الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول: رحمة لهم فأخذ منهم الصدقة، واستغفر لهم وكان ثلاثة نفر منهم لم يوثقوا أنفسهم بالسواري فأرجئوا سنة لا يدرون يعذبون أو يتاب عليهم، فأنزل الله تعالى: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ [التوبة 117] إلى آخر الآية. وقوله: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا إلى قوله: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة 118] يعني استقاموا فأنزل الله تبارك- وتعالى- في شأن هذه الغزوة كثيرا من سورة براءة تقدم كثير من ذلك في محالّه.
قال البيهقي: وزعم ابن إسحاق أن ارتباط أبي لبابة كان في وقعة بني قريّظة، وقد روينا عن ابن عباس وسعيد بن المسيّب ما دلّ على أن ارتباطه كان بتخلفه في غزوة تبوك.
تنبيهات
الأول: تبوك- بفتح الفوقية وضم الموحدة وهي أقصى أثر رسول الله- صلى الله عليه وسلم وهي في طرف الشام من جهة القبلة، وبينها وبين المدينة المشرفة اثنتا عشرة مرحلة. قال في النور:
وكذا قالوا، وقد سرناها مع الحجيج في اثنتي عشرة مرحلة، وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة. والمشهور ترك صرفها للعلمية والتأنيث. وفي حديث كعب السابق: ولم يذكرني رسول الله- صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوكا كذا في جميع النسخ في صحيح البخاري وأكثر نسخ صحيح مسلم تغليبا للموضع، وكذا قال النووي والحافظ وجمع. قال في التقريب: وهو سهو لأن علّة منعه كونه على مثال الفعل «تقول» فالمذكر والمؤنث في ذلك سواء.
قال في الروض تبعا لابن قتيبة: سمّيت الغزوة بعين تبوك، وهي العين التي أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم ألا يمسوا من مائها شيئا
فسبق إليها رجلان، وهي تبض بشيء من ماء فجعلا يدخلا فيها سهمين ليكثر ماؤها، فسبهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم وقال لهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم: ما زلتما تبوكانها منذ اليوم، فلذلك سمّيت العين تبوك.
البوك كالنّقش والحفر في الشيء، ويقال:
منه باك الحمار الأتان يبوكها إذا نزا عليها. قال الحافظ: وقعت تسميتها بذلك في الأحاديث الصحيحة «إنكم ستأتون غدا عين تبوك» . رواه مالك ومسلم. قلت: صريح الحديث دال على أن تبوك اسم على ذلك الموضع الذي فيه العين المذكورة. والنبي- صلى الله عليه وسلم قال هذا القول قبل أن يصل تبوك بيوم. وذكرها في المحكم في الثلاثي الصحيح، وذكرها ابن قتيبة والجوهري وابن الأثير وغيرهم في المعتل في بوك.
الثاني: وقع في الصحيح ذكرها بعد حجة الوداع. قال الحافظ: وهو خطأ، ولا خلاف أنه قبلها ولا أظن ذلك إلا من النّسّاخ، فإن غزوة تبوك كانت في رجب سنة تسع قبل حجة الوداع بلا خلاف. وعند ابن عائذ من حديث ابن عباس: أنها كانت بعد الطائف بسّتة أشهر،
وليس مخالفا لقول من قال إنها في رجب إذا حذفنا الكسور لأنه- صلى الله عليه وسلم قد دخل المدينة من رجوعه إلى الطّائف في ذي الحجة.
الثالث:
قول أبي موسى: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: «خذ هذين القرينين وهذين القرينين، أي الجملين المشدودين أحدهما إلى الآخر»
لستة أبعرة، لعله قال: هذين القرينين ثلاثا، فذكر الرواة مرتين اختصارا. ولأبي ذرّ عن الحموي والمستملي: وهاتين القرينتين وهاتين القرينتين، أي الناقتين. وفي رواية في باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن في الصحيح:
فأمر لنا بخمس ذود. وفي باب الاستثناء في الأيمان بثلاثة ذود. والرواية الأولى تجمع بين الروايات، فلعل رواية الثلاثة باعتبار ثلاثة أزواج، ورواية الخمس باعتبار أن أحد الأزواج كان قرينه تبعا فاعتدّ به تارة ولم يعتد به أخرى، ويمكن أن يجمع بينهما بأنه أمر لهم بثلاثة ذود أوّلا ثم زادهم اثنين، فإن لفظ زهدم أحد رواة الحديث: ثم أتي بنهب ذود غر الذّرى فأعطانا خمس ذود فوقعت في رواية زهدم جملة ما أعطاهم، ورواية غيلان: مبدأ ما أمر لهم به ولم يذكر الزيادة، وأمّا رواية: خذ هذين القرينين ثلاث مرار، وفي رواية: ستة أبعرة، فعلى ما تقدم أن تكون السادسة كانت تبعا فلم تكون ذودتها موصوفة بذلك، قال الحافظ في رواية: ستة أبعرة إما أن يحمله على تعدد القصة أو زاداهم على الخمس واحدا.
الرابع: في رواية أبي موسى قال: أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم بنهب إبل فأمر لنا بخمس ذود. وفي رواية بعد
قوله «خذ هذين القرينين»
ابتاعهن من سعد ولم ينبه الحافظ على الجمع بين الروايتين فيحتمل- والله أعلم- أن يكون ما جاء من النهب أعطاه لسعد ثم اشتراه منه لأجل الأشعريين، ويحتمل على التعدد.
الخامس: قال الحافظ: إنما غلظ الأمر على كعب وصاحبيه وهو جروا، لأنهم تركوا الواجب عليهم من غير عذر لأن الإمام إذا استنفر الجيش عموما لزمهم النفير ولحق اللوم بكل فرد، أي لو تخلف قال ابن بطال: إنما اشتد الغضب على من تخلف وإن كان الجهاد فرض كفاية لكنه في حق الأنصار خاصة فرض عين لأنهم بايعوا على ذلك، ومصداق ذلك قولهم وهم يحفرون الخندق:
نحن الّذين بايعوا محمّدا
…
على الجهاد ما بقينا أبدا
وكأن تخلفهم عن هذه الغزوة كبيرة لأنها كالنّكث لبيعتهم/ قاله ابن بطال: قال السّهيلي: ولا أعرف له وجها غير الذي قاله ابن بطال. قال الحافظ: قد ذكرت وجها غير الذي ذكره، ولعله أقعد ويؤيده قوله سبحانه وتعالى: ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ الآية. وعند الشافعية: أن الجهاد كان فرض عين في
زمنه- صلى الله عليه وسلم فعلى هذا فيتوجه العتاب على كل من تخلف مطلقا.
السادس: قول أبي قتادة لم سأله كعب: الله ورسوله أعلم. قال القاضي: لعل أبا قتادة لم يقصد بهذا تكليمه، لأنه منهى عن كلامه. وإنما قال ذلك لنفسه لمّا ناشده، فقال أبو قتادة مظهرا لاعتقاده لا ليسمعه.
السابع: قول كعب: قال لي بعض أهلي. قال في النور: الظن أن القائل له من بعض أهله امرأة، وذلك أن النساء لم يدخلن في النهي، لأن في الحديث «ونهى المسلمين عن خطابنا» وهذا الخطاب لا يدخل فيه النساء، وأيضا فإن امرأته ليست داخلة في النهي، فدل على أن المراد الرجال، وقال الحافظ: لعل القائل بعض ولده أو من النساء، ولم يقع النهي عن كلام الثلاثة للنساء اللائي في بيوتهن أو أن الذي كلمه كان منافقا أو الذي يخدمه. ولم يدخل في النهي.
الثامن: قال في النور: لعل الحكمة في هجران كعب وصاحبيه خمسين ليلة أنها كانت مدة غيبته- صلى الله عليه وسلم لأنه خرج في رجب على ما قاله ابن إسحاق، وقدم في رمضان، وقال بعضهم: في شعبان، وتقدم أنه أقام في تبوك بضعة عشر يوما، ويقال عشرين، هذا ما ظهر لي وأنت من روائها للبحث والتنقيب.
التاسع: دلّ صنع كعب بكتاب ملك غسّان على قوة إيمانه ومحبته لله- تبارك وتعالى ورسوله- صلى الله عليه وسلم وإلا فمن صار في مثل حاله من الهجر والإعراض قد يضعف عن احتمال ذلك، وتحمله الرغبة في الجاه والمال على هجران من هجره، ولا سيما مع أنه من الملك الذي استدعاه إليه، لأنه لا يكرهه على فراق دينه لكن لما احتمل عنده أنه لا يأمن من الافتتان حسم المادة وأحرق الكتاب ومنع الجواب، هذا مع كونه من البشر الذين طبعت نفوسهم على الرغبة ولا سيما مع الاستدعاء والحثّ على الوصول إلى المقصود من الجاه والمال، ولا سيما والذي استدعاه قريبه، ومع ذلك فغلب عليه دينه، وقوى عنده يقينه، ورجح ما فيه من النّكر والتعذيب على ما دعي إليه من الراحة والتنعيم حبّا في الله تعالى ورسوله- صلى الله عليه وسلم كما
قال- صلى الله عليه وسلم «وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» .
العاشر: قال بعضهم: سبب قيام طلح لكعب رضي الله عنهما أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم كان آخى بينهما لمّا آخى بين المهاجرين والأنصار، والذي ذكره أهل المغازي: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم كان أخا الزبير لكن كان الزبير أخا طلحة في أخوة المهاجرين فهو أخو أخيه.
الحادي عشر: استشكل إطلاق
قوله- صلى الله عليه وسلم «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك»
بيوم إسلامه، فإنه مرّ عليه بعد أن ولدته أمه، وهو خير ما مر فقيل هو مستثنى تقديرا، وإن لم ينطق به لعدم خفائه، قال الحافظ: «والأحسن في الجواب أن يوم توبته يكمّل يوم إسلامه
فيوم إسلامه بداية سعادته ويوم توبته مكمل لها، فهو خيرٌ من جميع أيامه، وإن كان يوم إسلامه خيرها فيوم توبته المضاف إلى إسلامه خير يوم من يوم إسلامه المجرد عنها» .
الثاني عشر: في بيان غريب ما سبق:
العسرة- بمهملتين الأولى مضمومة والثانية ساكنة، مأخوذ من قوله تعالى: الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ [التوبة 117] أي الشدة والضيق.
الأنباط: نسبه إلى استنباط الماء واستخراجه، وهؤلاء كانوا في ذلك الوقت أهل الفلاحة، ويقال: إن النبط ينسبون إلى نبيط بن هانب بن أميم بن لاوذ بن سام بن نوح.
الروم- جيل من الناس معروف كالعرب والفرس، وهم الذين يسميهم أهل بلادنا الفرنج، من ولد روم بن عيص بن إسحاق، غلب عليهم اسم أبيهم فصار كالاسم للقبيلة، وإن شئت قلت: هو جمع رومي منسوبا إلى الروم بن عيص.
هرقل- بكسر الهاء وفتح الراء وبالقاف هذا هو المشهور، ويقال بكسر الهاء والقاف وسكون الراء، وهو اسم علم له، ولقبه قيصر، وهو أعجمي تكلمت به العرب.
أجليت- بالجيم، والبناء للمفعول.
لخم نائب الفاعل بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة.
جدام- بضم الجيم وبالدال المهملة.
البلقاء- بفتح الموحدة وسكون اللام وبالقاف والمدّ.
حصين- والد عمران- بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين وسكون التحتية وبالنون.
السنون جمع سنة- بفتح السين المهملة، وهو الجدب ضد الخصب.
يستفزونك: يزعجونك ويقتلونك. والأرض هنا أرض المدينة.
قربان المسجد- بضم القاف وكسرها فراء ساكنة فألف فنون: الدنو منه.
لتقطعن: بضم الفوقية. والمتاجر نائب الفاعل.
عن يد: قهر وإذلال.
صاغرون: ذليلون مهانون.
زمان عسرة: شدة.
الجدب- بفتح الجيم وسكون الدال المهملة وبالموحدة: القحط.
المقام- بضم الميم وفتحها: الإقامة وعدم السفر.
الشّخوص- بضم الشين والخاء والمعجمتين: الذهاب، يقال شخص من بلد إلى بلد شخوصا إذا ذهب.
الشّقّة- بضم الشين المعجمة وتشديد القاف: وهو هنا السّفر البعيد.