الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسلمة، فجاء بهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم وأفلت مكرز فخبّر أصحابه وظهر قول النبي- صلى الله عليه وسلم كما تقدم أنه رجل غادر، وكان رجال من المسلمين قد دخلوا مكّة بإذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم وهم: كرز بن جابر الفهري، وعبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس، وعبد الله بن حذافة السّهمي، وأبو الرّوم بن عمير العبدريّ، وعيّاش بن أبي ربيعة، وهشام ابن العاص بن وائل، وأبو حاطب بن عمرو من عبد شمس وعمير بن وهب الجمحيّ وحاطب بن أبي بلتعة، وعبد الله بن أبي أميّة. قد دخلوا مكة في أمان عثمان، وقيل: سرا، فعلم بهم فأخذوا، وبلغ قريشا حبس أصحابهم الذين مسكهم محمد بن مسلمة، فجاء جمع من قريش إلى النبي- صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى تراموا بالنّبل والحجارة، وأسر المسلمون من المشركين- أيضا- اثني عشر فارسا، وقتل من المسلمين ابن زنيم- وقد أطلع الثّنية من الحديبية- فرماه المشركون فقتلوه، وبعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى- وأسلما بعد ذلك، ومكرز بن حفص،
فلمّا جاء سهيل ورآه النبي- صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: سهل أمركم
فقال سهيل: يا محمد إن الذي كان من حبس أصحابك وما كان من قتال من قاتلك لم يكن من رأي ذوي رأينا بل كنّا له كارهين حين بلغنا، ولم نعلم به، وكان من سفهائنا، فابعث إلينا بأصحابنا الذين أسرت أوّل مرّة، والذين أسرت آخر مرّة.
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «إنّي غير مرسلهم حتّى ترسلوا أصحابي» ،
فقالوا: أنصفتنا، فبعث سهيل ومن معه إلى قريش بالشّييم- بشين معجمة مصغّر- بن عبد مناف التّيميّ، فبعثوا بمن كان عندهم: وهم عثمان والعشرة السابق ذكرهم- رضي الله عنهم وأرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم أصحابهم الذين أسرهم، وقبل وصول عثمان ومن معه بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم إن عثمان ومن معه قد قتلوا، فكان ذلك حين دعا إلى البيعة.
ذكر مبايعته- صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان وفضل من بايع
قالوا: لما بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم إن عثمان قد قتل دعا الناس إلى البيعة، وقال:«لا نبرح حتّى نناجز القوم» وأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم منازل بني مازن بن النجار، وقد نزلت في ناحية من الحديبية، فجلس في رحالهم تحت شجرة خضراء ثم قال:«إن الله- تعالى- أمرني بالبيعة»
فأقبل الناس يبايعونه حتى تداكوا فما بقي لبني مازن متاع إلا وطئ، ثم لبسوا السّلاح وهو معهم قليل، وقامت أم عمارة إلى عمود كانت تستظل به فأخذته بيدها وشدّت سكينا في وسطها وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن سلمة بن الأكوع والبيهقي عن عروة، وابن إسحاق عن الزهري، ومحمد بن عمر عن شيوخه، قال سلمة: بينا نحن قائلون إذ نادى منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «أيها النّاس البيعة البيعة، نزل روح القدس فاخرجوا على اسم الله» قال
سلمة: «فسرنا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه [ (1) ] .
وفي صحيح مسلم عنه قال: فبايعته أوّل الناس، ثم بايع وبايع حتى إذا كان في وسط من الناس قال:«بايع يا سلمة» قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أوّل الناس [ (2) ] قال: «وأيضا» قال: ورآني رسول الله- صلى الله عليه وسلم عزلا فأعطاني حجفة- أو درقة- ثم بايع حتى إذا كان في آخر النّاس قال: «ألا تبايعني يا سلمة؟» قال: قلت: يا رسول الله قد بايعتك في أوّل الناس، وفي وسط الناس، قال:«وأيضا» فبايعته الثالثة، ثم قال لي:«يا سلمة أين حجفتك- أو درقتك- التي أعطيتك؟» قال: قلت: يا رسول الله، لقيني عمّي عامر عزلا فأعطيته إياها، قال: فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم وقال: إنك كالذي قال الأول: اللهم ابغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي،
وفي صحيح البخاري عنه قال:
بايعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، قيل: على أي شيء كنتم تبايعون قال: على الموت [ (3) ] . وفي صحيح البخاري عن نافع قال: أن ابن عمر أسلم قبل أبيه، وليس كذلك، ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار يأتي به ليقاتل عليه ورسول الله- صلى الله عليه وسلم يبايع عند الشجرة وعمر لا يدري بذلك، فبايعه عبد الله، ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى عمر وعمر يستلئم للقتال فأخبره أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم يبايع تحت الشجرة، قال: فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله- صلى الله عليه وسلم فهي التي يتحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر [ (4) ] .
وفيه أيضا عن نافع عن ابن عمر إن الناس كانوا مع النبي- صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية تفرّقوا في ظلال الشجر فإذا الناس محدقون بالنبي- صلى الله عليه وسلم فقال عمر: يا عبد الله انظر ما شأن الناس أحدقوا برسول الله- صلى الله عليه وسلم فذهب فوجدهم يبايعونه فبايع، ثم رجع إلى عمر فخرج فبايع [ (5) ] .
وروى الطبراني عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لابن عمر: أشهدت بيعة الرضوان مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قلت: فما كان عليه؟ قال: قميص من قطن، وجبّة محشوة، ورداء وسيف، ورأيت النعمان بن مقرّن- بميم مضمومة فقاف مفتوحة فراء مشددة مكسورة- المازنيّ قائم على رأسه، قد رفع أغصان الشجرة عن رأسه يبايعونه.
وفي صحيح مسلم عن جابر قال: بايعنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بيده تحت شجرة- وهي سمرة- فبايعناه غير الجدّ بن قيس الأنصاري اختفى تحت بطن بعيره. وعند ابن إسحاق
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 136.
[ (2) ] أخرجه مسلم في الجهاد 3/ 1434 (132) وأحمد 4/ 54، والبيهقي في الدلائل 4/ 138.
[ (3) ] أخرجه البخاري (4169) والبيهقي 4/ 138.
[ (4) ] أخرجه البخاري 7/ 521 (4186) .
[ (5) ] البخاري (4187) واحمد في المسند 5/ 324.
عن جابر بن عبد الله: فكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته قد خبأ إليها يستتر بها من الناس بايعناه على ألا نفرّ، ولم نبايعه على الموت [ (1) ] .
وفيه- أيضا- عنه: لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي- صلى الله عليه وسلم يبايع الناس وأنا رافع غصن من أغصانها عن رأسه ولم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على ألا نفرّ.
وروى الطبراني عن ابن عمر، والبيهقي عن الشعبي، وابن منده عن زر بن حبيش قالوا: لمّا دعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة كان أول من انتهى إليه أبو سنان الأسدي، فقال:
ابسط يدك أبايعك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم «علام تبايعني» قال: على ما في نفسك. زاد ابن عمر: فقال النبي: وما في نفسي؟ قال: أضرب بسيفي بين يديك حتى يظهرك الله أو أقتل.
فبايعه، وبايعه الناس على بيعة أبي سنان [ (2) ] .
وروى البيهقي عن أنس وابن إسحاق عن ابن عمر- رضي الله عنهما قال: لما أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم ببيعة الرّضوان كان بعث عثمان- رسول الله- صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة، فبايع الناس، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم «اللهم إنّ عثمان في حاجتك وحاجة رسولك، فضرب بإحدى يديه على الأخرى، فكانت يد رسول الله- صلى الله عليه وسلم لعثمان خيرا من أيديهم لأنفسهم
[ (3) ] .
وروى البخاري وابن مردويه عن طارق بن عبد الرحمن قال: انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلّون فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذه الشجرة حيث بايع رسول الله- صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان.
فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته، فقال سعيد: حدّثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله- صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها، فقال سعيد: إنّ أصحاب محمد لم يعلموها وعلمتموها أنتم، فأنتم أعلم. [ (4) ]
وروى ابن سعد بسند جيد عن نافع قال: خرج قوم من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بأعوام فما عرف أحد منهم الشجرة، واختلفوا فيها. قال ابن عمر: كانت رحمة من الله.
وروى ابن أبي شيبة في المصنف وابن سعد عن نافع قال: بلغ عمر بن الخطاب أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها فيصلّون عندها فتوعّدهم، ثم أمر فقطعت.
وروى البخاري وابن مردويه عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيّب: كم كان الذين
[ (1) ] أخرجه مسلم 3/ 1483 (267، 69/ 1856) .
[ (2) ] أخرجه ابن أبي شيبة 14/ 87، 600 وذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 74.
[ (3) ] أخرجه الدولابي من الكنى 1/ 133، والطبراني في الكبير 1/ 41 وابن أبي شيبة 12/ 46 والحاكم 3/ 98 وانظر الدر المنثور 6/ 74.
[ (4) ] أخرجه البخاري 7/ 512 (4163) .