الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحد من أهل الإسلام، وقد دنونا منهم، وقد أفزعهم دنوّك، فلو رجعنا هذه السنة حتى ترى أو يحدث الله لك أمرا.
وروى البيهقي وغيره بسند جيد عن عبد الرحمن بن غنم: أن اليهود أتوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم يوما فقالوا: يا أبا القاسم، إن كنت صادقا أنك نبيّ فالحق بالشام، فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء، فصدّق ما قالوا، فغزا غزوة تبوك لا يريد إلا الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله تعالى آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا [الإسراء 76، 77] فأمره الله تعالى بالرجوع إلى المدينة وقال: فيها محياك ومماتك ومنها تبعث.
فرجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم فأمره جبريل فقال: اسأل ربّك عز وجل، فإن لكل نبيّ مسألة- وكان جبريل له ناصحا، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم له مطيعا، قال:«فما تأْمرني أَن أَسأَل» قال: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً
[الإسراء 80][ (1) ] فهؤلاء الآيات أنزلت عليه في مرجعه من تبوك.
وفي هذه الغزوة قال- صلى الله عليه وسلم
ما رواه عكرمة عن أبيه أو عن عمه عن جده- رضي الله عنه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال في غزوة تبوك: «إذا وقع الطّاعون بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا كنتم بغيرها فلا تقدموا عليها» [ (2) ] رواه الإمام أحمد والطبراني من طرق
قال في بذل الطاعون يشبه- والله أعلم- أن يكون السبب في ذلك أن الشام كانت قديم الزمان ولم تزل معروفة بكثرة الطواعين، فلما قدم النبي- صلى الله عليه وسلم تبوك غازيا الشام لعله بلغه أن الطّاعون في الجهة التي كان يقصدها، فكان ذلك من أسباب رجوعه من غير قتال- والله أعلم. انتهى.
قلت: قد ذكر جماعة أن طاعون شيرويه أحد ملوك الفرس، كان في أيام النبي- صلى الله عليه وسلم وإنه كان بالمدائن.
ذكر إرادة رسول الله- صلى الله عليه وسلم الانصراف من تبوك إلى المدينة، وما وقع في ذلك من الآيات، وقدر إقامته- صلى الله عليه وسلم بتبوك
روى مسلم عن أبي هريرة. وإسحاق بن راهويه، وأبو يعلى، وأبو نعيم، وابن عساكر عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما ومحمد بن عمر عن شيوخه قال شيوخ ابن عمر: ولمّا
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 254.
[ (2) ] أحمد 1/ 175، 3/ 416، 5/ 373، والطبراني في الكبير 1/ 90 وانظر المجمع 2/ 315 والدولابي في الكنى 1/ 100، والطحاوي في المعاني 4/ 306.
أجمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم السير من تبوك أرمل النّاس إرمالا، فشخص على ذلك من الحال.
انتهى.
قال أبو هريرة: فقالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فننحر نواضحنا فأكلنا وادّهنّا؟ قال شيوخ محمد بن عمر: فلقيهم عمر بن الخطاب وهم على نحرها فأمرهم أن يمسكوا عن نحرها، ثم دخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم في خيمة له ثم اتفقوا فقال يا رسول الله أأذنت للناس في نحر حمولتهم يأكلونها؟ قال شيوخ محمد: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «شكوا إلّي ما بلغ منهم الجوع فأذنت لهم ينحر الرّفقة البعير والبعيرين ويتعاقبون فيما فضل منهم فإنهم قافلون إلى أهليهم» - انتهى. فقال عمر: يا رسول الله لا تفعل، فإن يك في الناس فضل من الظّهر يكن خيرا، فالظهر اليوم رقاق انتهى. ولكن يا رسول الله ادع بفضل أزوادهم، ثم اجمعها، وادع الله تعالى فيها بالبركة لعل الله تعالى أن يجعل فيها البركة. زاد شيوخ محمد كما فعلت في منصرفنا من الحديبية حين أرملنا، فإن الله تعالى مستجيب لك انتهى، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم «نعم» فدعا بنطع فبسط- قال شيوخ محمد: بالأنطاع فبسطت- ونادى منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم:
من كان عنده فضل من زاد فليأت به- انتهى فجعل الرجل يأتي بكف ذرة، ويجيء الآخر بكفّ تمر، ويجيء الآخر بكسرة. وقال شيوخ محمد: وجعل الرجل يأتي بالدقيق أو التمر أو القبضة من الدقيق والسويق والتمر والكسر فيوضع كل صنف من ذلك على حدة وكل ذلك قليل وكان جميع ما جاءوا به من السويق والدقيق والتمر ثلاثة أفراق حزرا- والفرق ثلثة آصع.
انتهى قال: فجزأنا ما جاءوا به فوجدوه سبعة وعشرين صاعا. قال شيوخ محمد: ثم قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم فتوضأ وصلى ركعتين ثم دعا الله تعالى أن يبارك فيه. قال عمر: فجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم إلى جنبه فدعا فيه بالبركة، ثم قال:«أيها الناس خذوا ولا تنتهبوا» فأخذوه في الجرب والغرائر، حتى جعل الرجل يعقد قميصه فيأخذ فيه، قال أبو هريرة- رضي الله عنه وما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه، وأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضلة. قال شيوخ محمد بن عمر: قال بعض من الصحابة: لقد طرحت كسرة يومئذ من خبز وقبضه من تمر، ولقد رأيت الأنطاع تفيض، وجئت بجرابين فملأت أحدهما سويقا والآخر خبزا، وأخذت في ثوبي دقيقا كفاني إلى المدينة- قال: فأخذوا حتى صدروا. وإنه نحو ما كانوا يحرزون- قالوا كلهم: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يأتي بها عبد غير شاك فيحجب عن الجنة» وفي لفظ (لا يأتي بها عبد محق إلا وقاه الله حر النار)
[ (1) ] ، وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما كما رواه ابن سعد أقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة
[ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 1038.