الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتعاورت القراءتان على لفظة واحدة لها معان متنوعة، هذه المعاني تنصب حول شيء واحد، وهو أن الملائكة أصحاب مكانة عند الله، وليسوا كما ادعى هؤلاء المشركون فيهم مِن أنهم إناث وليسوا ذكورًا، فإن الله سبحانه وتعالى أخبر أنهم عنده، ومَن عند الملك سبحانه وتعالى لا بد أن يكون على أكمل حال، وعلى أتم الأوصاف، فلا يكون منهم نقص فيما ينتقصه الناس من ظنهم أن الإناث ينقصون الذكور في الفضل وفي المكانة، فأخبر الله سبحانه وتعالى أنهم عنده، وأنهم أصحاب المكانة العلية، فهم ملائكة كرام ما عصوه سبحانه طرفةَ عين.
تنوع القراءات القرآنية من حيث الإعجاز التشريعي
ننتقل إلى جانب آخر من جوانب الإعجاز في تنوع القراءات القرآنية، وهو الإعجاز التشريعي، أي: فيما يتعلق بمسائل الشريعة.
فمعلوم أن الفقهاء والأصوليين ومَن يتصدون لهذه المسائل التشريعية أو الفقهية، هؤلاء تُعد القراءات عندهم من المصادر المعتمدة التي تبين لهم، ويحتجون به في خلافاتهم، وتظهر وجه الإعجاز في هذه القراءات. فالقراءة حجة الفقهاء في الاستنباط، ومحجتهم في الابتداء، وكل قراءة في حد ذاتها خبر شرعي دون إغفال لغيرها من القراءت وما تقتضيه من حكم موافق لها أو مخالف، وهذا يسميه العلماء بالإعجاز التشريعي.
ونماذج ذلك عديدة في كتاب الله سبحانه وتعالى كقوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (البقرة: 125) قرئت تواترًا: {وَاتَّخِذُوا} بصيغة الأمر، وقرئت:"واتخَذوا" بصيغة الماضي، فعلى كلتا القراءتين كان الخلاف الفقهي بين العلماء في حكم الصلاة خلف مقام إبراهيم عليه السلام بعد الفراغ
من الطواف بالبيت العتيق. فهل هو واجب بدلالة قراءة الأمر: {وَاتَّخِذُوا} ؟ أم أن المسألة سنة، ودليل ذلك أن الفعل جاء بصيغة الإخبار أي: صيغة الماضي "واتخَذوا من مقام إبراهيم" وليس بصيغة الخطاب إلى مَن يخاطَب وهو مكلف بهذا الفعل؟
كان ذلك هو الخلاف بين الفقهاء مترتبًا على تنوع القراءتين بين الأمر والمُضي. فذهب أبو حنيفة والشافعي -في أحد قوليه-: إلى أن صلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام واجبتان، وذهب الإمام مالك وأحمد والشافعي -في قوله الثاني-: إلى أن صلاة الركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام سنة، وذلك ناتج عن الاختلاف في القراءتين، وأدلتهم في ذلك يرجَع فيها إلى كتب الفقه.
كذلك في قول الله سبحانه وتعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (النساء: 43) فقرئت: {لَامَسْتُمُ} بالألف، وقرئت:"لمستم" بدون الألف، وترتب على ذلك خلاف واضح بين الفقهاء في حكم مس المرأة، هل لَمْس المرأة ينقض الطهارة أو ينقض الوضوء، أم أنه لا ينقض الوضوء؟ وانبني الخلاف على تنوع القراءتين بين:{لَامَسْتُمُ} بالألف وبين "لمستم" بدون الألف. فذهب أبو حنيفة: إلى أن لمس الرجل للمرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا سواء أكان اللمس بشهوة أو بغير شهوة، وذهب مالك وأحمد: إلى أن لمس المرأة بشهوة ناقض للوضوء، فإن كان بغير شهوة فلا ينتقض الوضوء به، وذهب الشافعي: إلى أن لمس الرجل للمرأة بدون حائل ينقض الوضوء سواء كان اللمس بشهوة أم بغير شهوة، باستثناء المحارم، فكان منشأ الخلاف هو تنوع القراءتين كما هو واضح من معنى اللمس والملامسة، وهل هي تنصب حول الجِماع أم مجرد اللمس فقط؟ وهذا معروف في النواحي الفقهية، ونتج عن تنوع القراءتين.