الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
الإسناد وأهميته
"
قال رحمه الله:
حدثنا محمد بن علي بن الحسن، قال: سمعت عبدان، يقول: قال عبد الله بن المبارك: الإسناد عندي من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، فإذا قيل له: من حدثك؟ بقي.
حدثنا محمد بن علي (أنا) حبان بن موسى، قال: ذكر لعبد الله حديث، فقال: يحتاج لهذا أركان من آجر. قال أبو عيسى: يعني إنه ضعيف الإسناد.
أما قول عبد الله بن المبارك الإسناد من الدين، فخرجه مسلم في مقدمة كتابه، عن محمد بن عبد الله بن قهزاد المروزي عن عبدان، عنه، إلى قوله: ما شاء. وخرجه بتمامه ابن حبان في أول كتابه من طريق الحسين بن الفرج عن عبدان.
وأما قوله الثاني:
وذكر مسلم أيضا: قال محمد بن عبد الله، حدثني العباس بن رزمة، قال: سمعت عبد الله - يعني - ابن المبارك يقول: بيننا وبين القوم القوائم، يعني الإسناد.
قال: وقال محمد: سمعت أبا إسحاق، إبراهيم بن عيسى الطالقاني يقول: قلت لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن، الحديث الذي جاء، "إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك، وتصوم لهما مع صومك".
فقال عبد الله: يا أبا إسحاق، عمن هذا؟.
قلت له: هذا من حديث شهاب بن خراش.
قال: ثقة. عمن؟ قلت: عن الحجاج بن دينار، قال: ثقة. عمن؟ قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: يا أبا إسحاق، إن بين الحجاج بن دينار، وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز تنقطع فيها أعناق المطى، لكن ليس في الصدقة اختلاف.
وخرج ابن حبان وغيره من طريق الحسين بن الفرج، عن عبد الصمد بن حسان، سمعت الثوري يقول: الإسناد سلاح المؤمن، إذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل؟.
وخرج أبو عمر بن عبد البر في أول التمهيد من طريق محمد بن خيرون، (ثنا) محمد بن الحسين البغدادي، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: سمعت يحيى بن سعيد يقول: الإسناد من الدين.
قال يحيى: وسمعت شعبة يقول: إنما يعلم صحة الحديث بصحة الإسناد. وفي هذا الإسناد نظر، وخرج أيضا بإسناده نظر، وخرج أيضا بإسناده عن الأوزاعي قال: ما ذهاب العلم إلا ذهاب الإسناد، وبإسناده عن ابن عون قال: كان الحسن يحدثنا بأحاديث لو كان يسندها كان أحب إلينا.
وخرج البيهقي من طريق علي بن حجر، قال: قال ابن المبارك:
لولا الإسناد لذهب الدين، ولقال امرؤ ما شاء أن يقول: ولكن إذا قلت: عمن؟ يبقى.. قال: وسمعت ابن المبارك يقول: إن الله حفظ الأسانيد على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن طريق الشافعي، قال: قال سفيان بن عيينة:
حدث الزهري يوما بحديث، فقلت: هاته بلا إسناد، فقال الزهري: أيرقى السطح بلا سلم؟
وخرج أبو بكر الخطيب من طريق مالك بن إسماعيل النهدي: سمعت ابن المبارك يقول: طلب الإسناد المتصل من الدين.
ومن طريق هلال بن العلاء، عن أبيه سمع ابن عيينة، وقال له أخوه: حدثهم بغير إسناد.
فقال سفيان: انظروا إلى هذا يأمرون أن أصعد فوق البيت بغير درجة.
ومن طريق إبراهيم بن معدان، قال: قال ابن المبارك: مثل الذي يطلب دينه بلا إسناده كمثل الذي يرتقي السطح بلا سلم.
ومن طريق ابن المديني، قال أبو سعيد الحداد: الإسناد مثل الدرج، ومثل المراقي، فإذا زلت رجلك عن المرقاة سقطت.
وروى الفضل بن موسى، قال: قال بقية: ذاكرت حماد بن زيد أحاديث.
فقال: ما أجود أحاديثك، لو كان له أجنحة، يعني الأسانيد.
وقال علي بن المديني: قال يحيى، قال هشام بن عروة: إذا حدثك رجل بحديث، فقل: عمن هو؟ وممن سمعته؟ فإن الرجل يحدث عن آخر دونه. قال يحيى: فعجبت من فطنته.
وقد روى عن ابن سيرين معنى ذلك أيضا، خرج مسلم في مقدمة كتابه من طريق هشام، عن ابن سيرين قال: إن هذا العلم دين فانظروا عمن
تأخذون دينكم وخرجه العقيلي في مقدمة كتابه من طريق ابن عون، عن ابن سيرين، وزاد:
قال: وذكر عند محمد حديث عن أبي قلابة، فقال: إنا لا نتهم أبا قلابة، ولكن عمن أخذه أبو قلابة.
وفي رواية له أيضا، عن ابن عون، قال: ذكر أيوب لمحمد حديثا عن أبي قلابة، قال: فقال: أبو قلابة - إن شاء الله رجل صالح، ولكن عمن ذكره أبو قلابة؟ ومن طريق أيوب عن ابن سيرين، أنه كان إذا حدثه الرجل الحديث ينكره لم يقبل عليه ذاك الإقبال، ويقول:
إني لا أتهمك، ولا أتهم ذاك، ولكن لا أدري من بينكم.
ومن طريق عبيد الله بن عمر، قال: قال محمد بن سيرين: إن الرجل لحدثني بالحديث لا أتهمه، ولكن أتهم من حدثه وأن الرجل ليحدثني بالحديث عن الرجل، فما أتهم الرجل، ولكن اتهم من حدثني.
وذكر أيضا من طريقين أن التيمي حدث عن ابن سيرين بشيء، فبلغ ابن سيرين فكذبه، فقال التيمي: حدثنيه مؤذن لنا عن ابن سيرين، وخرجه غيره، وعنده أن المؤذن سئل، فقال: حدثني رجل عن ابن سيرين.
وروى الشافعي (أنا) عمي محمد بن علي، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: إني أسمع الحديث أستحسنه، فما يمنعني من ذكره إلا كراهة أن يسمعه سامع فيقتدي به، أسمعه من الرجل، لا أثق به، قد حدثه عمن أثق به، وأسمعه من الرجل أثق به، فيحدثه عمن لا أثق به. وقد روى عن زيد بن أسلم، أنه قال: إن هذا العلم دين، فانظروا ممن تأخذون دينكم. خرجه ابن حبان، وخرجه أيضا من كلام الحسن وابن سيرين، والضحاك بن مزاحم، والنخعي.
وخرجه أيضا، بإسناده لا يصح عن أبي هريرة، وابن عباس - رضي الله
عنهما - وخرجه ابن عدي أيضا من وجوه. مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح منها شيء.
وروى أبو نعيم من طريق إسحاق بن بشر الرازي، قال: قال ابن المبارك: ليس جودة الحديث في قرب الإسناد، ولكن جودة الحديث في صحة الرجال.
وخرج الحاكم في المدخل بإسناده عن ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق في قوله تعالى" (أو أثارة علم)، قال: إسناد الحديث.
قال الترمذي رحمه الله:
حدثنا أحمد بن عبده، (ثنا) وهب بن زمعة، عن عبد الله بن المبارك أنه ترك حديث الحسن بن عمارة، والحسن بن دينار، وإبراهيم بن محمد الأسلمي، ومقاتل بن سليمان، وعثمان البري، وروح بن مسافر وأبي شيبة الواسطي، وعمرو بن ثابت، وأيوب بن خوط، وأيوب بن سويد، ونصر بن طريف أبي جزي والحكم وحبيب بن حجر، والحكم روى له حديثا في
كتاب الرقائق ثم تركه، وحبيب لا أدري.
قال أحمد بن عبده: وسمعت عبدان يقول: كان عبد الله بن المبارك قرأ أحاديث بكر بن خنيس، فكان آخر إذا آتى عليها أعرض عنها، ولم يذكرها.
حدثنا أحمد، (ثنا) أبو وهب، قال: سمعوا لعبد الله بن المبارك رجلا يتهم في الحديث، فقال: لأن أقطع الطريق أحب إلي من أروي عنه.
قال الإمام أحمد: (ثنا) حسن بن عيسى قال: قال ابن المبارك. الحسن بن دينار، وعمرو بن ثابت، وأيوب بن خوط، ومحمد بن سالم، وعبيدة والسري بن إسماعيل، يعني أنه ترك الحديث عنهم.
وذكر حرب الكرماني، في كتابه، قال: بلغني أن ابن المبارك ترك حديث عباد بن كثير والحسن بن دينار، والحسن بن عمارة، وروح بن مسافر، وابن سمعان، وعمرو بن ثابت.
وقال ابن المبارك: ما يسوى حديث عباد بن كثير عندي كفا من تراب.
وهؤلاء الذين سماهم الترمذي في روايته مشهورون بالضعف، وقد سبق ذكرهم مفرقا في الكتاب، وفي مواضع متعددة.
وإبراهيم بن محمد الأسلمي: هو ابن أبي يحيى المدني.
وعثمان البري - هو بصري، ضعيف، معتزلي، أحاديثه مناكير.
قال أحمد: حديثه منكر، وكان رأيه رأي سوء.
وأبو شيبة الواسطي: هو إبراهيم بن عثمان، جد بني شيبة.
وعمرو بن ثابت: هو ابن أبي المقدام الكوفي.
وأيوب بن سويد: هو الرملي.
وأما الحكم: فالظاهر أنه ابن عبد الله بن سعد الأيلى.
وقد حكى البخاري وابن حبان وغيرهما عن ابن المبارك أنه كان يحمل عليه. وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه: أن ابن المبارك كان تركه. وكذا ذكر ابن عدي في ترجمة الحكم الأيلي (عن الحسين بن يوسف، (ثنا) أبو عيسى، (ثنا) أحمد بن عبده (ثنا) وهب بن زمعة، عن عبد الله بن المبارك) أنه ترك حديث الحكم.
وأما حبيب بن حجر (فهو حبيب بن حجر) بالتشديد، تصغير حبيب، كذا قاله يزيد بن هارون، وموسى بن إسماعيل، ورويا عنه. وكناه يزيد أبا حجر. وكناه موسى أبا يحيى وهو قيسي بصري.
وقال ابن المبارك: هو حبيب أو حبيب، شك في ضبطه.
وهو يروي عن ثابت البناني والأزرق بن قيس. وقد ذكرنا له حديثا في كتاب الأدب في باب السلام على الصبيان. وروى عنه أيضا وكيع، ويونس، وروح وابن المبارك وكناه روح أبا حجر أيضا، وذكره ابن حبان في ثقاته.
وقال يحيى بن معين: ليس به بأس.
وقد ذكر ابن عدي أن ابن المبارك إنما ترك حبيب بن حبيب أخا حمزة
الزيات، فإنه ذكره في كتابه ثم قال:(ثنا) حسين بن يوسف البندار، (ثنا) أبو عيسى الترمذي، (ثنا) أحمد بن عبده الآملي، (ثنا) وهب بن زمعة عن ابن المبارك أنه ترك حبيب بن حبيب.
وذكر عن ابن معين أنه قال: لا أعرفه، وعن عثمان بن أبي شيبة أنه روى عنه. وقال: كان ثقة. وقد وثقه ابن معين في رواية أخرى عنه، ويعقوب بن شيبة، وقال: ليس ممن يعتمد على تثبته.
وقال أبو زرعة: واهي الحديث.
وقد تكلم ابن المبارك في غير هؤلاء. فذكر مسلم في مقدمة كتابه: عن إسحاق بن راهويه، قال: سمعت بعض أصحاب عبد الله، قال: قال ابن المبارك نعم الرجل بقية، لولا أنه يسمي الكنى ويكني الأسامي. قال كان دهرا يحدثنا عن أبي سعيد الوحاظي، فنظرنا فإذا هو عبد القدوس.
قال مسلم: و (ثنا) أحمد بن يوسف الأزدي، سمعت عبد الرزاق يقول: ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله: كذاب، إلا لعبد القدوس فإني سمعته يقول له كذاب.
قال: حدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ، قال: سمعت أبا إسحاق الطالقاني يقول: سمعت ابن المبارك يقول: لو خيرت يبن أن أدخل الجنة وبين أن ألقى عبد الله بن محرر لاخترت أن ألقاه، ثم أدخل الجنة، فلما رأيته كانت بعرة أحب إلي منه.
قال: وسمعت الحسن بن عيسى يقول: قال لي ابن المبارك: إذا قدمت على جرير فاكتب علمه كله إلا حديث ثلاثة: لا تكتب حديث عبيدة بن معتب، والسري بن إسماعيل، ومحمد بن سالم.
قال: وحدثني محمد بن عبد الله قهزاذ، أخبرني علي بن حسين بن واقد، قال: قال عبد الله بن المبارك، قلت لسفيان الثوري: إن عباد بن كثير من تعرف حاله، فإذا حدث جاء بأمر عظيم، فترى أن أقول للناس: لا تأخذوا عنه؟ قال سفيان: بلى. قال عبد الله:فكنت إذا كنت في مجلس ذكر عباد أثنيت عليه في دينه، وأقول: لا تأخذوا عنه.
قال الترمذي رحمه الله:
أخبرني موسى بن حزام (ثنا) يزيد بن هارون، قال لا يحل لأحد أن يروي عن سليمان بن عمر النخعي الكوفي.
سليمان هذا هو أبو داود النخعي، وهو مشهور بالكذب، ووضع الحديث.
وقال أحمد: وكان كاذبا. سئل شريك عنه، فقال ذاك كذاب النخع.
وقال ابن معين: كان أكذب الناس.
وقال قتيبة: وهو معروف بالكذب. ونسبه إلى (الوضع) أحمد وإسحاق ويحيى وغيرهم.
قال ابن عدي: أجمعوا على (أنه يضع) الحديث.
قال الترمذي:
(ثنا) محمود بن غيلان، (ثنا) أبو يحيى الحماني سمعت أبا حنيفة يقول: ما رأيت أحدا أكذب من جابر، الجعفي، ولا أفضل من عطاء بن أبي رباح.
قال أبو عيسى: وسمعت الجارود يقول: سمعت وكيعا يقول: لولا جابر الجعفي لكان أهل الكوفة بغير حديث، ولولا حماد لكان أه الكوفة بغير فقه.
هذا يوجد في بعض النسخ، ولا يوجد في بعض.
وجابر الجعفي قد سبق ذكره مستوفى في أبواب الأذان.
وما ذكره وكيع غلو غير مقبول، فأين أبو إسحاق والأعمش ومنصور وغيرهم من أهل الثقة والصدق والأمانة؟ وأين إبراهيم وغيره من أهل الفقه والعلم؟ وإسقاط هذا الكتاب أولى مع أن الترمذي قد ذكره في غير هذا الموضع في كتابه أيضا.
قال أبو عيسى رحمه الله:
سمعت أحمد بن الحسن يقول: كنا عند أحمد بن حنبل فذكروا من تجب عليه الجمعة، فذكر فيه بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم فقلت: فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث؟
فقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلت: نعم، حدثنا حجاج بن نصير، (أنا) المعارك بن عباد، عن عبد الله بن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجمعة على من آواه الليل إلى أهله".
قال: فغضب أحمد، وقال: استغفر ربك، استغفر ربك مرتين.
قال أبو عيسى: وإنما فعل أحمد هذا لأنه لم يصدق هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم لضعف إسناده، ولأنه لا يعرفه عن النبي صلى الله عليه وسلم والحجاج بن نصير يضعف في الحديث، (وعبد الله بن) سعيد المقبري ضعفه يحيى بن سعيد القطان جدا في الحديث، فكل من روى عنه حديث، ممن يتهم أو يضعف لغفلته أو لكثرة خطئه، ولا يعرف ذلك الحديث إلا من حديثه فلا يحتج به.
هذه الحكاية عن أحمد بن الحسين عن أحمد بن حنبل قد ذكرها الترمذي أيضا في كتاب الجمعة. وسبق ذكر هذا الحديث هناك وبيان ضعفه،