الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بني قريظة، فنزل قريبا من حصنهم على بئر أنّا بأسفل حرّة بني قريظة، فلمّا رآه علي- رضي الله عنه رجع إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم وأمرني أن ألزم اللّواء، فلزمته، وكره أن يسمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم أذاهم وشتمهم.
فقال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم: «لا عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخابيث، فإن الله- تعالى- كافيك اليهود. فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «لم تأمرني بالرّجوع؟ فكتمه ما سمع، فقال: «أظنّك سمعت منهم لي أذى» فقال: نعم يا رسول الله. قال: «لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً» . فسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم إليهم، وتقدّمه أسيد بن الحضير- فقال: يا أعداء الله: لا نبرح عن حصنكم حتّى تموتوا جوعا، إنما أنتم بمنزلة ثعلب في جحر، فقالوا: يا ابن الحضير:
نحن مواليك دون الخزرج، وخاروا، فقال: لا عهد بيني وبينكم ولا إلّا وذمة، ودنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم. وترّسنا عنه، ونادى بأعلى صوته نفرا من أشرافهم، حتى أسمعهم فقال:«أجيبوا يا إخوة القردة والخنازير وعبدة الطّاغوت هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟ أتشتمونني؟! فجعلوا يحلفون ما فعلنا، ويقولون: يا أبا القاسم ما كنت جهولا، وفي لفظ ما كنت فاحشا. واجتمع المسلمون عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم عشاء، وبعث سعد بن عبادة- رضي الله عنه بأحمال تمر لرسول الله- صلى الله عليه وسلم والمسلمين. فكان طعامهم، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم يومئذ «نعم الطّعام التّمر» .
ذكر محاصرة المسلمين لبني قريظة
غدا رسول الله- صلى الله عليه وسلم سحرا، وقدّم الرماة وعبّأ أصحابه فأحاطوا بحصون يهود، ورموهم بالنّبل والحجارة، وهم يرمون من حصونهم حتّى أمسوا، فباتوا حول الحصون، وجعل المسلمون يعتقبون، يعقب بعضهم بعضا، فما برح رسول الله- صلى الله عليه وسلم يراميهم حتى أيقنوا بالهلكة، وتركوا رمي المسلمين، وقالوا: دعونا نكلمكم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:«نعم» فأنزلوا نبّاش بن قيس، فكلم رسول الله- صلى الله عليه وسلم على أن ينزلوا على ما نزلت عليه بنو النّضير من الأموال والحلقة وتحقن دماءنا، ونخرج من بلادك بالنّساء والذّراري، ولنا ما حملت الإبل إلّا الحلقة، فأبى رسول الله- صلى الله عليه وسلم فقال: تحقن دماءنا وتسلّم لنا النّساء والذّريّة ولا حاجة لنا فيما حملت الإبل، فأبى رسول الله- صلى الله عليه وسلم إلا أن ينزلوا على حكمه، وعاد نبّاش إليهم بذلك.
ذكر اعتراف كعب بن أسد كبير بني قريظة وغيره بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما عاد نبّاش إلى قومه، وأخبرهم الخبر، قال كعب بن أسد: يا معشر بني قريظة، والله قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإنّي عارض عليكم خلالا ثلاثا، فخذوا ما شئتم منها، قالوا: وما هي؟ قال: نتابع هذا الرّجل ونصدّقه. فو الله لقد تبيّن لكم أنه نبي مرسل، وأنّه الّذي تجدونه في
كتابكم فتأمنون به على دمائكم وأموالكم ونسائكم، والله إنكم لتعلمون أنّ محمّدا نبي، وما منعنا من الدّخول معه إلّا الحسد للعرب حيث لم يكن نبيا من بني إسرائيل، فهو حيث جعله الله، ولقد كنت كارها لنقض العهد والعقد ولكنّ البلاء والشؤم من هذا الجالس- يعني حيي بن اخطب- ولقد كان حيي بن اخطب دخل معهم في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان، وفاء لكعب بن أسد، بما كان عاهده عليه- أتذكرون ما قال لكم ابن جوّاس حين قدم عليكم: تركت الخمر والخمير والتمير، وأجئت إلى السّقاء والتّمر والشّعير، قالوا: وما ذاك؟ قال: إنّه يخرج بهذه القرية نبيّ، فإن يخرج وأنا حيّ أتبعه وأنصره، وإن خرج بعدي، فإياكم أن تخدعوا عنه، واتّبعوه، فكونوا أنصاره وأولياءه، وقد آمنتم بالكتابين، كليهما الأوّل والآخر، وأقرئوه منّي السّلام، وأخبروه أنّي مصدّق به. قال كعب: فتعالوا فلنتابعه ونصدّقه، فقالوا: لا نفارق حكم التّوراة أبدا، ولا نستبدل به غيره، قال: فإذا أبيتم علىّ هذه فهلمّ فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثمّ نخرج إلى محمّد وأصحابه رجالا مصلتين السّيوف ولم نترك وراءنا ثقلا حتّى يحكم الله بيننا وبين محمّد، فإن نهلك نهلك، ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه، إن نظهر فلعمري لنجدنّ النّساء والأبناء. قالوا: أنقتل هولاء المساكين؟! فما خير العيش بعدهم؟
قال: فإن أبيتم علىّ هذه فإن اللّيلة ليلة السّبت، وأنّه عسى وأن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا، لعلّنا نصيب من محمّد وأصحابه غرّة، قالوا: نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ! فقال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمّه ليلة واحدة من الدّهر حازما، فقال ثعلبة وأسيد ابنا سعية، وأسد بن عبيد ابن عمّهم، وهم نفر من هذيل ليسوا من بني قريظة، ولا النّضير، نسبهم فوق ذلك وهم بنو عمّ القوم: يا معشر بني قريظة، والله إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنّ صفته عندنا، وحدّثنا بها علماؤنا وعلماء بني النّضير، هذا أولهم: يعني حيي بن اخطب مع جبير بن الهيبان- أنه أصدق النّاس عندنا، هو خبّرنا بصفته عند موته. قالوا: لا نفارق التّوراة. فلمّا رأى هولاء النّفر إباءهم نزلوا تلك الليلة التي في صبحها نزلت بنو قريظة فأسلموا وأمنوا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم.
وقال عمرو بن سعدى: يا معشر يهود، إنكم قد حالفتم محمّدا على ما حالفتموه عليه، فنقضتم عهده الذي كان بينكم وبينه، فلم أدخل فيه، ولم أشرككم في غدركم، فإن أبيتم أن تدخلوا معه فاثبتوا على اليهودية وأعطوا الجزية فو الله ما أدري يقبلها أم لا، قالوا: فنحن لا نقرّ للعرب بخرج في رقابنا يأخذونه، القتل خير من ذلك، قال: فإنّي بريء منكم. وخرج في تلك الليلة مع ابني سعية، فمرّ بحرس رسول الله- صلى الله عليه وسلم وعليهم محمد بن مسلمة، فقال محمد:
من هذا؟ قال: عمرو بن سعدى، قال محمّد: مرّ اللهمّ لا تحرمني إقالة عثرات الكرام، وخلّى