الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث أشهر علماء هذا الفن
لقد قيض الله تعالى لميدان علم الحديث والعلل أعلاما عبدوا مساربه. فكان شعبة بن الحجاج أبو بسطام (المتوفى سنة 160هـ) من رواده الأوائل وشعبة هذا قال عنه الإمام الشافعي رحمه الله: "لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق. وقال أبو حاتم الرازي: إذا رأيت شعبة يحدث عن رجل فاعلم بأنه ثقة. وقال يحيى بن سعيد: كان شعبة أعلم الناس بالحديث".
قال ابن رجب في معرض ترجمته لشعبة بن الحجاج: "وهو أول من وسع الكلام في الجرح والتعديل واتصال الأسانيد وانقطاعها، ونقب عن دقائق علم العلل، وأئمة هذا الشأن بعده تبع له في هذا العلم".
وقال السمعاني صاحب كتاب اٍلأنساب: "هو أول من فتش بالعراق عن أمر المحدثين". وهذه العبارة تكفي لأن نعرف من هو شعبة. وفي كتب العلل والرجال يتردد اسمه في كل صفحة، وكافة النقاد بعده يتسابقون في نقل عباراته والبحث عن نظراته في الرجال والعلل. وخلاصة القول في شأن هذا الرجل أن الحديث أصبح صناعة وفنا على يديه.
ومن فرسان هذا الميدان وأفذاذه يحيى بن سعيد القطان (المتوفى سنة 198هـ) خليفة شعبة والقائم بعده مقامه، وعنه تلقاه أئمة هذا الشأن
كأحمد وعلي ويحيى بن معين، وقد كان شعبة يحكمه على نفسه في هذا العلم، هذا قول ابن رجب فيه رحمه الله.
قال أحمد: لم يكن في زمان يحيى القطان مثله كان تعلم من شعبة وقال ابن معين: قال لي عبد الرحمن بن مهدي: لا ترى بعينيك مثل يحيى بن سعيد القطان. وقد ترجم له ابن رجب ترجمة تليق بمقامه، وترفع شأنه، وقد ذكر ابن رجب أن ليحيى القطان كتابا في العلل فيكون بذلك أول من صنف في هذا العلم. وقد وصفه ابن الأثير بوصف جامع أوقفني على عظمة هذا الرجل، وشدني إلى مزيد من التعرف عليه فقال:"وهو الذي مهد لأهل العراق رسم الحديث، وأمعن في البحث عن الرجال". وقد صحب يحيى القطان شعبة مدة عشرين عاما فاكتسب منه مهارة فائقة ظهرت آثارها فيما نقل عنه، وفي التلاميذ الذين تلقوا عنه كيحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وقل أن يجد الباحث قضية في العلل والرجال خلت من رأي ليحيى بن سعيد، وقد بلغ من علو كعبه في النقد أن قبله شيخه شعبة حكما بينه وبين مخالفيه، قال عبد الرحمن بن مهدي:
اختلفوا يوما عند شعبة، فقالوا اجعل بيننا وبينك حكما. فقال: قد رضيت بالأحول، يعني يحيى بن سعيد القطان، فما برحنا حتى جاء يحيى فتحاكموا إليه، فقضى على شعبة، فقال له شعبة: ومن يطيق مثل نقدك يا أحول؟ " ويعلق ابن أبي حاتم على هذه القصة، فيقول: "هذه غاية المنزلة إذا اختاره شعبة من بين أهل العلم، ثم بلغ من دالته بنفسه وصلابته في دينه أن قضى على شعبة".
ومن رجال هذا الفن الحاذقين فيه عبد الرحمن بن مهدي (المتوفى سنة 198هـ)، وهو الذي قال عنه علي بن المديني:"لو أخذت فأحلفت بين الركن والمقام لحلفت بالله أنني لم أر أحدا قط أعلم بالحديث من عبد الرحمن بن مهدي وقال صالح بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: أيما أثبت عندك عبد الرحمن بن مهدي أو وكيع؟ قال: عبد الرحمن أقل سقطا من وكيع في سفيان، قد خالفه وكيع في ستين حديثا من حديث سفيان، وكان عبد الرحمن يجيء بها على ألفاظها، وكان لعبد الرحمن توق حسن".
وأما يحيى بن معين بن عون المري أبو زكريا (المتوفى سنة 233هـ) فإليه انتهى علم العلل حتى قال عنه الإمام أحمد: "ههنا رجل خلقه الله لهذا الشان". ومن آثاره التي وصلتنا "التاريخ والعلل" وفيه علم غزير ومعرفة واسعة في علم الرجال والعلل، ولم يكتب هو بيده شيئا وإنما جمع عدد من تلاميذه أخباره ومسائله في العلل كعثمان الدارمي، وعباس الدوري، وابن الجنيد، ومضر بن محمد، وابن محرز، وخالد بن الهيثم. وقل أن نجد رجلا لم يتكلم ابن معين فيه جرحا أو تعديلا، ولقد عرف أهل زمانه مكانته به بالمدينة والمنادي ينادي: هذا الذي ذب الكذب عن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن كبار النقاد ورجال العلل أبو الحسن علي بن جعفر المديني (المتوفى سنة 234هـ) شيخ البخاري، قال عنه أو حاتم الرازي:"كان علي بن المديني علما في الناس في معرفة الحديث والعلل". وقد ترجم له ابن رجب في شرح
علل الترمذي وذكر له قائمة من الكتب زادت على الثلاثين كتابا. معظمها في العلل - مثل:
- علل المسند في ثلاثين جزءا.
- العلل التي كتبها عنه إسماعيل القاضي، أربعة عشر جزءا.
- علل حديث ابن عيينة ثلاثة عشر جزءا.
- الوهم والخطأ في خمسة أجزاء.
- من حدث ثم رجع عنه جزء.
- اختلاف الحديث، خمسة أجزاء.
- العلل المتفرقة ثلاثون جزءا.
ومن هؤلاء الأفذاذ الإمام أحمد بن حنبل (المتوفى سنة 241هـ) وباعه في الحديث عامة، وفي العلل خاصة طويل.
ولقد كتب عنه تلاميذه مئات الأجزاء في العلل وفي سائر فنون الحديث. ومن هذه الأجزاء ما كتبه ابنه عبد الله عنه وقد بلغ كتابه" العلل ومعرفة الرجال" اثني عشر جزءا مخطوطا. وقد ترجم له ابن رجب رحمه الله ترجمة تليق بمقامه.
وأما الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (المتوفى سنة 256هـ) فقد وصفه تلميذه مسلم بن الحجاج بقوله: "أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله".
وله كتاب في العلل ذكره ابن حجر في المعجم المفهرس له، وابن خير في فهرسته.
الأول: "العلل الصغير"، وهو ملحق بكتابه الجامع.
والثاني: العلل الكبير ومعظمه منتزع من كتاب الجامع.
وممن صنف في العلل أبو زرعة عبد الرحمن بن عمر الدمشقي (المتوفى سنة 280هـ) وله في ذلك كتاب التاريخ وعلل الرجال".
وللحافظ أبي بكر أحمد عمرو بن عبد الخالق المعروف بالبزار، (المتوفى سنة 292هـ) كتاب مهم هو "المسند الكبير المعلل".
وقد هذبه ابن حجر، وتوجد منه نسخة في مكتبة مراد ملا.
وممن صنف في العلل أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي، (المتوفى سنة 307هـ) وقد ترجم له الذهبي في تذكرته، وقال: له كتاب في علل الحديث يدل على تبحره، وذكره ابن خير في فهرسته.
وصنف الحافظ البارع أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد الماسرجسي النيسابوري (المتوفى سنة 365هـ) كتابا في العلل. وهو مسند كبير مهذب معلل في ألف جزء وثلاثمائة جزء - وقد نقل الذهبي عن الحاكم قوله: هو سفينة عصره في كثرة الكتابة، وقال: وعلى التخمين يكون مسنده في خطوط الوراقين في أكثر من ثلاثة آلاف جزء، فعندي أنه لم يصنف في الإسلام مسند أكبر منه، وكان مسند أبي بكر الصديق بخطه في بضعة عشر جزءا بعلله وشواهده، فكتبه النساخ في نيف وستين جزءا.
وقد تلقي عنه هذا الفن محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري
وللحاكم أبي عبد الله محمد بن البيع كتاب في العلل، وقد أفرد للعلل مبحثا في كتابه "معرفة علوم الحديث".
وللحسن بن محمد البغدادي المعروف بالخلال (المتوفى سنة 439هـ) كتاب في العلل.
ولابن الجوزي عبد الرحمن بن علي بن محمد (المتوفى سنة 597هـ) ، كتاب العلل المتناهية".
وأما عبد الرحمن بن أحمد بن رجب (المتوفى سنة 795هـ) فقد شرح كتاب الترمذي الجامع ثم شرح كتاب العلل الصغير الملحق بالجامع وأضاف عليه إضافات مهمة في علم العلل، وهذا الجهد كله منصب على هذا الكتاب لخدمته وإظهاره إن شاء الله.
وقد صنف أحمد بن علي بن حجر (المتوفى سنة 852هـ) كتابا سماه الزهر المطلول في الخبر المعلول".
وكثير من هذه الكتب طوته يد الحدثان وبقي بعضهما رهين دور المخطوطات، ولم يطبع منها سوى مجلد من علل الإمام أحمد، وعلل ابن أبي حاتم، وجزء من علل ابن المديني