الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمين، وعند الإمام أحمد «قوموا إلى سيدكم» فأنزلوه، وكان رجال من بني عبد الأشهل يقولون: قمنا له على أرجلنا صفّين، يحيّيه كلّ رجل منّا حتى انتهى إلي رسول الله- صلى الله عليه وسلم. [ (1) ]
وفي حديث جابر- رضي الله عنه: عند ابن عائذ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: - احكم فيهم يا سعد، فقال: الله ورسوله أحق بالحكم. قال: «قد أمرك الله أن تحكم فيهم» .
وقالت الأوس الذين بقوا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم: يا أبا عمرو: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قد ولاك الحكم في أمر مواليك فأحسن فيهم، واذكر بلاءهم عندك، فقال سعد: أترضون حكمي لبني قريظة؟ قالوا:
نعم، قد رضينا بحكمك، وأنت غائب عنا، اختيارا منا لك، ورجاء أن تمنّ علينا كما فعل غيرك بحلفائه بني قينقاع، وأثرنا عندك أثرنا، وأحوج ما كنا اليوم إلى مجازاتك. فقال سعد: ما آلوكم جهدا، فقالوا: ما يعني بقوله هذا؟ ثم قال سعد: عليكم عهد الله وميثاقه، أنّ الحكم فيهم ما حكمت؟ قالوا: نعم،
ثم قال سعد للنّاحية الّتي فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلم وهو معرض عنها إجلالا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم وعلى من هاهنا مثل ذلك؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم ومن معه:
«نعم»
قال سعد: فإنّي أحكم فيهم أن يقتل كلّ من جرت عليه الموسى، وتسبى النّساء والذّرّية، وتقسّم الأموال وتكون الدّيار للمهاجرين دون الأنصار. فقالت الأنصار. إخواننا كنّا معهم، فقال: أحببت أن يستغنوا عنكم»
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت فيهم بحكم الله الّذي حكم به من فوق سبع سموات
[ (2) ] .
وذكر ابن إسحاق في غير رواية البكّائي: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال في حكم سعد: «بذلك طرقني الملك سحرا» ،
وكان سعد بن معاذ في الليلة التي في صبيحتها نزلت بنو قريظة على حكم
رسول الله- صلى الله عليه وسلم قد دعا فقال: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فإنّه لا قوم أحب إلي أن أقاتلهم من قوم كذبوا رسولك آذوه وأخرجوه، وإن كانت الحرب قد وضعت أوزارها عنّا وعنهم فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة، فأقرّ الله تعالى عينه منهم
[ (3) ] .
ذكر قتلهم وأخذ أموالهم وسبي ذراريهم
فلما حكم سعد، بما حكم، وانصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم يوم الخميس لتسع ليال كما
[ (1) ] انظر التخريج السابقة وانظر أحمد 3/ 22 وابن أبي شيبة 14/ 425 والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 18 ومسلم في الجهاد باب 22 رقم (64) وأبو داود (5215) والترمذي 856 والطبراني في الكبير 6/ 6 وانظر المجمع 6/ 138 وابن أبي شيبة 14/ 425 وابن سعد 3/ 2/ 4.
[ (2) ] وأخرجه ابن سعد 3/ 2/ 4، 5 وأبو نعيم في تاريخ أصفهان 1/ 97 ومن حديث أبي سعيد البخاري 6/ 165 (3043) ومسلم 3/ 1388 (64/ 1769) والبخاري (7/ 123) .
[ (3) ] ذكره السيوطي في الدر المنثور 3/ 178، والقرطبي في التفسير 7/ 395.
ذكر محمد بن عمر وابن سعد، وجزم به الدّمياطي، وقيل لخمس- كما جزم به في الإشارة- خلون من ذي الحجة، وأمر بهم فأدخلوا المدينة، وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم بالسّبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد، والنّساء والذّرّية إلى دار رملة بنت الحارث، ويقال حبسوا جميعا في دار رملة، وأمر لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم بأحمال تمر فنثرت لهم، فباتوا يكدمونها كدم الحمر، وأمر بالسّلاح والأثاث والمتاع والثياب فحمل إلى دار ابنة الحارث وبالإبل والغنم ترعى هناك في الشّجر، فلما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلم غدا إلى السّوق، فأمر بأخدود فخدّت في السّوق ما بين موضع دار أبي الجهم العدوي إلى أحجار الزّيت، فكان أصحابه هناك يحفرون، وجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم ومعه علية أصحابه ودعا برجال بني قريظة، فكانوا يخرجون أرسالا، تضرب أعناقهم في تلك الخنادق، فقالوا لكعب بن أسد- وهم يذهب بهم إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم أرسالا: يا كعب، ما ترى محمدا يصنع بنا؟ قال: ما يسوءكم، ويلكم! على كل حال لا تعقلون!! ألا ترون الدّاعي لا ينزع، وأنّه من ذهب منكم لا يرجع؟ هو والله السّيف، قد دعوتكم إلى غير هذا فأبيتم عليّ قالوا: ليس هذا بحين عتاب، لولا أنّا كرهنا أن نزرى برأيك ما دخلنا في نقض العهد الّذي كان بيننا وبين محمّد، قال حيّ بن أخطب: اتركوا ما ترون من التّلاوم، فإنه لا يردّ عنكم شيئا، واصبروا للسيف، وكان الذين يلون قتلهم علي ابن أبي طالب والزبير بن العوام وجاء سعد بن عبادة والحباب بن المنذر، فقالا: يا رسول الله، إن الأوس قد كرهت قتل بني قريظة لمكان حلفهم، فقال سعد بن معاذ: ما كرهه من الأوس أحد فيه خير، فمن كرهه فلا أرضاه الله. فقام أسيد بن الحضير- رضي الله عنه فقال: يا رسول الله: لا تبقين دارا من دور الأوس إلّا فرّقتهم فيها، فمن سخط فلا يرغم الله إلّا أنفه، فابعث إلى داري أوّل دورهم، ففرّقهم في دور الأوس فقتلوهم، ثمّ أتي بحييّ بن أخطب [ (1) ] مجموعة يداه إلى عنقه، عليه حلّة شقحيّة.
وقال ابن إسحاق: فقاحيّة قد لبسها للقتل، ثمّ عمد إليها فشّقها أنملة أنملة لئلّا يسلبه أيّاها أحد. فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم حين طلع: «ألم يمكّن الله منك يا عدو الله: قال بلى والله، أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولقد التمست العزّ في مكانه فأبى الله إلا أن يمكنك. ولقد قلقلت كل مقلقل، ولكنه من يخذل الله يخذل. ثم أقبل علي الناس فقال: أيها الناس، لا بأس بأمر الله، قدر وكتاب وملحمة كتبت على بني إسرائيل! ثمّ جلس فضربت عنقه، وأتي بنبّاش بن قيس وقد جابذ الذي جاء به حتى قاتله فدقّ الذي جاء به أنفه فأرعفه.
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم للذي جاء به «لم صنعت هذا به. أما كان في السّيف كفاية؟» فقال: يا
[ (1) ] حيي بن اخطب النضري: جاهلي. من الأشداء العتاة. كان ينعت بسيد الحاضر والبادي. أدرك الإسلام وآذى المسلمين. فأسروه يوم قريظة. ثم قتلوه. توفي سنة 5 هـ، الأعلام 2/ 292.
رسول الله، جابذني لأن يهرب، فقال نبّاش: كذب والتّوراة يا أبا القاسم، لو خلّاني ما تأخرت عن موطن قتل فيه قومي حتّى أكون كأحدهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:«أحسنوا إسارهم وقيّلوهم واسقوهم، حتّى يبردوا، فتقتلوا من بقي، لا تجمعوا عليهم حرّ الشّمس وحرّ السّلاح» وكان يوما صائفا، فقيّلوهم وسقوهم، فلما أبردوا راح رسول الله- صلى الله عليه وسلم فقتل من بقي، وأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم بكعب بن أسد، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:«كعب» ؟ قال: نعم يا أبا القاسم قال: ما انتفعتم بنصح ابن جوّاس لكم، وكان مصدّقا بي، أما أمركم باتّباعي، وإن رأيتموني أن تقروني منه السلام» ؟ قال: بلى والتّوراة يا أبا القاسم، ولولا أن تعيّرني يهود بالجزع من السّيف لاتّبعتك ولكني على دين يهود، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم «قدّمّه فاضرب عنقه» فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم بقتل كلّ من أنبت منهم.
وروى ابن إسحاق، والإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي في صحيحه، والنسائي عن عطية القرظيّ قال: كنت غلاما فوجدوني لم أنبت، فخلّوا سبيلي [ (1) ] .
وروى الطبراني عن أسلم الأنصاري قال: جعلني رسول الله- صلى الله عليه وسلم على أسارى قريظة، فكنت أنظر إلى فرج الغلام فإن رأيته أنبت ضربت عنقه، وأن لم أره جعلته في مغانم المسلمين [ (2) ] .
وكان رفاعة بن شموال القرظيّ رجلا قد بلغ، فلاذ بسلمى بنت قيس أم المنذر، أخت سليط بن قيس، وكانت إحدى خالات النبي- صلى الله عليه وسلم قد صلّت القبلتين مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم وبايعته مع بيعة النّساء، فقالت: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، هب لي رفاعة، فإنّه زعم أنه سيصليّ، ويأكل لحم الجمل، فوهبه لها فاستحيته فأسلم بعد.
ولم يزل ذلك الدأب حتّى فرغ منهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم فقتّلوا إلى أن غاب الشّفق، ثمّ ردّ عليهم التّراب في الخندق، كلّ ذلك بعين سعد بن معاذ فاستجاب الله دعوته وأقرّ عينه- رضي الله عنه ولم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة من بني النضير يقال لها نباتة تحت رجل من بني قريظة يقال له الحكم، وكان يحبّها وتحبّه، فلمّا اشتدّ عليهم الحصار بكت إليه وقالت إنّك لمفارقي، فقال: هو والتّوراة، ما ترين فأنت امرأة، فدلّي عليهم هذه الرّحى، فإنّا لم نقتل منهم أحدا بعد، وأنت امرأة، وإن يظهر محمد علينا فإنّه لا يقتل النّساء، وإنّما كره أن تسبى، فأحبّ
[ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 383 والدارمي 2/ 223 وأبو داود 4/ 561 (4404) والترمذي 4/ 145 (1584) وقال حسن صحيح والنسائي 6/ 155 وابن ماجة 2/ 849 (2541) .
[ (2) ] الطبراني في الصغير والأوسط قال الهيثمي 6/ 144 فيه جماعة لم أعرفهم.