الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الخامس عشر
(تابع: قضية الذِّكْر والحذف)
استكمال أغراض حذف المسند إليه
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؛ وبعد:
كنا قد انتهينا إلى أغراض حذف المسند إليه، وذكرنا الأمثلة المشهورة التي ذكروها في كتاب الله سبحانه وتعالى وهناك أسباب أخرى ذكروها لحذف المسند إليه: كالحذر من فوات الفرصة، كقولنا عند الحرب: غارة أي: هذه غارة، وقاسوا عليها أمثلة مصطنعة أيضًا، كقولنا: قطار أي: احذر القطار أو هذا قطار، وغير ذلك مما مثلوا به.
وذكروا أيضًا من أغراض حذف المسند إليه: الخوف على المسند إليه كقول النابغة يعتذر للنعمان:
نبأت أن أبا قابوس أوعدني
…
ولا قرارَ على زأر من الأسد
وقيل أيضًا من أغراض حذف المسند إليه: احتقاره، كقوله النابغة أيضًا:
لأن كنتَ قد بُلغت عني وشاية
…
لمبلغك الواشي أغش وأكذبُ
ففي قوله في البيتين السابقين: نبأت وبلغت هنا، بني الفعل للمجهول وحذف معه الفاعل، وهذه من المواضع القياسية التي اتفق عليها النحاة، يحذف فيها الفاعل، أما حذف الفاعل في غير ذلك فهو موطنُ خلافٍ -سنقف عنده بإذن الله ونبينه-.
يعني: هذا مما استدل به الدكتور لاشين -حفظه الله- على مسألة احتقار المسند إليه، واستدل لها بآية في كتاب الله وهي قوله تعالى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} (الحج: 39، 40) فذكر هنا في بناء الفعل
للمجهول في قوله تعالى: {ظُلِمُوا} و {أُخْرِجُوا} بأنه لم يُذكر المشركون أي: ظلمهم المشركون أو أخرجهم المشركون؛ احتقارًا لشأن هؤلاء، فلم يذكرهم المولى سبحانه وتعالى.
وكما ذكرت أن هذا من الاجتهادات في ذكر أسباب حذف المسند إليه، والاستدلال لها.
من الأشياء التي ذكروها كدواعي الحذف واعترض الباحثون على إقرارها قولهم: اختبار تنبه السامع، واختبار مقدار تنبه السامع، والإنكار وتيسيره عند الحاجة إليه. يعني: كما ذكر أحد الباحثين تعليقًا على قولهم: تأتِّي الإنكار وتيسره عند الحاجة إليه، وذكروا مثالًا لذلك: أن المتكلم يحذف المسند إليه بتحقق هذا الغرض، بأنه يحضر إليك جماعة من بينهم خَصم لك، فتقول لآخر: فاجر أو غادر، تعني هذا الخَصم، فتترك ذكر اسمه؛ ليتأتى لك الإنكار، فتقول تخلصًا من آذاه: ما عنيتُه وإنما أردت غيرَه. وليس من تعليق على هذا إلا أنهم يعلمون الناس كيف يتحايلون، أو أن يخرجوا عن طائلة العقاب أو الحساب.
هذا من الأمثلة المصنوعة التي ذكروها لحذف المسند إليه، وبقي بعض الأسباب التي تقر في حذف المسند إليه، وذلك إذا ما كان الحذف جاء في أسلوب موروث كالأمثال مثلًا، كقولهم: رميت من غير رام، فلا يجوز لأحد أن يذكر المسند إليه فيقول: هذه رمية من غير رام، أو هي رمية من غير رام؛ لأنه ملزم بأن يذكر المثل كما ذكر.
ويضاف إلى ما ذكره البلاغيون في أغراض الحذف الدرس النحوي، فإن هذه المسألة بحذف المسند إليه، أي: حذف المبتدأ -مثلًا- وجوبًا، فإنهم يذكرون أشياءَ في القرآن في مادة النحو أو في قواعد اللغة يجب فيها حذفُ المبتدأ، ويعددون لذلك مواضعَ، من هذه المواضع، مثلًا: المصدر الذي يؤتَى به بدلًا من الرد بالفعل، فيؤتى