الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال محمد بن عمر وابن سعد: ليلة الأربعاء، قال سلمة: فقلت: يا رباح اقعد على هذا الفرس، فالحق بطلحة، وأخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم أن قد أغير على سرحه، وقمت على تلّ بناحية سلع، فجعلت وجهي من قبل المدينة، ثم ناديت ثلاث مرات يا صباحاه أسمع ما بين لابتيها ثم انبعث القوم ومعي سيفي ونبلي، فجعلت أردّهم، وفي لفظ: أرميهم، وأعقر بهم، وذلك حين يكثر الشجر، فإذا رجع إليّ فارس جلست له في أصل شجرة، ثم رميت، فلا يقبل عليّ فارس إلا عقرت به، فجعلت أرميهم وأنا أقول:
أنا ابن الأكوع
…
واليوم يوم الرّضّع
فألحق رجلا فأرميه وهو على رحله فيقع سهمي في الرحل حتى انتظمت كتفه فقلت:
خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع فإذا كنت بالشجر أحرقتهم بالنّبل، وإذا تضايقت الثّنايا علوت الجبل فرميتهم بالحجارة، فما زال ذلك شأني وشأنهم أتبعهم وأرتجز حتّى ما خلق الله- تعالى- شيئا من ظهر رسول الله- صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري واستنقذته من أيديهم.
قال ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا، وأكثر من ثلاثين بردة يستخفّون منها، ولا يلقون من ذلك شيئاً إلا جعلت عليه الحجارة، وجمعته على طريق رسول الله- صلى الله عليه وسلم حتى إذا اشتد الضحى أتاهم عيينة بن بدر الفزاري ممدا لهم. وهم في ثنيّة ضيقه، ثم علوت الجبل، فأنا فوقهم. فقال عيينة: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح [ (1) ] ما فارقنا بسحر حتى الآن، وأخذ كل شيء في أيدينا وجعله وراء ظهره، فقال عيينة: لولا أن هذا يرى أن وراءه طلبا لقد ترككم، وقال: ليقم إليه نفر منكم، فقام إليّ أربعة منهم فصعدوا في الجبل، فلما أسمعتهم الصوت قلت لهم: أتعرفونني؟ فقالوا: ومن أنت، قلت: أنا ابن الأكوع، والذي أكرم وجه محمد- صلى الله عليه وسلم لا يطلبني رجل منكم فيدركني، ولا أطلبه فيفوتني. فقال رجل منهم:
إني أظن فرجعوا.
ذكر حث رسول الله- صلى الله عليه وسلم في طلب العدو وتقديمه جماعة أمامه
قال ابن إسحاق: وبلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم صياح ابن الأكوع يصرخ بالمدينة «الفزع الفزع» . فترامت الخيول إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم فكان أول من انتهى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم من الفرسان المقداد بن عمرو، وهو الذي يقال له ابن الأسود حليف بني زهرة، زاد محمد بن عمر- نقلا عن عمارة بن غزية، وابن سعد- فنودي «يا خيل الله اركبي» ، وكان أول ما نودي
[ (1) ] البرح: الشّدة والأذى، انظر المعجم الوسيط 1/ 47.
بها- كذا قال، وزاد ابن عائذ عن قتادة: أن أول ما نودي «يا خيل الله اركبي» في غزوة بني قريظة، وهي قبل هذه عندهم.
قال محمد بن عمر: وكان المقداد يقول: لما كانت ليلة السّرح جعلت فرسي سبحة لا تقرّ ضربا ضربا بيدها، وصهيلا، فأقول: والله إنّ لها لشأنا، فأنظر إلى آريّها [ (1) ] فإذا هو مملوء علفا، فأقول: عطشى فأعرض عليها الماء فما تريده. فلما طلع الفجر أسرجتها ولبست سلاحي، ثم خرجت حتّى أصلّي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم الصبح، فلم أر شيئاً، ودخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم بيته، ورجعت إلى بيتي، والفرس لا تقرّ، فوضعت سرجها والسّلاح واضطجعت، فأتاني آت فقال: إن الخيل قد صيح بها، فخرجت.
قال ابن إسحاق: ثم كان أول فارس وقف على رسول الله- صلى الله عليه وسلم بعد المقداد من الأنصار عبّاد بتشديد الموحدة ابن بشر- بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة، وسعد بسكون العين- بن زيد، وأسيد- بضم أوله وفتح ثانيه- ابن ظهير- وهن- تصغير ظهر- بظاء معجمة مشالة، ومحرز [ (2) ] بضم الميم وسكون الحاء المهملة فراء مكسورة فزاي ابن نضلة بالنون وسكون الضاد المعجمة، وربيعة بن أكثم بالثاء المثلثة، وعكاشة بتشديد الكاف وتخفيفها ابن محصن بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وأبو عيّاش بالتحتية والشين المعجمة الزّرقي، وأبو قتادة فلما اجتمعوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم أمّر عليهم سعد بن زيد، ثم قال:«اخرج في طلب القوم حتّى «ألحقك بالناس» .
وقال محمد بن عمر، وابن سعد: عقد رسول الله- صلى الله عليه وسلم للمقداد لواء في رمحه، وقال:«أمض حتّى تلحقك الخيول، وأنا على أثرك»
قالا: والثّبت عندنا إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم أمّر على هذه السّرية سعد ابن زيد الأشهليّ، ولكن الناس نسبوها للمقداد، لقول حسّان.. غداة فوارس المقداد. فعاتبه سعد بن زيد فقال: اضطرني الوزن إلى المقداد.
قال ابن إسحاق: وقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم فيما بلغني عن رجل من بني زريق- لأبي عيّاش: «يا أبا عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلا هو أفرس منك فلحق بالقوم» [ (3) ] ، قال أبو عياش فقلت يا رسول الله أنا أفرس النّاس، وضربت الفرس، فو الله ما جرى بي خمسين ذراعا حتى طرحني، فعجبت إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم يقول:«لو أعطيته أفرس منك» وأنا أقول: أنا أفرس
[ (1) ] آريها: الآرى الحبل الذي تشد به الدّابة إلى محبسها، انظر الصحاح 6/ 2267.
[ (2) ] محرز بن نضلة بن عبد الله بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الاسدي أبو نضلة ويعرف بالأخرم..
ذكره موسى بن عقبة وابن اسحق وغيرهما فيمن شهد بدرا. انظر الإصابة 6/ 48.
[ (3) ] أخرجه الطبراني في الكبير 7/ 32 وانظر المجمع 6/ 143.
الناس،
فزعم رجال من بني زريق إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم لما أعطى فرس أبي عيّاش معاذ بن ماعص وكان ثامنا، أو عائذ- بالتحتية والمعجمة ابن ماعص بعين مكسورة فصاد مهملتين.
وذكر الطبري أن معاذ بن ماعص وأخاه قتلا يوم بئر معونة شهيدين كما سيأتي في السرايا، وبعض النّاس يعد سلمة بن الأكوع أحد الثمانية ويسقط أسيد بن ظهير- والله أعلم أي ذلك كان، فخرج الفرسان حتّى تلاحقوا، وكان أول من لحق بالقوم محرز بن نضلة، وكان يقال له الأخرم بخاء معجمة ساكنة وراء، ويقال له قمير- بضم القاف وفتح الميم.
وإنّ الفزع لمّا كان جال فرس لمحمود بن مسلمة في الحائط حين سمع صاهلة الخيل وكان فرسا صنيعا جامحا، فقال نساء من نساء بني عبد الأشهل- حين رأين الفرس يجول في الحائط بجذع نخل هو مربوط به: يا قمير هل لك في أن تركب هذا الفرس؟ فإنه كما ترى، ثم تلحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين؟ قال: نعم، فأعطيته إيّاه، فخرج عليه، فلم يلبث أن بذّ الخيل بجماحة حتى أدرك القوم، فوقف بين أيديهم، ثم قال: قفوا يا معشر بني اللّكيعة حتّى يلحق بكم من وراءكم من أدباركم من المهاجرين والأنصار، فحمل عليه رجل منهم فقتله، وجال الفرس فلم يقدر عليه حتى وقف على آريّة في بني عبد الأشهل.
قال سلمة بن الأكوع: فما برحت من مكاني حتّى رأيت فوارس رسول الله- صلى الله عليه وسلم يتخلّلون الشّجر، فإذا أوّلهم الأخرم الأسدي، وعلى أثره أبو قتادة، وعلى أثره المقداد بن الأسود الكندي، فولى المشركون مدبرين، قال سلمة: فنزلت من الجبل، وأخذت بعنان فرس الأخرم، وقلت: يا أخرم احذرهم لا يقتطعوك حتّى يلحق رسول الله- صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال: يا سلمة، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أنّ الجنّة حقّ والنّار حق، فلا تحل بيني وبين الشّهادة. فخلّيته، فالتقى هو وعبد الرحمن بن عيينة فعثر بعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله. وتحوّل على فرسه، ولحق أبو قتادة فارس رسول الله- صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن فاختلفا طعنتين، فعقر بأبي قتادة، وقتله أبو قتادة، وتحول أبو قتادة إلى الفرس.
وروى محمد بن عمر عن صالح بن كيسان، قال محرز بن نضلة قبل أن يلقى العدوّ بيوم: رأيت السّماء فرجت لي حتى دخلت في السماء الدنيا، حتى انتهيت إلى السماء السابعة، ثم انتهيت إلى سدرة المنتهى، فقيل لي: هذا منزلك، فعرضتها على أبي بكر الصّديق- وكان من أعبر النّاس- فقال: أبشر بالشهادة. فقتل بعد ذلك بيوم.
قال سلمة: ثم خرجت أعدو في أثر القوم فو الذي أكرم وجهه حتى ما أرى من ورائي من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم ولا غبارهم شيئا، ويعرضون قبل غيبوبة الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له ذو قرد، فأرادوا أن يشربوا منه فأبصروني أعدو وراءهم فعطفوا عنه، وأسندوا في
الثنية «ثنيّة ذي بئر» وغربت الشّمس، وألحق رجلا فأرميه وقلت:
خذها وأنا ابن الأكوع
…
واليوم يوم الرّضّع
قال: فقال يا ثكل أم الأكوع بكرة فقلت: نعم أي عدو نفسه.
وكان الذي رميته بكرة، فأتبعته بسهم آخر فعلق به سهمان، وخلّفوا فرسين، فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: ولمّا تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة حبيب بن عيينة بن حصن وغشاه ببرده، ثم لحق بالناس، وقال محمد بن عمر، وابن سعد: وقتل المقداد بن عمرو حبيب بن عيينة بن حصن. وقرفة بن مالك بن حذيفة بن بدر، فالله أعلم. وأدرك عكّاشة بن حصن أوبارا، وابنه عمرو بن أوبار وهما على بعير واحد فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعا، واستنقذوا بعض اللقّاح.
وروى البيهقي عن عبد الله بن أبي قتادة: أن أبا قتادة اشترى فرسه من دوابّ دخلت المدينة. فلقيه مسعدة الفزاري فقال: يا أبا قتادة، ما هذا الفرس؟ فقال أبو قتادة: فرس أردت أن أربطها مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم فقال ما أهون قتلكم وأشد حربكم، قال أبو قتادة: أما إني أسال الله- تعالى- أن يلقينيك وأنا عليها فقال أمين وكان أبو قتادة ذات يوم يعلف فرسه تمرا في طرف بردته إذ رفعت رأسها وأصرت أذنيها؟ فقال: أحلف بالله لقد أحسّت بريح خيل: فقالت له أمه: والله يا بني ما كنا نرام في الجاهلية، فكيف حين جاء الله بمحمد- صلى الله عليه وسلم ثم رفعت الفرس أيضا رأسها، وأصرت أذنيها، فقال: أحلف بالله لقد أحست بريح خيل. فوضع سرجها فأسرجها، وأخذ بسلاحه، ثم نهض حتى أتى مكانا يقال له الزّوراء فلقيه رجل من أصحابه، فقال له: يا أبا قتادة، تشوّط دابتك، وقد أخذت اللقاح. وقد ذهب النبيّ في طلبها وأصحابه؟! فقال: أين؟ فأشار إليه نحو الثنيّة. فإذا بالنبي- صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه جلوس عند ذباب، فقمع دابّته، ثم خلّاها،
فمرّ بالنبي- صلى الله عليه وسلم فقال له: «امض يا أبا قتادة صحبك الله»
قال أبو قتادة: فخرجت فإذا بإنسان يحاكيني فلم ننشب أن هجمنا على العسكر، فقال لي: يا أبا قتادة ما تقول؟ أمّا القوم فلا طاقة لنا بهم، فقال له أبو قتادة: تقول: إني واقف حتّى يأتي رسول الله- صلى الله عليه وسلم أريد أن تشدّ في ناحية وأشدّ في ناحية، فوثب أبو قتادة فشقّ القوم. فرموه بسهم، فوقع في جبهته، قال أبو قتادة: فنزعت قدحي، وأظنّ أني قد نزعت الحديدة. ومضيت على وجهي فلم أنشب أن طلع عليّ فارس على فرس فاره وعليه مغفر له فأثبتني ولم أثبته. قال: لقد ألقانيك الله يا أبا قتادة وكشف عن وجهه وأداة كليلة. على وجهه فإذا هو مسعدة الفزاريّ، فقال: أيّما أحبّ إليك مجالدة أو مطاعنة أو مصارعة؟ قال: فقلت: ذاك