الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحزين له جانبان؛ جانب مقبول وهو الذي يَقرأ القرآن بخشوع وخضوع، وجانب مرفوض هو المبالغة في هذا الأمر، وحتى أنه يبالغ في التصنع في هذا الأمر، فالسامع لا يتبين الحروف من قارئها.
لغة القرآن
الأصل فيمن نزل القرآن بلغتهم قريش، كان طبيعيًّا أن يكون القرآن بلغة قريش؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرشي، ثم ليكون هذا الكلام زعيم اللغات كلها كما استمازت قريش من العرب بجوار البيت وسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، وغيرها من خصائصهم، وقد ألف العرب أمرهم ذلك، واحتملوا عليه، وأفردوهم به، كذلك يكون الأمر في كلام الله سبحانه وتعالى.
يعني: العرب ألفوا أن قريشًا هي سيدة العرب وهي أعلى القبائل شأنًا بين العرب، فكون القرآن يأتي بلغتها ذلك يناسب سيادتها للعرب قبل.
وأيضًا وجه آخر لنزوله بلغة قريش وجه جلي: أن قريشًا اشتملت لغتها على لغات العرب، فكانت تأخذ من اللغات أحسنها بحكم الجوار كثقيف وهوازن وهُذيل وغيرها من القبائل، وبني سعد وغيرها ممن هم على مشارف مكة. وأيضًا عندما كان يأتيها في المواسم من القبائل الأخرى البعيدة عنها كتميم وغيرها، كانت تؤخذ أعلى اللغات في لغة قريش، فقريش ضمت لغات العرب أصفاها وأحسنها. فالقرآن لو نزل بغير ما ألفه النبي صلى الله عليه وسلم من اللغة القرشية وما اتصل بها، كان ذلك مغمزًا فيه -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- أن يأتيهم بلغة ليست بلغتهم، وبطريقة كلام لا يعرفونها.
ويضرب هنا مثال أحسن الشيخ في ذكره -الرافعي- قال: لو أن شاعرًا من شعرائهم ظهر فيهم بدين خيالي وأقامهم عليه، لكان من الرجاء والاحتمال أن يستجيبوا له دون صاحب القرآن الذي ينزل عليه بلغة غير لغة قبيلته. يعني: هذا الأمر معروف عند العرب في طباعها، أنها تتبع ما يجيء على فطرتهم اللغوية التي فطروا عليها، وطريقتهم التي يتحدثون بها. فهناك طائفة من الناس يذهبون: إلى أن القرآن لو هو قد نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بغير القرشية لكان ذلك وجهًا من إعجازه. وهذا كلام مَن لا يدري كيف يقول؛ لما سبق ذكره، من أن النزول على لغة قريش هو الطبيعي لسيادة قريش، وهو المنطقي بنزوله على لغة يعرفونها، فقد كان من إعجاز القرآن أن يأتيهم بأفصح ما تنتهي إليه لغات العرب جميعًا.
فهنا يظهر لنا أن القرآن نزل بلغة قريش، وإن كان في القرآن ألفاظ -سنتحدث عنها مستقبلًا إن شاء الله سبحانه تعالى- مما يسمى بالغريب، أو مما يسمى بالمعرب، أو غيره من الكلمات، وإن كان هناك ألفاظ جاءت على لغة أقوام أخر، كقوله تعالى:{لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} (الحجرات: 14) أي: لا ينقصكم، وهذه لغة بني عبس، فإن هذا الذي يذكر من مثل هذا لا يتعدى كلمة أو كلمتين في القرآن كله تنسب إلى لغة من اللغات.
فبتالي لغة القرآن الكريم جاءت بلغة قريش على ما ألفه العرب في كلامهم، وجرت لغة القرآن على أحرف مختلفات في منطق الكلام كتحقيق الهمز وتخفيفه، والمد والقصر، والفتح والإمالة، وما بينهما، والإظهار والإدغام، وضم الهاء وكسرها، من:{عَلَيْهِمْ} (الفاتحة: 7) و {إِلَيْهِمْْ} (آل عمران: 77) وتقرأ: "عليهُم" و"إليهُم"، وإلحاق الواو فيهما، وفي لفظتين:"منهمُ"(البقرة: 75) و"عنهمُ"(البقرة: 86) وإلحاق الياء في: {إِلَيْهِ} (البقرة: 178) و {عَلَيْهِ} (البقرة: 182) و {فِيهِ} (البقرة: 185) ونحو ذلك.
فكان أهل كل لحن يقرءونه بلحنهم، وربما استعمل القرآن الكلمةَ الواحدةَ على منطق أهل اللغات المختلفة، فجاء بها على وجهين؛ لمناسبةٍ في نظمه، ويضرب