الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قضية الترادف
ما يتعلق بقضية الترادف:
فأقول: هل هناك ترادف في القرآن؟ هل يجوز أن يكون هناك لفظ يؤدي معنًى لفظ آخر؟
هذه القضية اهتم العلماء ببيانها وبالحديث عنها، الصحيح الراجح أن الترادف يجوز في غير السياق، بمعنى: إنني إذا قلت لك: ما معنى السبيل؟ تقول: الطريق، هذا المعنى أو هذا الترادف في بيان المعنى عام خارج السياق، أما داخل السياق لا بد أن تعي معنى الكلمة، فإنها تؤدي معنًى لا يؤديه غيرها، لذلك اهتم العلماء اهتمامًا بالغًا بهذه القضية، حتى أفرد الزركشي في (البرهان) بابًا بعنوان: قاعدة هناك ألفاظ يظن بها الترادف وليست منه، فلا يقوم مرادفها فيما استعمل فيه مقام الآخر وأدى إلى القول بالقطع بعدم الترادف ما أمكن، فإن للتركيب معنًى غير معنى الإفراد، وهذا ما ذكرناه من أن أكثر الأصوليين على ذلك، أنه لا ترادف في التراكيب، وإنما خارج التراكيب يجوز أن يكون للكلمة مرادف يستخدم، أما في الاستخدام لا تستخدم إلا ما يؤدي المراد في سياقه.
وضرب أمثلةً بالفرق بين الخوف والخشية؛ فالخشية أعلى من الخوف، وهي أشد الخوف، ولذلك خصت الخشية بالله سبحانه وتعالى وكذلك الخشية تكون من عظم المغشي، أما الخوف يكون من ضعف الخائف، لذلك قال الله سبحانه وتعالى:{وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} (الرعد: 21) فإن الخوف من الله سبحانه وتعالى بعظمته يخشاه كل أحد كيف كانت حاله، أما سوء الحساب فقد لا يخاف منه مَن حاسَب نفسه ومَن عمل لمآله، وذلك من اللطائف أن الله سبحانه وتعالى لَمَّا عبر بالخوف عن الرب سبحانه وتعالى قال {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ} (النحل: 50) كان الكلام على الملائكة وليس عن البشر، فإن الملائكة لما علم قوتهم وعلم عظم حالهم، بين المولى سبحانه وتعالى أنهم بالنسبة لجلال ربهم ضعفاء، فاستخدم الخوف: يخافون ربهم من خوفهم ويفعلون ما يؤمرون.
ذلك أيضًا الفرق بين القعود والجلوس؛ فالقعود لا يكون معه لبثة أي: مُكث، وقت، أما الجلوس لا يعتبر فيه ذلك، ولذلك نقول: قواعد البيت ولا نقول: جوالس البيت؛ لأن المقصود ما فيه ثبات، ولهذا قالوا: قعد يقعد بالضم، وجلس يجلس بالكسر، فاختاروا الثقيل؛ لما هو أثبت، ومن ثم نجد الاستخدام القرآني يبين هذا الفرق، فيقول المولى سبحانه وتعالى:{إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} (المجادلة: 11) فجاءت المجالس ولم تأتِ المقاعد؛ لأن الجلوس يكون زمانًا يسيرًا، أما مع القعود يكون الوقت والمكث الطويل، فلذلك لا يقال في الكلام: قعيد الملوك، وإنما يقال: جليس الملوك؛ لأن مجالسة الملوك تكون خفيفة، أو لا يكون فيها طول ولُبث، بعكس قولنا: القعيدة، بالنسبة للمرأة؛ لأنها تلبث في مكانها.
كذلك أيضًا من جمائل هذه التفرقة، الفرقة بين التمام والكمال، وقد اجتمع ذلك في قوله سبحانه وتعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3) فذكر المولى سبحانه وتعالى: {أَكْمَلْتُ} وذكر: {أَتْمَمْتُ} فالعطف كما هو معلوم يقتضي المغايرة، فقيل: الإتمام لإزالة نقصان الأصل، والإكمال لإزالة نقصان العوارض بعد تمام الأصل، ولهذا كانت هذه اللطيفة في قوله تعالى:{تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (البقرة: 196) ولو نظرتَ هذه الآية تجد قوله سبحانه وتعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (البقرة: 196) فربما يتوهم متوهم لماذا ذكر كاملة مع أنها معروفة من العدد ثلاثة وسبعة فهم عشرة؟ يقال له: إن المولى سبحانه وتعالى لم يقل: تلك عشرة تامة؛ لأن كلمة تامة فُهمت من العدد كما ذكرت ثلاثة وسبعة، فهم عشرة، أو فهي عشرة، فإن التمام في العدد قد علم، وإنما قد بقي الإشارة إلى كمالها وعدم نقصها، فبذلك استخدمت:{تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} .
وهناك فرق أيضًا بين الإتيان والإعطاء، معنى آتاه: أعطاه، إنما الاستخدام يفرق بين المعنيين، فالإتيان أقوى من الإعطاء في إثبات مفعوله، لذلك قال المولى سبحانه وتعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (الحجر: 87) ولم يقل: ولقد أعطيناك سبعًا من المثاني، ولذلك لعظم شأن القرآن، أما في الإعطاء فكان قوله سبحانه وتعالى:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (الكوثر: 1) لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأمته يرِدون على الحوض ورودَ النازل على الماء، ويرتحلون إلى منازل العز والأنهار الجارية في الجنان، والحوض للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته عند عطش الأكباد قبل الوصول إلى المقام الكريم، فقال فيه سبحانه وتعالى:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ} لأنه يترك ذلك عن كره، وينتقل إلى ما هو أعظم منه.
وانظر إلى التعبير القرآني في الفرق بين قوله عن أهل الجزية: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} (التوبة: 29) ولم يقل: حتى يؤتوا الجزية عن يد، وعبر عن الزكاة بقوله تعالى:{وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (التوبة: 71){وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} (الأنبياء: 73) فالزكاة لا بد للمؤمن بأن يكون محبًّا لها، وأن يُقْبِلَ عليها بقوة، أما إعطاء الجزية فهو عن كراهة، وهو عن شيء في نفوسهم من إخراجها، ولذلك حسَم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذه المسألة، ونص عليها نصًّا صريحًا بأنه ليس هناك ترادف في القرآن -أي: في السياق القرآني- ليس هناك ما يسمى بالترادف.
يقول شيخ الإسلام: الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر وإما معدوم، وقل أن يعبر بلفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه، بل يكون فيه تقريب لمعناه، وهذا من أسباب إعجاز القرآن، فإذا قال القائل:{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا} (الطور: 9) إن المور هو الحركة يعني: تقريبًا، إذ المور حركة خفيفة سريعة، وكذلك إذا