المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حروف التوكيد، وحروف الجر والقسم - الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 مقدمة في وجوه الإعجاز

- ‌ماذا نعني بإعجاز القرآن

- ‌الفرق بين معجزة القرآن وسائر المعجزات

- ‌أوجه إعجاز القرآن

- ‌كيفية تحدي نبينا صلى الله عليه وسلم للعرب

- ‌الدرس: 2 تابع: مقدمة في وجوه الإعجاز - الصرفة، والإخبار بالغيبيات

- ‌لماذا نهتم بالإعجاز اللغوي في القرآن

- ‌ثمرة دراسة إعجاز القرآن

- ‌مسألة الصرفة

- ‌الإخبار عن الغيبيات

- ‌الدرس: 3 أوجه إعجاز القرآن الكريم: حفظ التشريع ودوامه

- ‌نظم القرآن

- ‌قدسية القرآن

- ‌الإعجاز اللغوي

- ‌الدرس: 4 الإعجاز العلمي، والعددي، والتصوير في القرآن الكريم

- ‌الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

- ‌الإعجاز العددي في القرآن الكريم

- ‌مسألة التصوير

- ‌الدرس: 5 الحروف وأصواتها ودورها في بيان إعجاز القرآن

- ‌مقدمة عن الحروف والأصوات كمظهر من مظاهر إعجاز القرآن

- ‌مظهر الإعجاز في الحروف وأصواتها

- ‌الدرس: 6 تابع: الحروف وأصواتها ودورها في بيان إعجاز القرآن

- ‌حركات الحروف وأثرها على السمع في القرآن الكريم

- ‌مظاهر النسق الصوتي في القرآن الكريم، والأمثلة التي تذكر له

- ‌الدرس: 7 حروف المعاني (1)

- ‌حروف العطف (الواو والفاء)

- ‌حروف العطف (ثم، أو، أم، بل، لكن، لا)

- ‌الدرس: 8 حروف المعاني (2)

- ‌حروف النداء

- ‌حروف النفي

- ‌حرفا الشرط: "إنْ" و"لو

- ‌حرفا الاستفهام "الهمزة" و"هل

- ‌الدرس: 9 حروف المعاني (3)

- ‌حروف التوكيد، وحروف الجر والقسم

- ‌كيف كان استخدام حروف المعاني وجهًا من وجوه الإعجاز اللغوي

- ‌الدرس: 10 القراءات القرآنية وما بها من أوجه للإعجاز

- ‌القِراءة وطرق الأداء

- ‌وجوه القراءة

- ‌الكلام عن قراءة التلحين

- ‌لغة القرآن

- ‌مسألة الأحرف السبعة

- ‌الدرس: 11 تابع: القراءات القرآنية وما بها من أوجه للإعجاز

- ‌الإعجاز في تنوع أوجه القراءات فيما يتعلق ببعض مسائل الاعتقاد

- ‌تنوع القراءات القرآنية من حيث الإعجاز التشريعي

- ‌الإعجاز البياني واللغوي في تنوع القراءات

- ‌القراءات وأثرها في: التوجيه البلاغي، وتنوع الأساليب

- ‌الدرس: 12 مفردات القرآن ووجه الإعجاز فيها

- ‌غريب القرآن أو غرائب القرآن

- ‌ظاهرة الألفاظ المعرضة

- ‌ظاهرة الوجوه والنظائر في القرآن الكريم

- ‌قضية الترادف

- ‌حروف المعجم أو ما يتعلق بالحروف المقطعة

- ‌الدرس: 13 قضية النظم

- ‌التطور الدلالي لمصطلح "النظم" وكيف تطور هذا اللفظ

- ‌معنى النظم عند عبد القاهر الجرجاني رحمه الله

- ‌مادة النظم هي العلاقة بين اللفظ والمعنى

- ‌مزايا النظم وفساده

- ‌الدرس: 14 قضية الذكر والحذف

- ‌المسند إليه، ودواعي وأغراض ذكره

- ‌المسند، ودواعي وأغراض ذكره

- ‌مسألة الحذف، ومزاياه، وأنواعه

- ‌الدرس: 15 تابع: قضية الذكر والحذف

- ‌استكمال أغراض حذف المسند إليه

- ‌أغراض حذف المسند

- ‌ما يتعلق بحذف المتعلقات، وحذف المفعول به

- ‌الدرس: 16 التوكيد في النظم القرآني

- ‌تعريف التوكيد، وأغراضه

- ‌صور وأساليب التوكيد

- ‌الدرس: 17 تابع: التوكيد في النظم القرآني - التكرار في القرآن الكريم

- ‌بعض أدوات وأساليب التوكيد المستخدمة في النظم القرآني

- ‌مسألة التكرير

- ‌الدرس: 18 تابع: التكرار في القرآن الكريم

- ‌نماذج تطبيقية على التكرار في القرآن الكريم

- ‌هل هناك زيادة في القرآن

- ‌الدرس: 19 موقف علماء الصرف والنحو من قضية الزيادة

- ‌الزيادة لدى علماء الصرف

- ‌الزيادة عند علماء النحو

- ‌الدرس: 20 الفصل والوصل

- ‌معنى الفصل والوصل عند النحاة والبلاغيين

- ‌مواضع الفصل والوصل

- ‌الدرس: 21 الفصل والوصل في القرآن

- ‌تعليق الدكتور محمد أبي موسى على مسألة الفصل والوصل في القرآن

- ‌الفروق في الاستخدامات، وما بها من إعجاز بياني في نظم القرآن

- ‌الغاية من دراسة الفروق في الحال

- ‌الدرس: 22 لمحات الجرجاني في (دلائل الإعجاز)، وإحصاء الشيخ عضيمة

- ‌موازنة بين ما انتهى إليه الجرجاني وعضيمة في استخدام الحال

- ‌الفروق في استخدام الأفعال بأزمنتها المختلفة

- ‌استخدام الجملة الاسمية والفعلية

الفصل: ‌حروف التوكيد، وحروف الجر والقسم

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس التاسع

(حروف المعاني (3))

‌حروف التوكيد، وحروف الجر والقسم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، وبعد:

نستكمل حديثنا عن: حروف المعاني:

حروف التوكيد، وحروف الجر:

منها ما يؤكد الجمل، ومنها ما يُؤكد الأفعالَ، ومنها ما يؤكد المُفردات، وجُملة حروف التوكيد:"إنّ وأنّ، ونون التوكيد واللام" إن" و"أن" من أدوات التوكيد التي تؤكد بها الجمل: {وَالْعَصْر * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر} (العصر: 1 - 2). {إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيم} (البقرة: 143){إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيم} (البقرة: 173).

هذه الآيات الكريمة تؤكد مضمون ما بعدها من جملة اسمية دخلت عليها إنّ فأكدتها، فاستخدم بها أسلوب التوكيد، وكذلك أنّ والفرقُ بينهما هو أنّ إنّ تَقَعُ في بداية القول، أو ما يَحِلُّ محله، أما "أنّ" فتَقَعُ موقِعَ المُفرد الذي يُؤول بمصدرٍ؛ بمعنى أنها لا يُؤتى بها أول الكلام، وإنّما تكون وسطًا.

ونون التوكيد يمتنع مجيئها مع الفعل الماضي، إلا ما سُمع من بعض كلامهم، ولكنّ الجمهور على امتناع توكيد الماضي، ويجوزُ مطلقًا أن تؤكد الأمر، ولها مع المضارع أحكام؛ فيؤكد بها الفعل المضارع وجوبًا بشروط كقوله تعالى:{وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم} (الأنبياء: 57) فأكد الفعل "أكيد" بنون التوكيد الثقيلة؛ لوقوعه بعد القسم، واتصاله به بلا فاصل، فأكد باللام ونون التوكيد الثقيلة.

كَذَلك يُؤَكّد الفعل المضارع بما هو قريب من الوجوب، كقوله تعالى:{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} (فُصِّلَت: 36) فينزغنك مؤكد بالنون الثقيلة، وكذلك يؤكد جوازًا بعد الطلب وما في معناه؛ كقوله تعالى: {وَلَا

ص: 171

تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} (إبراهيم: 42) هذا بالنسبة لنون التوكيد.

أما "اللام" وهي ما تُسمى بلام الابتداء، وتكون لتوكيد مضمون الجملة، وتدخل مع "إنّ" فلا تليها بل تقع بعد اسمها، وإن جاءت على الاسم لا يكون ذلك إلّا إذا تقدم الخبر على الاسم، وذلك إذا كان الخبر شبه جملة كقوله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى} (النازعات: 26).

وأيضًا تَقَعُ على الخبر كقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} (الرعد: 6){إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِع} (الطور: 7){إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء} (إبراهيم: 39) وتدخل أيضًا على خبر إن إذا كان جملة فعلية كقوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} (النحل: 124){قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ} (يوسف: 13) وتدخل أيضًا على الخبر شبه الجملة كقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم} (القلم: 4){إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر} . هذا بإيجاز الكلام عن حروف التوكيد؛ لأننا سنتعرض لها تفصيلًا.

أما حُروف الجَرّ: فهي أثرى الحروف في هذا الباب، واهتم أهل اللغة بالحديث عن معانيها، فكُلّ حرف له معنى، ويأتي بمعانٍ أخر؛ ولا ضابط في ذلك |لا السياق -كما سنتحدث بعد بإذن الله عن هذه المسألة.

من حروف الجر: "من" ولها معانٍ منها:

1 -

معنى التبعيض كقوله تعالى: {حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} (آل عمران: 92) التبعيض أي: تكون بمعنى بعض، فالمعنى: حتى تنفقوا من بعض ما تحبون، أو حتى تنفقوا بعض ما تحبون.

ص: 172

2 -

تأتي "من" لبيان الجنس كقوله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} (الكهف: 31) من ذهب أي: جنسها من الذهب، وكقوله تعالى:{مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ} (الأعراف: 132) وكقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا} (البقرة: 106) وكقوله تعالى: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ} (الكهف: 31) وهناك خلاف بين النحاة في هذا المعنى، ولكن هذا المعنى ثابت في كتب التفسير عن حرف الجر من.

3 -

كذلك من تأتي لابتداء الغاية المكانية؛ وذلك باتفاق كقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} (الإسراء: 1) فمن دلت على ابتداء الغاية المكانية، وكذلك أيضًا تدل على ابتداء الغاية الزّمانية بقوله تعالى:{لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ} (التوبة: 108).

4 -

كذلك تأتي "من" بمعنى التنصيص على العموم، أو تأكيد التنصيص عليه، وهذه ما تُسمى بمن الزائدة. وقضية الزيادة لنا فيها درس مستقل بإذن الله تعالى.

من هذه التي يُطلق عليها النحاة كلمة الزائدة يشترطون لها شروطًا: "أن تسبق بنفي أو نهي أو استفهام، وأن يكون مجرورها نكرة، وهذا المجرور بها إمّا أن يكون فاعلًا كقوله تعالى:{مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ} (الأنبياء: 2) أي: ما يأتيهم ذكر، وكقوله تعالى:{أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ} (المائدة: 19) أي: ما جاءنا بشير، وكذلك إذا وقع المجرور بها مفعولًا كقوله تعالى:{هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ} (مريم: 98) أي: أحدًا، وكقوله تعالى:{مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ} (الذاريات: 57) أي: رزقًا. وكقول فرعون: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (القصص: 38) أي: إلهًا.

ص: 173

وكذلك المجرور يكون مبتدأ كقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم} (فاطر: 3) فخالق هنا وقعت في محل مبتدأ، وجرت بمن الزائدة، وكقوله تعالى:{هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} (الأنعام: 148).

5 -

وتأتي بمعنى البدل كقوله تعالى: {أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ} (التوبة: 38) أي: بدل الآخرة.

6 -

وتأتي من بمعنى الظرفية كقوله تعالى: {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} (فاطر: 40) أي: في الأرض كقوله تعالى: {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} (الجمعة: 9) أي: في يوم الجمعة، وتأتي من أيضًا بمعنى التعليل كقوله تعالى:{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} (نوح: 25) أي: بسبب خطيئاتهم أغرقوا.

من حروفِ الجَرّ التي لها أكثر من معنى أيضًا "حرف اللام" فحرف اللام يأتي بمعنى الملك كقوله تعالى: {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} (البقرة: 284) وتأتي بمعنى شبه الملك أو التمليك، كقوله تعالى:{جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} (النحل: 72) وتأتي أيضًا بمعنى الاختصاص كقوله تعالى: {إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} (يوسف: 78){فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} (النساء: 11).

وكقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيد} (العاديات: 8) والقراءة المتواترة: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} (السجدة: 24) وقوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} (الفجر: 24) ففي هذه المواضع تأتي اللام بمعنى التعليل.

ص: 174

والخَامِس: هو أن تكون بمعنى التوكيد، وهذه ما يُسمونها بالزائدة، وحَمَل عليها بعضهم قوله تعالى:{عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم} (النمل: 72) أي: ردفكم؛ فالظاهر في هذه الآية -والله أعلم- أنّ المعنى بتضمين ردف اقترب، وليست زائدة.

والسادس: تقوية العامل؛ وهذا في مواضع معينة ذلك إذا دخلت على المفعول به، وتقدم المفعول على العامل كقوله تعالى:{إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُون} (يوسف: 43) فيقولون: إن الأصل إن كنتم تعبرون الرؤيا؛ فدخلت اللام على كلمة الرؤيا على سبيل تقوية العامل؛ لأنه تأخر عن المعمول، أو إذا كان العامل فرعًا في العمل، يعني اسمًا مشتقًّا يَعْمَلُ عَمَل فعله، كقوله تعالى:{مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ} (البقرة: 91) أي: مُصدقًا ما معهم، وكقوله تعالى:{فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيد} (هود: 107) أي: فعال ما يريد.

وتأتي اللام بمعنى انتهاء الغاية، وهذا بمعنى إلى أي توافق إلى في المعنى، كقوله تعالى:{كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} (لقمان: 29) أي: إلى أجل مسمى، وكقوله تعالى:{بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} (الزلزلة: 5) أي: أوحى إليها، وكقوله تعالى:{وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} (الأنعام: 28) أي: إلى ما نهوا عنه.

وتأتي اللام بمعنى توكيد النفي، وهي ما تُسمى بلام الجحود {لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} (النساء: 137) {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} (الأنفال: 33) أي: المسبوقة بـ"لم يكن" أو "ما كان" وهذه الفعل بعدها يكون منصوبًا بأن مضمرة، وأنْ وَمَا دخلت عليها يكون مجرورًا باللام.

والثامِنُ أن تأتي للصيرورة، أي: بمعنى المآل، وحملوا عليه قوله تعالى:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} (القصص: 8) فهم لم يلتقطوا

ص: 175

موسى عليه السلام ليكون لهم عدوًّا وحزنًا، وإنّما التقطوه ليكون ولدًا لهم، أو لينفعهم:{عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} (القصص: 9) لكن المآل صار إلى أنه صار حزنًا وعدوًّا لفرعون وقومه.

وكذلك تأتي اللام بمعنى في بمعنى الظرفية أي: توافق في، ومنه قوله تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (الأنبياء: 47) أي: في يوم القيامة، وقوله تعالى:{لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَاّ هُوَ} (الأعراف: 187) أي: في وقتها وأيضًا قوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} (الفجر: 24) أي: في حياتي.

وتأتي أيضًا اللام بمعنى البعدية، أي: بمعنى كلمة بعد كقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (الإسراء: 78) أي: بعد دلوك الشمس، وتأتي اللام بمعنى الاستعلاء، وتكون بمعنى على كقوله تعالى:{يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} (الإسراء: 107) أي: على الأذقان، وكقوله تعالى:{دَعَانَا لِجَنبِهِ} (يونس: 12) أي: على جنبه، وأيضًا تأتي بمعنى على مجازًا كقوله تعالى:{وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} (الإسراء: 7) أي: عليها.

وأخيرًا تأتي اللام بمعنى عن، وهي التي يُقال لها أنها تفيد المجاوزة، قال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} (الأحقاف: 11){لِلَّذِينَ آمَنُوا} أي: قال الذين كفروا عن الذين آمنوا.

{قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا} (الأعراف: 38) أي: عن أولاهم، {وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ} (هود: 31) ولا أقول عن الذين تزدري أعينكم، وضابط هذه اللام أنها تدخل على غير المقول له.

ص: 176

من حروف الجر التي لها معان كثيرة: حرف الجر الباء؛ فالباء تأتي بمعنى التعدية، أي: تُحول الفعل من حال إلى حال، كقوله تعالى:{ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ} (البقرة: 17) أي: أذهب الله نورهم؛ فالباء هنا أفادت تعدية الفعل اللازم ذهب بالحرف، وكذلك تأتي الباء بمعنى التبعيض كقوله تعالى:{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} (الإنسان: 6) أي: منها.

وتأتي بمعنى المصاحبة {وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ} (المائدة: 61) أي: مع الكفر، وكقوله تعالى:{اهْبِطْ بِسَلَامٍ} (هود: 48) أي: اهبط مع سلام.

وكذلك تأتي بمعنى المجاوزة، وقلنا المجاوزة أن تكون بمعنى عن، كقوله تعالى:{فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} (الفرقان: 59) أي: فاسأل عنه خبيرًا، وكذلك تأتي الباء بمعنى الظرفية، أي: بمعنى "في" كقوله تعالى: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} (القصص: 44) أي: في جانب الغربي.

وتأتي بمعنى الغاية أي: موافقة إلى، كقوله تعالى:{وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} (يوسف: 100) أي: أحسن إلي. وتأتي أيضًا بمعنى البدل، وتأتي بمعنى الاستعلاء كقوله تعالى:{وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُون} (المطفِّفين: 30) أي: مروا عليهم، وكقوله تعالى:{مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ} (آل عمران: 75) أي: على قنطار.

وتأتي بمعنى السببية كقوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ} (المائدة: 13) أي: فبسبب نقضهم، وكقوله تعالى:{فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ} (العنكبوت: 40) أي: بسبب ذنبه، وكقوله تعالى:{بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} (البقرة: 54) أي: بسبب اتخاذكم العجل.

ص: 177

وتأتي بمعنى التأكيد، وهي أيضًا الزائدة، كقوله تعالى:{وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة: 195) أي: ولا تلقوا أيديكم إلى التهلكة، وكقوله تعالى:{وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا} (النساء: 79) وكقوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} (مريم: 25) وكقوله تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} (الحج: 25) أي: ومن يرد فيه إلحادًا.

وأيضًا حرف "في" وله معان منها: الظرفية، المكانية. كقوله تعالى:{فِي أَدْنَى الأَرْض} (الروم: 3) والظرفية الزمانية، كقوله تعالى:{فِي بِضْعِ سِنِينَ} (الروم: 4) وتأتي "في" بمعنى الظرفية المجازية، والظرفية المجازية التي ليست على حقيقة معنى الظرف، كقوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب: 21) كقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ} (البقرة: 179). وتأتي في مرادفة إلى؛ أي: بمعنى إلى كقوله تعالى: {فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} (إبراهيم: 9) وتأتي زائدة، وأجاز ذلك بعضهم في قوله تعالى:{وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا} (هود: 41) أي: اركبوها.

وتأتي "في" بمعنى السببية كقوله تعالى: {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيم} (النور: 14) أي: بسبب ما أفضتم فيه، وكقوله تعالى:{قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} (يوسف: 32) أي بسببه، وتأتي في بمعنى المصاحبة كقوله

ص: 178

تعالى: {قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ} (الأعراف: 38) أي: مع أمم، وكقوله حكاية عن قارون:{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} (القصص: 79) أي: مع ما تزين به.

وتأتي في بمعنى الاستعلاء كقوله تعالى: {لأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (طه: 71) أي: على جذوع النخل، وهنا للزمخشري، وغيره رأي في أن الحرف على حقيقته؛ لأنه أبلغ في النكاية وتصوير العذاب، أن يكون التصليب في الجذوع، وليس على الجذوع.

وتأتي أيضًا في بمعنى المقايسة، كقوله تعالى:{فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَاّ قَلِيل} (التوبة: 38) ومعنى المقايسة هو دخولها بين مفضول سابق، وفاضل لاحق، هذا بالنسبة لحرف الجر "في".

وأيضًا حرف الجر "على" فمعناه الأصلي أو المعنى الأساسي لاستخدامه هو الاستعلاء كقوله تعالى: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُون} (المؤمنون: 22) وهذا الاستعلاء يكون حقيقة كالآية المذكورة، ويكون مجازًا كقوله تعالى:{أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} (البقرة: 5) وكقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم} (القلم: 4) وكقوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (البقرة: 253).

وتأتي على بمعنى الظرفية كقوله تعالى: {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} (القصص: 15) أي: في حين غفلة وتأتي أيضًا بمعنى المصاحبة؛ بمعنى مع في كقوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} (الرعد: 6) أي: مع ظلمهم، ولها معان أخر؛ فتأتي

ص: 179

بمعنى اللام، واستشهد له بقوله تعالى:{وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (البقرة: 185) أي: لما هداكم، وتأتي بمعنى عند كقوله تعالى:{وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ} (الشعراء: 14) أي: عندي وتأتي بمعنى من كقوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون} (المطفِّفين: 2) أي: من الناس.

وكذلك حرف الجر "عن" له معان منها البعدية كقوله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَق} (الانشقاق: 19) أي: حالًا بعد حال، ومنها: معنى الاستعلاء كقوله تعالى: {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} (محمد: 38) ومعنى التعليل كقوله تعالى: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ} (هود: 53) أي: لأجل قولك، وكذلك حرف الكاف يأتي بمعنى التشبيه، كقوله تعالى:{وَرْدَةً كَالدِّهَان} (الرحمن: 37) ويأتي بمعنى التعليل، كقوله تعالى:{وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} (البقرة: 198) ويأتي بمعنى التوكيد، والآية المشهورة التي دار حديث العلماء عنها في قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير} (الشورى: 11).

كذلك عندنا حروف الجر "إلى، وحتى" وهما يأتيان بانتهاء الغاية في المكان أو الزمان، وشاهد المكان قوله تعالى:{مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} وشاهد الزمان قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} (البقرة: 187) وقوله تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر} (القدْر: 5).

ص: 180

وكذلك عندنا حروف "الواو، والتاء" وهي حروف تستخدم للقسم، وشواهدها مشهورة {وَالْعَصْر} (العصر: 1) {وَالْفَجْر} (الفجر: 1){وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} (الليل: 1){وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} (الشمس: 1) والتاء {وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم} (الأنبياء: 57){تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} (يوسف: 85) والفَرْق أنّ الواو لمُطلق القسم، والتاء لا يُقسم بها إلّا على اللفظ الجليل سبحانه وتعالى.

هذا ما عرضنا له من معاني حروف الجر، وهو باب واسع، وأردت أن أعرض هذه الشواهد، وهذه النماذج لاستخدامات حروف الجر، على ما فيها من حوارات، ومن كلام بين العلماء في المعاني الذي يؤدي بنا إلى طرح مسألتين في غاية الأهمية، تناولها العلماء في هذه المعاني أولها:

هل ينوب حرف عن حرف؟ كما مثلنا وذكرنا في الأمثلة السابقة؛ نجد العلماء يقفون موقفين، هناك من يرفض أن ينوب حرف عن حرف، ويحمل جميع الحروف على معنى أصلي، وغيرها يؤوله على هذا المعنى أو يصرفه إليه، وهُناك فريق آخر يثبت هذا التناوب مطلقًا، والحقيقة أن كلا القولين بهما نظرٌ؛ لأنّ العُلماء الأجلاء الذين أنكروا، ومثلوا ببعض الأمثلة، أننا إذا فتحنا المجال لهذه القضية، ولتناوب الحروف جاز لأحد أن يقول: ذهبت إلى فلان. ثم يقول: أردت ذهبت معه، وإلى غيره ذلك< لأنه يضع حرفًا مكان حرف، على معنى يريده ويدعي أنه يريد كذا.

والأمر في الحقيقة ليس كذلك؛ لأن قضية تناوب الحروف، وقضية أن الحرف يأتي لأكثر من معنى، هذه القضية أساسها السياق، ومَجَالُها كتب التفسير التي

ص: 181