الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معنى النظم عند عبد القاهر الجرجاني رحمه الله
-
يقول الجرجاني:
اعلم أن ليس النظم إلَّا أن تضع كلامك على الوضع الذي يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله، وتعرفَ مناهجه التي نُهجت، فلا تزيغ عنها، وتحفظ الرسوم التي رسمت لك فلا تخل بشيء منها.
هذا بإيجاز شديد معنى النظم. النظم: هو توخي معاني النحو.
بَيَّن الجرجاني هذه المسألة؛ لأن توخي معاني النحو بإيجاز وببساطة، هو ما يجعلك أن تعدل عن أسلوب إلى آخرَ مفضِّلًا عمن عدلتَ عنه، يعني: تختار، يقصد بذلك أنه لماذا اختار الشاعر أو الأديب أو الكاتب أسلوبًا معينًا من الأساليب النحوية، ولم يختَرْ الأسلوب الآخر المساوي له أو الذي يمكن أن يستختدمه، فمن توخَّ معاني النحو واختار ما يخرج نظمه على صورة بديعة.
هذا هو المقصود بالنظم عند عبد القاهر الجرجاني.
ووضَّح ذلك رحمه الله بأمثلة يبين منها مرادَه، قال: وذلك أنَّا لا نعلم شيئًا يبتغيه الناظم بنظمه غير أن ينظر في وجوه كل باب وفروقه، فينظر في الخبر إلى الوجوه التي تراها في قولك: زيد منطلق، زيد ينطلق، ينطلق زيد، منطلق زيد، زيد منطلق، والمنطلق زيد، زيد هو المنطلق، زيد هو منطلق. ضرب أمثلةً متنوعة للعبارات ومقصده من ذلك أنك إذا أردت الإخبار -الخبر الذي هو مقابل الإنشاء- فإنك إما أن تأتي بجملة اسمية أو بجملة فعلية، وإذا ما أتيت بجملة فعلية فإنك تختار الفاعل إما أن يكون معرفًا أو منكرًا، وإذا ما أتيت بجملة اسمية فإما أن تخبر عنها بجملة فعلية، أو تخبر عنها باسم المفرد، وإذا ما أردت
بالإخبار بالمفرد، فإما أن تضع ضمير فصل أو لا تضع ضمير فصل، وإذا ما وضعت ضمير فصل، فَرْق بين أن يكون ما بعده معرفًا أو منكرًا.
ذلك مقصده من الأمثلة التي ضربها، فاختيارك لأسلوب معين في الإخبار، يفرِق من أسلوب أو من صياغة إلى أخرى.
وكذلك في الشرط والجزاء إلى الوجوه التي تراها في قولك: إن تخرج أخرج، أي: التعبير بالمضارع، وإن خرجتَ خرجتُ، أي: التعبير بالماضي، بأن يكون فعلا الشرط والجزاء ماضيين، وقولك: إن تخرج فأنا خارج، بأن تقرن الجوابَ بالفاء، وبأن تقول: أنا خارج إن خرجتَ، أن تقدم وتؤخر في أسلوب الشرط، وأن تقول: أنا إنْ خرجتَ خارج، فذلك أيضًا فَرْق في الاستخدام النحوي.
يضرب مثالًا آخرَ فيقول: وفي الحال إلى الوجوه التي تراها في قولك: جاءني زيد مسرعًا، أي: التعبير بالحال المفردة، وجاءني يسرع، أي: مجيء الحال جملة فعلية، أو جاءني وهو مسرع أو وهو يسرع، فمجيء الحال جملة اسمية خبرها مفرد أو جملة فعلية، وجاءني قد أسرع، لاقتران الحال بـ"قد" وجاءني وقد أسرع، وقوع "قد" مع التعبير بالماضي في مجيء الحال.
فيعرف لكل من ذلك موضعه ويجيء به حيث ينبغي له.
وكذلك ينظر في الحروف التي تشترك في معنًى، ثم ينفرد كل واحد منها بخصوصية في ذلك المعنى فيضع كلًّا من ذلك في خاص معناه، نحو أن يجيء بـ"ما" في نفي الحال، و"لا" إذا أراد نفي الاستقبال، و"إنْ" فيما يترجح في أن يكون أو لا يكون التي تفيد الشك كما تعلمون، وبـ"إذا" فيما علم أنه كائن، وينظر في الجمل التي تُسرد فيعرف موضع الفصل من موضع الوصل، ثم يعرف فيما حقه الوصل