الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس التاسع عشر
(موقف علماء الصرف والنحو من قضية الزيادة)
الزيادة لدى علماء الصرف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ومولانا وحبيبنا وشفيعنا محمد بن عبد الله -صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
نتناول بإذن الله موقف علماء الصرف، وعلماء النحو من قضية الزيادة، ونقابل الموقف بموقف البلاغيين وكلامهم عن مسألة الزيادة:
الزيادة عند علماء الصرف هي اشتمال الكلمة على أحد حروف الزيادة العشرة المجموعة في سألتمونيها، أو هناء وتسليم أو تلا يوم أنسه أو اليوم تنساه، فتفنن علماء الصرف في جمع هذه الحروف وعدها بأنها من الأحرف المزيدة، والمزيد عندهم هو ما بعض حروفه ساقط وضعًا أي: أنك تستطيع أن تتعرف عليه بإسقاطه في تصاريف الكلام، فعندما تقول: نصر ينصر انتصارا ناصر منصور، نصير، منتصر يؤدي ذلك إلى أن تقول: إن النون والصاد والراء حروف أصلية، وما عداها حروف زائدة، ودليل ذلك أنك ترى الألف في ناصر ولا تراها في منصور، وكذلك ترى الياء في نصير ولا تراها في منتصر فهذه الحروف زائدة لسقوطها في بعض تصاريف الكلمة.
وينصون على أن أكثر ما يبلغ الاسم بالزيادة سبعة أحرف مثل "احرنجام" وفي الفعل يبلغ ستة أحرف مثل: استغفر، واطمأن، ويقابلون الزائد بالمجرد، فالمجرد ما كانت كل حروفه أصلية، ولا تسقط في أصل الوضع بخلاف الزائد، واهتموا أيضًا ببيان أن الزيادة لا تكون إلا لأحد ستة أشياء: الزيادة لمعنى كحروف المضارعة، وينصون على أن ما زيد لمعنى هو أقوى الزوائد، والزيادة للمد نحو: كتاب وعجوز وقديم أي: حرف الألف والواو والياء من حروف المد، والزيادة للإلحاق نحو: واو كوثر، وياء ضيغم، والزيادة للإمكان كهمزة الوصل التي يتوصل بها إلى الساكن، وهاء السكت في الوقف على قه وعه ومه والزيادة
للعوض نحو: تاء التأنيث في زنادقة فإنها عوض عن ياء زناديق؛ ولذلك لا يجتمعان والزيادة لتكثير الكلمة نحو: ألف كبعثر، ونون كنهبل أو كنهبُل أي: الشجر العظيم، ومتى كانت الزيادة لغير التكثير كانت أولى من أن تكون للتكثير.
فنخلص من ذلك إلى أن الزيادة عند الصرفيين تتعلق ببنية الكلمة، وهل هي مجردة أم مزيدة، وإن كانت مشتقة فاشتقاقها من الثلاثي المجرد أم من غير الثلاثي سواء كان مجردًا رباعيًا أو ثلاثيًا مزيدًا بحرف أو حرفين أو ثلاثة، وينتهي دورهم عند هذا الحد فيلتقطه أرباب البلاغة والبيان؛ لينظروا لم استخدم المزيد ولم يستخدم المجرد ولم استعملت هذه الصيغة ها هنا مجردة، وهناك مزيدة، ولم عدل عن صيغة المشتق من الثلاثي إلى غيره والعكس، وما أثر ذلك على المعنى، وما الذي اختير من حروف الزيادة ولماذا ومن ثم يتبين من هذه الأسئلة والإجابة عنها الإعجاز القرآني في مسألة استخدام الحروف الزائدة بفهم الصرفيين، وبتناول الصرفيين.
ويتبين ذلك بعرض نماذج لمن اهتموا بهذا الشأن، وببيان الفرق بين استخدام حروف الزيادة في البنية وعدم استخدامها. من ذلك ما أشار إليه الدكتور السامرائي في كتابه (بلاغة الكلمة في التعبير القرآني) من الفرق في الاستخدام بين قوله تعالى:{اسْطَاعُوا} (الكهف: 97)، و {اسْتَطَاعُوا} (الكهف: 97)، قال سبحانه:{فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} (الكهف: 97)، الصرفيون عندما يتناولون ذلك يبينون أن {اسْتَطَاعُوا} على الأصل بزيادة الألف والسين والتاء وأن {اسْطَاعُوا} هو الفعل، ولكن حذفت منه التاء حتى إن أحدهم ليقول: ظللت دهرًا أسأل عن وزن اسطاعوا فلم أجد من يجيبني. هذا الذي يهتمون به في بيان استخدام {اسْطَاعُوا} ، و {اسْتَطَاعُوا} .
أما الدكتور السامرائي يشير إلى الفرق بين استخدام الفعلين يقول: "وذلك في السد الذي صنعه ذو القرنين من زبر الحديد والنحاس المذاب، وقد ذكرنا أن الصعود على هذا السد أيسر من إحداث نقب فيه لمرور الجيش، فحذف من الحدث الخفيف فقال: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} بخلاف الفعل الشاق الطويل فإنه لم يحذف بل أعطاه أطول صيغة له فقال: {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} فخفف بالحذف من الفعل الخفيف بخلاف الفعل الشاق الطويل، ثم إنه لما كان الصعود على السد يتطلب زمنًا أقصر من إحداث النقب فيه حذف من الفعل، وقصر منه ليجانس النطق الزمن الذي يتطلبه كل حدث".
هذه لطيفة أشار إليها الشيخ -حفظه الله- وكذلك أيضًا أشار إلى الفرق بين تنزل وتتنزل، فالصرفيون في نحو ذلك القاعدة عندهم معروفة أنه إذا اجتمعت تاءان في أول المضارع جاز التخفف من أحدهما تعاونوا، وتتعاونوا {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: 2)، فتعاونوا الأولى فعل أمر، {وَلَا تَعَاوَنُوا} الثانية فعل مضارع وأصله ولا تتعاونوا {تَلَظَّى} (الليل: 14) أصلها تتلظى، وهكذا فالمسألة عندهم واضحة في أنه يجوز حذف إحدى التائين تخفيفًا إذا اجتمعا في أول المضارع لكن ننظر إلى قوله سبحانه وتعالى:{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} (القدر: 4)، وقوله سبحانه:{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} (الشعراء: 221 - 223)، هاتان الآيتان وردت فيها الصيغة بحذف التاء تخفيفًا.
أما في سورة فصلت يقول المولى سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ
تُوعَدُونَ} (فصلت: 30)، فقال في آيتي القدر والشعراء:{تَنَزَّلُ} ، بحذف إحدى التاءين، وقال في فصلت:{تَتَنَزَّلُ} ، من دون حذف، وذلك والله أعلم أن التنزل في آية فصلت أكثر مما في الآيتين الأخريين ذلك أن المقصود بها أن الملائكة تنزل على المؤمنين عند الموت؛ لتبشرهم بالجنة، وهذا يحدث على مدار السنة في كل لحظة، ففي كل لحظة يموت مؤمن مستقيم، فتتنزل لتبشره بالجنة فأعطى الفعل كل صيغته، ولم يحذف منه شيئًا، وأما آية الشعراء، فإن التنزل فيها أقل؛ لأن الشياطين لا تتنزل على كل الكفرة، وإنما تنزل على الكهنة أو على قسم منهم، وهم الموصوفون بقوله:{تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ} ولا شك أن هؤلاء ليسوا كثيرا في الناس، وهم ليسوا بكثرة الأولين ولا شطرهم بل هم قلة فاقتطع من الحدث فقال:{تَنَزَّلُ} بحذف إحدى التاءين، وكذلك ما في آية سورة القدر، فإن تنزل الملائكة إنما هو في ليلة واحدة في العام وهي ليلة القدر، فهو أقل من التنزل الذي يحدث باستمرار على من يحضره الموت فاقتطع من الحدث.
فأنت ترى أنه اقتطع من الفعل إحدى التاءين في آيتي الشعراء والقدر لأن التنزل أقل ولم يحدث من آية فصلت؛ لأنه أكثر والله أعلم. هذه لطيفة أشار إليها الشيخ في هذه الظاهرة، كذلك نأتي لصيغة فعَّل وأفعل، عند الصرفيين الأمر سيان الزيادة في المبنى تدل على زيادة في المعنى، وكلا الفعلين ينتميان لفصيلة واحدة وهي فصيلة الثلاثي المزيد بحرف، ولكن الفرق أن الأول مزيد بالهمزة؛ فلذا هو على وزن أفعل والثاني مزيد بالتضعيف، فلذا هو على وزن فعَّل هذا دور الصرفيين.
أما أهل التذوق والبلاغة ينظرون في الاستخدام متى يستخدم أفعل ومتى يستخدم فعَّل مع أنهما من فصيلة واحدة، يقول الشيخ: "من الاستعمال القرآني
لفعَّل وأفعل نحو: كرَّم وأكرم، فإنه يستعمل كرم لما هو أبلغ وأدوم فمن ذلك قوله تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (الإسراء: 70)، وهذا تكريم لبني آدم على وجه العموم والدوام، وقوله سبحانه على لسان إبليس:{قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} (الإسراء: 62)، أي: فضلته علي، في حين قال سبحانه:{كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} (الفجر: 17)، وقال:{فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} (الفجر: 15)، وهو يقصد إكرامه بالمال، فاستعمل التكريم لما هو أبلغ وأدوم وأعم.
وكاستعمال أوصى ووصى، فهو يستعمل وصى لما هو أهم لما فيه من المبالغة، فالقرآن يستعمل وصَّى للأمور المعنوية، ولأمور الدين ويستعمل أوصى للأمور المادية، وذلك نحو قوله تعالى:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} (العنكبوت: 8)، {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} (البقرة: 132)، {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} (الأنعام: 151) في حين قال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (النساء: 11) ولم يستعمل أوصى في الأمور المعنوية وأمور الدين إلا في قوله تعالى: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} (مريم: 31)، وذلك لاقتران الصلاة بالزكاة". كما ذكرت أن هذه اجتهادات اجتهد فيما ذكرت من نماذج في مسألة الصرف الدكتور السامرائي في استكشاف الفروق بين استخدام الصيغ مع اتحاد الكلام فيها عند الصرفيين، وليس الدكتور السامرائي بدعًا في هذه المسألة، فهذا أشار إليه العلماء سابقًا، وحاولوا بيان ذلك وهذه نماذج أو عبارات ذكرها الزركشي في كتابه حول هذه المسألة، وهي الزيادة في بنية الكلمة.
يقول: "واعلم أن اللفظ إذا كان على وزن من الأوزان ثم نقل إلى وزن آخر أعلى منه فلابد أن يتضمن من المعنى أكثر مما تضمنه أولًا؛ لأن الألفاظ أدلة على
المعاني، فإذا زيدت في الألفاظ وجب زيادة المعاني ضرورة ومنه قوله تعالى:{فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} (القمر: 42)، فهو أبلغ من قادر لدلالته على أنه قادر متمكن القدرة لا يرد شيء عن اقتضاء قدرته ويسمى هذا قوة اللفظ لقوة المعنى، وكقوله تعالى:{وَاصْطَبِرْ} (مريم: 65)، فإنه أبلغ من الأمر بالصبر من اصبر {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} (الطور: 48)، {فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ} (القمر: 27)، فهناك فرق بين اصطبر وبين اصبر، وقوله تعالى:{لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (البقرة: 286)، لأنه لما كانت السيئة ثقيلة، وفيها تكلف زيد في لفظ فعلها وقوله تعالى:{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} (فاطر: 37)، فإنه أبلغ من يتصارخون".
إذًا العلماء يبحثون عن سر هذه الزيادة، واستخدامها في القرآن، ويتعدون مرحلة ما يذكره الصرفيون في أنه مجرد أو مزيد أو على صيغة من الصيغ المعينة، ومن الإشارات اللطيفة أيضًا مسألة التشديد يعني الزيادة بالتشديد أبلغ من عدم التشديد، فإن ستارًا وغفارًا أبلغ من ساتر وغافر؛ ولهذا قال تعالى:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} (نوح: 10)، ومن هذا رجح بعضهم معنى الرحمن على معنى الرحيم لما فيه من زيادة البناء، وهو الألف والنون في كلمة الرحمن. وبعضهم ذكر لطيفة حول قول الله سبحانه وتعالى في وصف الإنسان:{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (الإنسان: 3)، فعبر المولى سبحانه وتعالى بصيغة اسم الفاعل في شاكر وبصيغة المبالغة في كفور؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يبالغ في الشكر، ولكن عادته أن يبالغ في الكفر عياذًا بالله.