الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعارض بين التفسير بالمأثور والتفسير بالاجتهاد وما يتبع في الترجيح بينهما:
1-
التعارض معناه: التقابل والتنافي، بأن يدل أحدهما على إثبات والآخر على نفي مثلا، بحيث لا يمكن اجتماع مقتضاهما، كأن كلا منهما وقف في عرض الطريق، فمنع الآخر من السير فيه، وأما إذا كانا غير متنافيين، بأن جاز اجتماعهما، فلا يسمى تعارضا، ولو كانا متغايرين وذلك مثل ما ذكرناه آنفا في تفسيرهم:"الصراط المستقيم": بأقوال كثيرة، ولكنها غير متنافية، ومثل ما ذكروه في تفسير قوله تعالى:{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} ، فإنها وإن كانت متغايرة فهي غير متنافية، ويمكن اجتماعها؛ لأن كل واحد ذكر فردا من أفراد العام.
2-
التفسير بالمأثور الثابت بالنص القطعي لا يمكن أن يعارض بالتفسير بالرأي والاجتهاد؛ لأن الرأي إما أن يكون قطعيًّا، إن كان موافقا للدليل العقلي، أو للدليل النقلي القطعي، وإما أن يكون ظنيا، أما الأول. فلأنه تعارض بين قطعتين، وأما الثاني: فلأن الرأي الخالي من الدليل العقلي والنقلي اجتهاد، يستند إلى القرائن والأمارات والدلالات الظاهرة فحسب، وذلك لا يوصل إلا إلى الظن فحسب، ولا يوصل إلى علم قطعي، ولا يمكن أن يعارض الظني القطعي وإلا لزم مساواة المرجوح بالراجح، وذلك باطل في قضية العقل.
3-
أما إذا كان المأثور ليس نصا قطعيا بل ظاهرا، أو خبر آحاد أو نحو ذلك، مما لا يوجب العلم القطعي، وقد عارضه التفسير بالرأي والاجتهاد.
وفي هذه الحالة لا يخلو: إما أن يكون ما حصل فيه التعارض مما لا مجال للرأي فيه كسبب النزول، أو أحوال القيامة، واليوم الآخر، أو للرأي فيه مجال.
فإن كان الأول: لم يقبل الرأي، وكان المعوَّل عليه فيه هو المأثور فقط، إن كان عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابي بشرط أن لا يكون معروفا بالأخذ عن أهل الكتاب، كما أسلفنا، وإن كان الثاني: فلا يخلو: إما أن يمكن الجمع بين المأثور والرأي، أم لا.
فإن أمكن الجمع: حمل النظم الكريم عليهما، وذلك مثل: تفسير القوة، في قوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} بالرمي، فإن هذا
لا ينافي تفسيره بكل مستحدث من أنواع الأسلحة التي تستعمل في القذف، والرمي كالمدافع، والصواريخ والقنابل، ونحوها؛ لأنها كلها داخلة تحت مسمى الرمي.
وإن لم يمكن الجمع: حمل النظم الكريم على ما ورد من المأثور، إن كان ثابتا بطريق صحيح، عن النبي صلى الله عليه وسلم أو بطريق صحيح عن الصحابة، بشرط أن لا يكون الصحابي معروفا برواية الإسرائيليات؛ لأن الصحابة أعلم بالقرآن والمراد به منَّا؛ لمشاهدتهم الوحي وتنزلاته، والملابسات المحيطة به، ولأنهم عربة فصحاء أصلاء. وأما المنقول عن التابعين، ولا سيما أهل الكتاب الذين أسلموا: فإن التفسير بالرأي حينئذ يكون متقدما على التفسير بالمأثور.
أما إذا لم ينقل عن أهل الكتاب، أو عمن عرف بالأخذ عنهم، وكان معارضا للرأي: فينظر في الأمر: فما ثبت منهما بدليل سمعي، أو شهد له دليل سمعي، حمل النظم الكريمة عليه، وأما إذا لم يثبت أحدهما بسمع، ولم يؤيد بسمع، فإن كان الاستدلال طريقا إلى تقوية أحدهما، وترجيحه، رجح ما قواه الدليل، فإذا تعارضت الأدلة في المراد: علم أنه قد صار من المتشابهات، فيؤمن به على ما أراد الله تعالى، ولا يتهجم على تعيين المراد من النظم الكريم: وينزل حينئذ منزلة المجمل قبل تفصيله، والمشتبه قبل بيانه.
4 يقدم المأثور الثابت بطريق صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة رضوان الله عليهم كما تقدم، إذا لم يكن المعنى الذي دل عليه بالرأي والاجتهاد موافقا لما قام عليه الدليل العقلي، أو موافقا لقطعي آخر نقلي، أو مستندا إلى قطعي علمي كالنظريات العلمية، التي أصبحت حقائق ثابتة مقررة، ككُرَوية الأرض مثلا، ودورانها حو نفسها، وحدوث الخسوف والكسوف، وإلا ففي هذه الحالة يؤول المأثور ليرجع إلى الرأي الموافق للدليل العقلي، أو النقلي القطعي، أو العلم القطعي، إذا أمكن تأويله، جمعا بين الأدلة؛ وذلك لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما، وإن لم يكن حمل النظم الكريم في هذه الحالة على ما يقتضيه الرأي والاجتهاد، ترجيحا للراجح حينئذ على المرجوح1.
1 منهج الفرقان في علوم القرآن ج 2 ص 50-52.