الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثامن
(حروف المعاني (2))
حروف النداء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وآله وصحبه وسلم، وبعد:
ننتقل بعد ذلك إلى حروف النداء:
حروف النداء عند العرب ستة: "أيا" و"هيا" وينادى بها البعيد، والهمزة و"أي" وينادى بها القريب، و"يا" للبعيد والقريب، و"وا" للندبة، هذا المشهور في تقسيم حروف النداء، ولكن الناظر في كتاب الله سبحانه وتعالى لا يجد حرفًا استخدم للنداء سوى حرف يا، ولذلك كان القول: بأنه إذا كان حرف النداء محذوفًا لا يقدر سوى يا، فلا يصح تقدير أي حرف سوى يا، أما الحرف الآخر الذي ذهب البعض إلى أنه وقع في كتاب الله وهو النداء بالهمزة، وذلك على قراءة الكسائي:"أَمَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ""أمَنْ هُوَ قَانِتٌ" قالوا: نداء يا من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما، وقالوا: إن الهمزة للاستفهام، فكان ذلك احتمال بأن تكون للنداء أو للاستفهام.
حرف النداء "يا" استخدم في كتاب الله سبحانه وتعالى دون سائر حروف النداء، وكان له بعض السمات التي أحصاها شَيْخُنا محمد عبد الخالق عضيمة، في كتابه (دراسات لأسلوب القرآن الكريم) من ذلك: أنّ جميع الأنبياء عليهم السلام ناداهم الله سبحانه وتعالى بأسمائهم عدا رسولنا الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- فقد نودي بوصفه تشريفا وتكريمًا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} (الأحزاب: 1){يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} (المائدة: 41){يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِرُ} (المدثر: 1)، {يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ} (المزمل: 1).
كذلك إن لفظ "رب" يكثر في ندائه حذف حرف النداء، فلم تثبت "يا" مع لفظ "رب" إلا في موضعين وهما: قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (الفرقان: 30) وقوله تعالى: {وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَاّ يُؤْمِنُون} (الزُّخرُف: 88).
كذلك استُخْدم حرف النداء مع غير العاقل كثيرا في القرآن الكريم إما على سبيل المجاز، وإما على أن الله سبحانه وتعالى يخلق في هذه المخلوقات ما يجعلها تفهم خطابه سبحانه وتعالى، كقوله تعالى:{يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} (سبأ: 10){يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم} (الأنبياء: 69){وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي} (هود: 44).
كذلك يكثر حذف حرف النداء بدلالة السياق كقوله تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} (يوسف: 29) وقوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَان} (الرحمن: 31) وقوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} (النور: 31) وقد اجتمع الحذف مع أيها ومع العلم، في قوله تعالى:{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} (يوسف: 46) ومما أشار إليه أيضًا أن حرف "يا" إذا وليه "ليت" أو وليه فعل كقراءة: "ألا يا اسجدوا" في سورة النمل أن حرف "يا" في هذه الحالة يكون للتنبيه على الصحيح، وليس للنداء.
يشير رحمه الله إلى الخلاف الواقع في هذه المسألة في نحو قوله تعالى: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُون} (يس: 26){يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} (الفجر: 24) وقراءة "ألا يا اسجدوا" فهنا للنحاة مذهبان أو لأهل التوجيه الآية مذهبان:
المذهب الأول: أن هناك نداء محذوف، ودخل عليه حرف النداء؛ لأن حرف النداء يختص بالاسم.
المذهب الثاني: أن "يا" هنا ليست للنداء، وإنما هي للتنبيه. وهو المذهب الذي اختاره الشيخ وعليه المحققون من المتأخرين.
بقي أن يُشار أو أن نتحدث في النداء على أشياء يستشفها المرء من استخدامات حرف النداء مثال:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} (البقرة: 104) هذه الآية الكريمة تجد أنها دائمًا تقع في أول السور،، ولم تقع وسط الآيات، إلا في آية واحدة في سورة الأحزاب:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب: 56). كأن ذلك اختصاص للنبي صلى الله عليه وسلم فبندائه صلوات الله وسلامه عليه. وكما قلت لكم: إن مثل هذا من اللطائف التي كما قيل عنها تُشَمّ ولا تؤكل، فهي لطيفة يشار بها.
ويشار كذلك من لطائف استخدامات النداء، أنّ اقتصار كتاب الله سبحانه وتعالى على الحرف يا فيه إشعار بأنّ هذا الحرف يُستخدم في سائر الاستخدامات دون غيره، فكأنّك به تجده للقريب محل، أي والهمزة، ولتنظر مثلًا هذا الحوار بين إبراهيم عليه السلام وأبيه:{يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} (مريم: 45){يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ} (مريم: 43) إلى آخر سياق الآيات فهذا النداء به من الشفقة والحنان، والمودة من إبراهيم عليه السلام مع أبيه ما تراه.
وترى المقابلة في الاستخدام: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ} (مريم: 46) فنداه باسمه، ولم يناده بـ"يا بني" مثلًا مقابلة لما نادى به إبراهيم عليه السلام.
كذلك تجد هذا الحرف يستخدم للبعيد كما استخدم للقريب: {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِين} (القصص: 20) فكأنك تراه ينادي على قومه فيما يذكره المولى سبحانه وتعالى في هذه الآية، ويصيح بهم ويطلب منهم أن يتبعوا من أرسلهم الله سبحانه وتعالى وكذلك:{قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِين} (القصص: 20).