الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على عبد الله، فأراد أن ينحره فمنعه أخواله: بنو مخزوم، وقالوا: أرْضِ ربك، وافدِ ابنك، ففداه بمائة ناقة، قال معاوية: هذا واحد، والآخر إسماعيل1.
وشهد شاهد من أهلها:
وروى ابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي، أنه ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز وهو خليفة، فقال له عمر: إن هذا لشيء ما كنت أنظر فيه، وإني لأراه كما قلت، ثم أرسل إلى رجل كان يهوديا، فأسلم وحسن إسلامه، وكان من علمائهم فسأله: أي ابني إبراهيم أمر بذبحه؟ فقال: إسماعيل والله يا أمير المؤمنين وإن يهود لتعلم بذلك، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب، وهذا هو الحق الذي يجب أن يصار إليه، قال ابن كثير في تفسيره: والذي استدل به محمد بن كعب القرظي على أنه إسماعيل أثبت، وأصح، وأقوى والله أعلم"2.
وبعد هذا التحقيق والبحث، يتبين لنا أن الصحيح أن الذبيح إسماعيل عليه السلام وأن ما روي من أنه إسحاق؛ المرفوع منه إما موضوع، وإما ضعيف لا يصح الاحتجاج به، والموقوف منه على الصحابة أو على التابعين إن صح سنده إليهم هو من الإسرائيليات التي رواها أهل الكتاب الذين أسلموا، وأنها في أصلها من دس اليهود، وكذبهم، وتحريفهم للنصوص حسدًا للعرب، ولبني العرب. فقاتلهم الله أنَّى يؤفكون.
وقد جاز هذا الدس اليهودي على بعض كبار العلماء كابن جرير، والقاضي عياض، والسهيلي، فذهبوا إلى أنه إسحاق، وتحير بعضهم في الروايات فتوقف، كالسيوطي، وحاول بعضهم الجمع بينهما فزعم أن الذبح وقع مرتين، والحق: ما وضحناه لك، فلا تجوز، ولا تتوقف ولا تقل بالتكرار، والله الهادي إلى الحق.
1 هذا الحديث في حكم المرفوع؛ لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي على مقالته، وقد اختلف فيه فمن مصحح له، ومن مضعف.
2 تفسير ابن كثير والبغوي ج 7 ص 106.
28-
الإسرائيليات في قصة إلياس عليه السلام:
ومن الإسرائيليات التي اشتملت عليها بعض كتب التفسير: ما ذكروه في قصة إلياس.
فقد روى البغوي، والخازن، وصاحب "الدر"، وغيرهم، عن ابن عباس، والحسن وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، مرويات تتعلق بإلياس عليه السلام.
قال صاحب "الدر المنثور": أخرج ابن عساكر، عن الحسن رضي الله عنه في قوله:{وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} قال: "إن الله تعالى بعث إلياس إلى بعلبك، وكانوا قوما يعبدون الأصنام، وكانت ملوك بني إسرائيل متفرقة على العامة، كل ملك على ناحية يأكلها، وكان الملك الذي كان إلياس معه يقوم له أمره، ويقتدي برأيه، وهو على هدى من بين أصحابه، حتى وقع إليهم قوم من عبدة الأصنام، فقالوا: ما يدعون إلا إلى الضلالة، والباطل، وجعلوا يقولون له: اعبد هذه الأوثان التي تعبد الملوك، وهم على ما نحن عليه، يأكلون، ويشربون وهم في ملكهم يتقلبون، وما تنقص دنياهم من ربهم الذي تزعم أنه باطل، وما لنا عليهم من فضل، فاسترجع إلياس، فقام شعر رأسه، وجلده، فخرج عليه إلياس.
قال الحسن: وإن الذي زين لذلك الملك امرأته وكانت قبله تحت ملك جبار، وكان من الكنعانيين في طول، وجسم، وحسن، فمات زوجها فاتخذت تمثالا على صورة بعلها من الذهب، وجعلت له حدقتين من ياقوتتين، وتوجته بتاج مكلل بالدر والجوهر، ثم أقعدته على سرير، تدخل عليه، فتدخنه، وتطيبه، وتسجد له، ثم تخرج عنه، فتزوجت بعد ذلك هذا الملك الذي كان إلياس معه، وكانت فاجرة قد قهرت زوجها، ووضعت البعل في ذلك البيت، وجعلت سبعين سادنا2 فعبدوا البعل، فدعاهم إلياس إلى الله فلم يزدهم ذلك إلا بعدا، فقال إلياس: اللهم إن بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر بك، وعبادة غيرك، فغير ما بهم من نعمتك، فأوحى الله إليه: إني قد جعلت
1 الصافات: 123-130.
2 هو الذي يقوم بخدمة الأصنام.
أرزاقهم بيدك، فقال: اللهم أمسك عنهم القطر ثلاث سنين، فأمسك الله عنهم القطر، وأرسل إلى الملك فتاه اليسع، فقال: قل له: إن إلياس يقول لك: إنك اخترت عبادة البعل على عبادة الله. واتبعت هوى امرأتك. فاستعد للعذاب والبلاء، فانطلق اليسع، فبلغ رسالته للملك، فعصمه الله تعالى من شرك الملك، وأمسك الله عنهم القطر، حتى هلكت الماشية والدواب، وجهد الناس جهدا شديدا وخرج إلياس إلى ذروة جبل، فكان الله يأتيه برزق، وفجر له عينا معينا لشرابه وطهوره، حتى أصاب الناس الجهد، فأرسل الملك إلى السبعين، فقال لهم: سلو البعل أن يفرج ما بنا، فأخرجوا أصنامهم، فقربوا لها الذبائح، وعطفوا عليها، وجعلوا يدعون، حتى طال ذلك بهم، فقال لهم الملك: إن إله إلياس كان أسرع إجابة من هؤلاء، فبعثوا في طلب إلياس، فأتى، فقال: أتحبون أن يفرج عنكم؟ قالوا: نعم، قال: فأخرجوا أوثانكم، فدعا إلياس عليه السلام ربه أن يفرج عنه، فارتفعت سحابة مثل الترس1، وهم ينظرون، ثم أرسل الله عليهم المطر، فتابوا ورجعوا.
قال: وأخرج ابن عساكر، عن كعب رضي الله عنه قال:"أربعة أنبياء اليوم أحياء، اثنان في الدنيا: إلياس والخضر، واثنان في السماء: عيسى وإدريس".
قال: وأخرج ابن عساكر، عن وهب رضي الله عنه قال: دعا إلياس عليه السلام ربه، أن يريحه من قومه، فقيل له: انظر يوم كذا وكذا، فإذا رأيت دابة لونها مثل لون النار فاركبها. فجعل يتوقع ذلك اليوم، فإذا هو بشيء قد أقبل على صورة فرس، لونه كلون النار، حتى وقف بين يديه، فوثب عليه، فانطلق به، فكان آخر العهد به، فكساه الله الريش، وكساه النور، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب، فصار في الملائكة عليهم السلام.
قال: وأخرج ابن عساكر، عن الحسن رضي الله عنه قال: إلياس عليه السلام موكل بالفيافي. والخضر عليه السلام بالجبال، وقد أعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة الأولى2 وأنهما يجتمعان كل عام بالموسم.
1 ما يلبسه المحارب.
2 يعني النفخة الأولى في الصور.
قال: وأخرج الحاكم، عن كعب رضي الله عنه قال: كان إلياس صاحب جبال وبرية يخلو فيها يعبد ربه عز وجل وكان ضخم الرأس، خميص البطن، دقيق الساقين، في صدره شامة حمراء، وإنما رفعه الله إلى أرض الشام، لم يصعد به إلى السماء، وهو الذي سماه الله ذا النون1.
وكل هذا من أخبار بني إسرائيل وتزيداتهم واختلافاتهم، وما روي منها عن بعض الصحابة والتابعين: فمرجعه إلى مسلمة أهل الكتاب ككعب، ووهب وغيرهما، وقد رأيت كيف تضارب وتناقض كعب ووهب، فكعب يقول: لم يصعد به إلى السماء، ويزعم أنه ذو النون، ووهب يقول: إنه رفعه إلى السماء، وصار في عداد الملائكة عليهم السلام وأن بعض الروايات تقول: إنه الخضر والبعض الآخر يقول: إنه غير الخضر، إلى غير ذلك من الاضطرابات والأباطيل، كزعم مختلق الروايات الأولى:"أن الله أوحى إلى إلياس إني قد جعلت أرزاقهم بيدك"، بينما في بعض الروايات الأخرى: أن الله أبى عليه ذلك مرتين، وأجابه في الثالثة، وهكذا الباطل يكون مضطربا لجلجا، وأما الحق: فهو ثابت أبلج.
ولم يقف الأمر عند نقل هذه الإسرائيليات عمن ذكرنا، بل بلغ الافتراء ببعض الزنادقة والكذابين إلى نسبة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم كي يؤيد به أكاذيب بني إسرائيل وخرافاتهم وكي يعود ذلك بالطعن على صاحب الرسالة العامة الخالدة صلى الله عليه وسلم.
قال السيوطي في "الدر": وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخضر هو: إلياس".
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل، وضعفه عن أنس رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلا، فإذا رجل في الوادي يقول: اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة، المغفورة، المثاب لها، فأشرفت على الوادي، فإذا رجل طوله ثلاثمائة ذراع وأكثر، فقال: من أنت؟ قلت: أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أين هو؟ قلت: هو ذا يسمع كلامك قال: فأته،
1 الدر المنثور ج5 ص 280، 281.