الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقراءات التي توسم بأنها قراءات آحاد، لا تصل إلى حد التواتر؛ فلا يتعبد بتلاوتها.
وعرّف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القرآن في (العقيدة الواسطية) بأنه: كلام الله منزّل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، تكلم به حقيقة، وألقاه إلى جبريل، فنزل به على محمد صلى الله عليه وسلم.
فاهتمّ رحمه الله في حده بإبطال قول أهل الزيغ والضلال بخلق القرآن.
ومن خلال بيان معنى الإعجاز والقرآن، يتضح المقصود بإعجاز القرآن، وهو:
إعجازه الناس أن يأتوا بمثله لعدم قدرتهم على ذلك، أو إثبات القرآنِ عجزَ الخلقِ عن الإتيان بما تحداهم به، أو كما قال أبو البقاء في (الكليات): ارتقاؤه في البلاغة إلى أن يخرج عن طوق البشر ويعجزهم عن معارضته.
الفرق بين معجزة القرآن وسائر المعجزات
أما السؤال الثاني الذي طرحناه وهو: الفرق بين معجزة القرآن وسائر المعجزات:
فالإجابة عنه نحتاجها لبيان ما اختصّ به الله سبحانه وتعالى خير الأنام محمد -صلوات الله وسلامه عليه- دون سائر الرسل والأنبياء، فما من نبي إلا وكان معه آية صدقه ودليل تفضيله على من أُرسل إليهم بالاصطفاء، فالله يصطفي من خلقه ما يشاء {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} (القصص: 68).
هذا الاصطفاء وهذا الاختيار من الله سبحانه وتعالى سُنة سَنها في إرساله الرسل؛ أن يكون معهم ما يثبت أنهم يُخالفون من أرسل إليهم فيأتون أقوامهم بما يَعجزون عنه في وقتٍ يُعلم فيه أن هؤلاء يبرعون فيما عجزوا عنه؛ بمعنى: أن ما من رسول
يرسل إلى قوم إلا بمعجزة من جنس ما برعوا فيه؛ ليثبت لهم أنه يختلف عنهم، وأنه مرسل من قِبَل ربه سبحانه وتعالى.
مثال: عندما ظن السحرة أنهم بلغوا في هذا الفن منتهاه جاء موسى عليه السلام ليُبطله بعصاه، وعندما برع بعد ذلك بنو إسرائيل في الطب جاءهم عيسى عليه السلام بما يَعجز الأطباء عنه، فما من طبيب يستطيع أن يُحيي الموتى، فجاء عيسى عليه السلام بمعجزة إحياء الموتى، وكذلك الأمراض التي لا علاج لها كالعمى والبرص جاءهم عيسى عليه السلام ليبرئ الأكمه والأبرص، فكانت هذه المعجزات الحسية دليلًا على صدق نبوتهم عليهم السلام وعلى أنهم مرسلون من قبل الله سبحانه وتعالى كذلك معجزة النبي صلى الله عليه وسلم مع العرب، لما ارتقى العرب ذروة الفصاحة والبيان جاءهم القرآن؛ ليعلمهم أن لا قول ولا كلام ولا شيء مما برعوا فيه من فنون الأدب -شعرها ونثرها وسجعها وغيرها من الأرجاز والمسجوع والفنون التي برع فيها العرب أيما براعة- أن كل ذلك لا يضاهي القرآن ولا يشابه القرآن في شيء وأن القرآن نسق يختلف عما يتداولونه في كلامهم وفي آدابهم التي بلغوا فيها القمة ووصلوا إلى أعلى درجاتها.
هذا يتفق فيه الرسل.
إذًا ما الفرق بين القرآن وبين المعجزات الأخر؟
نقول: إن الفرق بين القرآن وبين المعجزات السابقة يتركز في ثلاث نقاط:
الأولى: هي أن معجزة الأنبياء حسية، حسية بمعنى مُشاهدة، يؤمن بها من رآها بعينه، ومن لم يرها قد ينكرها؛ لأنها بالنسبة له خبر إن شاء صدقه وإن شاء رفضه، بمعنى: أنه موسى عليه السلام مع قومه شاهدوا أن البحر قد انشق وأنه
جمدت فيه المياه وشكّلت هيئة جبل ومر موسى عليه السلام ومن معه ثم عاد البحر كما كان قبل أن يمر موسى عليه السلام ومن معه، وكذلك عيسى عليه السلام عندما أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص، نظروا في هذا المعجزة وعلموها مع وجود عيسى عليه السلام وشاهدوها بأعينهم، فهذه المعجزات التي أتى بها الأنبياء حتى معجزة إبراهيم عليه السلام عندما حطم الأصنام وعندما جابه أهل الأوثان وبين لهم فساد معتقداتهم وجاءوا به عليه السلام ليجعلوه عبرة لمن يتطاول على آلهتهم وسعّروا النيران وجعلوها مؤججة عالية تلتهم أي شيء يقربها حتى أن الطير إذا حام حولها سقط فيها من شدة لهيبها، هذه النيران التي جعلوها ليُلقوا فيها إبراهيم عليه السلام على أعين الناس لعلهم يشهدون، هذه النيران سُلبت خاصيتها وهي الإحراق، فدخل إبراهيم عليه السلام وجلس هانئًا مطمئنًا لا يشعر بحرها، بل إنها كانت بردًا وسلامًا عليه، {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم} (الأنبياء: 69) هذه المعجزات لا يعرفها إلا من شهدها فهو يؤمن بها، أما من جاء بعدهم كانت بالنسبة له أخبار تحكى، وقول يسمعه إن آمن به آمن وإن جحد به كان له أن ينكر ذلك ويدعي أنه لا يصدقه.
هذا بالنسبة لمعجزات الأنبياء، أما القرآن على خلاف هذا، القرآن معجزة عقلية باقية خالدة إلى أن تقوم الساعة، القرآن حتى الآن هو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يُتحدى بها كل من لا يؤمن به، الذي لا يؤمن بالقرآن يقال له:{فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} (البقرة: 23) يقال له: هذا كتاب الله عز وجل أنزله على رسوله صدقًا إلى أن تقوم الساعة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فليس بالمعجزة الحسية وإنما هو معجزة عقلية، هذه هي النقطة الأولى.
النقطة الثانية: أن معجزات الأنبياء عليهم السلام من فعل الله عز وجل أجراه على أيديهم، وفعل الله عز وجل يزول بزوال من أُجري على يديه هذا الفعل؛ يعني بعد رفع عيسى عليه السلام إلى السماء وبعد موت موسى عليه السلام هذه المعجزات التي كانت تُرى على أيديهم لا تُرى؛ لأنها من فعل الله عز وجل أجراه على أيدي النبيين الكريمين، فلما انقضى وقت إرسالهما زالت هذه المعجزة مع عدم وجودهما عليهما السلام أما معجزة القرآن هي صفة من صفات الله عز وجل والصفة باقية؛ لأنها كلام الله سبحانه وتعالى فالصفة باقية ببقاء فاعلها سبحانه وتعالى.
أما النقطة الثالثة: هي أن الرسل الذين أنزلت عليهم الكتب "التوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم" الرسل الكرام الذين أنزلت عليهم الكتب- لم تكن الكتب هي معجزتهم التي أرسلوا بها، وإنما كانت الكتب بالنسبة إليهم منهاجًا يسيرون عليه وشرعًا يحتكمون إليه ويوجهون أتباعهم إليه، فكانت لهم معجزات بخلاف الكتب المنزلة عليهم، ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كانت معجزته هي عين منهجه؛ بمعنى أن القرآن منهج ومعجزة؛ القرآن منهج وضعه الله سبحانه وتعالى للأنام ليسيروا عليه وليعلموا شرع ربهم، وكذلك هو معجزة النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
هذا لا يعني أننا نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له معجزات حسية، لا، كان النبي صلى الله عليه وسلم له معجزات حسية مشاهدة كما ثبت في الصحيح من حنين الجذع إليه، ومن قول الشاة له؛ إنها مسمومة، وغير ذلك مما ذكر في الصحاح ومما ثبت من معجزات مشاهَدة لنبينا صلى الله عليه وسلم ولكنها لم تكن هي المعجزة التي أُرسل بها، وإنما كانت ليزداد الذين آمنوا إيمانًا، وكانت لتثبيت أصحابه -رضوان الله عليهم- وتثبيته هو -صلى الله عليه وصحبه وسلم- في