الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما أجمل كلام شيخ الإسلام رحمه الله.
لذلك قال شيخنا محمد أبو موسى: أما أن وجه إعجازه هو الإخبار بالغيب أم لأمر يرجع إلى لفظه أم لأمر يرجع إلى معناه أو نظمه- فذلك مما وسّع الله فيه على الأمة؛ ولهذا اختلفت فيه مقالتهم واتسعت؛ الأمر فيه سعة كما يقال.
وما أجمل ما قاله الرافعي رحمه الله في كتابه (إعجاز القرآن والبلاغة النبوية) يقول: وما أشبه القرآن الكريم في تركيب إعجازه وإعجاز تركيبه بصورة كلامية من نظام هذا الكون الذي اكتنفه العلماء من كل جهة وتعاوروه من كل ناحية ولقوا جوانبه بحثًا وتفتيشًا، ثم هو بعد لا يزال عندهم على ذلك خلقًا جديدًا ومرامًا بعيدًا وصعبًا شديدًا، وإنما بلغوا منه إذ بلغوا منه نذرًا تهيأت بضعفه أسبابه، وقليلًا عُرف لقتله حسابه وبقي ما وراء ذلك من الأمر المتعذر الذي وقفت عنده الأعذار ولابتغاء المعجز الذي حط عنده قدر الإنسان؛ لأنه مما سمحت به الأقدار.
وكأنه رحمه الله يشير إلى حقائق التنزيل اليقينية: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلا} (الإسراء: 85){وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَاّ بِمَا شَاء} (البقرة: 255) فالبحث في هذا المجال واسع واسع واسع.
كيفية تحدي نبينا صلى الله عليه وسلم للعرب
أما السؤال الرابع: وهو كيفية تحدي نبينا الكريم -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- للعرب يستلزم منا بيان شيئين:
الأول: هو ما أكده الله عز وجل في حق كتابه ورسوله.
الثاني: صور التحدي وتصعيد درجته.
أولًا: نقول: إن الله سبحانه وتعالى أكد في كتابه أن كتابه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه تنزيل رب العالمين، وأنه أُرسل إلى رسولنا -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأكد الله سبحانه وتعالى أن رسوله صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى، وأكد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتلو قبل بعثته كتابًا ولا يعرف القراءة:{وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَاّرْتَابَ الْمُبْطِلُون} (العنكبوت: 48) وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل مثلما قال قبل بعثته: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ} (يونس: 16).
وأكد أن القرآن ليس بقول شاعر لا بقول كاهن، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس مجنونا {وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُون} (التكوير: 22) هذا الافتراءات التي ذكرها أهل مكة في محاربة النبي صلى الله عليه وسلم فزعموا أنه شاعر وزعموا أنه ساحر وزعموا أنه كاهن وزعموا أنه مجنون؛ كل ذلك أبطله القرآن، ولكن هذا الخطاب لأهل الإيمان، فلما لم يؤمنوا واستمروا على عنادهم كانت النقطة الثانية هي التحدي.
صورة التحدي التي واجه بها النبي - صلى الله عليه وآلة وصحبه وسلم - هؤلاء المشركين: لماذا؟ لأنهم كما قال الله سبحانه وتعالى {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا} (الأنعام: 111)، ولأنهم بلغوا من الوقاحة والتبجح أن ادّعوا ما لا يستطيعون {لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَاّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِين} (الأنفال: 31) من هنا كان التحدي، فأعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم صريحة:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (الإسراء: 88)؛ ليكون ذلك إعلانًا على عجزهم ونداءً على كذبهم فيما ادعوا، فتمادوا في عنادهم وادعوا أن القرآن كذب وافتراء {أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (الفرقان: 5) مع تيقنهم من كذب دعواهم؛ فأنى للأمي صلوات الله وسلامه عليه أن
يكتب؟ وكيف تعلمها؟ ومن أين تعلمها؟ وهو لم يخرج من بين ظهرانيهم، وهم لا علم لهم بهذه الأخبار التي يخبرهم بها -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- فكان التحدي الثاني {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} (هود: 13) فإن كانت المسألة كذبًا وافتراءا وأساطير فما عليكم إلا أن تأتوا بمثلها، بل بمثل عشر سور فقط مفتراة كما تدّعون، فإن كنتم نسبتم إليه -صلوات الله وسلامه عليه- الكذب والافتراء وأنتم اللذين لقبتموه بالصادق الأمين فما الذي يحول بينكم وبين الافتراء وأنتم أرباب ذلك؟ افتراء افتراء!! فعليكم أن تفتروا مثلما افترى عشر سور مثله مفتريات، فلما عجزوا أيضا بلغ التحدي ذروته فوصل للدرجة العليا {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (البقرة: 23، 24).
فلم يعد لهم حجة في الادعاء والإنكار والتكذيب، فليسوا مطالبين بأكثر من سورة ومع ذلك هم عاجزون بل لم ولن، انظر -رحمك الله- إلى التعبير بـ"لم ولن" لم تفعلوا ولن تفعلوا، لم نفي الماضي ولن نفي المستقبل، فهم لم يستطيعوا ولن يستطيعوا أن يأتوا بسورة من مثله، فكانت الحجة القاطعة بعدم الاستطاعة إلى قيام الساعة، فلن نفت المستقبل والخطاب لهم ولمن بعدهم، وكأن الله عز وجل يعلمنا هذه العبارة نقولها لكل من سوّلت له نفسه الطعن في القرآن أو تكذيب خير الأنام؛ أن نقول له: فأتوا بسورة من مثله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.