الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والذهبي، وابن كثير، وأمثالهم، فجازاه الله على صنيعه هذا خير الجزاء. وسيظهر ذلك بوضوح فيما سأذكره إن شاء الله في هذا الكتاب.
نظرات مجملة في أشهر كتب التفسير بالرأي والاجتهاد
الكشاف عن حقائق التنزيل، وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
…
نظرات مجملة في أشهر كتب التفسير بالرأي والاجتهاد:
وفي هذا الفصل: سأذكر أشهر كتب التفسير، سواء منها ما كان على منهج أهل السنة والجماعة، أم على مذهب أهل الاعتزال، أم على منهج أهل الكلام، مع تعريف موجز بها، وبمؤلفيها، وسأتناولها من الجانب الذي يتصل بهذا البحث فحسب، لا من جوانبها الأخرى.
ومما ينبغي أن يعلم: أن كتب التفسير بالرأي والاجتهاد أيا كان لونها واتجاهها لا تخلو من الروايات المأثورة؛ إذ من شرط التفسير بالاجتهاد: أن يعتمد على ما ثبت بالنقل، فمن ثم: اشتملت على الأحاديث الموضوعة والإسرائيليات الباطلة، وإن اختلفت في ذلك قلة وكثير، وسأقتصر على المطبوع منها، وسأنبه على ما إذا كانت بها إسرائيليات أم لا، وسأدع التفصيل لحينه إن شاء الله تعالى.
1-
الكشاف عن حقائق التنزيل، وعيون الأقاويل في وجوه التأويل:
ومؤلفه هو: الإمام محمود بن عمر بن محمد بن عمر النحوي اللغوي، الأديب، المعتزلي الزمخشري1 الملقب بجار الله، لأنه ارتحل إلى مكة، وأقام بها مجاورا للبيت، وفيها ألف كتابه هذا، ولد سنة سبع وستين وأربعمائة، وقد برع في اللغة، والأدب والنحو، ومعرفة أنساب العرب، وأيامهم حتى فاق أقرانه، كما كان عالما بكثير من العلوم الإسلامية، كالفقه، ولا سيما الفقه الحنفي، والأصول والتفسير وغيرها، ثم
1 زمخشر: كسفرجل: قرية بنواحي خوارزم نسب إليها إمامنا هذا.
اعتنق مذهب الاعتزال، ودعا إليه، وصار من أئمة المعتزلة، والمنافحين عنهم، وله مؤلفات كثيرة، منها: ربيع الأبرار، والأساس، والفائق، وكانت وفاته سنة ثمانٍ وثلاثين وخمسمائة.
قيمة تفسير الزمخشري العلمية:
إن تفسير الكشاف من خير كتب التفسير وأجلها، ولولا نزعته الاعتزالية في بعض الآيات القرآنية، لما تناوله المعترضون بالنقد، ولما شنأه بعض الناس، وبحسب هذا الكتاب فضلا ومنزلة أن كل من جاء بعد الزمخشري عالة عليه فيما يذكره فيه من أسرار الإعجاز، والغوص على المعاني البلاغية الدقيقة.
ولبراعته في الكلام، وتمكنه من فنون القول، وبعد غوره يدس بعض آرائه في أثناء تفسيره، وتروج على خلق كثير من أهل السنة ولذا قال البلقيني: استخرجت من الكشاف اعتزالا بالمناقيش من قوله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَاز} 1.
قال: أي فوز أعظم من دخول الجنة2، أشار إليه به إلى عدم الرؤية3، وقال ابن تيمية أثناء الكلام عن تفاسير المعتزلة: ومن هؤلاء من يكون حسن العبارة، يدس البدع في كلامه، وأكثر الناس لا يعلمون، كصاحب الكشاف ونحوه، حتى إنه يروج على خلق كثير من أهل السنة كثير من تفاسيرهم الباطلة4.
ومن مميزات هذا التفسير:
1-
خلوه من الحشو والتطويل.
2-
سلامته من القصص الإسرائيلي غالبا، وإذا ذكر بعضه فإنه قد يفنده، كما فعل في قصة داود وسليمان، ولكن وجدت به بعض الموضوعات التي لا تدرك بالعقل، وإنما يعلمها أئمة الحديث ونقاده، وذلك مثل الحديث الطويل المروي في فضائل السور، سورة سورة، وكذلك ما روى في قصة السيدة زينب بنت جحش،
1 آل عمران: 185.
2 تفسير الكشاف عند هذه الآية.
3 الإتقان ج2 ص 190.
4 مقدمة في أصول التفسير ص 38.
وحاول تبريره، وقد يذكر بعض الإسرائيليات، ولا ينفدها، مثل ما ذكره: في قصة يأجوج ومأجوج، بل ذكر هنا حديثا موضوعا على النبي صلى الله عليه وسلم1 وسأتناول ذلك بالتفصيل فيما يأتي إن شاء الله تعالى:
3 اعتماده في بيان المعاني على لغة العرب وأساليبهم في الخطاب.
4 عنايته الفائقة بالإبانة عن أسرار الإعجاز القرآني بطريقة فنية قائمة على الذوق الأدبي.
5 اتباعه طريقة السؤال: "إن قلتَ "بفتح التاء"، ويقول في الجواب: "قلتُ: بضم التاء" وهي طريقة من طرق التشويق، في التعليم وترسيخ المعاني في النفس.
الانتصاف:
وقد قيض الله لهذا الكتاب من نبه إلى ما فيه من اعتزاليات، وبين ما فيه من انحراف، وميل باللفظ القرآني إلى مذهب أهل الاعتزال، وهو: الإمام أحمد بن محمد المعروف بابن المنير، عالم الإسكندرية وقاضيها، وخطيبها، فألف كتابه:"الانتصاف"2، وهو يدل على علو كعب هذا الإمام في العلوم الشرعية، والبلاغية، وأصول الدين، وأصول الفقه، وبهذا الكتاب النفيس يمكن للقارئ لتفسير الكشاف أن يقرأه مع الأمن عليه أن يزيغ، أو يضل في متاهات الاعتزال.
تخريج أحاديث الكشاف:
وقد تنبه إلى ما في تفسير الكشاف من الروايات الضعيفة، والموضوعة، بعض المحدثين، فقام بإكمال هذا النقص خير قيام، وسد هذه الثغرة التي دخل منها على القراء ضرر كثير، فقد ألف الإمام الحافظ الفقيه: عبد الله بن يوسف الزيلعي المتوفى سنة 772هـ رسالة في تخريج أحاديث الكشاف، وما فيه من قصص وآثار، بيَّن فيها الصحيح من الحسن من الضعيف من الموضوع، وقد لخصها الإمام الحافظ
1 تفسير الكشاف في سورة الكهف عند تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} .
2 طبع مع الكشاف في معظم طبعاته.