الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال العباس: لله عليّ عتق عشر رقاب، فلما كان ظهرا، جاءه الحجاج، فناشده الله:
لتكتمنّ على ثلاثة أيام، ويقال: يوما وليلة، فوافقه العباس على ذلك، فقال: إني قد أسلمت، ولي مال عند امرأتي، ودين على الناس، ولو علموا بإسلامي لم يدفعوه إليّ وتركت رسول الله- صلى الله عليه وسلم وقد فتح خيبر، وجرت سهام الله- تعالى- ورسوله- صلى الله عليه وسلم فيها وانتشل ما فيها، وتركته عروسا بابنة مليكهم حيي بن اخطب، وقتل ابن أبي الحقيق فلما أمسى الحجاج من يومه خرج وطالت على العباس تلك الليالي، ويقال: إنما انتظره العباس يوما وليلة، فلما كان بعد ثلاث، والناس يموجون في شأن ما تبايعوا عليه، عمد العباس إلى حلّة فلبسها، وتخلّق بخلوق، وأخذ بيده قضيبا، ثم أقبل يخطر، حتى وقف على باب الحجاج بن علاط فقرعه، فقالت زوجته: ألا تدخل يا أبا الفضل؟ قال: فأين زوجك؟ قالت: ذهب يوم كذا وكذا، وقالت: لا يحزنك الله يا أبا الفضل، لقد شق علينا الذي بلغك، قال: أجل، لا يحزنني الله، لم يكن بحمد الله إلا ما أحببنا، فتح الله على رسوله خيبر، وجرت فيها سهام الله ورسوله، واصطفى رسول الله- صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه، فإن كانت لك حاجة في زوجك فالحقي به، قالت: أظنك والله صادقا.
ثم ذهب حتى أتى مجلس قريش وهم يقولون إذا مر بهم: لا يصيبك إلا خير يا أبا الفضل!! هذا والله التجلد لحرّ المصيبة، قال: كلّا والله الّذي حلفتم به، لم يصبني إلا خير بحمد الله، أخبرني الحجاج بن علاط أن خيبر فتحها الله على رسوله، وجرى فيها سهام الله وسهام رسوله، فرد الله- تعالى- الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين، وخرج المسلمون من كان دخل في بيته مكتئبا حتى أتوا العباس فأخبرهم الخبر، فسر المسلمون.
وقال المشركون [يا لعباد الله] انفلت عدوّ الله، - يعني الحجاج أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن، ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك.
ذكر مغانم خيبر ومقاسمها على طريق الاختصار
عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم عام خيبر، فلم يغنم ذهبا ولا فضة إلا الإبل والبقر والمتاع والحوائط. وفي رواية ألا الأموال والثياب والمتاع. رواه مالك والشيخان، وأبو داود، والنسائي [ (1) ] . وقال ابن إسحاق: وكانت المقاسم على أموال خيبر على الشّق ونطاة والكتيبة، وكانت الشّق، ونطاة في سهمان المسلمين، وكانت الكتيبة خمس الله، وسهم النبي- صلى الله عليه وسلم وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين، وطعم أزواج
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 557 (4234) .
النبي- صلى الله عليه وسلم وطعم رجال مشوا بين رسول الله- صلى الله عليه وسلم وبين أهل فدك بالصّلح، منهم محيّصة بن مسعود، أعطاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم منها ثلاثين وسقا من شعير، وثلاثين وسقا من تمر، وقسّمت خيبر على أهل الحديبية، من شهد خيبر ومن غاب عنها، ولم يغب عنها إلّا جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام- رضي الله عنهما فقسم له رسول الله- صلى الله عليه وسلم كسهم من حضرها، وكان وادياها- وادي السّريرة، ووادي خاص، وهما اللذان قسّمت عليهما خيبر.
وكانت نطاة والشّق ثمانية عشر سهما، نطاة من ذلك خمسة أسهم، والشّق ثلاثة عشر سهما، وقسّمت الشّق ونطاة على ألف سهم وثمانمائة سهم، وكانت عدّة الّذين قسّمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم ألف سهم وثمانمائة سهم برجالهم وخيلهم، للرجال أربع عشرة مائة، والخيل مائتا فرس، فكان لكل فرس سهمان، ولفارسه سهم، وكان لكلّ راجل سهم، وكان لكل سهم رأس جمع إليه مائة رجل، فكانت ثمانية عشر سهما، جمع.
فكان علي بن أبي طالب- رضي الله عنه رأسا، والزبير بن العوام رأسا، وسرد ذكر ذلك ابن إسحاق. ثم قال: ثم قسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم الكتيبة، وهي وادي خاص بين قرابته وبين نسائه وبين رجال مسلمين ونساء أعطاهم منها، ثم ذكر كيفيّة القسمة.
وروى أبو داود عن سهل بن أبي خيثمة- بخاء معجمة، فثاء مثلثة ساكنة- رضي الله عنه قال: قسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين، نصفا لنوائبه وخاصّته، ونصفا بين المسلمين، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما [ (1) ] .
روي أيضاً عن بشير- بضم الموحدة- بن يسار-رحمه الله تعالى- عن رجال من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر قسّمها على ستة وثلاثين سهما، جمع كلّ سهم مائة سهم، فكان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم وللمسلمين النّصف من ذلك، وعزل النصف الباقي لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس، زاد في رواية أخرى عنه مرسلة بيّن فيها نصف النوائب: الوطيح والكتيبة وما حيز معهما زاد في رواية والسلالم، وعزل النصف الآخر الشق والنطاة وما حيز معهما، وكان سهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم فيما حيز معهما كسهم أحدهم [ (2) ] .
قال ابن إسحاق-رحمه الله تعالى--: وكان المتولّي للقسمة بخيبر جبّار- بفتح الجيم، وتشديد الموحدة وبالراء المهملة- ابن صخر الأنصاري من بني سلمة- بكسر اللّام،
[ (1) ] أخرجه أبو داود (3010) ، والتمهيد لابن عبد البر 6/ 450.
[ (2) ] أخرجه أبو داود (3012) .
وزيد بن ثابت من بني النجار، وكانا حاسبين قاسمين.
وقال ابن سعد-رحمه الله تعالى-- أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم بالغنائم فجمعت، واستعمل عليها فروة بن عمرو البياضي، ثم أمر بذلك فجزئ خمسة أجزاء، وكتب في سهم منها، الله، وسائر السّهمان أغفال، وكان أول ما خرج سهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم لم يتحيّز في الأخماس، فأمر ببيع الأربعة الأخماس فيمن يريد، فباعها فروة، وقسّم ذلك بين أصحابه وكان الذي ولي إحصاء الناس، زيد ابن ثابت فأحصاهم ألفا وأربعمائة، والخيل مائتي فرس، وكانت السّهمان على ثمانية عشر سهما، لكل مائة سهم، وللخيل أربعمائة سهم، وكان الخمس الذي صار لرسول الله- صلى الله عليه وسلم يعطي منه ما أراه الله من السلاح والكسوة، وأعطى منه أهل بيته، ورجالا من بني المطلب، ونساء، واليتيم والسائل.
ثم ذكر قدوم الدّوسيين والأشعريين واصحاب السفينتين، وأخذهم من غنائم خيبر، ولم يبين كيف أخذوا.
قال في العيون: وإذا كانت القسمة على ألف وثمانمائة سهم وأهل الحديبية ألف وأربعمائة، والخيل مائتي فرس بأربعمائة سهم، فما الذي أخذه هؤلاء المذكورون؟
وما ذكره ابن إسحاق من أن المقاسم كانت على الشّق، والنّطاة والكتيبة أشبه، فإنّ هذه المواضع الثلاثة مفتوحة بالسيف عنوة من غير صلح، وأما الوطيح والسّلالم فقد يكون ذلك هو الذي اصطفاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم لما ينوب المسلمين، ويترجح حينئذ قول موسى بن عقبة ومن قال بقوله: إنّ بعض خيبر كان صلحا، ويكون أخذ الأشعريين ومن ذكر معهم من ذلك، ويكون مشاورة رسول الله- صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية في إعطائهم ليست استنزالا لهم عن شيء من حقهم، وإنما هي المشورة العامة، وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران 159] .
روى الشيخان عن عبد الله بن مغفل- بضم الميم، وفتح الغين المعجمة، والفاء المشددة، وباللام- رضي الله عنه قال أصبت جرابا، وفي لفظ: دلّي جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته، وقلت: لا أعطي أحداً منه شيئا، فالتفتّ فإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم فاستحييت منه، وحملته على عنقي إلى رحلي وأصحابي فلقيني صاحب المغانم الّذي جعل عليها، فأخذ بناحيته وقال: هلمّ حتّى نقسمه بين المسلمين، قلت: لا والله لا أعطيك، فجعل يجاذبني الجراب، فرآنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم نصنع ذلك، فتبسّم ضاحكا، ثم قال لصاحب المغانم:«لا أبالك، خلّ بينه وبينه» فأرسله، فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي، فأكلناه
[ (1) ] .
[ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 255 (3153) ومسلم 3/ 1393 (72/ 1772) .