الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في ظلمة لا أبصر سهلا ولا جبلا، وأرى تلك الظّلمة انفرجت عليّ بضوء كأنّه الشّمس، وإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم يدعوني، ثمّ رأيت في اللّيلة الثّانية، كأنّي على طريق يدعوني، وإذا هبل عن يميني يدعوني، وإذا إساف عن شمالي يدعوني،
وإذا برسول الله- صلى الله عليه وسلم بين يديّ يقول: «هلمّي إلى الطّريق، ثمّ رأيت اللّيلة الثّالثة كأنّي واقفة على شفير جهنم، يريدون أن يدفعوني فيها،
وإذا بهبل يقول أدخلوها فالتفتّ فأنظر رسول الله- صلى الله عليه وسلم من ورائي آخذ بثيابي، فتباعدت من شفير النّار فلا أرى النّار، ففزعت فقلت: ما هذا، وقد تبيّن لي، فغدوت من ساعتي إلى صنم في بيت كنّا نجعل عليه منديلا، فأخذت قدوما فجعلت أفلذه وأقول: طالما كنّا منك في غرور، وأسلمت.
وروى أيضا عن عبد الله بن الزبير- رضي الله عنهما أنّ هندا أتت رسول الله- صلى الله عليه وسلم وهو بالأبطح، فأسلمت، وقالت: الحمد لله الذي أظهر الدّين الّذي اختاره لنفسه لتمسني رحمتك يا محمد، إني امرأة مؤمنة بالله، مصدّقة به ثم كشفت عن نقابها، فقالت: أنا هند بنت عتبة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:«مرحبا بك»
فقالت يا رسول الله: والله ما كان على وجهه الأرض من أهل خباء أحب إلي من أن يذلّوا من خبائك، ولقد أصبحت وما على الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزّوا من خبائك.
وروى أيضا عن أبي حصين الهذليّ قال: لمّا أسلمت هند بنت عتبة، أرسلت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم بهديّة- وهو بالأبطح- مع مولاة لها بجديين مرضوفين وقد، فانتهت الجارية إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم فقالت: إن مولاتي أرسلت إليك هذه الهديّة، وهي تعتذر إليك وتقول: إنّ غنمنا اليوم قليلة الوالدة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:«بارك الله لكم في غنمكم وأكثر والدتها» وكانت المولاة تقول: لقد رأينا من كثرة غنمنا ووالدتها ما لم نكن نرى قبل ولا قريبا، فتقول هند: هذا بدعاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم ثمّ تقول: لقد كنت أرى في النّوم أنّي في الشّمس أبدا قائمة والظلّ منّي قريب لا أقدر عليه، فلمّا دنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم رأيت كأنّي دخلت الظّلّ.
ذكر سبب خطبته- صلى الله عليه وسلم ثاني يوم الفتح وتعظيمه حرمة مكة
روى ابن أبي شيبة عن الزهري، ومحمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: خرج غزيّ من هذيل في الجاهليّة وفيهم جنيدب بن الأدلع الهذلي يريدون حيّ أحمر بأسا من أسلم- وكان أحمر بأسا رجلا من أسلم شجاعا لا يرام، وكان لا ينام في حيّه إلّا ينام خارجا من حاضره، وكان إذا نام غطّ غطيطا منكرا لا يخفى مكانه، وكان الحاضر إذا أتاهم فزع صرخوا: يا أحمر بأسا. فيثور مثل الأسد، فلمّا جاءهم ذلك الغزيّ من هذيل قال لهم جنيدب بن الأدلع: إن كان
أحمر بأسا قد قيّل في الحاضر فليس إليهم سبيل، وإنّ له غطيطا لا يخفى، فدعوني اتسمّع فتسمع الحسّ فسمعه، فأتاه حتّى وجده نائما فقتله، وضع السّيف على صدره، ثم اتكأ عليه فقتله ثم حملوا على الحيّ فصاح الحيّ يا أحمر بأسا، فلا شيء لأحمر بأسا، قد قتل- فنالوا من الحيّ حاجتهم، ثم انصرفوا وتشاغل النّاس بالإسلام، فلما كان بعد الفتح بيوم دخل جنيدب بن الأدلع الهذلي مكّة يرتاد وينظر والناس آمنون، فرآه جندب بن الأعجم الأسلميّ فقال: جنيدب بن الأدلع قاتل أحمر بأسا؟ قال: نعم فمه، فخرج جندب يستجيش عليه حيّه، فكان أول من لقي خراش بن أميّة الكعبي فأخبره. فاشتمل خراش على السّيف ثمّ أقبل إليه- والنّاس حوله، وهو يحدّثهم عن قتل أحمر بأسا فبينما هم مجتمعون عليه إذ أقبل خراش بن أميّة فقال: هكذا عن الرجل. فو الله ما ظنّ النّاس إلّا أنه يفرّج النّاس عنه لينصرفوا، فانفرجوا فحمل عليه خراش بن أميّة بالسّيف فطعنه به في بطنه وابن الأدلع مستند إلى جدار من جدر مكّة، فجعلت حشوته تسيل من بطنه، وإن عينيه لتزنّقان في رأسه، وهو يقول: فعلتموها يا معشر خزاعة؟ فانجعف فوقع فمات.
فسمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: «يا معشر خزاعة» ارفعوا أيديكم عن القتل، فقد كثر القتل، لقد قتلتم قتيلا لأدينّه، إنّ خراشا لقتّال- يعيبه بذلك.
لو كنت قاتلا مؤمنا بكافر لقتلت خراشا
[ (1) ] .
وروى الشيخان والترمذي عن ابن شريح خويلد بن عمرو العدوي، والشيخان عن ابن عباس، وابن منيع بسند صحيح، وابن أبي عمرو. والإمام أحمد، والبيهقي عن ابن عمر، وابن أبي شيبة، والشيخان عن أبي هريرة- رضي الله عنهم وابن أبي شيبة عن الزهري، وابن إسحاق عن بعض أهل العلم، ومحمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: لمّا كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه- وهو مشرك- فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم خطيبا بعد الظهر، وأسند ظهره إلى الكعبة.
وعند ابن أبي شيبة عن أبي هريرة: أنه- صلى الله عليه وسلم ركب راحلته فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «أيها الناس أن الله تعالى حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض ويوم خلق الشّمس والقمر، ووضع هذين الجبلين، ولم يحرمها الناس، فهي حرام إلى يوم القيامة، فلا يحلّ لامرء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دماً ولا يعضد فيها شجرا، لم تحل لأحد كان قبلي، ولم تحل لأحد يكون بعدي، ولم تحلّ لي إلّا هذه السّاعة غضبا على أهلها- ألا قد رجعت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلّغ الشّاهد منكم الغائب، فمن قال لكم إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قد قاتل فيها فقولوا له: إن الله تعالى قد أحلّها لرسول الله- صلى الله عليه وسلم ولم يحلّها لكم،
[ (1) ] أخرجه الطحاوي في المعاني 3/ 327 وانظر الفتح 12/ 206 والبداية 4/ 305.