الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَوّلُ ظُهُوْرهم كَانَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِيْنَ، بَلْ قَبْلهَا، وَكَانَ جَدُّهُم دُقَاق مِنَ الأُمَرَاء، وَكَذَا وَلدُه سَلْجُوْق، فَقَدَّمَهُ الخَان بيغو، وَكثُر جندُه، وَصَارَ يَغْزُو كَفَرَةَ التُّرك، وَعُمِّرَ دَهْراً، وَجَاز المائَة، وَقَامَ ابْنُه مِيْكَائِيْل مُدَّة، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ فِي الغَزْو، وَجَرَى لِوَلَدَيْهِ حُرُوْبٌ فِي حُدُوْدِ الأَرْبَعِ مائَة حَتَّى تَوطَّد ملكهُم (1) .
تمَلَّك بَعْد جَغْرِيبك ابْنُهُ أَلب آرسلَان (2) .
52 - طُغْرُلْبَكَ مُحَمَّدُ بنُ مِيْكَائِيْلَ *
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، رُكْنُ الدِّيْنِ، أَبُو طَالِبٍ.
أَصلُ السَّلْجُوْقيَّة، مِنْ بَرِّ بُخَارَى؛ لَهُم عددٌ وَقوَةٌ وَإِقدَام، وَشجَاعَة وَشَهَامَة وَزعَارَة، فَلَا يَدخُلُوْنَ تَحْتَ طَاعَة، وَإِذَا قصدهُم ملكٌ، دَخَلُوا البَرِّيَّة
(1) انظر " الكامل " 9 / 473 وما بعدها، وانظر " مختصر تاريخ دولة آل سلجوق ": 7 - 11.
(2)
سترد ترجمته برقم (210)
(*) المنتظم 8 / 190، 201، 231 - 234، الكامل 9 / 473 - 477 و496، 497، 504 - 511، 536، 556، 562، 594، 598، 605، 609، 611، 626، 633، و10 / 12 و20 و25 - 28، مختصر دولة آل سلجوق: 12 - 29، وفيات الأعيان 5 / 63 - 68، العبر 3 / 220، 234، 235 - 236، دول الإسلام 1 / 267، تتمة المختصر 1 / 547، 548 - 549، 553، 556، الوافي بالوفيات 5 / 102 - 104، البداية والنهاية 12 / 79، 81 - 83، 85، 86، 87 - 90، النجوم الزاهرة 5 / 73، تاريخ الخلفاء: 418 - 420، شذرات الذهب 3 / 294 - 296، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة، 12، 73، 322، 333.
قال ابن خلكان: طغرلبك، بضم الطاء المهملة وسكون الغين المعجمة، وضم الراء، وسكون اللام، وفتح الباء الموحدة، وبعدها كاف، وهو اسم علم تركي، مركب من طغرل وهو اسم علم بلغة الترك لطائر معروف عندهم، وبه سمي الرجل، وبك معناه الأمير، وضبطه ابن تغري بردي بكسر الراء.
عَلَى قَاعِدَة الأَعرَاب، وَلَمَّا عَبَرَ السُّلْطَانُ مَحْمُوْدُ بنُ سُبُكْتِكِين إِلَى بلَاد مَا وَرَاء النَّهْر وَجَدَ رَأْسَ السَّلْجُوْقيَّة قويَّ الشوكَة، فَاسْتمَاله، وَخَدَعَهُ، حَتَّى جَاءَ إِلَيْهِ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ، وَاسْتشَار الأُمَرَاءَ، فَأَشَارَ بَعْضُهُم بتغرِيق كِبَارهُم، وأَشَارَ آخرُوْنَ بِقطع إِبهَامَاتهم لِيَبْطُلَ رَمْيُهُم، ثُمَّ اتَّفَقَ الرَّأْيُ عَلَى تَفرِيقهم فِي النَّوَاحِي، وَوَضَعَ الخَرَاج عَلَيْهِم، فَتَهَذَّبُوا، وَذَلُّوا، فَانْفصل مِنْهُم أَلْفاً خَركَاهُ (1) ، وَمضُوا إِلَى كَرْمَان (2) ، وَمَلِكُهَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ (3) بَهَاء الدَّوْلَة بن عَضُدِ الدَّوْلَةِ بن بُوَيه، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِم، وَلَمْ يَلبَثْ أَن مَاتَ بَعْدَ الأَرْبَع مائَة (4) ، فَقصدُوا أَصْبَهَان، وَنَزَلُوا بِظَاهِرهَا، وَكَانَ صَاحِبُهَا علَاء الدَّوْلَة (5) بن كَاكويه، فَرغب فِي اسْتِخْدَامهُم، فَكَتَبَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ مَحْمُوْدُ يَأْمرهُ بِحَرْبِهِمْ، فَوَقَعَ بَيْنهُم مَصَافّ (6) ، ثُمَّ ترحلُوا إِلَى أَذْرَبِيْجَان، وَانحَاز أَخوَانُهُم الَّذِيْنَ بِخُرَاسَانَ إِلَى خُوَارَزْم وَجبالهَا، فَجَهَّزَ السُّلْطَانُ جَيْشاً ضَايقوهُم نَحْو سنتَيْن، ثُمَّ قصدهُم مَحْمُوْدُ بِنَفْسِهِ، وَمَزَّقَهُم، وَشتَّتهُم، فَمَاتَ وَتَسَلْطَن ابْنُهُ مَسْعُوْد (7) ، فَتَأَلَّف الَّذِيْنَ نَزلُوا بِأَذْرَبِيْجَان، فَأَتَاهُ أَلفُ فَارِس، فَاسْتَخدمهُم، ثُمَّ لَاطف الآخرِيْنَ، فَأَجَابُوا إِلَى طَاعته، ثُمَّ اشْتَغَل بِحَرب الهِنْد، فَإِنَّهُم
(1) كلمة فارسية معناها الخيمة الكبيرة.
وفي " وفيات الأعيان ": فانفصل منهم ألفا بيت.
(2)
قال ياقوت: بفتح فسكون، وربما كسرت، والفتح أشهر بالصحة، وهي ولاية مشهورة ذات بلاد وقرى ومدن واسعة بين فارس ومكران وسجستان وخراسان
…
إلى أن قال: وكرمان أيضا: مدينة بين غزنة وبلاد الهند، وهي من أعمال غزنة.
(3)
في الأصل: ابنه وهو خطأ، والمقصود أبو الفوارس بن بهاء الدولة كما في " وفيات الأعيان " 5 / 64.
وانظر ترجمته في " الكامل " 9 / 293 و320 و337 - 339 و346 و360، 368 وأبوه بهاء الدولة مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (106) .
(4)
مات سنة تسع عشره وأربع مئة كما في " الكامل " 9 / 368.
(5)
هو أبو جعفر بن دشمنزيار المتوفى سنة (433) ، انظر أخباره في " الكامل " 9 / 207 و381 - 383 و424 - 428 و495 وغيرها.
(6)
انظر " الكامل " 9 / 377، 378 و473 - 476.
(7)
تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (320) .
خَرَجُوا عَلَيْهِ، فَخلتِ البِلَاد لِلسَلْجُوْقيَّة، فَهَاجُوا وَأَفسدُوا (1) .
هَذَا كُلُّه وَالأَخَوَان طُغْرُلْبَك وَجَغْرِيْبَك فِي أَرْضهم بِأَطرَاف بُخَارَى، ثُمَّ جرت ملحمَةٌ بَيْنَ السَّلْجُوْقيَّة وَبَيْنَ مُتَوَلِّي بُخَارَى، قُتِلَ فِيْهَا خلقٌ مِنَ الفِئَتَيْنِ، ثُمَّ نَفّذُوا رَسُوْلاً إِلَى السُّلْطَانِ، فَحَبَسَهُ، وَجَهَّزَ جَيْشه لحرَبّهُم، فَالتَقَوا، فَانْكَسَرَ آلُ سَلْجُوْق، وَذلُّوا، وَبذلُوا الطَّاعَة لمَسْعُوْد، وَضمنُوا لَهُ أَخَذَ خُوَارَزْم، فَطَيَّبَ قُلُوبَهُم، وَانخدع لَهُم، ثُمَّ حشد الأَخَوَانِ وَعَبَرُوا إِلَى خُرَاسَانَ، وَانضمَّ الآخرُوْنَ إِلَيْهِم وَكَثُرُوا، وَجَرَتْ لَهم أُمُوْرٌ يَطولُ شرحهَا إِلَى أَنِ اسْتولَوا عَلَى الممَالِك، فَأَخذُوا الرَّيَّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَع مائَة، وَأَخَذُوا نَيْسَابُوْر فِي سَنَةِ ثَلَاثِيْنَ، وَأَخَذُوا بَلخ وَغَيْرَ ذَلِكَ (2) ، وَضَعُفَ عَنْهم مَسْعُوْد، وَتحيَّز إِلَى غَزْنَة، وَبقُوا فِي أَوَائِل الأَمْر يَخطبُوْنَ لَهُ حَتَّى تَمكنُوا، فَرَاسلهم القَائِمُ بِأَمْرِ اللهِ بقَاضِي القُضَاة أَبِي الحَسَنِ المَاوردي، ثُمَّ إِنَّ طُغْرُلْبَك المَذْكُوْر عَظُم سُلْطَانُه، وَطوَى الممَالِك، وَاسْتَوْلَى عَلَى العِرَاقِ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ (3) ، وَتَحَبَّبَ إِلَى الرَّعِيَّةِ بَعْدلٍ مشوبٍ بِجَوْر، وَكَانَ فِي نَفْسِهِ يَنطوِي عَلَى حلم وَكرم، وَقِيْلَ: كَانَ يُحَافِظُ عَلَى الجَمَاعَة، وَيَصُوْمُ الخَمِيْس وَالَاثْنَيْن (4) ، وَيَبنِي المَسَاجِد، وَيَتَصَدَّقُ، وَقَدْ جهَّزَ رَسُوْلَه نَاصِرَ بن إِسْمَاعِيْلَ العَلَوِيّ إِلَى مَلِكَة النَّصَارَى، فَاسْتَأذنهَا نَاصِرٌ فِي الصَّلَاةِ بِجَامِع قُسْطَنْطِيْنِيَّة جَمَاعَةٌ يَوْم جُمُعَة، فَأَذنت لَهُ، فَخطب لِلْخَلِيْفَة القَائِم، وَكَانَ هُنَاكَ رَسُوْلُ خَلِيْفَة مِصْر المُسْتنصر، فَأَنْكَر ذَلِكَ (5) .
(1) انظر " وفيات الأعيان " 5 / 63 - 65، و" الكامل ": 9 / 477 - 479.
(2)
انظر " الكامل ": 9 / 479 - 484.
(3)
انظر " وفيات الأعيان " 5 / 65 - 66، و" الكامل " 9 / 609 - 610.
(4)
انظر " الكامل " 10 / 28.
(5)
انظر " وفيات الأعيان " 5 / 66.
وَذَكَرَ المُؤَيَّد فِي (تَارِيْخِهِ (1)) أَن فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ بَعَثَ ملكُ الرُّوْم إِلَى طُغْرُلْبَك هدَايَا وَتحفاً، وَالتمس الهدنَةَ، فَأَجَابَهُ، وَعَمَّرَ مَسْجِد القُسْطَنْطِيْنِيَّة (2) ، وَأَقَامَ فِيْهَا الخطبَة لطُغْرُلْبَك، وَتَمَكَّنَ مُلْكُه.
وَحَاصَرَ بِأَصْبَهَانَ صَاحِبهَا ابْنَ كَاكويه أَحَدَ عَشَرَ شَهراً، ثُمَّ أَخَذَهَا بِالأَمَان، وَأَعْجَبته، وَنَقَلَ خَزَائِنَه مِنَ الرَّيّ إِلَيْهَا (3) .
وَلَمَّا تَمَهَّدَتِ البِلَادُ لِطُغْرلْبَك خَطَبَ بِنْت الخَلِيْفَة القَائِم، فَتَأَلَّمَ القَائِمُ، وَاسْتعفَى فَلَمْ يُعْفَ، فَزَوَّجَهُ بِهَا (4) ، ثُمَّ قَدِمَ طُغْرُلْبَك بَغْدَاد لِلعُرس.
وَكَانَتْ لَهُ يَدٌ عَظِيْمَة عَلَى القَائِم فِي إِعَادَةِ الخِلَافَة إِلَيْهِ، وَقَطعِ خُطبَة المِصْرِيّين الَّتِي أَقَامَهَا البَسَاسيرِي (5) .
ثُمَّ نَفَّذَ طُغْرُلْبَك مائَة أَلْف دِيْنَار برسم نَقل الجهَاز، فَعُمِلَ العرسُ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ، وَأُجْلِسَتْ عَلَى سرِيرٍ مُذَهَّب، وَدَخَلَ السُّلْطَانُ إِلَى بَيْنَ يَديهَا، فَقبَّل الأَرْضَ، وَلَمْ يَكشف المِنْدِيل عَنْ وَجههَا، وَقَدَّمَ تُحَفاً سنِيَّة، وَخدم وَانْصَرَفَ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهَا عِقْدَيْن مَجوْهَرِيْنَ، وَقطعَة يَاقُوْت عَظِيْمَة، ثُمَّ دَخَلَ مِنَ الغَدِ، فَقبَّلَ الأَرْضَ، وَجَلَسَ عَلَى سرِيرٍ إِلَى جَانبهَا
(1)" المختصر " 2 / 169.
(2)
في " الكامل ": وعمر ملك الروم الجامع الذي بناه مسلمة بن عبد الملك بالقسطنطينية
…
(3)
انظر " الكامل " 9 / 534 و562 - 563، و" المختصر " 2 / 170، وابن كاكويه هنا هو أبو منصور بن علاء الدولة بن كاكويه.
(4)
انظر " الكامل " 10 / 20 - 21.
(5)
انظر تفصيل ذلك في " الكامل " 9 / 640 - 650، و" المختصر " 2 / 177 - 179.
سَاعَةً، وَخَرَجَ، وَبَعَثَ لَهَا فَرجيَّة (1) نسيجٍ مُكَلَّلَة بِالجَوْهَر وَمُخْنِقَة أَي قلَادَة مُثَمّنَة، وَسُرَّ بِهَا (2) .
هَذَا وَالخَلِيْفَةُ فِي أَلَمٍ وَحُزنٍ وَكَظْمٍ، فَأَمَّا غَيْرُهُ مِنَ الخُلَفَاء الضُّعَفَاء فَودُّه لَوْ زَوَّجَ بِنْته بِأَمِيْرٍ مِنْ عتقَاء السُّلْطَان، ثُمَّ إِنَّ طُغْرُلْبَك خَلَا بِهَا، وَلَمْ يُمتَّع بِنعيم الدُّنْيَا، بَلْ مَاتَ فِي رَمَضَانَ مِنَ السّنَة بِالرَّيّ سَنَة خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ، وَحُمِلَ إِلَى مَرْو، فَدُفن عِنْد أَخِيْهِ، وَقِيْلَ: بَلْ دُفِنَ بِالرَّيّ (3) ، وَعَاشَتِ الزَّوْجَةُ الخَلِيفتيَّة إِلَى سَنَةِ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَصَارَ مُلكه مِنْ بَعْدِهِ إِلَى ابْنِ أَخِيْهِ السُّلْطَان أَلب آرسلَان (4) .
وَلَمْ يُرْزَق طُغْرُلْبَك وَلداً، وَعَاشَ سَبْعِيْنَ عَاماً، وَكَانَ بِيَدِهِ خُوَارَزْم وَنِيسَابور وَبغدَاد وَالرَّيّ وَأَصْبَهَان، وَكَانَ أَخُوْهُ إِبْرَاهِيْم يَنَالُ قَدْ حَارَبه، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ، وَحصل فِي يَدِهِ مَلِكٌ كَبِيْر لِلروم، فَبَذَلَ فِي نَفْسِهِ أَمْوَالاً عَظِيْمَة، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَبَعَثَ نَصْر الدَّوْلَة (5) صَاحِبُ الجَزِيْرَة وَميَّافَارِقين يَشفَعُ فِي فِكَاكه، فَبعثَه طُغْرُلْبَك إِلَى نَصْر الدَّوْلَة بِلَا فِدَاء، فَانْتخَى مَلِكُ الرُّوْم، وَأَهدَى إِلَى طُغْرُلْبَك مائَتَيْ أَلف دِيْنَار، وَخَمْس مائَةِ أَسير، وَأَلفاً وَخَمْس مائَةِ ثَوْب، وَمائَةِ لبنَة فِضَّة، وَأَلف عنزٍ أَبيض، وَثَلَاثِ مائَةٍ شِهْرِي (6) ، وَبَعَثَ إِلَى نَصْر الدَّوْلَة تُحَفاً وَمسكاً كَثِيْراً (7) .
(1) الفرجية: ثوب مفرج من أمام، وربما فرج من خلف. معجم " متن اللغة ".
(2)
انظر " المنتظم " 8 / 229 - 230، و" الكامل " 10 / 25، و" وفيات الأعيان " 5 / 66 - 67، و" المختصر " 2 / 183.
(3)
انظر " وفيات الأعيان ": 5 / 67، والكامل: 9 / 26 - 27، والمختصر: 2 / 183.
(4)
وانظر هذه الاخبار في " مختصر تاريخ دولة آل سلجوق ": 20 - 23 و26 - 27.
(5)
سترد ترجمته برقم (58) .
(6)
قال في " الاساس ": والبرذون الشهري: بين الرمكة والفرس العتيق.
(7)
انظر " الكامل " 10 / 28.