الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متنوعة وكثيرة، فمنها العلل الخفية كاكتشاف الإرسال والانقطاع، وأخرى بالقوادح الظاهرة كالمنكر والموضوع الضعيف. وأما مادة الرجال فهي مبثوثة خلال الكلام عن الأحاديث والأسانيد.
أهمية هذا الكتاب:
وترجع أهمية هذا الكتاب إلى مادته الغزيرة في العلل والرجال، وإلى إمامة الرجلين العظيمين، أبي زرعة وأبي حاتم، وإلى تبويبه الذي يجعل الحصول على المبتغى منه أقرب من غيره من كتب العلل الأخرى.
وقد اعتمد ابن رجب في كتابه "شرح علل الترمذي" كثيرا على هذا الكتاب، فكان من أهم مصادره.
المطلب السادس العلل الواردة في الأحاديث النبوية
صنف الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني (ت 385هـ) مصنفات كثيرة في مختلف فنون الحديث إلا أن مصنفه في العلل هو أشهرها وأهمها، وهذا الكتاب يشهد لعلم الدارقطني وتبحره في الحديث وطرقه، ولقد استحق بسببه عظيم الثناء من العلماء. قال ابن كثير في اختصار علوم الحديث، وقد جمع أزمة ما ذكرناه كله الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك، وهو من أجل الكتب، بل أجل ما رأيناه وضع في هذا الفن، لم يسبق إلى مثله، وقد أعجز من يريد أن يأتي بعده، ف رحمه الله وأكرم مثواه".
وبحق فإن الكتاب موسوعة حديثية، وقد جمع من طرق الحديث وعلله ما يدهش المرء، ويعجزه عن الملاحقة، والاطلاع، فكيف بالابتداء والتصنيف.
والكتاب يقع في خمسة مجلدات مخطوطة كبيرة، قدر لي أن أطلع عليها - الحمد لله - بعد جهد جهيد وصبر، إذ لم أوفق بالاطلاع على بعض أجزائه إلا بعد وقت طويل من البحث، وذلك بسبب ضياع بعض هذه الأجزاء، حتى إن فهارس المخطوطات المتخصصة لم تشر إليها، وكم كانت فرحتي عظيمة يوم أن علمت بوجود ثلاث نسخ مخطوطة من هذا الكتاب في دار الكتب بالقاهرة.
وبعد الاستعراض السريع لهذا الكتاب للتعرف على مادته ومنهجه ظهر لي أنه كتاب اعتمد أسلوب العلل على الأسانيد خلافا لعلل ابن أبي حاتم الذي اعتمد أسلوب العلل على الأبواب فكتاب الدارقطني هذا هو من كتب العلل الفريدة التي اعتمدت منهجا موحدا، لا كما هو الحال في علل أحمد وابن المديني وابن معين وأصل الترمذي قبل ترتيبه.
والمنهج الذي سلكه الدارقطني أنه يذكر الصحابي ومن روى عنه ويذكر العلل في حديث هذا الصحابي من هذه الطريق، ثم ينتقل إلى الصحابي الآخر بعد أن يستوفي الرواة عن الصحابي الأول. ففي الجزء الأول: بدأ بأبي بكر الصديق - رضي الله عن هـ -. وقال: حديث عمر عن أبي بكر، ثم حديث عثمان عن أبي بكر، ثم حديث علي عن أبي بكر.. وفي كل مرة يذكر العلل في هذه الطرق.
وأما الجزء الثاني فقد أتم الكلام في أوله عن عبد الله بن مسعود، فعرض حديث عتبة عنه ثم حديث مسروق عنه وهكذا.. ثم ذكر مسند
أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري، ثم مسند أبي بردة، ثم مسند معاذ بن جبل، وهكذا
…
وفي كل مسند يتناول الرواة عنهم، فيذكر عللهم. وآخره بعض مسند أبي هريرة.
أما الجزء الثالث: فأوله بقية مسند أبي هريرة فبدأ بحديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ثم من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، ثم المقرونات من حديث أبي سلمة وسعيد عن أبي هريرة.
وكذلك فإن الجزء الرابع احتوى بقية مسانيد الصحابة، وهو في جميع هذه الأجزاء يرتب المسانيد حسب الأكثر ثم الأقل فيما عدا مسانيد الخلفاء الراشدين فإنه يبدأ بها، ولو كانت قليلة.
وأما الجزء الخامس فقد تضمن مسند النساء الصحابيات بدءا بعائشة - رضي الله عن ها - ثم أم حبيبة وهكذا حتى ينتهي بقوله آخر مسند النساء من كتاب العلل.
وقد جاءت عبارة الكتاب على شكل مسائل يقال فيها: وسئل عن حديث فلان عن فلان ورغم ما فيه من منهجية على المسانيد إلا أنه صعب التناول فلا بد من معرفة إسناد الحديث للبحث عن علته ثم نقلب صفحات الكتاب لنهتدي إلى مكان هذا الصحابي فيه ثم الرواة عنه حتى نصل إلى المطلوب، ولو رتب الكتاب ترتيبا أبجديا أو على أبواب الفقه لكانت الفائدة منه أكبر وأعم، وفي هذا يقول ابن كثير:"ولكنه يعوزه شيء لا بد منه وهو أن يرتب على الأبواب ليقرب تناوله للطلاب، أو أن تكون أسماء الصحابة الذين اشتمل عليهم مرتبة على أبواب المعجم ليسهل الأخذ منه فإنه مبدد جدا، لا يكاد الإنسان يهتدي إلى مطلوبه منه بسهولة".
نماذج من كتاب العلل للدارقطني:
ومن حديث ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وسئل عن حديث ابن المسيب عن أبي هريرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم حض على صدقة رمضان، فقال: على المرء صاع من تمر أو صاع من شعير أو صاع من قمح". فقال: يرويه الزهري واختلف عنه في إسناده، وفي لفظه، فرواه بكر بن الأسود، عن عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين عن الزهري، عن سعيد بن المسيب مرسلا وهو الصواب.
وأما في لفظه فإن بكر بن الأسود ذكر في صدقه الفطر، أمر بصاع، وخالفه إسحاق، فقال:"على كل نفس مدان من قمح" وهو المحفوظ عن الزهري وكذلك قال عقيل، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، ومحمد بن أبي حفصة عن ابن المسيب مرسلا.
وكذلك رواه زهرة بن معبد، ويزيد بن قسيط، عن ابن المسيب.
وعند ابن عدي فيه أقاويل من هذا.
ورواه معمر، عن الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
وقيل عن معمر، عن الزهري، عن أبي هريرة.
وقال النعمان بن راشد، عن الزهري، عن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه.
وقال يحيى بن خارجة: عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة، عن سليمان بن أرقم، عن أبي هناد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.
والمحفوظ عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وقبل عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب، عن زيد بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وسليمان بن أرقم متروك".
ونلاحظ في هذا الحديث عللا في الإسناد من حيث الوصل والقطع، كما نلاحظ في بعض رواياته علة القوادح الظاهرية، وهي الرواية عن المتروك من الرواة.
كما نلاحظ العلم الغزير الذي يفيض به الدارقطني على سائله، ويعرض من الطرق والأسانيد، واختلاف الرواة ما يصلح تعريفا كاملا بأبعاد علم العلل ومهمة عالم العلل.
وقد استفاد ابن رجب من هذا الكتاب وأحال عليه في كثير من مواضع كتابه.