الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال شيوخ محمد بن عمر: فجعلت أمّ عمارة تصيح يا للأنصار: أية عادة هذه. مالكم والفرار؟! قالت: وأنظر إلى رجل من هوازن على جمل أورق معه لواء يوضع جمله في أثر المسلمين، فأعترض له فأضرب عرقوب الجمل. فيقع على عجزه وأشد عليه، ولم أزل أضربه حتّى أثبتّه، وأخذت سيفا له.
ورسول الله- صلى الله عليه وسلم قائم، مصلت السيف بيده، قد طرح غمده ينادي:«يا أصحاب سورة البقرة» فكرّ الأنصار،
ووقفت هوازن قدر حلب ناقة فتوح، ثم كانت إيّاها، فو الله ما رأيت هزيمة قط كانت مثلها، قد ذهبوا في كل وجه، فرجع إليّ أبنائي جميعا:
حبيب وعبد الله أبناء زيد بأسارى مكتّفين، فأقوم إليه من الغيظ فأضرب عنق واحد منهم، وجعل الناس يأتون بالأسارى فرأيت في بني مازن ابني النجار ثلاثين أسيرا، وكان المسلمون بلغ أقصى هزيمتهم مكة، ثم كرّوا بعد وتراجعوا، فأسهم لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم جميعا، وكانت أم الحارث الأنصارية آخذة بخطام جمل الحارث زوجها، وكان يسمى المجسار فقالت: يا حار أتترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم والنّاس يولّون منهزمين؟! وهي لا تفارقه، قالت: فمر علي عمر بن الخطاب فقلت: يا عمر ما هذا؟ قال: أمر الله تعالى [ (1) ] .
ذكر انهزام المشركين
قال محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- لما نادى رسول الله- صلى الله عليه وسلم الأنصار كرّوا راجعين فجعلوا يقولون: يا بني عبد الرحمن، يا بني عبد الله، يا بني عبيد الله، يا خيل الله.
وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم قد سمّى خيله خيل الله، وجعل شعار المهاجرين: بني عبد الرحمن، وجعل شعار الأوس: بني عبيد الله، وشعار الخزرج: بني عبد الله.
روى محمد بن عمر عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة: أن سعد بن عبادة جعل يصيح يومئذ: يا للخزرج ثلاثا، وأسيد بن الحضير يصيح: يا للأوس- ثلاثا فثابوا من كل ناحية كأنهم النحل تأوى إلى يعسوبها، قال أهل المغازي فحنق المسلمون على المشركين فقتلوهم حتّى أسرع القتل في ذراري المشركين. فبلغ ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم فقال:«ما بال أقوام بلغ بهم القتل حتى بلغ الذريّة! ألا لا تقتل الذرية، ألا لا تقتل الذرية» ثلاثا [ (2) ]- فقال أسيد بن الحضير: يا رسول الله، أليس إنّما هم أولاد المشركين؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:«أليس خياركم أولاد المشركين! كلّ نسمة تولد على الفطرة حتّى يعرب عنها لسانها، فأبواها يهوّدانها أو ينصّرانها» .
قال محمد بن عمر: قال شيوخ ثقيف، ما زال رسول الله- صلى الله عليه وسلم في طلبنا، فيما نرى
[ (1) ] المغازي 3/ 904.
[ (2) ] المغازي 3/ 905.
- ونحن مولّون حتى إن الرجل منّا ليدخل حصن الطّائف وإنه ليظن أنّه على أثره، من رعب الهزيمة.
قال أنس بن مالك كما رواه الإمام أحمد: كان في المشركين رجل يحمل علينا فيدقنا ويحطمنا فلما رأى ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم نزل، فهزمهم الله- تعالى- فولّوا، فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم حين رأى الفتح، فجعل يجاء بهم أسارى رجل رجل، فيبايعونه على الإسلام، فقال رجل من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم إن علي نذرا لئن جيء بالرّجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربنّ عنقه فسكت رسول الله- صلى الله عليه وسلم وجيء بالرجل فلما رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: يا نبي الله تبت إلى الله، فأمسك رسول الله- صلى الله عليه وسلم عن مبايعته ليوفي الآخذ بنذره، وجعل ينظر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم ليأمره بقتله، وهاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم فلما رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم الرجل لا يصنع شيئا بايعه، فقال: يا رسول الله نذري؟ قال: «لم أمسك عنه إلّا لتوفي بنذرك» فقال: يا رسول الله ألا أومأت إليّ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: إنه ليس لنبي أن يومئ.
قالوا: وهزم الله تعالى أعداءه من كل ناحية، واتبعهم المسلمون يقتلونهم، وغنّمهم الله- تعالى- نساءهم وذراريهم وأموالهم، وفرّ مالك بن عوف حتّى بلغ حصن الطّائف. هو وأناس من أشراف قومه، وأسلم عند ذلك ناس كثير من أهل مكة حين رأوا نصر الله- تعالى- رسوله وإعزاز دينه.
قال ابن إسحاق: ولما هزم الله تعالى المشركين من أهل حنين، وأمكن رسول الله- صلى الله عليه وسلم منهم، قالت امرأة من المسلمين- رضي الله عنها وعنهم:
قد غلبت خيل الله خيل اللّات
…
والله أحقّ بالثّبات
ويروى: وخيله أحقّ بالثبات.
زاد محمد بن عمر:
إنّ لنا ماء حنين فخلّوه
…
إن تشربوا منه فلن تعلوه
هذا رسول الله لن تغلوه
ورجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم من جهة المشركين بعد انهزامهم إلى العسكر، وأمر أن يقتل كل من قدر عليه، وثاب من انهزم من المسلمين.
روى البزار بسند رجاله ثقات عن أنس- رضي الله عنه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين: «اجزروهم جزرا» وأومأ بيده إلى الحلق
[ (1) ] .
[ (1) ] انظر المجمع 6/ 182.