الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة في نتائج البحث
وختاما لهذه الدراسة حول "شرح علل الترمذي" فإنني أقف لأسجل أهم النتائج والفوائد التي توصلت إليها:
أولا: أوقفتني هذه الدراسة على أحد الأئمة الأعلام الذي كان لهم في الحديث باع طويل وفي علم العلل خاصة، وترك الآثار الشاهدة على سعة علمه، وقد رأينا منها شرح الترمذي، وشرح البخاري المسمى بفتح الباري، ثم هذا لكتاب الذي شرفت بتحقيقه، ودراسته.
ثانيا: كشف هذه الدراسة عن مفهوم محدد للعلة في الحديث، واستطعت بفضل الله أن أوفق بين الاشتقاق اللغوي، والاشتقاق الاصطلاحي، دون اللجوء إلى التأويل البعيد أو الحمل التعسفي.. ووقع الاختيار على تعريف للعلة رجحته على غيره، ورأيت أنه ينسجم مع المنهج التطبيقي لهذا العلم، وهو قول الإمام زين الدين عبد الرحمن العراقي: والمعلل خبر ظاهره السلامة أطلع فيه بعد التفتيش على قادح. وقد بينت ما في التعاريف الأخرى من عدم المناسبة.
ثالثا: أبرزت هذه الدراسة أن ميدان علم العلل هو حديث الثقات، وكشف عن سعة هذا الميدان وأنه أكبر من ميدان الجرح والتعديل، وذلك لأن علم الجرح والتعديل يحكم على الشخص بوصف عام، كأن يقال: صدوق، ثقة، ضابط، لين الحديث، ضعيف، كذاب، وأما علم العلل فهو يتناول الثقة
فيبحث في رواياته وينظر هل رواياته واحدة في كل الأماكن؟ وهل هي واحدة في كل الأزمان؟ وهل هي واحدة عن كل الشيوخ؟ ولا بد أن يجد الناقد أن الثقة يقوى في بلد ويضعف في أخرى، ويقوى في زمن ويضعف في زمن آخر، ويقوى في رجل ويضعف في آخر.
وهكذا فإن علم العلل يتابع الثقة في مختلف الأماكن ومختلف الأزمنة ومختلف الشيوخ الذين يروي عنهم، ومختلف الظروف التي تعتريه، من ضياع كتاب أو فقد عزيز أو فقدان البصر، ويتناوله من حيث ممارسته لحديث كل شيخ من شيوخه أو قلة ممارسته.
ومن هنا كان تتبع ثقة من الثقات في ضوء علم العلل يحتاج إلى جهود كبيرة، وقد ذكرت مصادر هذا العلم أن ابن المديني صنف علل ابن عيينة في ثلاثة عشر جزءا.
رابعا: ومن خلال دراسة شرح علل الترمذي استخلصت أسباب العلة في الحديث وأعدتها إلى ثمانية أسباب رئيسية، وأظن أن هذه الأسباب تجمل وتذكر مجتمعة لأول مرة إن شاء الله. وقد أبرزت السبب العام الذي هو الضعف البشري الذي لا يسلم معه أحد من الوهم مهما علت مرتبته وسمت مكانته. وفصلت موضوع الاختلاط، وتكلمت عن الأسباب العارضة. وعند كل سبب من هذه الأسباب كنت أسوق عددا من الأمثلة التطبيقية.
خامسا: في موضوع الكشف عن العلة بينت أن العلة لا تخضع معرفتها للفيوض الوجدانية، والكشوف، والتأملات الباطنية، وإنما تظهر العلة لممارس هذا العلم الذي حوى من المعارف ما يجعله قادرا على تتبع مسارب الإسناد ومساراته، والتقائه بغيره وافتراقه عنه.
وأما كلام عبد الرحمن بن مهدي أن معرفة العلة كالعرافة، فإنما هو محمول على كلام العالم بالعلة في مقابل الجاهل الذي لا يعرف شيئا عن هذا العلم.
ثم تكلمت عن وسائل الكشف عن العلل، وقد أوجزت في ذكر أهم
المعارف اللازمة لرجل العلل. وكل هذا استخلصته من الأمثلة الكثيرة المبثوثة في كتب العلل، وخاصة كتاب ابن رجب شرح علل الترمذي.
سادسا: وفي موضوع أنواع العلل: حاولت حصر أنواع علة الإسناد وأنواع علة المتن، وعرضت هذه الأنواع بعبارة سهلة مستعينا بالأمثلة التطبيقية المستمدة من كتب العلل المتنوعة.
سابعا: أظهر هذه الدراسة منهج ابن رجب في شرح علل الترميذي وكشف بالمقابل عن مناهج كتب العلل الأخرى فظهر لنا أن المناهج في تصنيف العلل ليست واحدة بل تنوعت إلى ستة مناهج، كان شرح العلل سابعها وأقربها إلى البناء النظري.
وأما في موضوع مصادر ابن رجب في العلل فقد عرضت الدراسة لستة من هذه المصادر وكشفت عن كتاب "علل الترمذي الكبير".
وثامنا: أما مباحث مصطلح الحديث التي ختمت بها الدراسة ففي موضوع المرسل ظهر لنا أن الإمام أحمد يوافق الشافعي في شروطه للعمل بالمرسل، وفي زيادة الثقة ظهر لنا أن الزيادة ليست مقبولة دائما إنما تكون مقبولة من المبرز في الحفظ.
وفي موضوع العنعنة خالفت رأي ابن رجب في رده على الإمام مسلم الذي يرى أن المعاصرة والبراءة من التدليس كافيان للحكم بالاتصال، وقد فصلت رأي ابن رجب وأدلته التي ساقها ليدلل على أن التفتيش عن السماع هو دأب العلماء وأنه لا يكفي مجرد اللقاء، وأن الوهم قد يدخل على الصيغ الصريحة، ولكنني لم أوافق ابن رجب فيما ذهب إليه وسقت عددا من الأدلة خلصت منها إلى أن رأي ابن رجب هذا لا ينصر البخاري كما أراد، لأن المعروف أن البخاري يشترط ثبوت اللقي لا ثبوت السماع.
وأما في موضوع زيادة الثقة فقد أبرزت الفوارق بين التقييد والإطلاق وبين زيادة الثقة، وأكدت رأي ابن رجب في رده على من جعل حديث "وتربتها طهورا" من قبيل زيادة الثقة، والصحيح أنه من باب تقييد المطلق.
تاسعا: كشفت هذه الدراسة عن الأسس التي صنفت على أساسها كتب الحديث وأنها كتب معللة، روعي في اختيار أحاديثها سلامتها من العلة وخاصة كتاب البخاري وكتاب مسلم.
عاشرا: وكشفت هذه الدراسة أن عملية التصحيح والتضعيف، اعتمادا على ما كتب في الجرح والتعديل، هي عملية ذات شق واحد، ولا يمكن الحكم على الحديث صحة أو ضعفا بعيدا عن علم العلل، وحتى تتم هذه العملية متوازنة متناسقة سليمة، فإنه لا بد من إخراج كتب العلل وجمع شتات هذه العلم، وتبويب معارفه، وإعادة تصنيف الثقات على أساسه.