الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السابع
(حروف المعاني (1))
حروف العطف (الواو والفاء)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، اللهم صلِّ على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وآل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبعد:
انتهينا إلى الحديث عن حروف المعاني، فمهدنا لها، وذكرنا الفرق بينها وبين حروف المباني؛ بأن حروف المباني هي التي يتكون منها الكلام، أما حروف المعاني فهي الحروف التي يؤتى بها لمعنى، وتكون رابطًا بين أجزاء الكلام، فهي تربط بين الأسماء والأفعال، ويجاء بها لمعنى.
هذه الحروف هي مناط كبير من أساليب الفصاحة التي جاء القرآن الكريم بأبرع الأساليب في استخدامها، فإن هذه الحروف شغلت كثيرًا من العلماء، وصنفت فيها التصانيف؛ فصنف أبو الحسن الرماني كتابه في الحروف، وصنف كذلك المرادي كتابه (الجنى الداني) وصنف كذلك المالقي كتابه (رصف المباني) وصنف كذلك ابن هشام كتابه المشهور (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب) وأفرد لحروف المعاني بابًا واسعًا في كتابه هذا، فهذه الحروف التي شغلت من اهتم باللغة وأبانوا وجوه الإعجاز في استخدامها في القرآن الكريم.
وحروف العطف -كما تعرف- هي الحروف التي يطلق عليها النحاة عطف النسق؛ أي العطف بواسطة أداة تربط بين الكلمتين أو بين الجملتين، هذه الحروف يسمونها حروفًا عاطفة؛ أي تعطف بين ما قبلها وما بعدها في الحكم الإعرابي وفي المحل الإعرابي، هذه الحروف يقسّمها النحاة إلى نوعين: نوع يقتضي التشريك في اللفظ والمعنى، ونوع آخر يقتضي التشريك في اللفظ دون المعنى، أما ما يقتضي التشريك في اللفظ والمعنى فينقسم قسمين؛ قسم: يقتضي التشريك مطلقًا وهو الواو والفاء وثم وحتى، وقسم آخر: يقتضي التشريك بالقيد؛ بأنه
لا يقتضي إضرابًا، وهو أو وأم، فإذا خرج إلى الإضراب خرج عن العطف، والقسم الثاني هو الذي يقتضي التشريك في اللفظ دون المعنى، فيثبت لما بعده ما انتفى عما قبله، وذلك بل ولكن، أو يثبت لما قبله ما انتفى عما بعده، وذلك لا وليس. الخلاصة أنهم يذكرون في عد هذه الحروف أنها عشرة أحرف يؤتى بها للعطف. أكد المفسرون أن المفسر لابد أن يكون عالمًا بمعاني هذه الأدوات وبمعاني الحروف، قبل أن يتحدث في كتاب الله سبحانه وتعالى.
الواو يقولون: إنها لمطلق الجمع، فتعطف لاحقًا على سابق كقوله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} (الحديد: 26) فإبراهيم عليه السلام لاحق لنوح عليه السلام أو تعطف سابقًا على لاحق كقوله تعالى: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ} (الشورى: 3) فالنبي صلى الله عليه وسلم لاحق للأنبياء الذين أرسلوا قبله -صلوات الله وسلامه عليه- ومن بديع اجتماع الشيئين قوله تعالى: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} (الأحزاب: 7)، فبدأ المولى سبحانه وتعالى بذكر النبي صلى الله عليه وسلم ثم أتى بنوح عليه السلام وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم عليهم السلام فاجتمع عطف اللاحق على السابق وعطف السابق على اللاحق.
و"أو" أنها تعطف متصاحبين؛ أي ليس فيهما سابق ولا لاحق، كقوله تعالى:{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} (العنكبوت: 15) أهم ما يميز هذه الواو أنها لا تقتضي الترتيب بين المتعاطفين قال تعالى: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (آل عمران: 43) ويستدل أهل الفصاحة والبلاغة بقوله تعالى: {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} (الأعراف: 161) وجاء في موضع: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} (البقرة: 58) فلا يصلح إلا الواو في هذا الوضع دون أحرف العطف، فلا يقال: فادخلوا أو فقولوا أو ثم ادخلوا أو ثم قولوا، إنما عطف بالواو دون غيرها في الموضعين.
كذلك الواو من الحروف التي تعطف مشتركين، لا يُكتفى بالكلام على أحدهما يمثل لها بقولهم: اختصم محمد وعلي، أو اشترك علي وأخوه؛ فإن الاشتراك والاختصام لا يكون إلا بين اثنين، ومن ذلك قوله تعالى:{خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} (التوبة: 102) فالخلط كان بين العملين؛ لذلك خطّأ الأصمعي امرأ القيس عندما قال: "بين الدخول فحومل" فقال: "الصواب أن يقول: "وحومل". ولكنه رد عليه بأشياء من تناوب هذه الحروف ومن التأويل، أو التضمين الذي يسوغ لمن يستخدم الحرف أن يأتي بحرف يؤدي أداء أخيه مما ينتسب إلى فصيلة واحدة من الأدوات.
كذلك الواو تعطف بين المترادفين: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (المائدة: 48)، {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} (يوسف: 86)، {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} (طه: 107) {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} (البقرة: 157) فالعطف هنا لا يكون إلا بالواو، كذلك تعطف عاملًا محذوفًا، مع بقاء معموله هذه قضية نحوية يستشهد لها بآيتين بقول الله سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} (الحشر: 9) فالدار تُتبوأ، أما الإيمان لا يُتبوأ، فيقولون: التقدير تبوءوا الدار واعتقدوا الإيمان، وكذلك في قوله تعالى:{فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} (يونس: 71) فلا يقال: أجمِعوا شركاءكم، إنما يقال: اجمعوا شركاءكم، فالتقدير: أجمعوا أمركم واجمعوا شركاءكم، هذا أيضا يكون بالعطف بالواو، كذلك جواز العطف بها على الجوار، وذلك في القراءة المشهورة المتواترة "وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ" بجر الأرجل، وكذلك في القراءة الأخرى المتواترة {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} (الواقعة: 18) .... {وَحُورٌ عِينٌ} (الواقعة: 22) فهذا دليل على جواز العطف على الجوار وإن اعترضه بعض النحاة ورفضوه، إلا أنه مخرج سهل لهاتين القراءتين المتواترتين.
كذلك الواو يفصل بين المتعاطفين بها بالظرف كقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} (يس: 9)، وكذلك تقع إما بينها وبين معطوفها، قال تعالى:{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (الإنسان: 3)، كذلك تقع لا بينها وبين المعطوف بها:{فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (البقرة: 197)، {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ} (المائدة: 2)، كذلك تعطف الخاص على العام {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} (الأحزاب: 7) فالنبي صلى الله عليه وسلم ونوح عليه السلام من النبيين، فعطفت الخاص على العام، والمقابل تعطف العام على الخاص، كقوله تعالى في دعاء نوح عليه السلام:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (نوح: 28).
كذلك هذه الواو تأتي بمعنى "ثم" ويستدل على ذلك حكاية عن فرعون {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} (الشعراء: 49) وفي موضع الأعراف: {لأقطعن أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} (الأعراف: 124) ومن اللطائف التي تنبه إليها أهل البلاغة في قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (الحديد: 3) يقول الزمخشري: "الأولى التي وقعت أي التي وقعت بين الأول والآخر، الأولى للجمع بين الأولية والآخرية، والثالثة الجمع بين الظهور والخفاء، أما الثانية الواو الوسطى التي وقعت بين الآخر والظاهر- فأتت للجمع بين مجموع الصفتين الأوليين والأخريين، وهذا من بديع استخدام الواو كأداة للعطف أو من حروف العطف".
هل تقع الواو زائدة؟ فاستدل بعضهم بقوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} (الصافات: 104،103) قال: فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ،
فالواو هنا أتت زائدة وكذلك في قوله تعالى: {وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} (البقرة: 259) قالوا: وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ، هذا القول الذي قيل في زيادة الواو هو محل أخذ ورد، والأولى رده لأن القول بالزيادة هنا ليس كالقول بالزيادة في المواضع التي سنتطرق إليها في قضية التأكيد بالحرف الزائد.
حرف الفاء: الأساس أنها تدل على الترتيب، بمعنى أن ما بعدها يأتي بعد ما قبلها، وهذا الترتيب يكون للتعقيب، بمعنى السرعة، يعني يليه مباشرة، ليس هناك فترة زمنية بين المتعاطفين:{أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} (عبس: 21) فإن الإقبار يكون بعد الموت مباشرة، كذلك تفيد الفاء التسبب؛ أي أن ما قبلها يكون سببًا لما بعدها، ويستدل له بقوله تعالى:{فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} (القصص: 15) فإن هذا الوكز كان سببًا في موت الرجل، وكذلك قول الله سبحانه وتعالى:{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} (الأعلى: 6)، وقوله تعالى:{فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ} (الصافات: 148)، وقوله تعالى:{فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} (الحجر: 34)، وقوله تعالى:{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} (البقرة: 37)، فهذه الكلمات كانت سبب التوبة، والخروج كان بسبب أنه -لعنه الله- رجيم. وكذلك الإيمان كان سببا في تمتيعهم وإقراء المولى سبحانه وتعالى لرسوله الكريم عن طريق جبريل عليه السلام كان سببا في عدم نسيانه -صلوات الله وسلامه عليه- بأنه لا ينسى ما يُتلى عليه وما يُوحى إليه -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
هذان المعنيان هما الأكثران والغالبان في استخدام الفاء، أما باستقراء أو بالنظر في كتاب الله سبحانه وتعالى توجد معان أخرى للفاء، استنبطها العلماء وحاولوا تعريفها وتبيينها؛ ليتضح من خلالها أن الفاء لا يُشترط أن تكون بمعنى الترتيب والتعقيب أو بمعنى التسبب دون غيرهما من المعاني، فقالوا: هناك عندنا ما تُسمى بالفاء
الفصيحة، الفاء الفصيحة -كما ذكر الزمخشري- لا تقع إلا في الكلام البليغ، وعرّفت بأنها التي تكون جوابًا لشرط مقدر مع الأداة؛ بمعنى أنك تجد في الكلام حذفًا، هذا الحذف عبارة عن شرط مقدر حُذف هو وأداته وبقي الجواب، وبالمثال يتضح المقال، قال الله سبحانه وتعالى:{فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ} (الروم: 56) أي: إن كنتم منكرين للبعث فهذا يوم البعث، كذلك قول الله سبحانه وتعالى:{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} (الماعون: 1، 2)، فإذا أردت ربطًا بين الآيتين ستجد تقديرًا وهو: إن أردت معرفته {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} .
والصورة الأخرى للفاء الفصيحة هي: أن تعطف على محذوف، أي هناك حذف بينها وبين ما قبلها، كقوله تعالى:{فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} (البقرة: 54) أي ففعلتم ذلك فتاب عليكم، وكقوله تعالى:{فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} (البقرة: 60) أي فضربه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، وقوله تعالى حكاية عن بني إسرائيل:{قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا} (البقرة: 71) أي فحصّلوا البقرة فذبحوها. صورة أخرى من صور الفصيحة وهي وقوعها بعد أمر أو نهي مقدر كقوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} (المائدة: 19) أي لا تعتذروا فقد جاءكم بشير ونذير.
النوع الثاني من الفاء هو "الفاء التفريعية": التي تدل على التفريع كقوله تعالى: {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} (يس: 72)، كذلك الفاء التفسيرية، وهي التي تفسّر ما قبلها:{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} (الأعراف: 136)، {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً}
(النساء: 153)، كذلك الآية التي اعتُرض بها على أن الفاء تفيد الترتيب في قوله تعالى:{أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} (الأعراف: 4) قالوا: مجيء البأس يكون قبل الإهلاك، والبأس هو الذي يؤدي إلى الهلاك، فليس هنا ترتيب، وكذلك قالوا في آية:{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} فإن هذا الإغراق هو الانتقام، وتُحمل هذه الآيات على أن الفاء فيها تفسيرية؛ أي فسرت صورة الإهلاك وصورة الانتقام، وربما يرى البعض أن الفاء في هذا الموضع تكون على معنى الإرادة، أي في قوله سبحانه:{أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا، ومنهم من ذهب إلى أن الفاء فيها للترتيب الذكري، فالمذكور بعدها مرتب على ما قبلها.
كذلك قالوا بزيادة الفاء في قوله تعالى: {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} ، وقوله تعالى:{هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} (ص: 57)، وهو مما لا داعي له لصحة تخريج الآية على غير الزيادة، ولعدم الفائدة التي تترتب على القول بالزيادة، كما سنرى في حروف الجر مثلا أنها تؤدي إلى فائدة عظيمة في المعنى. وكذلك من معاني الفاء " الترتيب الذكري" كقوله تعالى:{وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} (هود: 45)، وقوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} (النحل: 98)، وقوله تعالى:{إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} (الواقعة: 35، 36) فدلت على الترتيب الذكري بمعنى أن المذكور بعدها مرتب على ما قبلها؛ أي ترتب على نداء نوح عليه السلام أنه يدعو ربه بأن ابنه من أهله، {فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} (هود: 45) فإنه يسأل ربه سبحانه وتعالى نجاةَ ابنه بعاطفة الأبوة.