الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلام ههنا في حكم الحديث المرسل
وقد ذكر الترمذي لأهل العلم فيه قولين:
أحدهما: أنه لا يصح، ومراده: أنه لا يكون حجة.
وحكاه عن أكثر أهل الحديث. وحكاه الحاكم عن جماعة أهل الحديث من فقهاء الحجاز، وسمى منهم: سعيد بن المسيب، والزهري، ومالك بن أنس والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، فمن بعدهم من فقهاء المدينة.
وفي حكايته عن أكثر من سماه نظر.
ولا يصح عن أحد منهم الطعن في المراسيل عموما، ولكن في بعضها.
وأسند الترمذي قول الزهري لإسحاق بن أبي فروة: قاتلك الله تجيئنا بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة، يريد لا أسانيد لها، وهذا ذم لمن يرسل الحديث ولا يسنده.
وروى سلمة بن العيار عمن سمع الزهري يقول: ما هذا الأحاديث التي تأتون بها ليس لها خطم وأزمة، يعني الأسانيد.
وذكر الترمذي أيضا كلام يحيى بن سعيد القطان في أن بعض المرسلات أضعف من بعض.
ومضمون ما ذكر عنه تضعيف مرسلات عطاء، وأبي إسحاق، والأعمش، والتيمي، ويحيى بن أبي كثير والثوري، وابن عيينة، وأن مرسلات مجاهد وطاوس وسعيد بن المسيب ومالك أحب إليه منها.
وقد أشار إلى علة ذلك بأن عطاء كان يأخذ عن كل ضرب، يعني أنه كان يأخذ عن الضعفاء ولا ينتقي الرجال، وهذه العلة مطردة في أبي إسحاق،
والأعمش والتيمي ويحيى بن أبي كثير، والثوري، وابن عيينة، فإنه عرف عنهم الرواية عن الضعفاء أيضا.
وأما مجاهد وطاوس وسعيد بن المسيب ومالك فأكثر تحريا في رواياتهم وانتقادا لمن يروون عنه، مع أن يحيى بن سعيد صرح بأن الكل ضعيف.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، (ثنا) علي بن المديني، قال: قلت ليحيى بن سعيد: (ابن المسيب) عن أبي بكر؟ ز
قال: شبه الريح.
قال: وسمعت يحيى يقول: مالك عن سعيد بن المسيب أحب إلي من سفيان عن إبراهيم، قال يحيى: وكل ضعيف.
قال: وسمعت يحيى يقول: سفيان عن إبراهيم شبه لا شيء. لأنه لو كان فيه إسناد صاح به. قال: وقال يحيى: أما مجاهد عن علي فليس بها بأس، قد أسند عن ابن أبي ليلى عن علي.
وأما عطاء، يعني عن علي، فأخاف أن يكون من كتاب.
قال: وسمعت يحيى يقول: مرسلات ابن أبي خالد ليس بشيء، ومرسلات عمرو بن دينار أحب إلي.
قال: وسمعت يحيى يقول: مرسلات معاوية بن قرة أحب إلي من مرسلات زيد بن أسلم.
وذكر يحيى عن شعبة أنه كان يقول: عطاء عن علي إنما هي من كتاب، ومرسلات معاوية بن قرة نرى أنها عن شهر بن حوشب.
قال ابن أبي حاتم: وحدثنا أحمد بن سنان الواسطي قال: كان يحيى بن سعيد لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئا، ويقول: هو بمنزلة الريح، ويقول: هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء (علقوه) .
وكلام يحيى بن سعيد في تفاوت مراتب المرسلات بعضها على بعض يدور على أربعة أسباب:
أحدهما: ما سبق من أن من عرف روايته عن الضعفاء ضعف مرسله بخلاف غيره.
والثاني: أن من عرف له إسناد صحيح إلى من أرسل عنه، فإرساله خير ممن لم يعرف له ذلك. وهذا معنى قوله: مجاهد عن علي ليس به بأس، قد أسند عن ابن أبي ليلى عن علي.
والثالث: أن من قوي حفظه يحفظ كل ما يسمعه ويثبت في قلبه، ويكون فيه ما لا يجوز الاعتماد عليه. بخلاف من لم يكن له قوة الحفظ. ولهذا كان سفيان إذا مر بأحد يتغنى يسد أذنيه حتى لا يدخل إلى قلبه ما يسمعه منه فيقر فيه.
وقد أنكر مرة يحيى بن معين على علي بن عاصم حديث، وقال: ليس هو من حديثك، إنما ذوكرت به فوقع في قلبك، فظننت انك سمعته، ولم تسمعه، وليس هو من حديثك.
وقال الحسين بن حريث: سمعت وكيعا يقول: لا ينظر الرجل في كتاب لم يسمعه، لا يأمن أن يعلق قلبه منه.