الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلست بحاضن إن لم تروها
…
بساحة داركم منّا ألوفا
وننتزع العروش ببطن وجّ
…
وتصبح دوركم منكم خلوفا
ويأتيكم لنا سرعان خيل
…
يغادر خلفه جمعا كثيفا
إذا نزلوا بساحتكم سمعتم
…
لها ممّا أناخ بها رجيفا
بأيديهم قواضب مرهفات
…
يزدن المصطلين بها الحتوفا
كأمثال العقائق أخلفتها
…
قيون الهند لم تضرب كتيفا
تخال جديّة الأبطال فيها
…
غداة الزّحف جاديّا مدوفا
أجدّهم أليس لهم نصيح
…
من الأقوام كان بنا عريفا
يخبّرهم بأنّا قد جمعنا
…
عتاق الخيل والنّحت الطّروفا
وأنّا قد أتيناهم بزحف
…
يحيط بسور حصنهم صفوفا
رئيسهم النّبيّ وكان صلبا
…
نقيّ القلب مصطبرا عزوفا
رشيد الأمر ذا حكم وعلم
…
وحلم لم يكن نزقا خفيفا
نطيع نبيّنا ونطيع ربّا
…
هو الرّحمن كان بنا رءوفا
فإن تلقوا إلينا السّلم نقبل
…
ونجعلكم لنا عضدا وريفا
وإن تأبوا نجاهدكم ونصبر
…
ولا يك أمرنا رعشا ضعيفا
نجالد ما بقينا أو تنيبوا
…
إلى الإسلام إذعانا مضيفا
نجاهد لا نبالي من لقينا
…
أأهلكنا التّلاد أم الطّريفا
وكم من معشر ألبوا علينا
…
صميم الجذم منهم والحليفا
أتونا لا يرون لهم كفاء
…
فجذّعنا المسامع والأنوفا
بكلّ مهنّد لين صقيل
…
نسوقهم بها سوقا عنيفا
لأمر الله والإسلام حتّى
…
يقوم الدّين معتدلا حنيفا
ونفني اللّات والعزّى وودّا
…
ونسلبها القلائد والشّنوفا
فأمسوا قد أقرّوا واطمأنّوا
…
ومن لا يمتنع يقبل خسوفا
تنبيهات
الأول: الطائف بلد كثير الأعناب والنخيل على ثلاث مراحل من مكة من جهة المشرق، قال في القاموس: سمي بذلك لأنه طاف بها في الطوفان، أو لأن جبريل- صلى الله عليه وسلم طاف بها على البيت، أو لأنها كانت بالشام فنقلها الله تعالى إلى الحجاز بدعوة إبراهيم- صلى الله عليه وسلم أو لأن رجلا من الصدف أصاب دما بحضر موت ففرّ إلى وج، وحالف مسعود
بن معتّب، وكان معه مال عظيم، فقال: هل لكم أن أبني لكم طرفا عليكم يكون لكم ردءا من العرب؟ فقالوا: نعم. فبناه بماله وهو الحائط المطيف به.
الثاني: اقتضت حكمة الله تعالى- تأخير فتح الطائف في ذلك العام لئلّا يستأصلوا أهله قتلا، لأنه تقدم في باب سفره إلى الطائف أنه- صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى الطائف دعاهم إلى الله- تعالى- وأن يؤوه حتى يبلّغ رسالة ربه تبارك وتعالى، وذلك بعد موت عمه أبي طالب فردّوا عليه ردّا عنيفا، وكذّبوه ورموه بالحجارة حتّى أدموا رجليه، فرجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم مهموما فلم يستفق من همومه إلا عند قرن الثعالب [ (1) ] فإذا هو بغمامة وإذ فيها جبريل- صلى الله عليه وسلم ومعه ملك الجبال- صلى الله عليه وسلم فناداه ملك الجبال،
فقال: يا محمد أن الله- تعالى- يقرئك السّلام، وقد سمع قولة قومك وما ردّوا عليك فإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فعلت» ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم «بل أستأني بهم لعلّ الله عز وجل أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله- تعالى- وحده لا يشرك به شيئاً»
فناسب قوله: بل أستأني بهم أن لا يفتح حصنهم لئلا يقتلوا عن آخرهم، وإن يؤخّر الفتح ليقدموا بعد ذلك مسلمين في رمضان من العام القابل كما سيأتي في الوفود.
الثالث: لما منع الله سبحانه وتعالى الجيش غنائم مكة فلم يغنموا منها ذهبا ولا فضة ولا متاعا ولا سبيا ولا أرضا، وكانوا قد فتحوها بأنجاب الخيل والرّكاب، وهم عشرة آلاف وفيهم حاجة إلى ما يحتاجه الجيش من أسباب القوة، حرّك الله- سبحانه وتعالى قلوب المشركين في هوازن لحربهم، وقذف في قلب كبيرهم مالك بن عوف إخراج أموالهم ونعمهم وشابّهم وشيبهم معهم نزلا وكرامة وضيافة لحرب الله- تعالى- وجنده، وتمّم تقديره تعالى بأن أطمعهم في الظّفر، وألاح لهم مبادئ النصر ليقضي الله أمرا كان مفعولا. ولو لم يكن يقذف الله- تعالى- في قلب رئيسهم مالك بن عوف أن سوقهم معهم هو الصواب لكان الرأي ما أشار به دريد، فخالفه فكان ذلك سببا لتصييرهم غنيمة للمسلمين، فلما أنزل الله تعالى نصره على رسوله وأوليائه وردّت الغنائم لأهلها وجرت فيها سهام الله- تعالى- ورسوله، قيل لا حاجة لنا في دمائكم ولا في نسائكم وذراريكم، فأوحى الله- تعالى- إلى قلوبهم التوبة فجاءوا مسلمين. فقيل من شكران إسلامكم وإتيانكم أن تردّ عليكم نساؤكم وأبناؤكم وسبيكم وإِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنفال 70] .
الرابع: اقتضت حكمة الله- تعالى- أن غنائم الكفار لما حصلت قسّمت على من لم يتمكن الإيمان من قلبه من الطبع البشري من محبة المال، فقسّمه فيهم لتطمئن قلوبهم،
[ (1) ] وقرن المنازل، وهو قرن الثعالب: ميقات أهل نجد تلقاء مكة، على يوم وليلة. مراصد الإطلاع 3/ 1082.
وتجتمع على محبته، لأنها جبلت على حبّ من أحسن إليها، ومنع أهل الجهاد من كبار المجاهدين ورؤساء الأنصار مع ظهور استحقاقهم لجميعها، لأنه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصورا عليهم بخلاف قسمه على المؤلفة لأن فيه استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم، فلما كان ذلك العطاء سببا لدخولهم في الإسلام ولتقوية قلب من دخل إليه قبل، تبعهم من دونهم في الدخول، فكان ذلك مصلحة عظيمة.
الخامس: ما وقع في قصة الأنصار، اعتذر رؤساؤهم بأن ذلك من بعض أتباعهم وأحداثهم، ولمّا شرح لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم ما خفي عليهم من الحكمة فيما صنعوا رجعوا مذعنين، وعلموا أن الغنيمة العظيمة: ما حصل لهم من عود رسول الله- صلى الله عليه وسلم إلى بلادهم.
فسلوا عن الشاة والبعير والسبايا بما حازوه من الفوز العظيم ومجاوره النبي الكريم حيّا وميّتا، وهذا دأب الحكيم يعطي كلّ أحد ما يناسبه.
السادس: رتّب رسول الله- صلى الله عليه وسلم ما من الله- تعالى- به على الأنصار على يديه من النّعم ترتيبا بالغا، فبدأ بنعمة الإيمان الّتي لا يوازنها شيء من أمور الدّنيا، وثنّى بنعمة الإيمان وهي أعظم من نعمة المال، لأن الأموال قد تبذل في تحصيلها وقد لا تحصل، فقد كانت الأنصار في غاية التّنافر والتقاطع لما وقع بينهم من حرب بعاث وغيرها، فزال ذلك بالإسلام كما قال تعالى: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال 63] .
السابع:
قوله- صلى الله عليه وسلم «لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار» .
قال الخطابي: أراد بهذا الكلام: تأليف الأنصار واستطابة نفوسهم والثناء عليهم في دينهم، حتى رضي أن يكون واحدا منهم لولا ما منعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها ونسبة الإنسان تقع على وجوه: الولادة والاعتقادية والبلادية والصناعية، ولا شك أنه لم يرد الانتقال عن نسب آبائه لأنه ممتنع قطعا، وأما الاعتقادي فلا معنى للانتقال عنه فلم يبق إلا القسمان الأخيران، كانت المدينة دار الأنصار والهجرة إليها أمرا واجبا، أي لولا أن النسبة الهجرية لا يسعني تركها لانتسبت إلى داركم.
وقال القرطبي: معناه لتسميت باسمكم وانتسبت إليكم لما كانوا يتناسبون بالحلف، لكن خصوصية الهجرة وترتيبها سبقت فمنعت ما سوى ذلك، وهي أعلى وأشرف فلا تبدل بغيرها.
الثامن:
قوله- صلى الله عليه وسلم «لسلكت وادي الأنصار» أو «شعب الأنصار»
أراد رسول الله- صلى الله عليه وسلم بهذا أو ما بعده التنبيه على جزيل ما حصل للأنصار من ثواب النّصرة والقناعة بالله
ورسوله عن الدنيا، ومن هذا وصفه فحقّه أن يسلك طريقه ويتّبع حاله. قال الخطابي: لما كانت العادات أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه- وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشّعاب- فإذا تفرقت في السفر الطرق سلك كلّ قوم منهم واديا وشعبا، فأراد أنه مع الأنصار قال: ويحتمل أن يريد بالوادي المذهب، كما يقال فلان في واد وأنا في واد.
التاسع: في شرح غريب ما سبق:
الفلّ- بفتح الفاء وتشديد اللّام: القوم المنهزمون.
رمّوا- بتشديد الميم المضمومة.
عقيل- بضم العين.
السرح- بفتح السين المهملة، وسكون الراء: المال السائم.
خيابر- لغة في خيبر، وتقدم ذلك في غزوتها.
فدك- بفتح الفاء والدال المهملة- مكان، قال ابن سعد: على ستة أميال من المدينة.
أرضنا هوازن: دخل أرضهم قهرا.
لم يعرّج عليه: لم يمل.
عرش- بضم العين والراء والشين المعجمة: جمع عريش.. بيوت مكة سميت بذلك لأنها كانت عيدانا تنصب ويظلّل عليها.
عارض- بالعين المهملة والضاد المعجمة بينهما راء مكسورة.
هرقت- بهاء مهملة فراء فقاف مفتوحات.
الهدر: الباطل الذي لا يؤخذ بثأره.
يظعن- بالظاء المعجمة المشالة: يرحل.
نخلة- بلفظ واحدة النخل بالخاء المعجمة: موضع على ليلة من مكة.
قرن- بفتح القاف وسكون الرّاء، وغلّطوا من فتحها، وهو قرن الثّعالب والمنازل يبعد عن مكة نحو مرحلتين.
المليح- بالحاء المهملة والتصغير واد بالطائف.
بحرة- بفتح الموحدة وسكون الحاء المهملة. وبالراء.
الرّعاء- براء مكسورة، فعين مهملة، فألف ممدودة: جمع راع.
ليّة: تقدم.
أقاد من القاتل: قتله بمقتوله.