الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو أقدم موتا من علي، فإنه قيل: إنه سمع من أبي بكر وعمر - رضي الله عن هما - ".
كلام ابن رجب على الأسانيد التي وصفها والإمام مسلم بالصحة ولم يثبت اللقاء فيها:
وكان الإمام مسلم قد ذكر جملة من الأسانيد لم يتحقق فيها لقاء رواتها لشيوخهم، ومع هذا فإن العلماء صححوها ولم يطعنوا فيها ومثل ذلك حديث عبد الله بن يزيد وقيس بن أبي حازم عن ابن مسعود، والنعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد.
ورد ابن رجب كلام مسلم هذا بأن القول في هذه الأسانيد كالقول في غيرها ويقصد ابن رجب أنه لا بد من التفتيش عن اللقاء وثبوت السماع، وإلا فإن هذه الأسانيد تحمل على الانقطاع، وتكون مرسلة.
ويرى ابن رجب أن اشتراط اللقاء عظم على مسلم حتى لا يؤدي ذلك إلى طرح الكثير من الأحاديث وترك الاحتجاج بها، ولكن ابن رجب يرى مخرجا من هذا وهو أن لا يحكم باتصالها ولكن يحتج بها مع اللقي كما يحتج بمرسل أكابر التابعين.
ولقد انفرد ابن رجب بهذا الدعاء، بينما نجد السخاوي يخرج من هذه المسألة بما هو أسلم وأحكم فيقول:"وما خدشه به مسلم من وجود أحاديث اتفق الأئمة على صحتها مع أنها ما رويت إلا معنعنة، ولم يأت في خبر قط أن بعض رواتها لقي شيخه فغير لازم، إذ لا يلزم من نفى ذلك عنده نفيه في نفس الأمر".
ومقتضى كلام السخاوي أنه ما دام الأئمة قد صححوا هذه الأحاديث فإن هذا التصحيح يستلزم الحكم بثبوت اللقاء فيها.
مناقشة ابن رجب فيما ذهب إليه:
لقد فصل ابن رجب رأيه في هذه المسألة تفصيلا غير مسبوق به، ولم أجد مثله لأحد من العلماء قبله أو بعده. وإنما تناول السابقون واللاحقون هذه المسألة بإيجاز، سواء منهم من أيد الإمام مسلم، كالحاكم في معرفة علوم الحديث وكالنووي في تقريبه، والطيبي في خلاصته، ومن عارضه ونصر البخاري: كابن عبد البر في تمهيده، وابن الصلاح، والنووي في شرح مسلم. وجاء ابن حجر والسيوطي والسخاوي بعد ابن رجب يحملون مثل رأيه وينصرون البخاري كذلك.
وإعجابنا بابن رجب وثناؤنا عليه لا يعني أننا نوفقه في هذه المسألة، وإنما ينصب إعجابنا على لكتاب بمجموعه وما فيه من سبق وتفصيل وسعة اطلاع، وتقعيد لقواعد علم العلل، والمصطلح بشكل عام. وأما اختياره في هذه المسألة، ففيما يلي تحليل ومناقشة ونقد لما ذهب إليه.
أولا: من بدهيات هذه المسألة أن التفتيش عن اللقاء بين الراوي والمروي عنه أعم من التفتيش عن السماع ولو مرة، وأن التفتيش عن السماع ولو مرة أعم من التفتيش عن السماع في كل رواية.
ولم يكتف العلماء بهذا بل فحصوا السماع للتأكد من عدم دخول الوهم والخطأ على السماع.
وابن رجب في رده على الإمام مسلم جمع بين هذه المراتب كلها، وساق الأدلة على أن العلماء فتشوا عن اللقاء بين الراوي والمروي عنه، ولم يكتفوا به بل فتشوا عن ورود السماع، ولم يكتفوا به بل فتشوا عن صحة السماع وعدم دخول الوهم والخطأ عليه.
وهذا الذي جاء به ابن رجب ينقض مدعاه في نصرة البخاري، وهو يعارض البخاري كما يعارض مسلما، فالبخاري لم يشترط السماع الذي هو أخص من اللقاء، ولم يشترط البحث في سلامة كل سماع من الوهم والخطأ.
ثانيا: لم يحدد ابن رجب رأيه في المسألة، وبعد عرض طويل مليء بالأمثلة الشواهد لم نعرف مراده بالتحديد، هل هو مع اشتراط اللقاء، أم مع اشتراط السماع، أم مع اشتراط تحقق السماع في كل مسألة. وقد أظهر من كلامه أنه أدخل التفتيش عن السماع في أصل الصحة، ولا يوافقه أحد من العلماء على ما ذهب إليه، وخاصة ألئك الذي كتبوا في المصطلح.
ثالثا: يستدل ابن رجب على عدم السماع بأمرين ذكرهما عن الإمام أحمد:
الأول - أن يكون الراوي ببلد غير بلد المروي عنه، ولم يعرف عن أحدهما النقلة إلى بلد الآخر.
الثاني - أن يروي الراوي مباشرة عن شيخه ثم يدخل بينه وبينه واسطة.
وليس في هذا ما ينصر مذهب ابن رجب لأن الإمام مسلما كذلك يبحث عن اللقاء في مثل هاتين الحالتين، لما فيهما من القرينة على انتقاء اللقاء، لأن الإمام مسلما يعتبر المعاصرة مع إمكان اللقاء لا مع القرينة على نفي اللقاء.
وفي هذا يقول الإمام مسلم: فالرواية ثابتة، والحجة بها لازمة، إلا أن يكون هناك دلالة بينة، أن هذا الراوي لم يلق الراوي عنه.
ويقول الإمام مسلم كذلك: وإنما كان تفقد من تفقد سماع رواة الحديث ممن روى عن رجل ثم روى حديثا عن آخر عنه.
ومن هذا كله يتبين لنا أن كلام الإمام مسلم ينصب على إمكان اللقاء العاري عن أية قرينة على خلافه.
رابعا: إن الأمثلة التي ساقها ابن رجب للتدليل على رأيه لا تصلح للاستدلال، لأنها كلها حالات من العنعنة التي قامت القرينة على عدم الاتصال فيها، فمثلا: المعروف أن لقاء سعيد بن المسيب بعمر - رضي الله عن هـ - لا يتسع لحجم رواية سعيد عنه، وهذا يكفي قرينة على عدم السماع ويدعو إلى التفتيش عنه في كل رواية.
وكذلك كل من بحث من السلف عن اللقاء أو السماع إنما بحث لقيام قرينة ترجح جانب الانقطاع على الاتصال، وقد ذكرنا القرائن التي توجب التفتيش عن اللقاء أو السماع في الاعتراض الثالث السابق، وقلنا أن مذهب مسلم لا يعارض هذا.
خامسا: وإنني أرى في ختام هذه المناقشة رأي مسلم أسلم وأوجه وأثبت وأنه يتناول أدنى مراتب الاتصال. ولا يمنع هذا أن يصنف غيره كتابا فيضيف شرطا، كشرط اللقاء أو السماع ولكن هذا الشرط يبقى شرط كتاب لا شرط صحة والله أعلم