الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس العاشر
(القراءات القرآنية وما بها من أوجه للإعجاز)
القِراءة وطرق الأداء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وبعد:
نتحدث عن القراءات القرآنية، وما بها من أوجه للإعجاز.
فنبدأ حديثنا بالكلام عن القِراءة وطرق الأداء:
القراءة وطرق الأداء ربما نتوصل إلى فهم المراد بهذا العنوان بالتمهيد له ببيان ما هي القراءات؟
القراءات هي صور نظم كلام الله تعالى من حيث وجوه الاختلافات المتواترة المنسوبة إلى أئمة معينين ناقلين لها، قد يُراد بالقراءات الصور الواردة بالتبادل على اللفظ، هذه القراءات اتفاقًا المتواترة المجمع عليها تسمى قرآنًا، ويعمل بها في التلاوة التعبدية، وهذا هو أساس كلامنا عن القراءات المتواترة المجمع عليها عند أئمة هذا الفن.
فطرق أداء القراءة: هي الطرق التي يصل بها أو تصل بها القراءة إلينا عن طريق رواة القارئ ومَن نقل عنه، فكل قارئ من القراء السبعة أو العشرة له رواة، مثلًا: كلنا نعرف قراءة حفص عن عاصم وورش عن نافع وغير ذلك، هؤلاء الرواة لهم مَن نقل عنهم، فهؤلاء الذين ينقلون عن حفص مثلًا يسمى ما ينقلونه طرق القراءة، فهذا طريق من طرق القراءة، أما الراوي فهو حفص وأما القارئ فهو عاصم. مثال: كقوله تعالى في سورة الروم: {خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} (الروم: 54) فتقرأ:
"مَنْ ضَعْفٍ" وتُقرأ: "مِن ضُعف" وكلا الوجهين هو قراءة حفص عن عاصم لم يخرج عنها، فهذا يسمى طريق من طرق الأداء
كذلك مثلًا في: {آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} (الأنعام: 143) تقرأ هكذا بالمد، وتقرأ "الذكرين" بتسهيل المد والاقتصار على حركتين فقط.
كذلك يترتب في قراءة حفص حكم على مَن يمد المنفصل يختلف عمن يقصر المنفصل، فالذي يقرأ بمد المنفصل يلزمه السكتات المعروفة في مواضع معينة في القراءة:{وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} (القيامة: 27) وكذلك في: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} (يس: 52) هذه الوقفات المعينة والسكتات تترتب على مَن يمد القراءة في حفص، وهذا كله ما يسمى بطرق أداء القراءة.
القراءة وطرق الأداء أمران يتعلقان باللفظ، ويبنيان على وجوه اللغة التي قام بها هذا النظم الذي جاء عليه القرآن الكريم، فقد نزَلَ القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأفصح ما تَسْموا إليه لغة العرب في خصائصها العجيبة وما تقوم به، مما هو السبب في جزالتها ودقة أوضاعها وإحكام نظمها واجتماعها من ذلك على تأليف صوتي يكاد يكون موسيقيًّا محضًا في التركيب والتناسب بين أجراس الحروف، والملائمة بين طبيعة المعنى، وطبيعة الصوت الذي يؤديه، فإذا تم هذا النظم للقرآني مع بقاء الإعجاز الذي تحدَّى به، مع اليأس من معارضته على ما يكون في نظمه من تقلب الصور اللفظية في بعض الأحرف والكلمات بحسب ما يلائم تلك الأحوال في مناطق العرب -أي: طرق نطقهم- فقد تم له التمام كله، وسار إعجازه إعجازًا للفطرة اللغوية في نفسها حيث كانت وكيف ظهرت، ومهما يكن من أمرها، ومتى كان العجز فطريًّا فقد ثبت بطبيعته.
أي: يقصد هنا الرافعي في تمهيده للكلام عن هذه المسألة: بأن أول أوجه بيان قيمة معرفة القراءات وطرق أدائها، أنها وجه إعجاز بين للقرآن الكريم، أنها على اختلافها وعلى اختلاف طرقها ووجوهها مع هذا الاختلاف، هي معجزة، ففي كل وجه مع ملاءمته لطبيعة العرب وفِطرتهم اللغوية، عجزوا عن معارضته وعجزوا عن الإتيان بمثله، فهذا أدعى لبيان أن الإعجاز أظهر عجزهم الفطري عن معارضة القرآن، وعن الإتيان بمثله مع هذا التنوع، وهذه الطرق التي قرئ بها القرآن الكريم. فإن القرآن لو نزل على لفظ واحد ما كان يضره شيء، وهو ما هو إحكام وإبداع، فما بالك وقد تعددت طرقه، وقد كثرت طرق نقله وروايته مما بين أثر هذا الإعجاز الواضح في تعدد طرق القراءات.
وهناك حكمة جليلة من هذا التعدد في طرق القراءة، وهذه الحكمة تتركز في تيسير القراءة والحفظ على قوم أميين، لم يكن حفظ الشرائع مما عرفوه فضلًا عن أن يكون مما ألفوه، وكذلك يلحق بمعاني الإعجاز كون الألفاظ في اختلاف بعض صورها مما يتهيأ معه استنباط حكم أو تحقيق معنًى من معاني الشريعة، فالقراءات من حجة الفقهاء في الاستنباط والاجتهاد، وهذا المعنى انفرد به القرآن الكريم ولا يستطيع لغوي أو بياني في تصوير خيال، فضلًا عن تقرير شريعة.
وأيضًا من طرق الأداء وتنوعها يتبين لنا شيء عظيم، وهو أن الناظر في إعجاز القرآن ونظمه يحسب أن ألفاظ القرآن تنقاد لمعانيه، ثم يتعرف ويتغلغل فيه، فينتهي إلى أن معانيه منقادة بألفاظه، فإن الله سبحانه وتعالى خلق في العرب فطرةً لغويةً، وأنزل عليهم كتابه أعجز هذه الفطرة التي فُطِروا عليها، ووقفوا أمام أساليب القرآن وما قرئ به موقف العاجز على الإتيان أو على معارضة مثل هذا الكتاب المبارك الذي أنزله الله سبحانه وتعالى عليهم.