الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَذَا بَاطِل، مَا تَفُوَّهُ بِهِ أَزْهَرُ قَطُّ.
قَالَ عبدُ الغَافِر: انْتقل مَسْعُوْدٌ فِي آخِرِ عُمُرِهِ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، وَكَانَ عَلَى كِبَرِ سنّه يَطُوْفُ عَلَى المَشَايِخ، وَيَكْتُب، وَيُنْفِقُ مَا يُفْتَح لَهُ عَلَى الطَّلبَة، وَفَوَائِدُه مِنَ الأَخْبَار وَالحِكَايَاتِ وَالأَشعَارِ فِي سفَائِنه لَا تُحصَى، فَقَدْ عددنَا فِي كُتبه قَرِيْباً مِنْ سِتِّيْنَ مجموعاً مِنَ التَّوَارِيخ، سِوَى سَائِر الأَجنَاس، وَكَانَ يَكتُبُ بخطٍّ مُسْتَقِيْمٍ، وَيورّق بِبَغْدَادَ وَأَصْبَهَان، وَقَفَ كتُبَه فِي مَسْجِدِ عقيل.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَأَلتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَافِظَ عَنْ مَسْعُوْدِ بنِ نَاصِر، فَقَالَ: حَافظ، سَمِعَ الكَثِيْر.
وَلأَسْعَد الزَّوْزَنِيّ:
بِمَسْعُوْدٍ بنِ نَاصِرٍ اشتَمَلْنَا
…
عَلَى عَيْنِ الحَدِيْثِ بِغَيْرِ رَيْبِ
إِذَا مَا قَالَ حَدَّثَنَا فُلَانٌ
…
فَذَا الإِسْنَادُ حَقٌّ غَيْرُ رَيْبِ
وَمَا إِنْ زُرْتُهُ إِلَاّ خَفِيْفاً
…
فِيُصْبِحُ مُثْقَلاً كُمِّي وَجَيْبِي
وَلَوْ أَنِّي ظَفِرْتُ بِهِ شَبَابِي
…
غَنِيْتُ عَنِ التَّرَدُّدِ وَقْتَ شَيْبِي
274 - أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيُّ سُلَيْمَانُ بنُ خَلَفِ بنِ سَعْدٍ *
الإِمَامُ، العَلَاّمَةُ، الحَافِظُ، ذُو الفُنُوْنِ، القَاضِي، أَبُو الوَلِيْدِ
(*) الإكمال 1 / 468، قلائد العقيان: 215 - 216، الذخيرة ق 2 / م 1 / 94 - 105، ترتيب المدارك 4 / 802 - 808، الأنساب 2 / 19 و20، الصلة 1 / 200 - 202، الخريدة 12 / الورقة 157، بغية الملتمس: 302 - 303، معجم الأدباء 11 / 246 - 251، اللباب 1 / 103، المغرب في حلى المغرب 1 / 404 - 405، وفيات الأعيان 2 / 408 - 409، الروض المعطار: 75، دول الإسلام 2 / 6، العبر 3 / 281 - 282، تذكرة الحفاظ 3 / 1178 - 1183، تتمة المختصر 1 / 572 - 573، فوات الوفيات 2 / 64 - 65، الوافي خ 13 / 129 - =
سُلَيْمَانُ بنُ خَلَفِ بنِ سَعْدِ (1) بنِ أَيُّوْبَ بنِ وَارِث التُّجِيْبِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، القُرْطُبِيُّ، البَاجِيُّ، الذَّهَبِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
أَصلُهُ مِنْ مدينَة بَطَلْيَوس (2) ، فَتحوّل جَدُّه إِلَى باجَة (3) - بُليدَة بِقُرْبِ إِشبيليَة - فَنُسب إِلَيْهَا، وَمَا هُوَ مِنْ باجَةَ المَدِيْنَةِ الَّتِي بِإِفْرِيْقِيَّةَ (4) ، الَّتِي يُنسب إِلَيْهَا الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيّ البَاجِيّ، وَابْنه الحَافِظ الأَوحدُ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَاجِيّ، وَهُمَا مِنْ عُلَمَاء الأَنْدَلُس أَيْضاً.
وَلد أَبُو الوَلِيْدِ: فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَأَخَذَ عَنْ: يُوْنُسَ بنِ مُغِيْث، وَمَكِّي بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمُحَمَّدِ بن إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الوَارِثِ.
وَارْتَحَلَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ، فَحجَّ، وَلَوْ مَدَّهَا إِلَى العِرَاقِ
= 130، مرآة الجنان 3 / 108، البداية والنهاية 12 / 122 - 123، قضاة النباهي: 95، الديباج المذهب 1 / 377 - 385، وفيات ابن قنفذ: 255، تبصير المنتبه 1 / 117، النجوم الزاهرة 5 / 114، طبقات الحفاظ: 440 - 441، طبقات المفسرين للسيوطي: 14، طبقات المفسرين للداوودي 1 / 202 - 207، نفح الطيب 2 / 67 - 85، كشف الظنون: 19 - 20، 419 شذرات الذهب 3 / 344 - 345، روضات الجنات: 322، إيضاح المكنون 1 / 48، 74، هدية العارفين 1 / 397، الرسالة المستطرفة: 207، تهذيب ابن عساكر 6 / 250 - 252.
(1)
في " ترتيب المدارك " 4 / 802: ابن سعدون، وفي " تذكرة الحفاظ " 3 / 1178: ابن سعيد.
(2)
بطليوس، بفتحتين وسكون اللام، وياء مفتوحة وسين مهملة، وانفرد ياقوت، فضم الياء، وهي: مدينة كبيرة بالاندلس من أعمال ماردة على نهر آنة غربي قرطبة.
(3)
وهي من أقدم مدن الأندلس، وتقع اليوم في البرتغال على بعد 140 كم إلى الجنوب الشرقي من لشبونة.
(4)
كما ذكر ابن عساكر.
وسيذكر المؤلف قوله في آخر الترجمة.
وَأَصْبَهَان؛ لأَدْرَكَ إِسْنَاداً عَالِياً، وَلَكِنَّهُ جَاور ثَلَاثَة أَعْوَام، مُلَازِماً لِلحَافظ أَبِي ذَرٍّ، فَكَانَ يُسَافِرُ مَعَهُ إِلَى السَّرَاة، وَيَخدمُه، فَأَكْثَرَ عَنْهُ (1) ، وَأَخَذَ علمَ الحَدِيْثِ وَالفِقْهِ وَالكَلَام.
ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى دِمَشْقَ، فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الطُّبَيز، وَالحَسَنِ بن السِّمْسَار، وَالحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جُمَيْع، وَمُحَمَّدِ بن عَوْفٍ المُزَنِيّ.
وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ، فَسَمِعَ عُمَرَ بن إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيّ، وَأَبَا طَالبٍ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلَانَ، وَأَبَا القَاسِمِ الأَزْهَرِيّ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ الأَزَجِيّ، وَمُحَمَّدَ بن عَلِيٍّ الصُّوْرِيّ الحَافِظ، وَصَحِبَه مُدَّة، وَمُحَمَّدَ بن عبد الوَاحِدِ بن رزمَة، وَالحَسَنَ بن مُحَمَّدٍ الخلَاّل، وَخَلْقاً سِوَاهُم.
وَتَفَقَّهَ بِالقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبرِيّ، وَالقَاضِي أَبِي عَبْدِ اللهِ الصَّيْمَرِيّ، وَأَبِي الفَضْلِ بن عَمْروس (2) المَالِكِيّ.
وذهبَ إِلَى المَوْصِل، فَأَقَامَ بِهَا سَنَةً عَلَى القَاضِي أَبِي جَعْفَرٍ السِّمنَانِيّ، المُتَكَلِّم، صَاحِبِ ابْنِ البَاقِلَاّنِيّ، فَبرَّز فِي الحَدِيْثِ وَالفِقْه وَالكَلَام وَالأُصُوْل وَالأَدب.
فَرَجَعَ إِلَى الأَنْدَلُسِ بَعْد ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً بِعِلْمٍ غزِيْر، حصَّله مَعَ الفَقْر وَالتَّقَنُّعِ بِاليَسِيْر.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَر، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ
(1) انظر " ترتيب المدارك " 4 / 802، و" الصلة " 1 / 201، و" بغية الملتمس ": 303، و" معجم الأدباء " 11 / 248
(2)
تحرفت في " الديباج المذهب " 1 / 378 إلى: عروس.
الخَطِيْبُ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ الصَّقَلِّيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ غَزْلُوْنَ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة الصَّدَفِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ الفِهْرِيُّ الطُّرْطوشِيّ، وَابْنُه الزَّاهِد أَبُو القَاسِمِ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ سَهْل السَّبْتِيّ، وَأَبُو بَحْرٍ سُفْيَان بنُ العَاصِ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ القَاضِي، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَتَفَقَّهَ بِهِ أَئِمَّةٌ، وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ النَّفِيسَة.
قَالَ القَاضِي عِيَاض (1) :آجرَ أَبُو الوَلِيْدِ نَفْسَه بِبَغْدَادَ لحرَاسَة درب، وَكَانَ لَمَّا رَجَعَ إِلَى الأَنْدَلُسِ يَضربُ وَرق الذَّهَبِ لِلغَزْل، وَيَعقدُ الوثَائِق قَالَ لِي أَصْحَابُه: كَانَ يَخْرُجُ إِلَيْنَا لِلإِقْرَاءِ وَفِي يَدِهِ أَثَرُ المِطرقَة، إِلَى أَنْ فَشَا علمُه، وَهَيَّتَتِ (2) الدُّنْيَا بِهِ، وَعَظُمَ جَاهُهُ، وَأُجزلت صِلَاتُه، حَتَّى تُوُفِّيَ عَنْ مَالٍ وَافرٍ، وَكَانَ يَسْتَعْمَلُهُ الأَعيَانُ فِي تَرَسُّلهُم، وَيَقْبَلُ جَوَائِزهُم، وَلِيَ القَضَاءَ بِموَاضِع مِنَ الأَنْدَلُس، وَصَنَّفَ كِتَاب (المنتقَى فِي الفِقْه (3)) ، وَكِتَاب (المَعَانِي فِي شرح المُوَطَّأ) ، فَجَاءَ فِي عِشْرِيْنَ مُجلَّداً، عديمَ النّظير.
قَالَ: وَقَدْ صَنَّفَ كِتَاباً كَبِيْراً جَامِعاً، بلغَ فِيْهِ الغَايَةَ، سَمَّاهُ:(الاسْتيفَاء) ، وَلَهُ كِتَاب (الإِيمَاء فِي الفِقْه) خَمْس مُجَلَّدَات، وَكِتَابُ (السّراج فِي الخلَاف) لَمْ يَتم، وَ (مُخْتَصَر المُخْتَصَر فِي مَسَائِل المدوّنَة) ، وَلَهُ كِتَابٌ فِي اخْتِلَاف الْمُوَطَّآت، وَكِتَابٌ فِي الْجرْح
(1) في " ترتيب المدارك " 4 / 804 - 805.
(2)
ويقال هيت به: دعاه وناداه، والمقصود: شهرته وأظهرت اسمه.
(3)
شرح فيه " موطأ " الامام مالك، وفرع عليه تفريعا حسنا، وقد طبع بسبعة أجزاء بعناية ابن شقرون في مصر عام 1914 م.
وَالتعديل، وَكِتَابُ (التّسَدِيْد إِلَى مَعْرِفَة التَّوحيد) ، وَكِتَاب (الإِشَارَة فِي أُصُوْل الفِقْه) ، وَكِتَابُ (إِحكَام الْفُصُول فِي أَحكَام الأُصُوْل) ، وَكِتَاب (الحُدُوْد) ، وَكِتَابُ (شَرْح المنهَاج) ، وَكِتَابُ (سنَن الصَّالِحِيْنَ وَسنن العَابِدين) ، وَكِتَابُ (سُبل الْمُهْتَدِينَ) ، وَكِتَابُ (فِرق الفُقَهَاء) ، وَكِتَاب (التَّفْسِيْر) لَمْ يَتمه، وَكِتَابُ (سَنن المنهَاج وَتَرْتِيْب الحجَاج (1)) .
قَالَ الأَمِيْر أَبُو نَصْرٍ (2) :أَمَا البَاجِيّ ذُو الوزَارَتَيْنِ فَفَقيهٌ متكلّم، أَديبٌ شَاعِر، سَمِعَ بِالعِرَاقِ، وَدرّس الكَلَام، وَصَنَّفَ
…
، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَكَانَ جَلِيْلاً رفِيعَ الْقدر وَالخَطَر، قَبْرُهُ بِالمَرِيَّة.
وَقَالَ القَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيّ: مَا رَأَيْتُ مِثْل أَبِي الوَلِيْد البَاجِيّ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً عَلَى سِمَته وَهيئته وَتوقيرِ مَجْلِسه.
وَلَمَّا كُنْتُ بِبَغْدَادَ قَدِمَ وَلدُه أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ، فَسرتُ مَعَهُ إِلَى شَيْخنَا قَاضِي القُضَاة الشَّامِيّ، فَقُلْتُ لَهُ: أَدَامَ اللهُ عِزَّكَ، هَذَا ابْنُ شَيْخ الأَنْدَلُس.
فَقَالَ: لَعَلَّهُ ابْن البَاجِيّ؟
قُلْتُ: نَعم.
فَأَقْبَل عَلَيْهِ (3) .
قَالَ القَاضِي عِيَاض (4) :كَثُرَتِ القَالَةُ فِي أَبِي الوَلِيْد لِمُدَاخلته لِلرُؤِسَاء، وَوَلِيَ قَضَاءَ أَمَاكن تَصغُر عَنْ قدره كَأُورِيُولَة، فَكَانَ يَبعث إِلَيْهَا خُلَفَاءهُ، وَرُبَّمَا أتَاهَا المَرَّةَ وَنَحْوهَا، وَكَانَ فِي أَوّل أَمره مُقِلاًّ حَتَّى احْتَاجَ فِي سَفَره إِلَى القَصْدِ بِشعرِهِ، وَإِيجَار نَفْسِه مُدَّة مُقَامه بِبَغْدَادَ فِيمَا سمِعتُه،
(1) انظر " ترتيب المدارك " 4 / 806 - 807، واسم الكتاب الأخير فيه:" تفسير المنهاج في ترتيب طرق الحجاج ".
(2)
انظر " الإكمال " 1 / 468.
(3)
انظر " ترتيب المدارك " 4 / 804.
(4)
في " ترتيب المدارك " 4 / 804 - 806، باختلاف عن ما هنا.
مُسْتفِيضاً لحرَاسَةِ دربٍ، وَقَدْ جمع وَلدُه شعرَه، وَكَانَ ابْتدَأَ بِكِتَابِ (الاسْتيفَاء) فِي الفِقْه، لَمْ يَضع مِنْهُ سِوَى كِتَاب الطّهَارَة فِي مُجَلَّدَات.
قَالَ لِي: وَلَمَّا قَدِمَ مِنَ الرّحلَة إِلَى الأَنْدَلُسِ وَجَد لَكَلَام ابْن حَزْمٍ طَلَاوَةٌ، إِلَاّ أَنَّهُ كَانَ خَارِجاً عَنِ المَذْهَب، وَلَمْ يَكُنْ بِالأَنْدَلُسِ مَنْ يَشتغِلُ بِعِلْمه، فَقَصُرَتْ أَلسَنَةُ الفُقَهَاء عَنْ مُجَادلته وَكَلَامِه، وَاتَّبعه عَلَى رَأْيه جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الجَهْل، وَحلَّ بجَزِيْرَة مَيُورقَة، فَرَأَسَ فِيْهَا، وَاتَّبَعه أَهْلُهَا، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو الوَلِيْدِ؛ كلَّمُوْهُ فِي ذَلِكَ، فَدَخَلَ إِلَى ابْنِ حَزْم، وَنَاظره، وَشهرَ بَاطِله.
وَلَهُ مَعَهُ مَجَالِس كَثِيْرَة.
قَالَ: وَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو الوَلِيْدِ فِي حَدِيْث الكِتَابَةِ يَوْم الحُدَيْبِيَة الَّذِي فِي (صَحِيْح البُخَارِيّ (1)) .
قَالَ بِظَاهِرِ لَفظه، فَأَنْكَر عَلَيْهِ الفَقِيْهُ أَبُو بَكْرٍ بنُ الصَّائِغ، وَكَفَّرهُ بِإِجَازته الكَتْبَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّبِيِّ الأُمِّيِّ، وَأَنَّهُ تَكذِيبٌ لِلقُرْآن، فَتَكَلَّم فِي ذَلِكَ مِنْ لَمْ يَفهم الكَلَامَ، حَتَّى أَطلقُوا عَلَيْهِ الفِتْنَةَ، وَقبَّحُوا عِنْد العَامَّة مَا أَتَى بِهِ، وَتَكلّم بِهِ خُطَبَاؤُهم فِي الجُمَع، وَقَالَ شَاعِرهُم:
بَرِئْتُ مِمَّنْ شَرَى دُنْيَا بآخِرَةٍ
…
وَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ قَدْ كَتَبَا (2)
فَصَنَّف القَاضِي أَبُو الوَلِيْدِ (رِسَالَةً) بَيَّنَ فِيْهَا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ قَادحٍ فِي المُعجزَة، فَرَجَعَ بِهَا جَمَاعَةٌ.
قُلْتُ: يَجوز عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكْتُبَ اسْمه لَيْسَ إِلَاّ، وَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنه أُمِّياً، وَمَا مَنْ كَتب اسْمَه مِنَ الأُمَرَاء وَالوُلَاة إِدمَاناً لِلعلَامَةِ يُعَدُّ كَاتِباً، فَالحكمُ لِلغَالِب لَا لِمَا نَدَرَ، وَقَدْ
قَالَ عليه الصلاة والسلام: (إِنَّا أُمَّةٌ
(1) انظر الحديث رقم (4251) في المغازي: باب عمرة القضاء، وقد توسع الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه فراجعه.
(2)
في " ترتيب المدارك " 4 / 805 أن قائل البيت هو عبد الله بن هند.
أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلا نَحْسُبُ (1)) .
أَي لأَنَّ أَكْثَرهم كَذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ فِيهِم الكَتَبَةُ قَلِيْلاً.
وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُوْلاً مِنْهم} [الجُمُعَة:2] .
فَقوله عليه الصلاة والسلام: (لَا نَحْسُبُ) حَقٌّ، وَمَعَ هَذَا فَكَانَ يَعرف السِّنِيْنَ وَالحسَابَ، وَقَسْمَ الفَيْءِ، وَقِسْمَةَ الموَارِيث بِالحسَاب العَربِي الفِطرِي لَا بحسَاب القِبط وَلَا الجَبْر وَالمُقَابلَة، بِأَبِي هُوَ وَنَفْسِي صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ كَانَ سَيِّدَ الأَذكيَاء، وَيَبْعُد فِي العَادَة أَنَّ الذّكيَّ يُمْلِي الوحِي وَكُتُبَ المُلُوْكِ وَغَيْرَ ذَلِكَ عَلَى كُتَّابه، وَيَرَى اسْمَه الشَّرِيْف فِي خَاتِمه، وَلَا يَعرفُ هيئَةَ ذَلِكَ مَعَ الطُّول، وَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ أُمِّيَّته، وَبَعْضُ العُلَمَاء عدَّ مَا كَتَبَهُ يَوْم الحُدَيْبِيَة مِنْ مُعجزَاته، لِكَوْنِهِ لَا يَعرِفُ الكِتَابَة وَكَتَبَ، فَإِنَّ قِيْلَ: لَا يَجُوْزُ عَلَيْهِ أَنْ يَكتب، فَلَو كتب؛ لارتَاب مُبطل، وَلقَالَ: كَانَ يُحْسِنُ الخَطّ، وَنظر فِي كتب الأَوَّلين.
قُلْنَا: مَا كَتَبَ خَطّاً كَثِيْراً حَتَّى يَرتَاب بِهِ المُبطلُوْنَ، بَلْ قَدْ يُقَالَ: لَوْ
قَالَ مَعَ طول مُدَّةِ كِتَابَةِ الكِتَاب بَيْنَ يَدَيْهِ: لَا أَعْرفُ أَنْ أَكْتُب اسْمِي الَّذِي فِي خَاتِمِي، لارتَاب المبطلُوْنَ أَيْضاً، وَلقَالُوا: هُوَ غَايَةٌ فِي الذَّكَاء، فَكَيْفَ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ؟ بَلْ عَرفه، وَقَالَ: لَا أَعْرف.
فَكَانَ يَكُوْنُ ارْتيَابهم أَكْثَرَ وَأَبلغَ فِي إِنْكَاره، وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ، فَذَكَر أَنَّ أَبَا الوَلِيْدِ قَالَ: كَانَ أَبِي مِنْ باجَةِ القَيْرَوَان، تَاجراً يَخْتلِف إِلَى الأَنْدَلُسِ (2) .
(1) أخرجه من حديث عبد الله بن عمر البخاري (1913) في الصوم: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نكتب ولا نحسب، ومسلم (1080) (15) في الصيام: باب وجوب صوم رمضان لرؤيته، وأبو داود (2319) ، والنسائي 4 / 139 و140، وأحمد 2 / 43 و52 و122 و129.
(2)
انظر " تهذيب تاريخ ابن عساكر " 6 / 251.
قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا هُوَ وَأَبُو عُمَرَ بنُ البَاجِيّ وَآلُه كُلُّهم مِنْ باجَة القَيْرَوَان، فَاللهُ أَعْلَم.
وَمِنْ نَظْمِ أَبِي الوَلِيْد:
إِذَا كُنْتُ أَعْلَمُ عِلْماً يَقِيْنَا
…
بِأَنَّ جَمِيْعَ حَيَاتِي كَسَاعَه
فَلِمَ لَا أَكُوْنُ ضَنِيْناً بِهَا
…
وَأَجْعَلُهَا فِي صَلَاحٍ وَطَاعَهْ (1)
أَخْبَرْنَا ابْنُ سَلَامَةَ كِتَابَةً، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا رَزِيْنُ بنُ مُعَاوِيَةَ بِمَكَّةَ، أَخْبَرَنَا الفَقِيْهُ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ الصَّقَلِّيّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيْدِ القَاضِي، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ اللهِ القُرْطُبِيّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَاخَ بِالبَطْحَاءِ الَّتِي بذِي الحُلَيْفَةِ، وَصَلَّى بِهَا (2) .
كَذَا رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِر.
أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلَاّن وَجَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي طَاهِر الخُشُوْعِيّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ
(1) البيتان في " الإكمال " 1 / 468، و" الذخيرة " 2 / 1 / 98، و" ترتيب المدارك " 4 / 807، و" الأنساب " 2 / 19، و" الصلة " 1 / 201 - 202، و" معجم الأدباء " 11 / 250، و" المغرب في حلى المغرب " 1 / 404، و" وفيات الأعيان " 2 / 408 - 409، و" الروض المعطار ": 75، و" بغية الملتمس ": 303، و" فوات الوفيات " 2 / 65، و" تذكرة الحفاظ " 3 / 1182، و" تهذيب تاريخ ابن عساكر " 6 / 252.
وانظر بعض نظمه في " الذخيرة " ق 2 / م 1 / 98 - 105، و" معجم الأدباء " 11 / 249 - 251.
(2)
هو في " الموطأ " 1 / 405 في الحج: باب صلاة المعرس والمحصب، ومن طريق مالك أخرجه البخاري (1532) في الحج، ومسلم (1257) في الحج: باب التعريس بذي الحليفة، وأبو داود (2045) والنسائي 5 / 127.
والبطحاء: مسيل فيه دقاق الحصى، وذو الحليفة: بينها وبين المدينة ستة أميال.
مُحَمَّدِ بن الوَلِيْدِ الفِهْرِيّ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا عبدُ المُؤْمِن بنُ خَلَفٍ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الزُّهْرِيّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو الطَّاهِرِ بنُ عَوْفٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ الفِهْرِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَلِيْدِ سُلَيْمَانُ بنُ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ اللهِ مُنَاولَةً، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيْسَى يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ اللَّيْثِيّ، أَخْبَرَنَا عَمّ أَبِي؛ عُبيدُ الله بنُ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ مَالِك، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ العَصْرِ، كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ)(1) .
وَسَمِعتُهُ عَالِياً مِنْ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ، عَنِ المُؤَيَّد بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ سَهْلٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الهَاشِمِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَب، حَدَّثَنَا مَالِكٌ بِهَذَا.
وَسَمِعنَاهُ فِي (جُزءٍ أَبِي الجَهْمِ) مِنْ حَدِيْثِ اللَّيْث، عَنْ نَافِع (2) .
(1) هو في " الموطأ " 1 / 11، 12 في وقوت الصلاة: باب جامع الوقوت، وأخرجه من طريقه البخاري (552) في مواقيت الصلاة: باب إثم من فاتته العصر، ومسلم (626) في المساجد: باب التغليظ في تفويت صلاة العصر، وأبو داود (414) والنسائي 6 / 255، وأخرجه الدارمي 1 / 280، ومسلم (201) والنسائي 1 / 255، وابن ماجة (685) من طريق الزهري عن سالم، عن ابن عمر، وأخرجه الدارمي أيضا من طريق عبيد الله، عن نافع.
(2)
هو في سنن الترمذي (175) في الصلاة: باب ما جاء في السهو عن وقت صلاة العصر من طريق قتيبة عن الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر.
وقوله: " وتر أهله وماله " قال الحافظ في " الفتح " 2 / 30: هو بالنصب عند الجمهور على أنه مفعول ثان لوتر، وأضمر في وتر مفعول لم يسم فاعله، وهو عائد على الذي فاتته، فالمعنى: أصيب بأهله وماله وهو متعد إلى مفعولين
…
وقيل: وتر هنا بمعنى نقص، فعلى هذا يجوز نصبه ورفعه، لان من رد النقص إلى الرجل نصب، وأضمر ما يقوم مقام الفاعل، ومن رده إلى الأهل رفعه وقال القرطبي: يروى بالنصب على أن " وتر " بمعنى سلب، وهو يتعدى إلى مفعولين، وبالرفع على أن وتر بمعنى أخذ، فيكون أهله هو المفعول الذي لم يسم فاعله.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة: مَاتَ أَبُو الوَلِيْدِ بِالمَرِيَّة فِي تَاسع عشر رَجَب، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ (1) وَأَرْبَعِ مائَة، فَعُمُرُهُ إِحْدَى وَسَبْعُوْنَ سَنَةً سِوَى أَشهرٍ، فَإِنَّ مَوْلِدَهُ فِي ذِي الحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَمَاتَ مَعَهُ فِي العَامِ: مُسْنِدُ العِرَاق أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ البُسْرِيّ البُنْدَار (2) ، وَشيخُ المَالِكِيَّة بِسَبْتَة أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ العَجُوْز الكُتَامِيّ (3) ، وَمُحَدِّث نَيْسَابُوْر أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المزكِّي (4) ، وَمَعْمَّر بَغْدَاد أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ صَدَقَة الدَّبَّاس (5) .
وَكَانَ يَذكر أَنَّ أُصُوْله عَلَى أَبِي الحُسَيْنِ بنِ سَمْعُوْنَ وَالمُخَلِّص ذَهَبت فِي النَّهب.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْم المُقْرِئ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ سَنَة خَمْسٍ وَثَلَاثِيْنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مَكِّيّ الزُّهْرِيّ قِرَاءةً عَلَيْهِ سَنَة (572) ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الفِهْرِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيّ، أَخْبَرَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيْسَى يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَمِّ أَبِيْهِ؛ عبيد الله بنِ (6) يَحْيَى بنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيْعَة بن أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُوْلُ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ البَائِنِ وَلَا بِالقَصِيْر، وَلَا بِالأَبْيَضِ
(1) تحرفت في " معجم الأدباء " 11 / 249 إلى: تسعين، وفي " الأنساب " 2 / 20، توفي في حدود سنة ثمانين وأربع مئة.
(2)
تقدمت ترجمته برقم (200) .
(3)
سترد ترجمته برقم (280) .
(4)
تقدمت ترجمته برقم (197) .
(5)
سترد ترجمته برقم (277) .
(6)
زيادة يقتضيها النص.
وقد سبق هذا الاسم في الصفحة 543.