الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث في أنواع العلل من خلال كتاب ابن رجب
ويشتمل على:
المطلب الأول: علة الإسناد.
المطلب الثاني: علة المتن. ***
المطلب الأول علل الإسناد
أولا - علة موضوعها:
إبطال السماع الصريح أو نفي السماع المتوهم بالعنعنة
اتصال الحديث شرط من شروط صحته، والأصل ان التصريح بالسماع من الراوي الثقة معتبر، وكذلك الحال فيما يروى من الأسانيد ويكون "معنعنا" أو "مؤننا" فإنه معتبر كذلك إذا كان الراوي ثقة، بريئا من التدليس. ولكن رغم التصريح بالسماع، ورغم المعاصرة الأكيدة بين الراوي والمروي عنه وسلامة الراوي من التدليس رغم كل هذا قد يكشف النقاد من أهل صنعة العلل أن الإسناد منقطع، ولا حقيقة لهذا السماع.
وقد أطال الإمام ابن رجب في هذا الموضوع وبحثه تحت عنوان
"التدليس" وقد أفردنا للعنعنة مبحثا مستقلا عرضنا فيه كلام ابن رجب رحمه الله وحررنا هذه المسألة.
وفيما يلي طائفة من الأمثلة على هذه العلة استقينا بعضها من شرح علل الترمذي لابن رجب، وأكثرها من كتب العلل الأخرى، وذلك بهدف إبراز قيمة كتب العلل الأخرى، وتقديم نماذج منها للباحثين والمطلعين، ومن جهة أخرى فإن هذه الكتب مليئة بالأمثلة الصالحة لكل نوع من أنواع العلة، ولقيمة العلل في هذه الدراسة فسأمثل لكل نوع منها بما فيه الكفاية - إن شاء الله -.
قال ابن رجب:
قال أحمد: "البهي ما أراه سمع من عائشة، إنما يروى عن عروة عن عائشة، رغم أنه يقول في حديث زائدة، عن السدي: حدثتني عائشة". ونقل ابن رجب عن ابن مهدي ما يؤكد هذا، فقال:"وكان ابن مهدي سمعه من زائدة، وكان يدع منه "حدثتني عائشة".
وبهذا تكون العلة في هذا الإسناد إبطال السماع، وإثبات أن الوهم دخل عليه. ومثل هذه العلة كثير في الأسانيد، قال ابن رجب:
"وكان أحمد يستنكر دخول التحديث في كثير من الأسانيد، ويقول: هو خطأ، يعني ذكر السماع.
قال في رواية هدبة، عن قتادة، ثنا خلاد الجهني، وهو خطأ، خلاد قديم ما رأى قتادة خلادا. وذكروا لأحمد قول من قال: عن عراك بن مالك سمعت عائشة، فقال: هذا خطأ. وأنكره وقال: عراك من أين سمع عائشة؟ إنما يروى عن عروة، عن عائشة".
ولقد أفرد ابن رجب رحمه الله قاعدة من القواعد التي في كتابه لهذا النوع من العلل، تحت عنوان: "ذكر الأسانيد التي لا يثبت منها شيء،
أو لا يثبت منها إلا شيء يسير". واستعرض أسانيد كثيرة العدد من الثقات الحفاظ، بعضها لم يثبت منه شيء البتة، وبعضها ثبت منها قليل من كثير.
وأما نفي السماع المتوهم بالعنعنة: ففي هذا يقول ابن رجب "في شرح علل الترمذي":
"وقد ذكر الترمذي في كتاب العلم أن سماع سعيد بن المسيب عن أنس ممكن، لكن لم يحكم لروايته عنه بالاتصال. وقد حكى بعض أصحابنا عن أحمد مثله" والحديث الذي رواه سعيد بن المسيب عن أنس هو:
عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا بني إن قدرت أن تصبح، وتمسي، ليس في قلبك غش لأحد فافعل" وقال الترمذي: "لا نعرف لسعيد بن المسيب رواية عن أنس إلا هذا الحديث".
وفيما يلي بعض الأمثلة الأخرى لهذا النوع من العلة:
مثال:
قال الترمذي في علله الكبير: "ثنا يحيى بن أكثم، ثنا يحيى بن آدم، ثنا زهير بن معاوية، عن حميد الطويل، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: لبى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة والحج معا، قال لبيك بعمرة وحجة".
سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال:"هذا خطأ، أصحاب حميد يقولون: عن حميد سمع أنسا".
وقول البخاري هذا يعني أن رواية حميد عن ثابت غير صحيحة، بل الوارد هو ما ذكره أصحاب حميد أنه سمع أنسا، ومع أن روايات أصحاب حميد ظاهرها سلامة الإسناد، إلا أن البخاري كشف عن وهم في هذا السماع، وأن
حميدا لم يسمع أنسا، كما ورد في روايات أصحاب حميد. وفي هذا يقول الترمذي:
"قال محمد: حدثنا عمرو بن خالد، نا زهير، قال: قدمت البصرة فرأيت حميدا، وعنده أبو بكر بن عياش، جعل حميد يقول: قال أنس، قال أنس، فلما فرغ، قلت له: أسمعت هذا؟ قال: سمعت عمن حدث عنه".
ويلاحظ على هذا الحديث أن الإسنادين التقيا بزهير بن معاوية.
أما الأول وهو المعل ففيه زهير عن حميد، عن ثابت، عن أنس.
وأما الثاني ففيه زهير، عن حميد، عمن حدث عن أنس، عن أنس.
ويكون البخاري قد كشف علة الحديث وأثبت أن حميدا لم يسمع من أنس وإنما بينهما واسطة، وقد بين أن الوهم إنما دخل من إكثار حميد من القول: قال أنس، فجعل أصحاب حميد هذه العبارة: سمع أنسا.
مثال:
ومنه قول الحسن: خطبنا ابن عباس.
وهذا مثال آخر فيه تصريح بالسماع إلا أن حقيقته غير ذلك.
وهذا الإسناد روي عن يزيد بن هارون، عن حميد، عن الحسن، وعقب عليه الترمذي بقوله:"روى غير يزيد بن هارون، عن حميد، عن الحسن، قال: خطب ابن عباس، وكأنه رأى هذا أصح وإنما قال محمد هذا، لأن ابن عباس كان في البصرة في أيام علي، والحسن البصري في أيام عثمان وعلي كان بالمدينة".
وبهذا يظهر لنا البخاري رحمه الله علة الحديث ومدارها على يزيد بن هارون الذي قال: خطبنا، وقد حاول بعض النقاد التماس تأويل للحسن
ل البصري، وقالوا: خطبنا أي خطب الناس، ولو تنبهوا لمثل ما تنبه له البخاري لأدركوا العلة، ولما احتاجوا لمثل هذا التأويل البعيد.
مثال:
ومن الأمثلة التي يظهر فيها علم العلل بجلاء ويظهر فيها خفاء هذا العلم على غير الأئمة ما ذكره أبو عبد الله الحاكم في كتابه "معرفة علوم الحديث"، قال:
"مثاله ما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، فقال:(ثنا) محمد بن إسحاق الصغاني، قال (ثنا) حجاج بن محمد، قال، قال ابن جريح، عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
من جلس مجلسا كثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذاك.
وقال أبو عبد الله: هذا حديث من تأمله لم يشك أنه من شرط الصحيح، وله علة فاحشة، قال محمد بن إسماعيل: هذا حديث مليح، ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث، إلا انه معلول، حدثنا به موسى بن إسماعيل، قال حدثنا وهيب، قال:(ثنا) سهيل، عن عون بن عبد الله، قوله..
قال محمد بن إسماعيل: هذا أولى، فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من سهيل".
وقول البخاري هذا زاده أبو زرعة وأبو حاتم إيضاحا وبيانا، وحاولا الكشف عن سبب العلة ومصدرها. فقد روى ابن أبي حاتم في علله هذا الحديث فقال:
"سألت أبي وأبا زرعة عن هذا الحديث، فقالا: هذا خطأ رواه وهيب