الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزيادة عند علماء النحو
ننتقل الآن إلى الكلام عن الزيادة عند النحاة أو عند علماء النحو، وسبق مما تحدثنا عنه بيان أن المقصود عندهم الزيادة التي لا تؤثر في العمل، وهذا باب واسع عند النحاة ومطردٌ في كلامهم وفي كتبهم، فعندما يتحدثون في باب كان تجد فصل زيادة كان، حتى إن ابن مالك في منظومته يقول:
وقد تزاد كان في حشو كما
…
كان أصح علم من تقدما
ويتكلمون عن الزيادة في حروف الجر، وعن زيادة ما مع إن وأخواتها وكفها عن العمل لها إلى غير ذلك من أبواب النحو، فمصطلح الزيادة مصطلح شائع عندهم، وهو في كل موضع من المواضع التي ينبهون عليه ينطلق نحو قضية العامل والمعمول التي هي أصل صناعة النحو، وأصل تخصصهم وكلامهم. فمثلًا يبتدءون كلامهم بأنهم ينصون على تنبيهات معينة أن كون الحرف زائدًا دلالة على أن أصل المعنى حاصل بدونه دون التأكيد، فبوجوده تحصل فائدة التأكيد؛ ولذا استخدامه في القرآن لوضع ولغاية يريدها المولى سبحانه وتعالى في هذا الاستخدام. ثانيًا: أن حق الزيادة أن تكون في الحرف وفي الأفعال، أما الأسماء فقد نصوا على أنها لا تزاد، وإن كان في كتب بعض النحاة زيادة الاسم إلا أن هذا لا يطرد عندهم. مثال: الزمخشري في قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا} (البقرة: 9)، يقول:"إن اسم الجلالة مقحم، ولا يتصور مخادعتهم لله تعالى".
وثالث هذه الأشياء التي ينبهون عليها أن الزيادة تكون إمًا آخرًا، وإما حشوًا فلا تقع في بداية الكلام، فلذلك تجد كثيرًا من النحويين يعترضون على زيادة لا في مثل قوله تعالى:{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (القيامة: 1)، في بداية الكلام. ولكي يتبين لنا كلامهم عن الزيادة نعرض كلامهم حول الحروف الزائدة، وهذه المسألة التي كثر الكلام حولها في باب الزيادة، أما زيادة الفعل فهي محصورة على أفعال معينة مثال كان، والآيات التي يحتملها زيادة كان في القرآن جميعها جاءت على سبيل الاحتمال، وليس على القول القاطع. كما قالوا مثلًا في قوله تعالى:{كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} (مريم: 29)، فقالوا: إن كان زائدة، وإن {صَبِيًّا} تعرب حالًا؛ لأن لا فائدة في وصف أنه كان في المهد، ليس هناك معجزة في شأن عيسى عليه السلام، فكل من في المهد صبي فهم يتعجبون من كلامه حالة كونه صبيًا ليس لأنه كان في المهد صبيًا.
وهذا فهم أيضًا يعترض عليه أصلًا في هذا التقدير إلا أن كثيرا من النحاة ذكروا زيادة كان في هذا الموضع، ومواضع أخرى كثيرة في القرآن جاءت على الاحتمال بأنها زائدة وعلى الاحتمال بأنها أصلية في الكلام، وهذا كلام يتعلق بالنحو وبتفاصيل المسائل فيه. القضية التي تشغلنا هي حروف الزيادة، ابتداء الزيادة إما أن تكون لتأكيد النفي كالباء في خبر ليس وما أو لتأكيد الإيجاب كاللام الداخلة على المبتدأ، يعني هم يوضحون ابتداء أن الكلام في الزيادة لغرض التأكيد سواء كان تأكيد إيجاب أو تأكيد نفي، وحروف الزيادة المستعملة بكثرة عندهم سبعة التي نصوا كثيرًا على زيادتها: إن، وأن، ولا، وما، ومن، والباء واللام، هذه الحروف استخدمت كثيرًا في الزيادة، وبعضهم زائد أم، وبعضهم زاد الكاف، وبعضهم ذهب إلى زيادة إلى في بعض المواضع.
هذا وقد أحصى دكتور أحمد بدوي الألفاظ الزائدة بأنها خمسة عشر لفظًا وردت في القرآن الكريم ما بين حروف وأسماء، وهذه الحروف هي التي ذكرناها، وأما الأسماء فهو حصر معها إذ وإذا. في هذه الأدوات عندما يتحدثون مثلًا عن إن يقولون:"إن" الخفيفة يطرد زيادتها مع "ما" النافية، ويمثلون بقوله تعالى:{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} (الأحقاف: 26)، ويقولون: إن "أن" المفتوحة تزاد بعد لَمَّا الظرفية كقوله تعالى: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ} (العنكبوت: 33)، ويقولون:"ما" تزاد بعد خمس كلمات من حروف الجر،، فتزاد بعد مِن وعن غير كافة لهما عن العمل، وتزاد بعد الكاف ورب والباء فتكفها تارة ولا تكفها تارة أخرى.
ويوضحون مجيئها كافة وغير كافة يقولون: ما التي تكف عن النصب والرفع هي الواقعة بعد إن وأخواتها {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (النساء: 171)، {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} (الأنفال: 6)، والتي تكف عن عمل الجر كقوله تعالى:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} (الأعراف: 138)، وغير الكافة هي التي تقع بعد أداة الجزم، كقوله تعالى:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ} (الأعراف: 200)، أي: إنما تكون فهنا أداة الجزم جزمت الفعل بعدها، ولم تؤثر ما فلم تكف عن العمل وكذلك الواردة بعد الخافض أي: بعد حرف الجر {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ} (آل عمران: 159) فكلمة {رَحْمَةٍ} مجرورة بالباء، ومثلها {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} (النساء: 155)، {عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} (المؤمنون: 40) {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} (نوح: 25) فكل من هذه الألفاظ الواقعة بعد "ما" مجرورة بحرف الجر السابق لها.
وكذلك تقع بعد الاسم كقوله تعالى: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} (القصص: 28)، وتزاد بعد أداة الشرط جازمة كانت أو غير جازمة، ومثال الجازمة {أَيْنَمَا
تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ} (النساء: 78)، وغير الجازمة {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ} (فصلت: 20)، وتزاد بين التابع وتابعه ويستدلون لذلك بقوله تعالى:{مَثَلًا مَا بَعُوضَةً} (البقرة: 26)، فـ {بَعُوضَةً} بدل أو عطف بيان لـ {مَثَلًا} ويتحدثون عن "لا" فيقولون:"لا" تزاد مع الواو بعد النفي كقوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} (فصلت: 34)، أي لا تستوي الحسنة والسيئة؛ لأن استوى من الأفعال التي تطلب اسمين أي لا تليق بفاعل واحد نحو: اختصم، فعلم أن لا زائدة، وتزاد بعد أن المصدرية كقوله تعالى:{لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} (الحديد: 29)، ف ـ {يَعْلَمَ} فعل مضارع منصوب بأن المصدرية ولا زائدة. حتى إن الشلوبين يقول:"وأما زيادة لا في قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} فشيء متفق عليه، وقد نص عليه سيبويه، ولا يمكن أن تحمل الآية إلا على زيادة لا فيها لأن ما قبلها من الكلام وما بعده يقتضيه".
رجعنا إلى مسألة العامل تنبه أن أنْ تتطلب العمل في {يَعْلَمَ} قالوا: وفائدة زيادتها تأكيد الإثبات فإن وضع لا نفي ما دخلت عليه فهي معارضة للإثبات، ولا يخفى أن حصول الحكم مع المعارض أثبت مما إذا لم يعترضه المعارض، قالوا: وقد تزاد قبل القسم {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} (المعارج: 40)، {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} (الواقعة: 75)، وعندما يتحدثون عن "مِن" يقولون: تزاد في الكلام الوارد بعد نفي أو شبهه {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ} (الأنعام: 59) أي: ورقة، {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} (المؤمنون: 91) أي: ولدا، {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} (الملك: 3)، أي: تفاوتا وغيرها كثير في كتاب الله سبحانه وتعالى. وجوز الأخفش زيادتها مطلقًا أي دون أن تسبق بنفي أو شبه نفي، واستدل لذلك بقوله تعالى:{وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ}
(الأنعام: 34)، أي: نبأ المرسلين، {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} (الأحقاف: 31) أي: ذنوبكم، {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} (الكهف: 31)، أي أساور من ذهب، {وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} (البقرة: 271)، أي سيئاتكم على أنها منصوبة؛ لأن سيئات جمع مؤنث سالم، فينصب ويجر بعلامة واحدة وهي الكسرة.
ويتحدثون عن الباء، فيقولون: تزاد في الفاعل كقوله تعالى: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (الرعد: 43)، {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (الأحزاب: 39)، وتزاد اطرادًا وقياسًا في أسلوب التعجب {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} (مريم: 38). والنحاة عندما يعربون "أكرِمْ بمحمد" يعربونها على أصل المعنى، فمعناها كرم محمد، فبالتالي عندما يقول لك: أكرم فعل ماضٍ جاء على صورة الأمر للتعجب، والباء حرف جر زائد، ومحمد فاعل مرفوع محلًا مجرور لفظًا أو فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها انشغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، هذا يوضح لك أن القضية عندهم لا تعدو أن تكون متصلة بمسألة الإعراب، والعامل والمعمول، ويقولون: يجوز حذفها في فاعل كفى أي أن تقول: كفى الله، ومنه قول الشاعر:
كفى الشيب والإسلام
…
بالمرء ناهيا
وتزاد في المفعول كقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة: 195)، وكقوله تعالى:{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} (مريم: 25)، وكقوله تعالى:{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} (العلق: 14)، وكقوله تعالى:{فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} (الحج: 15)، وكقوله تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} (الحج: 25)، ويقولون: هي تزاد في المبتدأ، وذلك قليل ومنه عند سيبويه {بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} (القلم: 6)،
أي: أيكم المفتون وتزاد في خبر المبتدأ وحملوا عليه قوله تعالى: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} (يونس: 27)، وتزاد في خبر ليس كثيرًا كقوله تعالى:{أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ} (القيامة: 40)، {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} (الزمر: 36)، ومن النادر زيادتها مع غير ذلك، وهذا خرجوا عليه قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ} (الأحقاف: 33)، وحمل أيضًا على أنها في معنى النفي، فحملت على ليس وهي تزيد كثيرًا في خبر ليس.
ويتحدثون عن اللام فيقولون: إنها تزاد بين الفعل ومفعوله، وحمل عليه المبرد قوله تعالى:{رَدِفَ لَكُمْ} (النمل: 72)، أي: ردفكم واختلفوا في قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ} (النساء: 26)، وتزاد اللام لتقوية العامل، ينظرون إلى قوله تعالى:{إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} (يوسف: 43)، فإذا ما سئلت عن إعراب الرؤيا، فالرؤيا: مفعول به للفعل {تَعْبُرُونَ} إذًا ما دور اللام؟ قالوا: اللام دخلت هنا لتقوية العامل؛ لأن العامل ضعف بسبب تأخيره كقوله تعالى: {هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} (الأعراف: 154)، أي: يرهبون ربهم يخافون ربهم فبسبب ذلك الضعف لتأخيره زيدت اللام على المفعول به.
أو أن العامل لا يكون فعلًا يكون فرعًا عن الفعل أي: مشتق يعمل عمل الفعل كقوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (هود: 107)، أي فعال ما يريد، وكقوله تعالى:{مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} (البقرة: 91)، أي مصدقا ما معهم، {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} (المعارج: 16)، أي نزاعة الشوى، واجتمع التأخر والفرعية أن العامل يكون ضعيفًا بسبب تأخره وبسبب فرعيته في نحو قوله تعالى:{وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} (الأنبياء: 78)، أي: وكنا شاهدين حكمهم، فالعامل
هنا كلمة {شَاهِدِينَ} وهي مشتق يعمل عمل الفعل، والمعمول كلمة حكمهم فهي متقدمة على عاملها. بقي أن نشير إلى أنهم لم يعرضوا هذا الكلام، ولم يتكلموا فيه، وعلى تركه دون بيان بل إنهم كانوا يوضحون أحيانًا السر في هذه الزيادة، ويتحدثون عن الغرض البلاغي، وكثير منهم ينص على أن هناك فرقا بين وجودها وعدم وجودها، وكثير من البلاغيين يأخذون عن توجيهات النحويين وكلامهم في هذه المسائل.
فنختم للتطبيق على قضية الزيادة بين النحاة والبلاغيين بكلام رائد من رواد البلاغة في العصر الحديث، وهو أستاذنا الدكتور أحمد أحمد بدوي في كتابه (من بلاغة القرآن) يقول:"أحصى النحاة ما ورد في القرآن الكريم من كلمات زائدة، وحصروها في خمسة عشر لفظًا، هي إذ في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة: 30)، وإذا في قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} (الانشقاق: 1)، وإلى في قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (إبراهيم: 37)، في رواية من قرأ تهوى بفتح الواو "تهوَى إليهم" أي تهواهم، وأم في قوله تعالى:{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْم أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (الزخرف: 51، 52)، والتقدير: أفلا تبصرون أنا خير.
وإن في قوله تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} (الأحقاف: 26)، وأن في قوله تعالى:{وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ} (العنكبوت: 33)، وقوله تعالى:{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} (يوسف: 96)، وقوله
سبحانه: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (البقرة: 246)، {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ} (إبراهيم: 12)، والباء في قوله تعالى:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة: 195)، {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} (مريم: 25)، {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} (الحج: 15)، {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} (الحج: 25)، كما ذكرت سابقًا. والفاء في قوله سبحانه {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ * هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ} (ص: 54 - 57)، أي: هذا ليذوقوه {حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} ، و"في" في قوله تعالى:{وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} (هود: 41)، أي: اركبوها، والكاف في قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الشورى: 11)، واللام في قوله تعالى:{قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} (النمل: 72)، {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} (المؤمنون: 36)، ولا في قوله تعالى:{مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} (الأعراف: 12)، وقوله سبحانه:{قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} (طه: 92، 93)، وكذلك قوله سبحانه:{لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} (الحديد: 29)، وقوله سبحانه:{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (القيامة: 1)، وما على شاكلته من الآيات.
وقوله سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} (النساء: 65)، أي: فوربك، وقوله سبحانه:{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (الأنعام: 151)، وقوله سبحانه:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} (الأنعام: 109)، وقوله سبحانه: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا
أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} (الأنبياء: 95)، وقوله سبحانه:{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا} (آل عمران: 79، 80)، و"ما" في قوله تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} (آل عمران: 159)، {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} (النساء: 155)، {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} (نوح: 25)، ومن في قوله تعالى:{وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} (الأنعام: 34)، والواو في قوله تعالى:{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} (الزمر: 73)، أي: فتحت أبوابها.
وكذلك قوله سبحانه: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} (الصافات: 103 - 105)، أي: فلما أسلما تله للجبين". هكذا حصر أستاذنا رحمه الله الألفاظ التي عدها النحاة زائدة في خمسة عشر لفظًا، ولكنه كان منصفا رحمه الله فقال بعدها: "ذلك ما أحصاه النحويون من حروف قالوا: إنها زائدة وردت في القرآن يعنون بزيادتها أنهم لا يستطيعون لها توجيهًا إعرابيًا، وإن كانوا يجدونها قد أدت معاني لا تستفاد من الجملة إذا هي حذفت".
يقول: "أما زيادة إذ في الآية الأولى فمما لم يرتضه ابن هشام في مغنيه أي في كتابه (مغني اللبيب) وقال صاحب (الكشاف) أي: الزمخشري وهو أيضًا من النحاة: "إذ" منصوبة بإضمار اذكر، ويجوز أن ينتصب بقالوا وعليه فليست إذ بزائدة أي: أنه يحتج بالكلام بعدم زيادتها بكلام ابن هشام وكلام الزمخشري، وهما من النحاة، وكذلك لم يرتضِ زيادة "إذا" في قوله سبحانه: {إِذَا السَّمَاءُ
انْشَقَّتْ} (الانشقاق: 1)، بل رآها شرطية حذف جوابها لتذهب النفس في تقديره كل مذهب أو اكتفاءً بما علم في مثلها من سورتي التكوير والانفطار، ففي كلتا السورتين قد ذكر جواب إذا فقيل في سورة التكوير في الجواب {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} (التكوير: 14).
وقيل في سورة الانفطار {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} (الانفطار: 5)، وقال في توجيه آية إلى: إن تهوى بفتح الواو قد ضمنت معنى تميل وهو يتعدى بإلى فليست على ذلك بزائدة، أي كل هذا الكلام ينسبه إلى ابن هشام رحمه الله في اعتراضه على القول بالزيادة في هذه المواضع وبأنها تحتمل أشياء أخرى، فهو من النحاة يقصد بـ"إلى" في قوله تعالى:{تَهْوِي إِلَيْهِم} أي: إليها أي: تهواهم، وأم في كلام فرعون {أَمْ أَنَا خَيْرٌ} (الزخرف: 52)، ليست زائدة كذلك بل هي منقطعة بمعنى بل، وتفيد الإضراب الانتقالي، وإن في قوله تعالى:{مَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِْ} ليست بزائدة بل نافية، والمعنى ولقد مكناكم في أمور لم نمكنكم فيها، والمجيء بإن هنا أفضل من المجيء بـ"ما" حذرًا من التكرير اللفظي، فبدأ رحمه الله بذكر المواضع التي اعترض بعض النحاة على كونها زائدة أصلًا". ثم انتقل إلى ما قالوا فيه بالزيادة أو ما وجههوه على معان أخرى، يقول: "أما أن في الآيتين الأوليين فزائدة جيء بها مؤذنة بتراخي حدوث الفعلين بعدها في الزمن تراخيًا عبر عنه القرآن بهذه اللفظ.
ولو أن الفعل كان على الفور لاتصل الفعل بلما من غير فاصل بينهما إشارة إلى {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} يعني لو لم يكن هناك تراخ في الفترة بين مجيء البشير وبين أخذه القميص من يوسف عليه السلام لما وضعت أن؛ لأن "أن" تدل على التراخي الزمني بين الحين الذي أرسل فيه، والفعل الذي ذكر بعدها، والباء ليست زائدة
في قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فالمعنى لا تكونوا سببًا في هلاك أنفسكم بأفعالكم، أما في قوله تعالى:{وهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} فالمعنى أمسكي هازة بجذع النخلة، فجيء بالباء مصورة لمريم ممسكة بجذع النخلة تهزها مبعدة هذا الجذع حينًا ومقربة له إليها حينًا آخر. وكذلك في قوله:{فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} ، فعلى تضمين يمدد بمعنى يتصل أي فليتصل بسبب، إذ ليس المراد مطلق مادي سبب إلى السماء بل الهدف أن يعلق المغيظ نفسه بهذا السبب، فساغ لذلك هذا التضمين ودلَّت عليه".
الشاهد أن ابن هشام رحمه الله اهتم في كتابه (المغني) كثيرًا بهذه المسائل وبتوضيحها وبقضية التضمين بل جعلها من الأساليب التي ينبغي أن يتنبه لها من ينظر في القرآن الكريم وإلى هذه المواضع، والقضية مشهورة في قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى: 11) وكون الكاف زائدة أم غير زائدة، وهذه مسائل تفصيلية تحدثوا فيها وأوضحوها وكتب التفسير مليئة بالرد على نحو ذلك، وبعد أن استعرض الشيخ رحمه الله هذه المسائل يقول:"ومن كل ذلك يبدو أن ما يمكن عده زائدًا إنما هو حروف نادرة جيء بها لأغراض بلاغية وفت بها هذه الحروف الزائدة ويظهر أن تسميتها زائدة معناه أنها لا يرتبط بها حكم إعرابي، لا أنها لم تؤدِ في الجملة معنى". وهذا هو الإنصاف الذي ذكرته عن هذا الباحث الجليل رحمه الله.
ثم استطرد رحمه الله إلى وجود بعض المعاني في آيات من القرآن ربما يتوهم المتوهم أن بها زيادة يقول: "ورد في القرآن ما يبدو للنظرة السريعة أنه يمكن الاستغناء عنه، ولكن المتأمل يظهر له الدقة البارعة في اختيار هذا التعبير مثال قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} (البقرة: 79) فتأمل قوله: {بِأَيْدِيهِمْ} يصور بها جريمة الافتراء ويرسم بها مقدار اجترائهم على الله، ويؤكد ارتكابهم الجريمة بأنفسهم، وإن شئت فأسقطت تلك الكلمة وانظر إلى فراغ تتركه إذا سقطت".
هو يشير رحمه الله إلى أنه ربما يتساءل متسائل: بأي شيء يكتبون الكتاب، الكتابة لا تكون إلا بالأيدي فربما يظن متوهم أن ذكر الأيدي هنا زيادة نستطيع الاستغناء عنه فبين الشيخ رحمه الله أن ذكر الأيدي هنا بيَّن معانٍ لا نستطيع أن نتوصل إليها بدون ذكر الأيدي، كذلك في قوله تعالى:{فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} (النحل: 26)، معروف أن السقف لا يخر من تحتهم، فلا يكون إلا من فوق، وهي من اللطائف التي أشار إليها البعض في الآية وعندما قال أحدهم: فخر عليهم السقف من تحتهم عوتب ووجهوا إليه نقدًا لاذعًا؛ لأنه لا يفقه ما يقرأ أو ما يقال. وكذلك قوله سبحانه وتعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} (النور: 15)، وقوله سبحانه وتعالى:{ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} (الأحزاب: 4)، فأفواهكم تدل في الآية الأولى على أن الحديث الذي يجري على ألسنتهم حديث لم يشترك فيه العقل، ولم يصدر عنه فلذلك كان التعبير: تلقونه بألسنتكم، وتقولون بأفواهكم، أما في الآية الثانية تدل على أن نطق اللساني لا يغير من الحقيقة شيئًا {ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} فهو لا يتعدى اللسان إلى ما في الأفئدة من حقائق.
وأشار إلى قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} (الأحزاب: 4)، ففي ذكر الجوف تأكيد لإنكاره وجود قلبين لرجل، فإذا تصور القارئ جوفًا بادر بإنكار أن يكون فيه قلبان وكذلك ذكر كلمة واحدة في قوله تعالى:{نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} (الحاقة: 13)، {فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} (الحاقة: 14)، فهو يوحي بقصر النفخة وسرعة الدكة، وفي ذلك من إثارة الرعب وتصوير شدة الهول ما
فيه، وكذلك في وصفه سبحانه وتعالى مناة الثالثة الأخرى، وكذلك في قوله سبحانه وتعالى:{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} (النجم: 19، 20)، فيقول:"تجد فيه وصف مناة بالثالثة زيادة عن ما فيه من الحفاظ على الاتساق القرآني والموسيقى المتناسبة، إشارة إلى ما مني به هؤلاء القوم من ضعف في العقول، وفساد في التفكير حتى إنهم لم يقفوا بإشراكهم عند حد إلهين بل زادوا عليهما ثالثًا، وذلك فيه تهكم مرير عليهم". وفي قوله سبحانه وتعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (البقرة: 196)،فالعشرة معلومة من الثلاثة والسبعة إلا أن ذكر {كَامِلَةٌ} أفاد أن التفريق بين هذه الأيام لم ينقص الأجر بل أجرها كامل كما لو كانت متوالية، فنسب الكمال إليها لكمال أجرها عند الله سبحانه وتعالى.
هكذا نختم كلامنا عن قضية الزيادة، وأرجو أن تكون قد اتضحت لكم بأنها خلاف لفظي، وأن النحاة وغيرهم آثروا استخدام لفظ "الصلة" أفضل من لفظ "الزائد" أو "اللغو"؛ لأنهم لا يريدون بأنه لا يؤثر على المعنى، حاشى لله، وأن كلام الله سبحانه وتعالى منزه عن أن يكون فيه ما لا يفيد في مجال المعنى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.