الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر عزمه- صلى الله عليه وسلم على قتال الروم وبيان ذلك للناس
لمّا عزم رسول الله- صلى الله عليه وسلم على قتال الروم عام تبوك، وكان ذلك في زمان عسرة من الناس وشدّة من الحرّ وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار، والناس، يحبّون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص على تلك الحال من الزمان الذي هم عليه، وبيّن- صلى الله عليه وسلم للناس مقصده، وكان- صلى الله عليه وسلم قل أن يخرج في غزوة إلا كنّى عنها وورّى بغيرها إلا ما كان من غزوة تبوك، فإنّه بيّنها للناس لبعد الشّقّة وشدة الزمان وكثرة العدو الذي يصمد له، ليتأهّب الناس لذلك أهبته، فأمر النّاس بالجهاز، ودعا من حوله من أحياء العرب للخروج معه، فأوعب معه بشر كثير، وبعث إلى مكة، وتخلّف آخرون، فعاتب الله- تعالى- من تخلّف منهم لغير عذر من المنافقين والمقصرين، ووبّخهم وبيّن أمرهم، فقال سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ، إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التوبة 38، 39] ثم قال تعالى انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [التوبة 41، 42] إلى آخر الآيات.
وروى ابن شيبة، والبخاري، وابن سعد عن كعب بن مالك- رضي الله عنه قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم قلّما يريد غزوة يغزوها إلا ورّى بغيرها، حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم في قيظ شديد، واستقبل سفراً بعيدا، وغزّى وعددا كثيرا فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، وأخبرهم بوجهه الذي يريده [ (1) ] .
ذكر حثه- صلى الله عليه وسلم على النفقة والحملان في سبيل الله تبارك وتعالى
في حديث عمران بن حصين- رضي الله عنهما عند الطّبراني أن النبي- صلى الله عليه وسلم كان يجلس كلّ يوم على المنبر فيدعو فيقول: «اللهمّ أن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض. فلم يكن للناس قوة
[ (2) ] .
[ (1) ] أخرجه البخاري (2948) .
[ (2) ] أخرجه مسلم 3/ 1383، 1384 واحمد 1/ 32.
قال محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- حضّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم على الصّدقات فجاءوا بصدقات كثيرة، فكان أول من جاء أبو بكر الصديق- رضي الله عنه جاء بماله كله أربعة آلاف درهم فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:«هل أبقيت لأهلك شيئا؟» [ (1) ] فقال: أبقيت لهم الله ورسوله. وجاء عمر بن الخطاب- رضي الله عنه بنصف ماله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:«هل أبقيت لأهلك شيئا؟» قال: نعم مثل ما جئت به،
وحمل العباس، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن عبادة- رضي الله عنهم وحمل عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنه مائتي أوقية إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم وتصدّق عاصم بن عدي- رضي الله عنه بسبعين وسقا من تمر، وجهّز عثمان بن عفان- رضي الله عنه ثلث ذلك الجيش حتى أنه كان يقال: ما بقيت لهم حاجة حتى كفاهم شنق أسقيتهم.
قلت: كان ذلك الجيش زيادة على ثلاثين ألفا، فيكون- رضي الله عنه جهز عشرة آلاف.
وذكر أبو عمرو في الدرر، وتبعه في الإشارة: أن عثمان حمل على تسعمائة بعير ومائة فرس بجهازها، وقال ابن إسحاق- رحمه الله تعالى- أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها.
ونقل ابن هشام عمّن يثق به: أن عثمان- رضي الله عنه أنفق في جيش العسرة ألف دينار قلت غير الإبل والزاد وما يتعلق بذلك. قال: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض» . وروى الإمام أحمد، والترمذي وحسّنه، والبيهقي عن عبد الرحمن بن سمرة- رضي الله عنه قال: جاء عثمان إلى رسول- صلى الله عليه وسلم بألف دينار في كمّه حين جهز رسول الله- صلى الله عليه وسلم جيش العسرة، فصبّها في حجر النبي- صلى الله عليه وسلم فجعل النبي- صلى الله عليه وسلم يقلّبها بيده ويقول:«ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم»
[ (2) ] يرددها مرارا.
وروى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند، والترمذي، والبيهقي عن عبد الرحمن بن خباب- بالمعجمة وموحدتين- رضي الله عنه قال: خطب رسول الله- صلى الله عليه وسلم فحثّ على جيش العسرة، فقال عثمان- رضي الله عنه عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها، ثمّ نزل مرقاة أخرى من المنبر فحثّ فقال عثمان- رضي الله عنه: عليّ مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها ثم نزل مرقاة أخرى فحث فقال عثمان- رضي الله عنه: عليّ مائة أخرى
[ (1) ] الواقدي في المغازي 3/ 991.
[ (2) ] أخرجه الترمذي (3701) والحاكم 3/ 102 وابن أبي عاصم 2/ 587 (592) والبيهقي في الدلائل 5/ 215، وانظر البداية والنهاية 5/ 4.