الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر عن ابن إسحاق أن فرتنى هي التي أسلمت، وأن قريبة قتلت.
وأم سعد قتلت فيما ذكره ابن إسحاق، ويحتمل كما قال الحافظ-رحمه الله تعالى-- أن تكون أرنب، وأم سعد القينتان. واختلف في اسمهما باعتبار الكنية واللّقب.
ذكر دخوله- صلى الله عليه وسلم مكة وإرسال طائفة من أصحابه أمامه وارادة بعض المشركين صدهم عن دخولهم، وقتل المسلمين لهم
قال ابن إسحاق- رحمه الله تعالى- وغيره: لمّا ذهب أبو سفيان إلى مكة بعد ما عاين جنود الله- تعالى- تمرّ عليه، فانتهى المسلمون إلى ذي طوى، فوقفوا ينتظرون رسول الله- صلى الله عليه وسلم حتّى تلاحق النّاس، وأقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء، وهو على ناقته القصواء، معتجرا بشقّ برد حبرة حمراء.
وعن أنس- رضي الله عنه قال: لما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم استشرفه الناس، فوضع رأسه على رحله متخشّعا، رواه الحاكم بسند جيد قوي، ورواه أبو يعلى من طريق آخر [ (1) ]، وعن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم يومئذ وعليه عمامة سوداء، ورايته سوداء، ولواؤه أسود حتّى وقف بذي طوى، وتوسّط الناس، وإنّ عثنونه ليمسّ واسطة رحله، أو يقرب منها تواضعا لله عز وجل حين رأى ما رأى من فتح الله تعالى، وكثرة المسلمين،
ثم قال: «اللهم إن العيش عيش الآخرة»
قال: وجعلت الخيل تمعج بذي طوى في كل وجه، ثمّ ثابت وسكنت حين توسطهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم رواه محمد بن عمر [ (2) ] .
وعن أنس- رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام، رواه الإمام أحمد، ومسلم، والأربعة [ (3) ] .
وعن عمرو بن حريث- رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى رسول الله- صلّى الله ليه وسلّم يوم فتح مكة، وعليه عمامة سوداء خرقانيّة، وقد أرخى طرفها بين كتفيه، رواه مسلم [ (4) ]، وعن عائشة- رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من كداء من أعلى مكة، رواه البخاري، والبيهقيّ.
وعن جابر- رضي الله عنه قال: كان لواء رسول الله- صلى الله عليه وسلم يوم دخل مكة أبيض، رواه الأربعة [ (5) ] .
[ (1) ] الحديث عند ابن عدي في الكامل 4/ 571، وانظر المجمع 6/ 196.
[ (2) ] ابن سعد 3/ 1/ 180.
[ (3) ] مسلم 2/ 990 (451/ 1358) ، والبيهقي في الدلائل 5/ 67 وابن أبي شيبة 8/ 234.
[ (4) ] أخرجه مسلم 2/ 990 (453/ 1359) .
[ (5) ] البخاري 7/ 611 (4290) .
وعن عائشة- رضي الله عنها قالت: كان لواء رسول الله- صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أبيض، ورايته سوداء تسمّى العقاب، وكانت قطعة مرط مرحّل، رواه ابن إسحاق [ (1) ] .
وعن ابن عمر- رضي الله عنهما قال: لما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح، رأى النّساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر، فتبسّم إلى أبي بكر، فقال:«يا أبا بكر كيف قال حسان» فأنشده أبو بكر، قول حسان- رضي الله عنهما:
عدمت بنيّتي إن لم تروها
…
تثير النّقع من كتفي كداء
ينازعن الأعنّة مسرجات
…
يلطّمهنّ بالخمر النّساء
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «ادخلوها من حيث قال حسّان»
[ (2) ] .
وفي الصحيح وغيره عن عروة: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم أمر الزبير بن العوام أن يدخل من كداء من أعلى مكة، وأن يغرز رايته بالحجون، ولا يبرح حتّى يأتيه» [ (3) ] . وفي الصحيح أيضا عن العبّاس أنّه قال للزبير بن العوام: يا أبا عبد الله ها هنا أمرك رسول الله- صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية؟
قال: نعم [ (4) ] .
قال: وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد- وكان على المجنّبة اليمنى، وفيها أسلم، وسليم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وقبائل من العرب- أن يدخلوا من اللّيط، وهو أسفل مكة، وأمره أن يغرز رايته عند أدنى البيوت وأمّر أبا عبيدة بن الجراح- رضي الله عنه على الحسّر، كما عند الإمام أحمد.
وفي صحيح مسلم [ (5) ] عن عبد الله بن رباح أن أبا عبيدة كان على البياذقة، يعني الرجالة.
وعند ابن إسحاق وعبد الله بن أبي نجيح أن أبا عبيدة بن الجراح أقبل بالصّف من المسلمين ينصبّ لمكة بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم قالوا: وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم أمراءه أن يكفوا أيديهم، ولا يقاتلوا إلّا من قاتلهم، قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر رحمهما الله تعالى: إنّ صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمر، - وأسلموا بعد ذلك- دعوا إلى قتال رسول الله- صلى الله عليه وسلم وجمعوا أناسا
[ (1) ] أخرجه أبو داود في الجهاد باب (76) ، والحاكم 2/ 104 وابن أبي شيبة 12/ 514، والبيهقي 6/ 392.
[ (2) ] البيهقي في الدلائل 5/ 66 والطحاوي في المعاني 4/ 296.
[ (3) ] أخرجه البخاري 7/ 598 (4280) .
[ (4) ] انظر المصدر السابق.
[ (5) ] مسلم في الجهاد (86) .
بالخندمة وضوى إليهم ناس من قريش، وناس من بني بكر، وهذيل، ولبسوا السلاح، يقسمون بالله لا يدخلها محمد عنوة أبدا، وكان رجل من بني الدّيل يقال له جماش- بكسر الجيم وتخفيف الميم- وبالشين المعجمة- بن قيس بن خالد لمّا سمع بدخول رسول الله- صلى الله عليه وسلم جعل يصلح سلاحه، فقالت له امرأته: لمن تعدّ هذا؟ قال: لمحمد وأصحابه، قالت: والله ما أرى يقوم لمحمد وأصحابه شيء. قال: والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم فإنّك محتاجة إليه قالت: ويلك: لا تفعل، ولا تقاتل محمدا والله ليضلن عنك رأيك، لو قد رأيت محمدا، وأصحابه، قال ستري ثم قال:
إن يقبلوا اليوم فمالي علّه
…
هذا سلاح كامل وألّه
وذو غرارين سريع السّلّه
ثم شهد الخندمة مع صفوان، وسهيل بن عمرو، وعكرمة، فلما دخل خالد بن الوليد من حيث أمره رسول الله- صلى الله عليه وسلم وجد الجمع المذكور، فمنعوه الدّخول، وشهروا له السّلاح، ورموه بالنبّل، وقالوا: لا تدخلها عنوة، فصاح في أصحابه فقاتلهم، وقتل منهم أربعة وعشرون رجلاً من قريش، وأربعة من هذيل.
وقال ابن إسحاق: أصيب من المشركين قريب من اثني عشر أو ثلاثة عشر، وانهزموا أقبح الانهزام، حتّى قتلوا بالحزورة، وهم مولّون في كل وجه، وانطلقت طائفة منهم فوق رؤوس الجبال، وأتبعهم المسلمون.
قال محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- وجعل خالد- رضي الله عنه يتمثّل بهذه الأبيات:
إذا ما رسول الله فينا رأيته
…
كلجّة بحر نال فيها سريرها
إذا ما ارتدينا الفارسيّة فوقها
…
ردينية يهدي الأصمّ خريرها
رأينا رسول الله فينا محمّدا
…
لها ناصرا عزّت وعزّ نصيرها
قال ابن هشام: وكان شعار المهاجرين من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكّة وحنين والطّائف: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله.
وجعل أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام يصيحان يا معشر قريش علام تقتلون أنفسكم؟! من دخل داره فهو آمن، ومن وضع السّلاح فهو آمن، فجعل النّاس يقتحمون الدّور ويغلقون عليهم، ويطرحون السّلاح في الطرق حتّى يأخذه المسلمون، ورجع جماش منهزما حتى انتهى إلي بيته، فدقّه، ففتحت له امرأته، فدخل وقد ذهبت روحه، فقالت له: أين الخادم
الذي وعدتني؟ ما زلت منتظرة لك منذ اليوم- تسخر منه- فقال: دعي هذا عنك، واغلقي عليّ بابي، ثم قال:
إنك لو شهدت يوم الخندمة
…
إذ فرّ صفوان وفرّ عكرمه
وأبو يزيد كالعجوز المؤتمه
…
واستقبلتهم بالسّيوف المسلمه
يقطعن كلّ ساعد وجمجمة
…
ضربا فلا تسمع إلّا الغمغمة
لهم نهيت خلفنا وهمهمه
…
لم تنطقي في اللّوم أدنى كلمه
وأقبل الزبير- رضي الله عنه بمن معه من المسلمين حتى انتهى إلي الحجون عند منزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم ولم يقتل من المسلمين إلا رجلان من أصحاب الزّبير، أخطأ الطّريق فسلكا غيره فقتلا، وهما كرز بن جابر الفهريّ [ (1) ] وحبيش- بحاء مهملة مضمومة، فموحّدة مفتوحة، فتحتية ساكنة فشين معجمة- بن خالد بن ربيعة بن الأشعر- بشين معجمة، وعين مهملة- الكعبي- رضي الله عنهما ومضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم فدخل مكة من أذاخر، [ (2) ] فلما ظهر على أذاخر، نظر إلى البارقة مع فضض المشركين، فقال:«ما هذه البارقة؟! ألم أنه عن القتال؟» قالوا: يا رسول الله، خالد بن الوليد قوتل ولو لم يقاتل ما قاتل، وما كان يا رسول الله ليعصيك، ولا يخالف أمرك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم «قضاء الله خير» .
وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله عنهما إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم خطب، فقال:«إن الله حرّم مكّة» الحديث [ (3) ]، فقيل: هذا خالد يقتل، فقال:«قم يا فلان فقل له فليرفع يديه من القتل» فأتاه الرّجل، فقال له: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم يقول لك، أقتل من قدرت عليه، فقتل سبعين، فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فأرسل إلى خالد «ألم أنهك عن القتل؟!» فقال: جاءني فلان فأمرني أن أقتل من قدرت عليه، فأرسل إليه «ألم آمرك أن تنذر خالدا؟» قال:
أردت أمرا فأراد الله أمرا، فكان أمر الله فوق أمرك، وما استطعت إلّا الذي كان، فسكت رسول الله- صلى الله عليه وسلم ما ردّ عليه.
وروى الإمام أحمد، ومسلم، والبيهقي، وغيرهم عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: لما كان يوم فتح مكة، وبّشت قريش أوباشا لها وأتباعا، فقالوا: نقدّم هؤلاء، فإن كان لهم شيء
[ (1) ] كرز بن جابر بن حسل بن لاحب بن حبيب بن عمرو بن سفيان بن محارب بن فهر القرشي الفهري.. كان من رؤساء المشركين قبل أن يسلم وأغار على سرح المدينة مرة فحرج النبي- صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ سفوان وفاته كرز وهذه هي غزوة بدر الاولى ثم أسلم، الإصابة 5/ 297.
[ (2) ] أذاخر بالفتح، والخاء المعجمة مكسورة: موضع بأعلى مكة، منه دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم، وضربت هناك قبّته. مراصد الإطلاع 1/ 46.
[ (3) ] أخرجه الطبراني في الكبير 11/ 48 وانظر المجمع 3/ 284، 7/ 34 والسيوطي في الدر المنثور 3/ 271، 272.