الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال في موضع آخر: ومن ذلك أنهم يعرفون الكلام الذي يشبه كلام النبي صلى الله عليه وسلم من الكلام الذي لا يشبه كلامه قال ابن أبي حاتم الرازي، عن أبيه: تعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلاما يصلح أن يكون مثل كلام النبوة.
ويعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تتضح عدالته، والله أعلم.
هذه بعض أنواع علة المتن، وهي الأنواع التي وقعت لي في شرح علل الترمذي وفي كتب العلل التي اطلعت عليه، وهذه الأنواع ليست على سبيل الحصر، وإنما على سبيل التمثيل، وإنني لا أدعي استقراء كتب العلل كلها لإخراج كل أنواع العلة، لأن هذا بحث يحتاج إلى سنين، وتفنى فيه أعمار.
المبحث الرابع الأشباه في العلل
تمهيد:
رأينا في الأنواع السابقة نماذج من العلل كشفها النقاد بعبارات صريحة واضحة لا لبس فيها، وذلك لقيام الأدلة الكاملة عندهم.
وأما هذا المبحث فقد أفردته للأشباه في العلل. وعنوان هذا المبحث رأيت أنه يصلح لأن تنطوي تحته هذه العلل التي يكشف عنها الناقد بقوله: حديث فلان أشبه أو أشبه بالصواب. أو يقول: حديث فلان أشبه بحديث فلان أو يقول الناقد: هذا الحديث يشبه حديث القصاص، هذه مادة هذا المبحث، وهذا الذي أقصده بالأشباه، ولعلي لا أستبق الموضوع إن قلت أن الأشباه تعبير عن الكشف الظني للعلة الذي يحتمل أمورا كثيرة، وإن كان قول الناقد هذا هو الأرجح من غيره.
وننطلق في هذا المبحث من قاعدة رسمها ابن رجب رحمه الله فقال:
(قاعدة مهمة) :
حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث، ومعرفتهم بالرجال وأحاديث كل واحد منهم، لهم فهم خاص يفهمون به أن هذا الحديث يشبه حديث فلان ولا يشبه حديث فلان فيعللون الأحاديث بذلك. وهذا مما لا يعبر عنه بعبارة تحصره وإنما يرجع فيه أهله إلى مجرد الفهم، والمعرفة، التي خصوا بها عن سائر أهل العلم، كما سبق ذكره في غير موضع.
ثم مثل ابن رجب رحمه الله لهذا بأمثلة، منها:
شعيب بن أبي حمزة، عن ابن المنكدر.
روى عنه أحاديث منها حديث ابن المنكدر عن جابر، مرفوعا: من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة
…
الحديث، وله علة ذكرها ابن أبي حاتم عن أبيه، قال: قد طعن في هذا الحديث، وكان قد عرض شعيب بن أبي حمزة على ابن المنكدر كتابا، فأمر بقراءته عليه، فعرف بعضا، وأنكر بعضا، وقال لابنه أو ابن أخيه: اكتب هذه الأحاديث، فروى شعيب ذلك الكتاب، وعرض علي بعض تلك الأحاديث فرأيتها مشابهة لحديث إسحاق بن أبي فروة، وهذا الحديث من تلك الأحاديث.
قلت - أي ابن رجب - ومصداق ذلك ما ذكره أبو حاتم أن شعيب بن أبي حمزة روى عن ابن المنكدر، عن جابر حديث الاستفتاح في الصلاة بنحو سياق حديث علي، وروى عن شعيب عن ابن المنكدر، عن الأعرج، عن محمد بن مسلمة فرجع الحديث إلى الأعرج. وإنما رواه الناس عن الأعرج، عن عبيد الله بن رافع، عن علي بن أبي طالب.
ومن جملة من رواه عن الأعرج بهذا الإسناد إسحاق بن أبي فروة.
وقيل إنه رواه عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج، وروى عن محمد بن حمير، عن شعيب بن أبي حمزة، عن ابن أبي فروة، وابن المنكدر، عن الأعرج، عن محمد بن مسلمة.
ورواه أبو معاوية، عن شعيب، عن إسحاق عن الأعرج، عن عبيد الله بن رافع عن محمد بن مسلمة.
فظهر بهذا أن الحديث عند شعيب عن ابن أبي فروة
وكذا قال أبو حاتم الرازي: هذا الحديث من حديث إسحاق بن أبي فروة يرويه شعيب عنه.
وحاصل الأمر أن حديث الاستفتاح رواه شعيب عن إسحاق بن أبي فروة وابن المنكدر، فمنهم من ترك إسحاق، وذكر ابن المنكدر، ومنهم من كنى عنه فقال عن ابن المنكدر وآخر، وكذا وقع في سنن النسائي.
وهذا مما لا يجوز فعله وهو أن يروي الرجل حديثا عن اثنين، أحدهما مطعون فيه والآخر ثقة، فيترك ذكر المطعون فيه، ويذكر الثقة. وقد نص الإمام أحمد على ذلك، وعلله بأنه ربما كان في حديث الضعيف شيء ليس في حديث الثقة. وهو كما قال، فإنه ربما كان سياق الحديث للضعيف، وحديث الآخر محمولا عليه.
فهذا الحديث يرجع إلى رواية إسحاق بن أبي فروة وابن المنكدر ويرجع إلى حديث الأعرج.
ورواية الأعرج له معروفة عن ابن أبي رافع عن علي وهو الصواب عند النسائي والدارقطني وغيرهما
وهذا الاضطراب في الحديث الظاهر أنه من ابن أبي فروة لسوء حفظه وكثرة اضطرابه في الأحاديث وهو يروي عن ابن المنكدر.
وقد روى هذا الحديث يزيد بن عياض بن جعدبة، عن ابن المنكدر، عن الأعرج، عن ابن أبي رافع، عن علي.
ويمكن أن نلخص ما مضى بما يلي:
1 -
الصحيح ما رواه الناس ومنهم إسحاق بن أبي فروة عن ابن المنكدر، عن الأعرج، عن عبيد الله بن رافع، عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يصلي قال: الله أكبر وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا
…
الخ الآية.
2 -
وأما إسحاق بن أبي فروة فقد روى هذا الحديث من طريقين:
الأولى: ابن أبي فروة، عن ابن المنكدر، عن الأعرج، عن محمد بن مسلمة.
الثانية: ابن أبي فروة، عن الأعرج، عن عبيد الله بن رافع، عن محمد بن مسلمة.
3 -
رواه شعيب عن ابن المنكدر وإسحاق بن أبي فروة، علما بأنه لم يسمعه من ابن المنكدر، وإنما من إسحاق، فسلك به طريق إسحاق إلى محمد بن مسلمة وسوى بين إسناد ابن المنكدر وإسناد إسحاق بن أبي فروة.
4 -
ترك بعض الرواة إسحاق بن أبي فروة، وذكر ابن المنكدر، وبعضهم قال: ابن المنكدر وآخر، يكنى عن إسحاق بن أبي فروة.
5 -
وهكذا دخل إسناد إسحاق بن أبي فروة في إسناد ابن المنكدر، وانتهى بإسقاط إسحاق من الإسناد.
ولما عرف النقاد تفرد إسحاق في ذكر محمد بن مسلمة علموا بعد ذلك أن هذا الحديث من حديث إسحاق ولو لم يذكر هو في السند. فقالوا: شعيب عن ابن المنكدر يشبه حديث إسحاق بن أبي فروة.
وبالرغم من أنني حاولت جهدي أن أسهل وأوضح، إلا أن الأمر يبقى على جانب من الصعوبة. وذلك لما في هذه الأسانيد من التداخل إذ أنها تلتقي في راو وتفترق عند آخر، وتبدو وكأنها جهاز دقيق الآلات، تتشابك بداخله الخيوط والأسلاك، ولكنه لا يعدم من يعرف أجزاءه ويتابع أسلاكه وخيوطه.
مثال:
قال ابن رجب: "سعيد بن سنان ويقال سنان بن سعيد يروى عن أنس ويروى عنه أهل مصر. قال أحمد: تركت حديثه، حديثه مضطرب. وقال: بشبه حديثه حديث الحسن لا يشبه أحاديث أنس".
قال ابن رجب: "ومراده أن الأحاديث التي يرويها عن أنس مرفوعة إنما تشبه كلام الحسن البصري أو مراسليه. وقال الجوزجاني: أحاديثه واهية لا تشبه أحاديث الناس عن أنس".
وهكذا يتضح لنا أن أحاديث سعيد بن سنان إنما يرويها عن الحسن لا عن أنس لعدة قرائن:
1 -
إن هذا الرجل معروف باضطرابه.
2 -
إن هذه الأحاديث غريبة عن أنس ولم يروها الناس عنه
3 -
إن هذه الأحاديث معروفة عن الحسن، لا عن أنس.
مثال:
قال ابن رجب رحمه الله:
قال البرذعي: "قال لي أبو زرعة: خالد بن يزيد المصري وسعيد بن أبي هلال صدوقان، وربما وقع في قلبي من حسن حديثهما.
قال: وقال لي أبو حاتم: أخاف أن يكون بعضهما مراسيل عن ابن أبي فروة وابن سمعان". قال ابن رجب:
"ومعنى ذلك أنه عرض حديثهما على حديث ابن أبي فروة وابن سمعان، فوجده يشبهه ولا يشبه حديث الثقات الذين يحدثان عنهما فخاف (أبو زرعة) أن يكونا أخذا حديث ابن أبي فروة وابن سمعان، ودلساه عن شيوخهما".
هذا كلام ابن رجب، وفيه تفسير واضح لشك أبي زرعة في هذين الرجلين، ثم كيف تحقق من صحة هذا الشك.
مثال: قال ابن رجب رحمه الله:
"روى القواريري، عن ابن بكر الحنفي، عن عاصم بن محمد العمري، ثنا سعيد المقبري، عن أبيه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: ابتلي عبدي المؤمن، فإن لم يشكني إلى عواده أطلقته من أسارى ثم أبدلته لحما خيرا من لحمه.
هذا الحديث ليس من أحاديث سعيد المقبري، بل هو يشبه أحاديث عبد الله بن سعيد المقبري: ودليل ذلك كما يقول ابن رجب رحمه الله:
1 -
هذا حديث منكر بهذا الإسناد وإنما رواه عاصم بن محمد، عن عبد الله بن سعيد المقبري، عن أبيه.
2 -
رواه معاذ بن معاذ، عن عاصم بن محمد، عن عبد الله بن سعيد، عن أبيه. وعبد الله بن سعيد شديد الضعف، قال: يحيى القطان ما رأيت أحدا أضعف منه".
مثال: قال ابن رجب رحمه الله:
"روى أبو جعفر العقيلي في كتابه "الضعفاء" قال: حدثنا إبراهيم بن محمد، وعلي بن عبد العزيز، قالا: حدثنا عمر بن يزيد الشيباني الرفا، قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة، عن أبي وائل، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
"ما بال أقوام يشرفون المترفين، ويستخفون بالعابدين، ويعلمون بالقرآن ما وافق أهواءهم، وما خالف أهواءهم تركوه، فعند ذلك مؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، يسعون فيما يدرك بغير سعي من القدر والمقدور، والأجل المكتوب، الرزق المقسوم، إلا يسعون فيما لا يدرك إلا بسعي من الجزاء الموفور، والسعي المشكور والتجارة التي لا تبور"؟
قال العقيلي: "ليس لهذا الحديث أصل من حديث شعبة، هذا الكلام عندي، والله أعلم، يشبه كلام عبد الله بن المسور الهاشمي المدائني، وكان يضع الحديث. وقد روى عن عمرو بن مرة، عنه. ولعل هذا الشيخ - الذي هو عمر بن يزيد الرفا - روى عن رجل عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن المسور فأحاله على شعبة".
وهكذا أدرك العقيلي، وهو الناقد البصير، أن هذا الحديث من المحتمل أن يكون لرجل لم يذكر نهائيا في هذا الإسناد، وذلك:
1 -
لغرابته عن شعبة، ولكون هذا الشيخ (عمر بن يزيد) مجهولا.
2 -
لشبهه بأحاديث القصاص الذين يتألفون قلوب الناس بأحاديث يضعونها، فإن من يمعن النظر في هذا الحديث يرى فيه أثر الصنعة.
3 -
لما كان عمرو بن مرة معروفا بالرواية عن أحد الكذابين، وهو عبد الله بن المسور، فإن العقيلي يرى أن هذا الحديث يشبه أحاديث هذا الوضاع، ولا يشبه حديث شعبة.
هذه أمثلة ذكرها ابن رجب لهذا الضرب من العلة، وجعل لها قاعدة من قواعده، وصفها بالأهمية كما رأينا.
وكتب العلل مليئة بهذا النوع من العلة وكثيرا ما يقال: حديث فلان أشبه، أو أشبه بالصواب، أو أشبه لسبب من الأسباب المرجحة.
وفيما يلي بعض الأمثلة من كتب العلل الأخرى توقفنا على مزيد من البيان والإيضاح.
جاء في علل الدارقطني: "سئل عن حديث عمر عن أبي بكر أنه قبل الحجر، وقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. فقال:
يرويه سليمان بن بلال، عن شريك بن أبي نمير، واختلف عنه.
- فرواه أبو بكر الأعشى وهو عبد الحميد بن أبي أويس أخو إسماعيل بن أبي أويس عن سليمان بن بلال، عن شريك بن أبي نمر، عن عيسى بن طلحة، عن عمر، عن أبي بكر.
- وخالفه خالد بن مخلد، وعبد الله بن وهب، فروياه عن سليمان بن بلال: عن شريك بن أبي نمر، عن عيسى بن طلحة عن رجل حدثه لم يسميا عمر لا غيره، عن أبي بكر.
وقولهما أشبه بالصواب. وتابعهما عبد الملك بن مسلمة عن سليمان بن بلال".
فالإسناد الذي أبهم فيه رجل أشبه بالصواب.
قال ابن أبي حاتم: "سالت أبي عن حديث رواه الأعمش وفضيل بن عمرو، عن علقمة، عن عبد الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر"
…
وذكر الحديث.
ورواه ابن أبجر، عبد الملك بن سعيد بن أبجر، عن أبي معشر، عن إبراهيم عن الأسود، عن عبد الله، موقوفا.
أيهما أصح. فقال: الأعمش وفضيل أضبط من أبي معشر، وهو أشبه بالصواب".
قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن حديث رواه موسى بن خلف، وحماد بن زيد، وأحسبه عن أنس. وقال موسى: عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم "من كانت له ابنتان أو ثلاث كنت أنا وهو كهاتين. قال أبي:
رواه حماد بن سلمة عن ثابت، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم هو أشبه بالصواب وحماد أثبت الناس في ثابت، وعلي بن زيد".
هذه أمثلة كان الحكم فيها بصيغة أشبه بالصواب، وذلك عند مقارنة إسنادين، أو رواية رجلين، ويكون أحدهما أقرب إلى الصحة من الآخر.
وكثيرا ما تكون هذه العبارة مبررة بقرينة تؤيدها. وفيما يلي عبارات من العلل لابن أبي حاتم ومن العلل الكبير للترمذي فيها مثل هذا التبرير:
- قال أبو زرعة: محمد بن يزيد أشبه عن أبيه، لأنه أفهم لحديث أبيه.
- حديث عنبسة وعمرو أشبه عندي. إذ اتفق عليه النفسان، وهما الرواة عن الزبير بن عدي.
- قال أبو زرعة: عبد الله بن الربيع، عن أبي بردة، عن الربيع بن خيثم أشبه، الرواية من طريق الثوري.
- "قال أبي: ابن عباس أشبه، لأن أيوب أشبههم وأحفظهم". أي الرواية التي تنتهي بابن عباس أشبه من الرواية الأخرى، لأن رواية ابن عباس جاءت من طريق أيوب.
- "لم يسمع يحيى بن أبي كثير من نوف شيئا، إنما روى عن زيد بن سلام عن أبي سلام عن نوف وهو أشبه"، أي أن الرواية الثانية سليمة من الانقطاع، خلافا للأولى.
هذه أشبه، وزكريا لزم الطريق، ومعنى لزم الطريق دخل على إسناد آخر لشهرة رجاله، وترك إسناده الصحيح.
- مرسل أشبه، يحيى بن جعدة لم يلق ابن مسعود.
- لا يشبه هذا الحديث حديث الأعمش، لأن الأعمش لم يرو عن أبي تميمة شيئا، وهو بأبي إسحاق أشبه. أي أن الوهم أدخل الأعمش مكان أبي إسحاق.
- لا يرفعون هذا الحديث، والموقوف عندنا أشبه.
- حديث عقيل، عن الزهري أشبه من حديث عبد الله بن بشير، عنه، لأن عقيلا معروف بالرواية عن الزهري.
- وحديث يونس بن أبي إسحاق أشبه من حديث عمار بن زريق عن أبي إسحاق، لأن عمار بن زريق سمع من أبي إسحاق بأخرة.
- وحديث همام عن قتادة أشبه، وهو ثقة حافظ.
وذلك في مقابل رواية عبد الأعلى بن سعيد عن قتادة.
- حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة أشبه، وعكرمة بن عمار يغلط الكثير في أحاديث يحيى بن أبي كثير، وفي ذلك ترجيح رواية محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، على رواية عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
- قال أبي، حديث منصور أشبه، لأن حديث أبي هاشم رواه حجاج بن دينار، عن أبي هاشم وحجاج ليس بالقوي، وفي حديث الربيع بن أنس دونه مصعب بن حيان، عن مقابل بن حيان. قال أبو زرعة: حديث منصور أشبه، لأن الثوري رواه وهو أحفظهم.
- حديث أبي معمر أشبه من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث، لأن ابن بريدة يروي عن ابن عمر في حديث عبد الصمد، قلت لأبي: ابن بريدة أدرك ابن عمر؟ قال: أدركه ولم يبين سماعه منه.
- وهيب أشبه، ووهيب أتقن وأوثق من أبي معاوية.
- وحديث إسرائيل أشبه، إذ كان هو أحفظ.
- وهو أشبه عندي، لأن الثوري أحفظهم.
- قال أبي: لا يحتمل عندي أن يكون من حديث ابن عمر، عبد الله بن عمرو أشبه. وذلك في حديث: كل مسكر حرام، وهو مشهور عن ابن عمرو، وتشابه عمر وعمرو يوقع في مثل هذا الوهم، فقال أبوا حاتم "بابن عمرو أِشبه".
- قيل لأبي: أيهما أصح؟ قال: المسعودي أفهم بحديث عون، وهو أشبه.
هذه الأمثلة تعرض لأسانيد وقع الاختلاف فيها، فحاول النقاد بيان الأشبه بالصواب، وكذلك الحال عندما يقع الاختلاف في المتون، فإنهم يلتمسون لأحدهما المرجح على بقيتها، وذلك فيما لا يمكن فيه الجمع من هذه المتون.
مثال:
قال الترمذي: "حدثنا أبو موسى بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن عمرو بن شرحبيل، عن قيس بن سعد: كنا نصوم يوم عاشوراء ونعطي زكاة الفطر قبل أن ينزل علينا.. الحديث.
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا ابن مهدي، حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن القاسم، عن أبي عمار، عن قيس بن سعد، قال: أمرنا بصوم عاشوراء.
سألت محمدا عن هذا الحديث فقلت له: حديث الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن عمرو بن شرحبيل، عن قيس بن سعد أصح؟ أو حديث سلمة بن كهيل عن القاسم، عن أبي عمار، عن قيس بن سعد؟.
فقال لم أسمع أحدا يفضي في هذا بشيء، إلا أن حديث سلمة بن كهيل أشبه عندي، لأن هذا خلاف ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر. قال ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر".
ولما كان التمييز بين الأسانيد "بهذه العبارة" يحمل ما يبرره، فلا بأس أن نقول: إننا نعرف أن سندا ما هو أشبه بالصواب، لأحد الأسباب التالية:
1 -
أشبه، لأنه أضبط، أو أتقن، أو أوثق، أو أثبت في شيخ ما، أو أفهم بحديث أبيه أو شيخه أو قطرة.
2 -
أشبه، لأن رواته أكثر.
3 -
أشبه، لأن سمع وغيره لم يسمع، أو أدرك وغيره لم يدرك.
4 -
أشبه، لأن هذا الحديث مشهور عنه وغريب عن غيره.
5 -
أشبه، لأن غيره لزم الطريق.
6 -
أشبه، لأن غيره خلاف ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهكذا فقد دلنا استقراء هذه العبارة في كتب العلل أنها تعني الأسلم والأقرب إلى الصواب. وينبغي أن أنبه إلى أن هذا لا يعني دائما صحة الإسناد في اصطلاح المحدثين، إذ قد يكون الإسناد أشبه بالصواب ويكون مرسلا أو معضلا والله أعلم