الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى ابن عساكر عن عطاء قال: لا أحسبه إلا رفعه إلى ابن عباس- رضي الله- تعالى- عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم ليلة قربه من مكة في غزوة الفتح «إنّ بمكة لأربعة نفر من قريش أربأ بهم عن الشّرك، وأرغب لهم في الإسلام» قيل: ومن هم يا رسول الله؟ قال:
«عتاب بن أسيد، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وسهيل بن عمرو»
[ (1) ] .
ذكر تعبئة رسول الله- صلى الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم ونزولهم بأبي سفيان، وما وقع في ذلك من الآيات
قال ابن عقبة- رحمه الله تعالى- وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي، لتصبح كل قبيلة قد أرحلت، ووقفت مع صاحبها عند رايته، وتظهر ما معها من الأداة والعدّة. فأصبح النّاس على ظهر، وقدّم بين يديه الكتائب. قالوا: ومرّت القبائل على قادتها. والكتائب على راياتها.
قال محمد بن عمر: وكان أول من قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في بني سليم- بضم أوله، وفتح ثانيه، وسكون التحتية، وهم ألف، ويقال: تسعمائة، ومعهم لواءان وراية، يحمل أحد اللواءين العباس بن مرداس بكسر الميم، والآخر يحمله خفاف- بخاء معجمة مضمومة- بن ندبة- بنون مضمومة، فدال مهملة- ويحمل الراية الحجاج بن علاط- بعين مضمومة فطاء مهملتين، فلمّا مرّوا بأبي سفيان، كبّروا ثلاث تكبيرات، ثم مضوا، فقال أبو سفيان: يا عبّاس!! من هولاء؟ فقال: هذا خالد بن الوليد، قال: الغلام؟ قال: نعم قال: ومن معه؟ قال: بنو سليم، قال: ما لي وبني سليم! ثم مرّ على أثره الزبير بن العوام في خمسمائة من المهاجرين وأفناء العرب، ومعه راية سوداء. فلما مرّوا بأبي سفيان كبّروا ثلاثا، فقال أبو سفيان: من هؤلاء؟ قال: هذا الزبير بن العوام، قال: ابن أختك؟ قال: نعم، ثم مرّت بنو غفار- بكسر الغين المعجمة- في ثلاثمائة، يحمل رايتهم أبو ذرّ، ويقال: إيماء- بكسر الهمزة، وفتحها، وسكون التحتية، ممدود مصروف، وقد يقصر مع الفتح- بن رحضة- بحاء، فضاد معجمة مفتوحات، وأجاز ابن الأثير: سكون الحاء، واقتصر النّوويّ على الفتح، وقال السهيلي: بضم الرّاء- فلمّا حاذوه، كبّروا ثلاثا، فقال أبو سفيان من هؤلاء؟ قال: بنو غفار، قال: مالي ولبني غفار؟ ثم مرت أسلم في أربعمائة، فيهما لواءان يحمل أحدهما بريدة- بلفظ تصغير البرد- بن الحصيب- بضم الحاء، وفتح الصاد المهملتين، فتحتية فموحدة- والآخر ناجية- بالنون، والجيم- بن الأعجم، فلما حاذوه كبّروا
[ (1) ] أخرجه ابن عساكر كما في التهذيب 4/ 419، والحاكم 3/ 595.
ثلاثا، فقال: من هؤلاء؟ قال العباس: أسلم، قال: مالي ولأسلم؟ ثم مرت بنو كعب بن عمرو في خمسمائة، يحمل رايتهم بسر- بضم الموحدة، وسكون السين المهملة- بن سفيان فلما حاذوه، كبّروا ثلاثا، فقال: من هؤلاء؟ قال العباس: بنو عمرو بن كعب بن عمرو، إخوة أسلم، قال: نعم، هؤلاء حلفاء محمد، ثم مرت مزينة- بضم الميم، وفتح الزاء، في ألف فيها ثلاثة ألوية ومائة فرس، يحمل ألويتها النعمان بن مقرن- بضم الميم، وسكون القاف، [وبالراء] والنون، وعبد الله بن عمرو بن عوف، وبلال بن الحارث، فلما حاذوه كبّروا ثلاثا، قال: من هؤلاء؟ قال: العباس: مزينة، قال: مالي ولمزينة؟ قد جاءتني تقعقع من شواهقها، ثم مرّت جهينة- بضم الجيم، وفتح الهاء وسكون التحتية، وبالنون- في ثمانمائة، فيها أربعة ألوية، يحملها أبو روعة- بفتح الراء، وسكون الواو- معبد بن خالد، وسويد بن صخر، ورافع بن مكيث- بفتح الميم، وكسر الكاف، وبالمثلثة- وعبد الله بن بدر- بالموحدة- فلما حاذوه كبّروا ثلاثا، فقال من هؤلاء؟ قال: جهينة، قال: مالي ولجهينة؟ ثم مرّت كنانة- بكسر الكاف- بنو ليث وضمرة، وسعد بن بكر في مائتين، يحمل لواءهم أبو واقد- بالقاف- اللّيثي، فلمّا حاذوه كبّروا ثلاثا، فقال: من هؤلاء؟ قال العبّاس: بنو بكر، قال: نعم، أهل شؤم والله! هؤلاء الّذين غزانا محمّد بسببهم، قال العبّاس: قد خار الله- تعالى- لكم في غزو محمد- صلى الله عليه وسلم أتاكم أمنكم، ودخلتم في الإسلام كافة، ثم مرّت أشجع- بالشين المعجمة، والجيم- وهم آخر من مرّ، وهم ثلاثمائة معهم لواءان، يحمل أحدهما معقل- بالعين المهملة، والقاف- ابن سنان، والآخر: نعيم بن مسعود. فلمّا حاذوه كبّروا ثلاثا قال أبو سفيان: من هؤلاء؟ قال العبّاس: هؤلاء أشجع، قال أبو سفيان: هؤلاء كانوا أشدّ العرب على محمد، قال العبّاس وأدخل الله- تعالى- الإسلام في قلوبهم، فهذا فضل من الله، ثم قال أبو سفيان: أبعد ما مضى محمد؟ فقال العباس: لا، لم يمض بعد، لو أتت الكتيبة التي فيها محمد رأيت فيها الحديد والخيل والرجال، وما ليس لأحد به طاقة، قال: ومن له بهؤلاء طاقة؟ وجعل الناس يمرّون، كل ذلك يقول أبو سفيان ما مرّ محمد؟ فيقول العبّاس: لا، حتّى طلعت كتيبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم الخضراء الّتي فيها المهاجرون والأنصار، وفيها الرّيات والألوية، مع كل بطن من بطون الأنصار لواء وراية، وهم في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق، ولعمر بن الخطاب- رضي الله عنه فيها زجل بصوت عال وهو يزعها ويقول: رويدا حتى يلحق أولكم آخركم- يقال: كان في تلك الكتيبة ألفا دارع، وأعطى رسول الله- صلى الله عليه وسلم رايته سعد بن عبادة، فهو أمام الكتيبة، فلما مرّ سعد براية رسول الله- صلى الله عليه وسلم نادى أبا سفيان فقال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحلّ الحرمة اليوم أذلّ الله قريشا قال أبو سفيان: يا عباس، حبّذا يوم الذّمار. فمرت القبائل، وطلع رسول الله- صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته القصواء. قال محمد بن عمر: بين أبي بكر
الصّدّيق، وأسيد بن الحضير- وهو يحدثهما- فقال العبّاس: هذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم [ (1) ] .
وفي الصحيح عن عروة أنّ كتيبة الأنصار جاءت مع سعد بن عبادة، ومعه الرّاية، قال:
ولم ير مثلها، ثم جاءت كتيبة هي أقل الكتائب، فيهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وراية رسول الله- صلى الله عليه وسلم مع الزّبير، قال في العيون: كذا وقع عند جميع الرّواة. ورواه الحميديّ في كتابه: هي أجلّ الكتائب، وهو الأظهر انتهى.
فقال أبو سفيان: لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيما قال العباس: قلت: يا أبا سفيان إنها النّبوّة، قال: فنعم إذا [ (2) ] .
وروى الطبراني عن العباس- رضي الله عنه قال: لما بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم قلت لأبي سفيان بن حرب: أسلم بنا، قال: لا والله حتى أرى الخيل تطلع من كداء، قال العباس:
قلت ما هذا؟ قال شيء طلع بقلبي، لأنّ الله لا يطلع خيلا هناك أبدا، قال العباس: فلما طلع رسول الله- صلى الله عليه وسلم من هناك ذكّرت أبا سفيان به فذكره [ (3) ] .
فلما مر رسول الله- صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان، قال: يا رسول الله أمرت بقتل قومك؟! ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة قال: «ما قال» قال: كذا وكذا، وإني أنشدك الله في قومك، فأنت أبرّ الناس، وأوصل الناس، وأرحم الناس، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم «كذب سعد يا أبا سفيان، اليوم يوم المرحمة، اليوم يوم يعظم الله فيه الكعبة، اليوم يوم تكسى فيه الكعبة، اليوم يوم أعز الله فيه قريشاً» .
وعند ابن إسحاق: أن سعدا لما قال ما قال، سمعه رجل من المهاجرين، قال ابن هشام:
هو عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله ما نأمن أن يكون له في قريش صولة: واستبعد ذلك الحافظ من عمر هنا لكونه كان معروفا بشدة البأس عليهم.
وعند محمد بن عمر: إن عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، قالا ذلك لرسول الله- صلى الله عليه وسلم.
وقال ضرار- بضاد معجمة- بن الخطاب الفهري- فيما ذكره محمد بن عمر، وأبو عثمان سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي- شعرا يستعطف رسول الله- صلى الله عليه وسلم على أهل مكة حين سمع قول سعد، قال أبو الربيع وهو من أجود شعر قاله.
[ (1) ] أخرجه ابن عبد البر في الدرر (216) والبيهقي في الدلائل 5/ 38 وابن كثير في البداية 4/ 290.
[ (2) ] انظر المجمع 6/ 173.
[ (3) ] انظر المصدر السابق.
وعند ابن إسحاق وعند ابن عساكر من طريق أبي الزبير عن جابر- رضي الله عنه أن امرأة من قريش عارضت رسول الله- صلى الله عليه وسلم بهذا الشّعر، فكأنّ ضرارا أرسل به المرأة ليكون أبلغ في انعطاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم على قريش:
يا نبيّ الهدى إليك لجا
…
حيّ قريش ولات حين لجاء
حين ضاقت عليهم سعة الأر
…
ض وعاداهم إله السّماء
والتقت حلقتا البطان على القو
…
م ونودوا بالصّيلم الصّلعاء
إنّ سعدا يريد قاصمة الظّه
…
ر بأهل الحجون والبطحاء
خزرجيّ لو يستطيع من الغي
…
رمانا بالنّسر والعوّاء
وغر الصّدر لا يهمّ بشيء
…
غير سفك الدّما وسبي النّساء
قد تلظّى على البطاح وجاءت
…
عنه هند بالسّوءة السّواء
إذ ينادي بذلّ حيّ قريش
…
وابن حرب بذا من الشّهداء
فلئن أقحم اللّواء ونادى
…
يا حماة الأدبار أهل اللّواء
ثمّ ثابت إليه من بهم الخز
…
رج والأوس أنجم الهيجاء
لتكوننّ بالبطاح قريش
…
فقعة القاع في أكفّ الإماء
فأنهينه فإنّه أسد الأس
…
د لدى الغاب والغ في الدّماء
إنّه مطرق يريد لنا الأم
…
ر سكوتا كالحيّة الصّمّاء
فأرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم إلى سعد، فنزع اللواء من يده، وجعله إلى ابنه قيس بن سعد، ورأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم أن اللواء لم يخرج من يد سعد، حتى صار إلى ابنه.
قال محمد بن عمر: فأبى سعد أن يسلم اللّواء إلّا بأمارة من رسول الله- صلى الله عليه وسلم فأرسل النبي- صلى الله عليه وسلم بعمامته، فدفع اللّواء إلى ابنه قيس، ويقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم أمر عليا فأخذ الرّاية، فذهب بها إلى مكة حتى غرزها عند الركن.
قال أبو عمر- رحمه الله تعالى-: قد روي إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم أعطى الرّاية للزبير إذ نزعها من سعد.
وروى أبو يعلى عن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم دفعها إليه فدخل بلواءين، وبه جزم موسى بن عقبة [ (1) ] .
قال الحافظ: والذي يظهر في الجمع أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم أرسل عليّا لينزعها، وأن
[ (1) ] انظر المصدر السابق.