوي عن كعب الأحبار ولا خلاف إلا في تقديم بعض الفضائل وتأخير البعض الآخر، إلا أنه لم يذكر إلقاء الألواح في آخره:
"فلما عجب موسى من الخبر الذي أعطى الله محمد وأمته قال: يا ليتني من أصحاب محمد، فأوحى الله إليه ثلاث آيات يرضيه بهن:{يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} إلى قوله: {دَارَ الْفَاسِقِين} ، {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} 2 قال: فرضى موسى كل الرضاء.
1 تفسير القرطبي ج7 ص 288.
2 الأعراف، الآيات: 144، 145، 159.
14-
إسرائيليات وخرافات في بني إسرائيل:
ومن الإسرائيليات والخرافات: ما ذكره بعض المفسرين، عند تفسيره قوله تعالى:{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} 1.
فقد ذكر ابن جرير في تفسير2 هذه الآية خبرًا عجيبًا، فقال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج قوله:{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} .
قال: بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم، وكفروا، وكانوا اثني عشر سبطًا، تبرأ سبط منهم مما صنعوا، واعتذروا وسألوا الله عز وجل أن يفرق بينهم، وبينهم، ففتح الله لهم نفقا في الأرض، فساروا، حتى خرجوا من وراء الصين، فهم هنالك حنفاء مسلمون، يستقبلون قبلتنا.
1 الأعراف، 159.
2 تفسير ابن جرير: ج 8.
قال ابن جريج، قال ابن عباس: فذلك قوله: {وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} .
ووعد الآخرة: عيسى ابن مريم.
قال ابن جريج: قال ابن عباس: ساروا في السرب سنة ونصفا، وقال ابن عيينة، عن صدقة، عن أبي الهذيل، عن السدي:{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} قال: قوم بينكم وبينهم نهر من شهد وقد وصف ابن كثير ما رواه ابن جرير: بأنه خير عجيب!!.
وقال البغوي في تفسيره1: قال الكلبي، والضحاك، والربيع: هم قوم خلف الصين، بأقصى الشرق، على نهر مجرى الرمل، يسمى: نهر أرداف، ليس لأحد منهم مال دون صاحبه، يمطرون بالليل، ويصحون بالنهار، ويزرعون لا يصل إليهم منا أحد، وهم على دين الحق، وذكر أن جبريل عليه السلام ذهب بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة أُسرِي به إليهم، فكلمهم، فقال لهم جبريل: هل تعرفون من تكلمون؟ قالوا: لا، فقال لهم: هذا محمد؛ النبي الأمي، فآمنوا به، فقالوا: يا رسول الله، إن موسى أوصانا أن من أدرك منكم أحمد، فليقرأ عليه مني السلام، فردَّ النبي صلى الله عليه وسلم على موسى وعليهم، ثم أقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة، وأمرهم بالصلاة والزكاة، وأمرهم أن يقيموا مكانهم، وكانوا يسبتون2، فأمرهم أن يجمعوا، ويتركوا السبت، وقيل: هم الذين اسلموا من اليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والأول أصح!!
وهي من خرافات بني إسرائيل ولا محالة، والعجب من البغوي أن يجعل هذه الأكاذيب أصح من القول الآخر الذي هو أجدر بالقبول وأولى بالصحة، ونحن لا نشك في أن ابن جريج وغيره ممن رووا ذلك؛ إنما أخذوه عن أهل الكتاب الذين أسلموا، ولا يمكن أبدًا أن يكون متلقَّى عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.
وقال الإمام الآلوسي بعد ذكر ما ذكرناه: "وضعَّف هذه الحكاية ابن الخازن، وأنا
1 تفسير ابن كثير والبغوي ج 3 ص 572-573.
2 أي: يعظمون السبت كاليهود.
لا أراها شيئا، وأظنك لا تجد لها سندًا يُعوَّل عليه ولو ابتغيت نفقًا في الأرض، أو سلما في السماء"1.
التفسير الصحيح للآية:
والذي يترجح عندي أن المراد بهم أناس من قوم موسى عليه الصلاة والسلام اهتدوا إلى الحق ودعوا الناس إليه، وبالحق يعدلون فيما يعرض لهم من الأحكام والقضايا، وأن هؤلاء الناس وجدوا في عهد موسى وبعده، بل وفي عهد نبينا صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن سلام وأضرابه، وقد بيَّن الله تبارك وتعالى بهذا: أن اليهود وإن كانت الكثرة الكاثرة فيهم تجحد الحق وتنكره، وتجور في الأحكام، وتعادي الأنبياء، وتقتل بعضهم، وتكذب البعض الآخر، وفيهم من شكاسة الأخلاق والطباع ما فيهم، فهنالك أمة كثيرة منهم يهدون بالحق، وبه يعدلون، فهم لا يتأبون عن الحق، ففيه شهادة وتزكية لهؤلاء، وتعريض بالكثرة الغالبة منهم، التي ليست كذلك، والتي جحدت نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيمن جحدها من طوائف البشر، وناصبته العداوة والبغضاء، وهو ما يشعر به قوله سبحانه قبل:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} وبذلك تظهر المناسبة بين هذه الآية والتي قبلها مباشرة، والآيات التي قبل ذلك.
أما ما ذكروه: فليس هناك ما يشهد له من عقل، ولا نقل صحيح، بل هو يخالف الواقع الملموس، والمشاهد المتيقن، وقد أصبحت الصين وما وراءها معلوما كل شبر فيها، فأين هم؟ ثم ما هذا النهر من الشهد؟! وما هذا النهر من الرمل؟! وأين هما؟! ثم أي فائدة تعود على الإسلام والمسلمين من التمسك بهذه الروايات التي لا خطام لها، ولا زمام؟! وماذا يكون موقف الداعية إلى الإسلام في هذا العصر الذي نعيش فيه، إذا انتصر لمثل هذه المرويات الخرافية الباطلة؟! إن هذه الروايات لو صحت أسانيدها لكان لها بسبب مخالفتها للمعقول، والمشاهد الملموس ما يجعلنا في حل من عدم.
1 تفسير الآلوسي ج 9، ص 84، 85.