الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَدمعت عينَاي، فَقَالَ بِصَوْت ضَعِيْف:
تَرَفَّقْ بِدَمْعِكَ لَا تُفْنِهِ
…
فَبَيْنَ يَدَيْكَ بُكَاءٌ طَوِيْلُ (1)
فَمَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ (2) ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَمِنْ وُزرَائِهِ أَبُو بَكْرٍ بنُ الحَدَّاد الأَدِيْب.
وَقَدِ امْتَدَحه جَمَاعَةٌ مِنْ فحُوْل الشُّعَرَاء (3) .
314 - المُظَفَّرُ بنُ الأَفْطَسِ *
سُلْطَانُ الثَّغْرِ الشِّمَالِيّ مِنَ الأَنْدَلُسِ، وَدَارُ مُلْكِهِ بَطَلْيَوس.
كَانَ رَأْساً فِي العِلْمِ وَالأَدَبِ وَالشَّجَاعَةِ وَالرَّأْي، فَكَانَ مُنَاغراً (4) لِلرُّوْمِ، شجَىً فِي حُلُوقِهِم، لَا يُنَفِّسُ لَهم مَخْنَقاً، وَلَا يُوجِدُ لَهم إِلَى الظُهُوْر عَلَيْهِ مُرتقَى، وَلَهُ آدَاب تُغِيْرُ سرَايَاهَا، فَتسبِي عَذَارَى معَانٍ لَا
(1) الخبر في " الذخيرة " 1 / 2 / 734، و" المغرب في حلى المغرب " 2 / 196، و" وفيات الأعيان " 5 / 44، و" الوافي بالوفيات " 5 / 46، وقد تحرفت فيه كلمة " يديك " إلى " يدي ".
(2)
في الأصل: " ربيع الا " فقط، وما أثبتناه من " الحلة السيراء " 2 / 84، وفي " وفيات الأعيان " و" الشذرات " أنه توفي في ربيع الأول.
(3)
انظر " الحلة السيراء " 2 / 82 - 83، و" وفيات الأعيان " 3 / 41 - 43.
(*) الذخيرة ق 2 / م 2 / 640 - 646، الكامل 9 / 288، المعجب 127، تكملة ابن الابار: 128، المغرب 1 / 364، وفيات الأعيان 7 / 123، البيان المغرب 3 / 220 و236، الوافي بالوفيات 3 / 323، تاريخ ابن خلدون 4 / 159 - 160، أعمال الاعلام: 212، كشف الظنون 2 / 1722، هدية العارفين 2 / 72، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة:89.
واسمه أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن مسلمة التجيبي، وبعض المصادر لم تذكر " محمدا " بين عبد الله ومسلمة، وورد في " الكامل " و" المغرب " سلمة بدل مسلمة، وتحرف اسمه في " تاريخ " ابن خلدون إلى: أبو محمد عبد الله بن مسلمة.
(4)
أي مغيظا لهم.
تَعشقُ المَحَامِدُ إِلَاّ إِيَّاهَا، أَلْفَاظٌ كَالزلزَال، وَأَغرَاضٌ أَبعدُ مِنَ الهِلَال، رَائِقُ النّظم، ذكيّ النُّوْر، رصيفُ المَعَانِي، شَاهقُ الغَور، وَلَهُ تَأْلِيفٌ كَبِيْر فِي الآدَاب عَلَى هيئَة (عُيُون الأَخْبَار) لابْنِ قُتَيْبَة، يَكُوْن عشرَ مُجَلَّدَات، وَمِنْ نَثْرِه - وَقَدْ غنم بلَادَ شلمنكَة وَهِيَ مجَاورتُه، فَكَتَبَ إِلَى المُعْتَمِد بِاللهِ يَفخر، وَيُنَكِّتُ عَلَيْهِ بِمسَالِمته لِلرّوم، فَقِيْلَ: إِنَّهُ حَصَّل مِنْ هَذِهِ الغَزْوَة أَلفَ جَارِيَة حسنَاء مِنْ بنَات الأَصْفَر -:مَنْ يَصِدْ صَيْداً فَلْيَصِدْ كَمَا صَيْدِي، صَيْدِي الغَزَالَة مِنْ مرَابِضِ الأَسَدِ.
أَيُّهَا الْملك إِنَّ الرُّوْم إِذَا لَمْ تُغْزَ غَزَتْ، وَلَوْ تَعَاقدنَا تَعَاقدَ الأَوْلِيَاء المُخلِصين فَلَلْنَا حَدَّهُم، وَأَذْلَلْنَا جَدَّهُم (1) ، وَرَأْيُ السَّيِّد المعتمدِ عَلَى اللهِ سرَاجٌ تُضيء بِهِ ظُلمَات المنَى.
وَللمظفَّر (تَفْسِيْرٌ) لِلقُرآن (2) .
وَكَانَ مَعَ اسْتغرَاقه فِي الجِهَادِ لَا يَفتُر عَنِ العِلْم، وَلَا يَترك العَدْلَ، صَنَعَ مدرسَةً يَجْلِس فِيْهَا كُلَّ جُمُعَة، وَيَحضُره العُلَمَاء، وَكَانَ يَبَيْتُ فِي مَنْظَرَةٍ لَهُ، فَإِذَا سَمِعَ صَوْتاً وَجَّه أَعْوَاناً لَكشف الخَبَر، لَا يَنَام إِلَاّ قَلِيْلاً.
وَفِيه يَقُوْلُ أَبُو الأَصْبَغِ القلمَندر الكَاتِب:
يُربِي عَلَى سَيْبِ الغَمَامِ عَطَاؤُهُ
…
مَلِكٌ عَلَى فُلْكِ العُلَى اسْتِمْطَاؤُهُ
سَيْفٌ رِقَابُ عَدُوِّه أَغمَادُهُ
…
تَسْقِيْهِ بِالغَيْثِ المُغِيْثِ دِمَاؤُهُ
وَكَانَ كَاتِبُه الوَزِيْر أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ النَّحْوِيّ أَحَدَ البلغَاء،
(1) الجد هنا بمعنى الجلال والعظمة.
(2)
وذكر ابن بسام أن له كتاب " التذكرة "، والمشتهر اسمه أيضا بكتاب " المظفر " في خمسين مجلدة، يشتمل على علوم وفنون من مغاز وسير، ومثل وخبر، وجميع ما يختص به علم الأدب.
" الذخيرة " 2 / 2 / 640.
فَكَتَبَ أَذفونش - لَعنه الله - يُرْعِدُ وَيُبْرِقُ (1)، فَأَجَابَ: وَصل إِلَى الْملك المُظَفَّر مِنْ عَظِيْم الرُّوْم كِتَابٌ مُدَّع فِي المقَادِير، يُرْعِدُ وَيُبْرِقُ، وَيَجمعُ تَارَةً وَيُفَرِّق، وَيهدد بِالجُنُوْد الوَافرَة، وَلَمْ يَدر أَن للهِ جُنُوْداً أَعزَّ بِهِم الإِسْلَام، وَأَظهر بِهِم دينَ نَبِيّنَا عليه الصلاة والسلام، يُجَاهدُوْنَ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَلَا يَخَافُوْنَ لُوْمَة لَائِم، فَأَمَّا تَعييرُك لِلمُسْلِمِيْنَ فِيمَا وَهَنَ مِنْ أَحْوَالِهم، فَبالذُّنُوبِ المركوبَة، وَالفِرَقِ المنكوبَة، وَلَوِ اتَّفَقت كلِمتُنَا علمتَ أَيَّ صَائِبٍ أَذَقْنَاك، كَمَا كَانَتْ آبَاؤُك مَعَ آبَائِنَا، وَبَالأَمسِ كَانَتْ قطيعَةُ المَنْصُوْر عَلَى سَلَفِك، أَهدَى ابْنتَه إِلَيْهِ مَعَ الذّخَائِر الَّتِي كَانَتْ تَفِدُ فِي كُلّ عَام عَلَيْهِ، وَنَحْنُ فَإِنْ قلَّت أَعدَادُنَا، وَعُدِمَ مِنَ المَخلوقين اسْتمدَادُنَا، فَمَا بَيْنَنَا وَبينك بحرٌ تَخُوضهُ، وَلَا صَعب تَروضه، إِلَاّ سيوفٌ يَشْهَد بَحَدِّهَا رقَابُ قَوْمك، وَجِلَادٌ تُبصره فِي يَوْمك، وَبَالله وَمَلَائِكتِه نَتقوَّى عَلَيْك، لَيْسَ لَنَا سِوَاهُ مطلب، وَلَا إِلَى غَيْره مَهْرب، وَهل تَرَبَّصُوْنَ بِنَا إِلَاّ إِحْدَى الحُسْنَيَيْنِ، شهَادَةٌ، أَوْ نَصْرٌ عزِيز.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ المُظَفَّر بَعْد السَّبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (2) أَوْ قَبْلَهَا، قَامَ فِي المُلك بَعْدَهُ وَلدُه المُلَقَّب بِالمُتَوَكِّل عَلَى اللهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ (3) بنُ الأَفْطَس صَاحِبُ بَطَلْيَوس وَيَابُرَة (4) وَشَنْتَرِيْنَ وَأُشْبُونَة، فَكَانَ نَحْواً مِنْ أَبِيْهِ فِي الشَّجَاعَة وَالبرَاعَة وَالأَدب وَالبلاغَة، فَبَقِيَ إِلَى أَنْ قَتله المرَابطُوْنَ جُنْد
(1) أي يتهدد ويتوعد.
(2)
في " الوافي بالوفيات " 3 / 323، و" تاريخ " ابن خلدون 4 / 160 أنه توفي سنة (460) .
(3)
انظر ترجمته في " المغرب " 1 / 364، أعمال الاعلام: 214، قلائد العقيان: 36، الرايات: 29، الذخيرة ق 2 / م 2 / 646 - 652، الحلة السيراء 2 / 96 - 107، فوات الوفيات 3 / 155 - 156، نفح الطيب 1 / 663 - 666، الخريدة 3 / 356.
(4)
قال ياقوت: هي بلدة في غربي الأندلس.