الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَاتَ، وَوَلِيهَا يَحْيَى بنُ الرَّبِيْعِ، ثُمَّ بَعْدَهُ يَحْيَى بنُ القَاسِمِ التَّكرِيتِي سَبْع سِنِيْنَ، وَعُزِلَ سَنَة (614) بِمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ فَضلَان، ثُمَّ عُزِلَ بَعْد عَامين بِمَحْمُوْدِ بنِ أَحْمَدَ الزَّنْجَانِيّ، فَدرَّس مُدَّة، وَبعده فِي رَجَب سَنَة (636) وَلِيهَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ الحُبَيْر.
240 - إِمَامُ الحَرَمَيْنِ أَبُو المَعَالِي عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ الجُوَيْنِيُّ *
الإِمَامُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، إِمَامُ الحَرَمَيْنِ، أَبُو المَعَالِي عَبْدُ المَلِكِ ابْنُ الإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد اللهِ بنِ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَيُّوَيْه الجُوَيْنِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، ضِيَاءُ الدِّيْنِ (1) ، الشَّافِعِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ: فِي أَوّل سَنَة تِسْعَ (2) عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
(*) طبقات العبادي: 112، دمية القصر 2 / 1000 - 1002، السياق: الورقة / 49 أ - 51 أ، الأنساب 3 / 386 - 387، تبيين كذب المفتري: 278 - 285، المنتظم 9 / 18 - 20، معجم البلدان 2 / 193، الكامل 10 / 145، اللباب 1 / 315، ذيل تاريخ بغداد لابن النجار: 85 - 95، وفيات الأعيان 3 / 167 - 170، المختصر في أخبار البشر 2 / 196 - 197، دول الإسلام 2 / 8، العبر 3 / 291، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 174 - 175، تتمة المختصر 1 / 576، مرآة الجنان 3 / 123 - 131، طبقات السبكي 5 / 165 - 222، طبقات الاسنوي 1 / 409 - 412، البداية والنهاية 12 / 128 - 129، وفيات ابن قنفذ: 257 - 258، العقد الثمين 5 / 507 - 508، النجوم الزاهرة 5 / 121، مفتاح السعادة 2 / 110 - 111، تاريخ الخميس 2 / 360، طبقات ابن هداية الله: 174 - 176، كشف الظنون: 68، 70، 75، 242، 896 و2 / 1213، 1024، 1212، 1641، 1754، 1990، 1561، شذرات الذهب 3 / 358 - 362، الفوائد البهية: 246، روضات الجنات: 463 - 464، إيضاح المكنون 1 / 288، هدية العارفين 1 / 626 وانظر " الجويني إمام الحرمين " للدكتورة فوقية حسين محمود من سلسلة أعلام العرب (رقم 40)1965.
والجويني: بضم الجيم وفتح الواو وسكون الياء وفي آخرها النون هذه النسبة إلى جوين، وهي ناحية كبيرة من نواحي نيسابور تشتمل على قرى كثيرة مجتمعة يقال لها كويان، فعربت فقيل جوين، وقد سمي بإمام الحرمين لاقامته بمكة أربع سنين يدرس ويفتي كما قال اليافعي.
(1)
جاء لقبه في " دمية القصر " 2 / 1000: ركن الدين وهو خطأ، فذاك لقب والده.
(2)
في " المنتظم " و" الكامل " و" تاريخ الخميس ": سنة سبع عشرة.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي سَعْدٍ النّصرويِيّ، وَأَبِي حَسَّانٍ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ المُزَكِّي، وَمَنْصُوْر بنِ رَامش، وَعِدَّة.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ سَمِعَ حُضُوْراً مِنْ صَاحِب الأَصَمّ عَلِيِّ بن مُحَمَّدٍ الطِّرَازِيّ.
وَلَهُ أَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً سمِعنَاهَا.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الفُرَاوِيّ، وَزَاهِرٌ الشَّحَّامِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَهْلٍ المَسْجِدِيّ، وَآخَرُوْنَ.
وَفِي (فُنُوْن) ابْنِ عَقِيْلَ: قَالَ عَمِيْدُ المُلْك: قَدِمَ أَبُو المَعَالِي، فَكلَّم أَبَا القَاسِمِ بن بَرْهَان فِي العبَاد، هَلْ لَهم أَفعَال؟
فَقَالَ أَبُو المَعَالِي: إِن وَجَدْتَ آيَةً تَقتضِي ذَا فَالحجّةُ لَكَ، فَتلَا {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُوْنِ ذَلِكَ هم لَهَا عَامِلُوْنَ} [المُؤْمِنُوْنَ:63] وَمَدَّ بِهَا صَوْتَه، وَكَرَّرَ {هم لَهَا عَامِلُوْنَ} ، وَقوله:{لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُوْنَ} [التَّوبَة:42] أَي كَانُوا مُسْتطيعين.
فَأَخَذَ أَبُو المَعَالِي يَسْتَروحُ إِلَى التَّأْوِيْل، فَقَالَ: وَاللهِ إِنَّكَ بَارِد (1) ؛تَتَأَوّلُ صَرِيحَ كَلَامِ الله لِتُصَحِّحَ بتَأْويلِكَ كَلَام الأَشْعَرِيّ، وَأَكَلَّهُ ابْنُ بَرْهَان بِالحُجَّة، فَبُهِتَ (2) .
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ أَبُو المَعَالِي، إِمَامَ الأَئِمَّة عَلَى الإِطلَاق، مُجمَعاً عَلَى إِمَامتِهِ شرقاً وَغرباً، لَمْ تَرَ العُيُونُ مِثْلَهُ.
تَفَقَّهَ عَلَى وَالِده، وَتُوُفِّيَ أَبُوْهُ وَلأَبِي المَعَالِي عِشْرُوْنَ سَنَةً، فَدرَّس مَكَانه، وَكَانَ يَتردَّدُ إِلَى مدرسَة البَيْهَقِيّ، وَأَحْكَمَ الأُصُوْلَ عَلَى أَبِي القَاسِمِ الإِسفرَايينِيّ الإِسكَاف.
وَكَانَ يُنْفِقُ مِنْ مِيْرَاثه وَمِنْ مَعلُوْمٍ لَهُ، إِلَى أَنْ ظهر التَّعصُّب بَيْنَ الفَرِيْقَيْنِ، وَاضْطَرَبتِ
(1) في " ذيل تاريخ بغداد ": إنك بار وتتأول
…
(2)
الخبر بنحوه في " ذيل تاريخ بغداد " لابن النجار: 89 - 91، وأكله: أعياه.
الأَحْوَالُ، فَاضطر إِلَى السَّفَر عَنْ نَيْسَابُوْر، فَذَهَبَ إِلَى المعَسْكَر، ثُمَّ إِلَى بَغْدَادَ، وَصَحِبَ الوَزِيْرَ أَبَا نَصْر الكُنْدُرِيّ مُدَّة يَطُوْفُ مَعَهُ، وَيلتقِي فِي حضَرتِهِ بكِبَارِ العُلَمَاءِ، وَيُنَاظرهُم، فَتَحَنَّك بِهِم، وَتهذَّب، وَشَاعَ ذِكْرهُ، ثُمَّ حَجَّ، وَجَاوَرَ أَرْبَعَ سِنِيْنَ يَدرِّس، وَيُفْتِي، وَيَجمَعُ طُرُقَ المَذْهَب، إِلَى أَنْ رَجَعَ إِلَى بَلَده بَعْد مُضِيِّ نَوْبَة التَّعَصُّب (1) ، فَدرَّس بنظَامِيَّة نَيْسَابُوْر، وَاسْتقَام الأَمْر، وَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ ثَلَاثِيْنَ سَنَةً غَيْر مُزَاحَم وَلَا مُدَافَع، مُسَلَّماً لَهُ المِحْرَابُ وَالمِنْبَر وَالخُطبَة وَالتدرِيس، وَمَجْلِسُ الْوَعْظ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَظهرت تَصَانِيْفُهُ، وَحضر دَرسه الأَكَابِرُ وَالجمعُ العَظِيْم مِنَ الطَّلَبَة، كَانَ يَقعدُ بَيْنَ يَدَيْهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاث مائَة، وَتَفَقَّهَ بِهِ أَئِمَّة (2) .
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ المُنذرِيّ قَالَ:
تُوُفِّيَ وَالِد أَبِي المَعَالِي، فَأُقعِد مَكَانه وَلَمْ يُكْمِل عِشْرِيْنَ سَنَةً، فَكَانَ يَدرِّس، وَأَحكم الأُصُوْل عَلَى أَبِي القَاسِمِ الإِسكَاف (3) ، وَجَاورَ ثُمَّ رَجَعَ
…
إِلَى أَنْ قَالَ:
وَسَمِعَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المُزَكِّي، وَأَبِي سَعْدٍ بن عَليَّك، وَفضلِ الله بن أَبِي الخَيْرِ المِيْهَنِيّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ البَغْدَادِيّ، وَأَجَاز لَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، وَسَمِعَ مِنَ الطّرَازِيّ، كَذَا قَالَ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: قَرَأْتُ بِخَط أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدٍ بن أَبِي عَلِيٍّ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الفِيروزآبَادِي يَقُوْلُ: تَمَتَّعُوا مِنْ هَذَا الإِمَام، فَإِنَّهُ نُزْهَةُ هَذَا الزَّمَان - يَعْنِي: أَبَا المعَالِي الجُوَيْنِيّ - (4) .
(1) انظر عن هذه الفتنة " طبقات " السبكي 3 / 389 وما بعدها، و4 / 209.
(2)
انظر " تبيين كذب المفتري " ص: 280 - 281، و" المنتظم " 9 / 18 - 19، و" ذيل تاريخ بغداد "، لابن النجار: 86، و" وفيات الأعيان " 3 / 168، و" طبقات " السبكي 5 / 175 - 176.
(3)
انظر " تبيين كذب المفتري "279.
(4)
الخبر في " ذيل تاريخ بغداد " لابن النجار: 92.
وَقَرَأْتُ بخطِّ أَبِي جَعْفَرٍ أَيْضاً: سَمِعْتُ أَبَا المعَالِي يَقُوْلُ: قَرَأْتُ خَمْسِيْنَ أَلْفاً فِي خَمْسِيْنَ أَلْفاً، ثُمَّ خَلَّيْتُ أَهْلَ الإِسْلَام بِإِسلَامهم فِيْهَا وَعلُوْمهم الظَّاهِرَة (1) ، وَركبتُ البَحْرَ الخِضَمَّ، وَغُصتُ فِي الَّذِي نَهَى أَهْلُ الإِسْلَام، كُلّ ذَلِكَ فِي طَلَبِ الحَقّ، وَكُنْتُ أَهرُبُ فِي سَالفِ الدَّهْر مِنَ التَّقْلِيد، وَالآنَ فَقَدْ رَجَعت إِلَى كلمَة الحَقّ، عَلَيْكُم بدين العجَائِز، فَإِنْ لَمْ يَدركنِي الحَقّ بِلَطِيفِ برّه، فَأَمُوْت عَلَى دين العجَائِز، وَيُخْتم عَاقبَة أَمرِي عِنْد الرّحيل عَلَى كلمَة الإِخلَاص: لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، فَالويلُ لابْنِ الجُوَيْنِيّ (2) .
قُلْتُ: كَانَ هَذَا الإِمَام مَعَ فَرْط ذكَائِهِ وَإِمَامته فِي الْفُرُوع وَأُصُوْلِ المَذْهَب وَقُوَّةِ مُنَاظرته لَا يَدْرِي الحَدِيْثَ كَمَا يَليق بِهِ لَا مَتْناً وَلَا إِسْنَاداً (3) .
ذكر فِي كِتَابِ (البُرْهَان) حَدِيْث مُعَاذٍ فِي القيَاسِ فَقَالَ: هُوَ مُدَوَّنٌ فِي الصِّحَاح، مُتَّفق عَلَى صحَّته.
(1) في الأصل: الظاهر.
(2)
الخبر في " المنتظم ": 9 / 19، " طبقات الشافعية " للسبكي: 5 / 585، وهذا القول من إمام الحرمين شاهد صدق على فساد استخدام منطق اليونان في المطالب اليقينية واتخاذه أصلا في الحجة والبرهان، وأن المنهج الحق هو ما كان عليه الصحابة التابعون له بإحسان ومن سلك سبيلهم من أهل العلم والعرفان.
(3)
وفي " الأنساب ": 3 / 386 وكان قليل الرواية للحديث معرضا عنه، وفي " معجم البلدان ": 2 / 193 وكان قليل الرواية معرضا عن الحديث، ولا ضير على الامام الذهبي رحمه الله أن يبين ضعف إمام الحرمين في علم الحديث وقلة إلمامه به وأن يتقبل أهل العلم صنيعه وينتفعوا به ويعتدوه نصيحة نافعة تستوجب الثناء والدعاء فقد اطلع الامام البيهقي على أجزاء مما أملاه أستاذه والد إمام الحرمين أبو محمد الجويني من كتاب المحيط، فرأى فيها أوهاما حديثية فكتب في نقدها رسالة مطولة رصينة تنبئ عن براعة نقده ونفاذ بصيرته في علم الحديث، ولما انتهت الرسالة لأبي محمد طابت بها نفسه وشكر له صنيعه وأكثر من الدعاء له وانقطع عن تأليف الكتاب.
وللسبكي في ترجمة أبي المعالي من طبقاته: 5 / 187 مؤاخذات على كلام الامام الذهبي في إمام الحرمين: صاغه بأسلوب مقيت ينبئ عن تحامل وحقد وبعد عن الإنصاف وجهل أو تجاهل بمعرفة القول الفصل في مواطن الخلاف.
قُلْتُ: بَلْ مَدَارُه عَلَى الحَارِثِ بنِ عَمْرٍو، وَفِيْهِ جهَالَة، عَنْ رِجَال مِنْ أَهْلِ حِمْص، عَنْ مُعَاذ.
فَإِسْنَادُهُ صَالِحٌ (1) .
قَالَ المَازرِيّ فِي شرح (البُرْهَان) فِي قَوْله: إِنَّ اللهَ يَعلَمُ الكُلِّيَّاتِ لَا الجُزْئِيَّات: وَدِدْتُ لَوْ مَحَوْتُهَا بِدَمِي.
وَقِيْلَ: لَمْ يَقُلْ بِهَذِهِ المَسْأَلَة تَصرِيحاً، بَلْ أُلزم بِهَا لأَنَّه
قَالَ بِمسَأَلَة الاسْترسَال فِيمَا لَيْسَ بِمُتَنَاهٍ مِنْ نَعيمِ أَهْل الجَنَّة، فَاللهُ أَعْلَم (2) .
قُلْتُ: هَذِهِ هَفْوَة اعتزَال، هُجِرَ أَبُو المَعَالِي عَلَيْهَا، وَحَلَفَ أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ لَا يُكَلِّمهُ، وَنُفِيَ بِسَبَبهَا، فَجَاور وَتعبَّد، وَتَاب - وَللهِ الحَمْدُ - مِنْهَا، كَمَا أَنَّهُ فِي الآخَرِ رجَّحَ مَذْهَب السَّلَف فِي الصِّفَات وَأَقَرَّه (3) .
(1) وممن مال إلى القول بصحته أبو بكر الرازي الجصاص، وأبو بكر بن العربي، والخطيب البغدادي، وابن قيم الجوزية، قالوا: إن الحارث بن عمرو ليس بمجهول العين، لان شعبة بن الحجاج يقول عنه: إنه ابن أخي المغيرة بن شعبة، ولا بمجهول الوصف، لأنه من كبار التعابعين في طبقة شيوخ أبي عون الثقفي المتوفى سنة 116 هـ.
ولم ينقل أهل الشأن جرحا مفسرا في حكمه، ولا حاجة في الحكم بصحة خبر التابعي الكبير إلى أن ينقل توثيقه عن أهل طبقته، بل يكفي في عدالته وقبول روايته أن لا يثبت فيه جرح مفسر عن أهل الشأن لما ثبت من بالغ الفحص على المجروحين من رجال تلك الطبقة، فمن لم يثبت فيه جرح مؤثر منهم، فهو مقبول الرواية، والشيوخ الذين روى عنهم هم من أصحاب معاذ، ولا أحد من أصحاب معاذ مجهولا، ويجوز أن يكون في الخبر إسقاط الأسماء عن جماعة، ولا يدخله ذلك في حيز الجهالة، وإنما يدخل في المجهولات إذا كان واحدا، فيقال: حدثني رجل أو إنسان، وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى، وقد خرج الامام البخاري الذي شرط الصحة حديث عروة البارقي: سمعت الحي يتحدثون عن عروة، ولم يكن ذلك الحديث في جملة المجهولات.
وقال مالك في القسامة: أخبرني رجل من كبراء قومه، وفي الصحيح عن الزهري حدثني رجال عن أبي هريرة:" من صلى على جنازة فله قيراط ".
وانظر " الفقيه والمتفقه ": 1 / 188، 190، واعلام الموقعين 1 / 202.
(2)
انظر المنتظم: 9 / 19، 20، وطبقات السبكي: 5 / 588، وقد عقد هذا الأخير فصلا خاصا لمسألة الاسترسال بعنوان شرح حال مسألة الاسترسال التي وقعت في كتاب البرهان: ص 192،
207.
(3)
سيذكر المصنف قريبا عن النظامية النص الذي صرح فيه برجوعه إلى مذهب السلف في الصفات.
قَالَ الفَقِيْه غَانِم المُوْشِيلِي (1) :سَمِعْتُ الإِمَام أَبَا المعَالِي يَقُوْلُ: لَوِ اسْتَقبلتُ مِنْ أَمرِي مَا اسْتدبرتُ مَا اشْتَغَلتُ بِالكَلَام.
قَالَ أَبُو المَعَالِي فِي كِتَابِ (الرِّسَالَة النّظَامِيَّة (2)) :اخْتلفت مسَالكُ العُلَمَاء فِي الظَّوَاهر الَّتِي وَردت فِي الكِتَاب وَالسّنَّة، وَامْتَنَعَ عَلَى أَهْلِ الحَقِّ فَحوَاهَا (3) ، فَرَأَى بَعْضُهم تَأْويلَهَا، وَالتَزَم ذَلِكَ فِي القُرْآن، وَمَا يَصح مِنَ السُّنَن وَذَهَبَ أَئِمَّة السَّلَف إِلَى الَانكِفَاف، عَنِ التَّأْوِيْل وَإِجرَاءِ الظَّوَاهر عَلَى مَوَاردهَا، وَتَفويضِ معَانِيْهَا إِلَى الرَّب تَعَالَى، وَالَّذِي نَرْتَضِيْه رَأْياً، وَنَدينُ الله بِهِ عَقداً اتِّبَاعُ سلفِ الأُمَّة، فَالأُوْلَى الَاتِّبَاعُ (4) ، وَالِدَّليلُ السَّمَعِيُّ القَاطعُ فِي ذَلِكَ أَنَّ إِجمَاع الأُمَّة حُجَّةٌ مُتَّبَعَة، وَهُوَ مُسْتَنَدُ مُعْظَم الشَّرِيعَة، وَقَدْ درج صَحْبُ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم عَلَى ترك التَّعرض لِمَعَانِيْهَا وَدَرْكِ مَا فِيْهَا وَهم صِفْوَة الإِسْلَام المُسْتقلُّوْنَ بِأَعبَاءِ الشَّرِيعَة، وَكَانُوا لَا يَأْلُوْنَ جهداً فِي ضبط قوَاعدِ الملَّة وَالتَّوَاصِي بحِفْظِهَا، وَتعَلِيْمِ النَّاس مَا يَحتَاجُوْنَ إِلَيْهِ مِنْهَا، فَلَو كَانَ تَأْويلُ هَذِهِ الظوَاهر مسوَغاً أَومحتُوْماً؛ لأَوشك أَنْ يَكُوْنَ اهتمَامُهم بِهَا فَوْقَ اهتمَامِهم بفُروع الشّرِيعَة، فَإِذَا تَصرَّم عصرُهم وَعصرُ التَّابِعِيْنَ عَلَى الإِضرَاب عَنِ التَّأْوِيْل؛ كَانَ ذَلِكَ قَاطعاً بِأَنَّهُ الوَجْهُ المُتَّبع، فَحقَّ عَلَى ذِي الدِّيْن أَنْ يَعتقد تَنَزُّه البَارِي عَنْ صِفَات المُحْدَثِيْنَ، وَلَا يَخوضَ فِي تَأْويل المشكلَات، وَيَكِلَ معنَاهَا إِلَى
(1)" الموشيلي " وهو كتاب النصارى، وقال ابن الأثير، إن موشيلي هو من أسماء رجال النصارى ومعناه بالعربية موسى، ولعل بعض أجداده كان اسمه كذلك فنسب إليه. انظر اللباب 3 / 269.
(2)
وتسمى " العقيدة النظامية " أيضا، وقد طبعت بتصحيح الشيخ المحدث محمد زاهد الكوثري عام 1367 هـ 1948 م.
انظر ص 23 وما بعدها.
(3)
في النظامية المطبوعة بتحقيق العلامة الكوثري ص، 23، بعد هذه العبارة ما نصه: وإجراؤها على موجب ما تبرزه أفهام أرباب اللسان منها.
(4)
في المطبوعة 23، فالاولى الاتباع وترك الابتداع.
الرَّب (1)، فَلْيُجْرِ آيَة الاسْتِوَاءِ وَالمجِيْء (2) وَقوله:{لِمَا خَلَقْتُ بَيَدَيّ} [ص:75]، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرَّحْمَن:27] ، وَ {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القَمَر:14] .
وَمَا صَحَّ مِنْ أَخْبَارِ الرَّسُول كَخَبَر النُّزَولِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا ذكرنَاهُ (3) .
قَالَ الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ القَيْرَوَانِيّ الأَدِيْبَ - وَكَانَ يَخْتلِف إِلَى درس الأُسْتَاذ أَبِي المَعَالِي فِي الكَلَام - فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا المعَالِي اليَوْم يَقُوْلُ:
يَا أَصْحَابنَا لَا تَشتغلُوا بِالكَلَام، فَلَو عَرَفْتُ أَنَّ الكَلَام يَبلغُ بِي (4) مَا بلغَ مَا اشْتَغَلتُ بِهِ (5) .
وَحَكَى الفَقِيْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَسَنُ بنُ العَبَّاسِ الرُّسْتمِيّ قَالَ: حَكَى لَنَا أَبُو الفَتْحِ الطّبرِيُّ الفَقِيْه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي فِي مَرَضِهِ، فَقَالَ: اشَهِدُوا عَليَّ أَنِّي قَدْ رَجَعْتُ عَنْ كُلِّ مَقَالَةٍ تُخَالف السُّنَّة، وَأَنِّي أَمُوْتُ عَلَى مَا يَموتُ عَلَيْهِ عجَائِز نَيْسَابُوْر (6) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ: حضَر المُحَدِّثُ أَبُو جَعْفَرٍ الهَمَذَانِيّ فِي مَجْلِسَ وَعظِ أَبِي المَعَالِي، فَقَالَ: كَانَ اللهُ وَلَا عرش، وَهُوَ الآنَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. فَقَالَ أَبُو
(1) في المطبوعة ص 24: بعد هذه العبارة، زيادة، وعند إمام القراء وسيدهم الوقف على قوله تعالى:(وما يعلم تأويله إلا الله) : من العزائم، ثم الابتداء بقوله:(والراسخون في العلم) ،
ومما استحسن من إمام دار الهجرة مالك بن أنس أنه سئل عن قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) فقال: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والسؤال عنه بدعة.
(2)
آية المجئ قوله تعالى، (وجاء ربك والملك صفا صفا)[الفجر، 22] .
(3)
زاد في المطبوعة: فهذا بيان ما يجب لله.
(4)
في " المنتظم " 9 / 19: " إلي " بدل " لي " وهو خطأ.
(5)
" المنتظم " 9 / 19، و" طبقات " السبكي 5 / 186، وعلق عليه بقوله: يشبه أن تكون هذه الحكاية مكذوبة، وابن طاهر عنده تحامل على إمام الحرمين، والقيروني المشار إليه رجل مجهول.
(6)
" طبقات " السبكي 5 / 191.
جَعْفَر: أَخْبِرْنَا يَا أَسْتَاذ عَنْ هَذِهِ الضَّرُوْرَة الَّتِي نَجدُهَا، مَا قَالَ عَارِفٌ قَطُّ: يَا الله! إِلَاّ وَجَد مِنْ قَلْبِهِ ضَرُوْرَة تَطلب العلوَّ وَلَا يَلتَفِتُ يَمنَةً وَلَا يَسرَةً، فَكَيْفَ نَدفَعُ هَذِهِ الضَّرُوْرَة عَنْ أَنْفُسنَا؟، أَوْ قَالَ: فَهَلْ عِنْدَك دوَاءٌ لدفعِ هَذِهِ الضَّرُوْرَة الَّتِي نَجدُهَا؟
فَقَالَ: يَا حَبِيْبِي! مَا ثمَّ إِلَاّ الحَيْرَة.
وَلطم عَلَى رَأْسه، وَنَزَلَ، وَبَقِيَ وَقت عَجِيْب، وَقَالَ فِيمَا بَعْد: حيَّرنِي الهَمَذَانِيّ (1) .
لأَبِي المَعَالِي كِتَاب (نِهَايَة المَطلِب فِي المَذْهَب (2)) ؛ثَمَانِيَة أَسفَار، وَكِتَاب (الإِرشَاد فِي أُصُوْل الدِّيْنِ (3)) ، كِتَاب (الرِّسَالَة النّظَامِيَّة فِي الأَحكَام الإِسلَامِيَّة (4)) ، كِتَاب (الشَّامل فِي أُصُوْل الدِّيْنِ (5)) ، كِتَاب (البُرْهَان فِي أُصُوْل الفِقْه) ، كِتَاب (مدَارك العُقُوْل) لَمْ يُتِمَّه، كِتَاب (غِيَاث الأُمَم فِي الإِمَامَة (6)) ، كِتَاب (مُغِيْث الْخلق فِي اخْتيَار الأَحقّ (7)) ، كِتَاب (غُنيَة المُسْترشدين) فِي الخلَاف (8) .
(1) الخبر في " العلو "(ص - 276، 277 مختصره) وطبقات السبكي 5 / 190.
وسيعيده
المؤلف في ص: 445.
(2)
في " تبيين كذب المفتري " و" وفيات الأعيان " و" المختصر ": نهاية المطلب في دراية المذهب ".
وفي " النجوم الزاهرة ": في رواية المذهب.
(3)
وقد طبع في باريس والقاهرة وبرلين.
(4)
طبعت في القاهرة باسم " العقيدة النظامية " 1948 كما تقدم، وقد ترجمت إلى الالمانية عام 1958.
(5)
وقد طبع الكتاب الأول من الجزء الأول منه في القاهرة 1961 م.
(6)
ويعد هذا الكتاب العظيم مثلا لاصالة الفقه السياسي الإسلامي وبعده عن التأثر بالفلسفات الأخرى، ويعده الباحثون أحسن منهجا من كتاب الماوردي " الاحكام السلطانية " ويسمى أيضا بالغياثي، وغياث الأمم في التياث الظلم، وقد نشرته دار الدعوة بالإسكندرية بهذا الاسم الأخير بتحقيق ودراسة الدكتور فؤاد عبد المنعم والدكتور مصطفى حلمي، وانظر مقدمته فإنها مفيدة.
(7)
للشيخ العلامة محمد زاهد الكوثري رسالة اسمها " إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق " نشرت في القاهرة 1941 م.
(8)
ومن مؤلفات المترجم المطبوعة: " الورقات " في أصول الفقه والأدلة، تحقيق الدكتورة =
وَكَانَ إِذَا أَخَذَ فِي عِلم الصُّوْفِيَّة وَشَرْحِ الأَحْوَال أَبَكَى الحَاضِرِيْنَ (1) ، وَكَانَ يذكر فِي اليَوْمِ دروساً؛ الدَّرسُ فِي عِدَّة أَورَاق، لَا يَتَلَعْثَمُ فِي كلمَةٍ مِنْهَا.
وَصفه بِهَذَا وَأَضعَافِه عبدُ الغَافِرِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ (2) .
تُوُفِّيَ: فِي الخَامِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ربيع الآخر سَنَة ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَدُفِنَ فِي دَارِهِ، ثُمَّ نُقِلَ بَعْد سِنِيْنَ إِلَى مَقْبَرَة الحُسَيْن، فَدُفِنَ بِجنب وَالِده، وَكسرُوا مِنْبَره، وَغُلِّقَتِ الأَسواق، وَرُثِي بقصَائِد، وَكَانَ لَهُ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِ مائَة تِلْمِيْذ، كَسرُوا محَابِرَهم وَأَقلَامهُم، وَأَقَامُوا حَوْلاً، وَوُضعتِ المنَادِيل عَنِ (3) الرُّؤُوس عَاماً، بِحَيْثُ مَا اجْترَأَ أَحَدٌ عَلَى سَتْرِ رَأْسِه، وَكَانَتِ الطَّلَبَةُ يَطوفُوْنَ فِي البلدِ نَائِحين عَلَيْهِ، مُبَالغِيْن فِي الصِّيَاح وَالجَزَعِ (4) .
قُلْتُ: هَذَا كَانَ مِنْ زِيّ الأَعَاجم لَا مِنْ فِعل العُلَمَاء المتّبعين (5) .
وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ البَاخَرْزِي فِي (الدمِيَة (6)) فِي حقّه: الفِقْهُ فَقه الشَّافِعِيّ وَالأَدبُ أَدبُ الأَصْمَعِيّ، وَفِي الْوَعْظ الحَسَنِ الحَسَنُ البَصْرِيّ (7) ،
= فوقية حسن محمود، وانظر بقية مؤلفاته في مقدمة " غياث الأمم في التياث الظلم " بتحقيق الدكتورين فؤاد عبد المنعم ومصطفى حلمي، دار الدعوة بالإسكندرية.
(1)
" تبيين كذب المفتري " ص 284، و" وفيات الأعيان " 3 / 169.
(2)
انظر " طبقات " السبكي 5 / 174 - 175.
(3)
في الأصل " على " وهو خطأ، والتصويب من " تبيين كذب المفتري " ص:284.
(4)
انظر " تبيين كذب المفتري ": 284 - 285، و" المنتظم " 9 / 20، و" ذيل تاريخ بغداد " لابن النجار: 93 - 94، و" وفيات الأعيان " 3 / 169 - 170، و" طبقات " الاسنوي 1 / 411.
(5)
وقد تكلف السبكي في الرد على إمامنا الذهبي لانكاره الصياح والنياح وكسر المحابر والاقلام في " طبقاته " 5 / 184.
(6)
" دمية القصر " 2 / 1000 - 1001.
(7)
في " الدمية ": وحسن بصره بالوعظ كالحسن البصري.