المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول في المرسل عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء - شرح علل الترمذي - جـ ١

[ابن رجب الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌القسم الأول: مقدمة شرح علل الترمذي للدكتور همام عبد الرحيم سعيد

- ‌الباب الأول شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي

- ‌الفصل الأول مقدمة في العلة وميدانها وأشهر علماء العلل

- ‌المطلب الثاني العلة في اصطلاح المحدثين

- ‌المطلب الثاني أهميته واتساعه

- ‌المطلب الثالث أشهر علماء هذا الفن

- ‌الفصل الثاني في التعريف بأصل كتاب شرح علل الترمذي ومنهج ابن رجب فيه وأشهر

- ‌المبحث الأول التعريف بأصل الكتاب وصاحبه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول التعريف بكتاب العلل الصغير

- ‌المطلب الثاني التعريف بالإمام الترمذي (209 - 279ه

- ‌المبحث الثاني نظرة في مناهج كتب العلل المتقدمة

- ‌المبحث الثالث منهج ابن رجب في شرح علل الترمذي

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول "شرح علل الترمذي

- ‌المطلب الثاني القواعد والفوائد

- ‌المطلب الثالث ملاحظات عامة على منهج ابن رجب في الكتاب

- ‌المبحث الرابع دراسة أشهر مصادر ابن رجب في العلل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول العلل، لعلي بن المديني

- ‌المطلب الثاني التاريخ والعلل، ليحيى بن معين

- ‌علل أحاديث من التاريخ والعلل:

- ‌الجرح والتعديل في التاريخ والعلل:

- ‌اختلاف الأقوال في الجرح والتعديل عند يحيى:

- ‌المطلب الثالث علل الإمام أحمد بن حنبل

- ‌المطلب الرابع علل الترمذي الكبير

- ‌المطلب الخامس علل الحديث: لعبد الرحمن بن أبي حاتم (ت 327ه

- ‌المطلب السادس العلل الواردة في الأحاديث النبوية

- ‌الفصل الثالث دراسة حول علم العلل من خلال كتاب ابن رجب "شرح علل الترمذي

- ‌المبحث الأول في أسباب العلة من خلال كتاب ابن رجب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الثاني معرفة العلل والكشف عنها من خلال كتاب ابن رجب

- ‌المطلب الأول: معرفة العلة

- ‌المطلب الثاني وسائل الكشف عن العلة

- ‌المبحث الثالث في أنواع العلل من خلال كتاب ابن رجب

- ‌المطلب الأول علل الإسناد

- ‌إبطال السماع الصريح أو نفي السماع المتوهم بالعنعنة

- ‌ثانيا - علة موضوعها:

- ‌‌‌ قاعدة

- ‌ قاعدة

- ‌ثالثا - علة موضوعها:

- ‌رابعا - علة موضوعها:

- ‌خامسا - علة موضوعها:

- ‌قاعدة:

- ‌المطلب الثاني العلة في متن الحديث

- ‌قاعدة: في تضعيف حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه

- ‌المبحث الرابع الأشباه في العلل

- ‌تمهيد:

- ‌(قاعدة مهمة) :

- ‌الفصل الرابع دراسة لمباحث في مصطلح الحديث من كتاب شرح علل الترمذي

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول في المرسل عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء

- ‌المبحث الثاني في العنعنة عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء

- ‌دخول الوهم على الصيغ الصريحة يجعل التفتيش عن السماع في غير الصريحة أولى:

- ‌خلاصة رد ابن رجب على الإمام مسلم:

- ‌كلام ابن رجب في رده على مسلم:

- ‌كلام ابن رجب على الأسانيد التي وصفها والإمام مسلم بالصحة ولم يثبت اللقاء فيها:

- ‌المبحث الثالث في زيادة الثقة عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء

- ‌الباب الثاني: ترجمة ابن رجب عصره - حياته - جهوده في الحديث

- ‌الفصل الأول عصر ابن رجب

- ‌تمهيد:

- ‌تمهيد

- ‌(أ) الحالة السياسية

- ‌(ب) الحالة الاجتماعية

- ‌(ج) الحالة العلمية

- ‌الفصل الثاني حياة ابن رجب وشيوخه وتلاميذه وآثاره

- ‌المبحث الأول حياة ابن رجب

- ‌1 - اسمه ونسبه ولقبه وكنيته

- ‌ 2 - مولده

- ‌ 3 - أسرة ابن رجب

- ‌ 4 - نشأته ورحلته

- ‌ 5 - وفاته

- ‌ 6 - عقيدة ابن رجب

- ‌ 7 - تأثر ابن رجب بابن تيمية وبابن القيم ومخالفته لهما في بعض المسائل

- ‌ 8 - أخلاقه

- ‌ 9 - ثناء العلماء عليه

- ‌المبحث الثاني شيوخ ابن رجب الحنبلي

- ‌المطلب الأول شيوخ ابن رجب

- ‌المطلب الثاني ترجمة لأشهر شيوخ ابن رجب

- ‌المبحث الثالث تلاميذه وآثاره

- ‌المطلب الأول: تلاميذ ابن رجب

- ‌المطلب الثاني التعريف بأشهر تلاميذ ابن رجب

- ‌المطلب الثالث آثاره العلمية

- ‌الفصل الثالث جهود ابن رجب في الحديث رواية ودراية

- ‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول الرواية عند ابن رجب

- ‌المبحث الثاني دراية ابن رجب في الحديث

- ‌المطلب الأول شرح الترمذي لابن رجب

- ‌باب ما جاء في كراهة خاتم الذهب

- ‌طريق آخر:

- ‌‌‌طريق آخر:

- ‌طريق آخر:

- ‌‌‌‌‌‌‌طريق آخر:

- ‌‌‌‌‌طريق آخر:

- ‌‌‌طريق آخر:

- ‌طريق آخر:

- ‌المطلب الثاني شرح البخاري المسمى "فتح الباري" لابن رجب

- ‌نسخ الكتاب:

- ‌منهج ابن رجب في كتابه فتح الباري:

- ‌المطلب الثالث جامع العلوم والحكم

- ‌المطلب الرابع رسائل ابن رجب التي تضمنت شرح حديث واحد

- ‌الخاتمة في نتائج البحث

- ‌القسم الثاني التحقيق

- ‌وصف لنسخ كتاب "شرح علل الترمذي المخطوطة

- ‌رموز واصطلاحات التحقيق

- ‌الباب الأول" "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم وبع ثقتي وعليه توكلي

- ‌كتاب العلل

- ‌أسانيد أقوال الفقهاء عند الترمذي

- ‌كتاب العلل والرجال

- ‌أهمية علم العلل

- ‌كتاب الحديث والتصنيف فيه

- ‌أبو عيسى أول من تكلم على الصحيح والضعيف في جامعه، وأول من علل الأبواب

- ‌موقف الإمام أحمد من ذكر كلام الفقهاء مع الحديث، ورأي ابن رجب في ذلك

- ‌تدوين الكلام في العلل والتواريخ وأهميته

- ‌وجوب الكلام في الجرح والتعديل

- ‌الكلام في معبد الجهني

- ‌الكلام في طلق بن حبيب

- ‌الكلام في الحارث الأعور

- ‌ابن سيرين أول من انتقد الرجال وفتش عن الإسناد

- ‌بدء السؤال عن الإسناد

- ‌الرواية عن أهل الأهواء والبدع

- ‌من منع مطلقا

- ‌ومن قبل حديثهم

- ‌من فرق بين الداعية وغيره

- ‌حجة المانعين مطلقا

- ‌الرأي المختار

- ‌الإسناد وأهميته

- ‌جواز الرواية عن الضعفاء في الرقائق وضابط ذلك

- ‌المسألة الأولى: "رواية الثقة عن رجل هل ترفع جهالته ومتى ترتفع الجهالة

- ‌من روى عنه واحد ولكنه معروف

- ‌رأى ابن عبد البر فيما يرفع الجهالة

- ‌المسألة الثانية: الرواية عن الضعفاء أهل التهمة بالكذب (والغلط) والغفلة وكثرة الخطأ

- ‌التفريق بين الكتابة عن الضعفاء والرواية عنهم

- ‌المسألة الثالثة

- ‌أبان بن أبي عياش

- ‌أبو مقاتل السمرقندي

- ‌أهل الصدق غير الحفاظ

- ‌أقسام الرواة

- ‌رأي الجمهور جواز الرواية عن هؤلاء

- ‌من لا يحتج بحديث غير الحفاظ المتقنين

- ‌رأي ابن مهدي يوافق رأي الجمهور

- ‌محمد بن عمرو بن علقمة

- ‌عبد الرحمن بن حرملة

- ‌شريك بن عبد الله النخعي

- ‌أبو بكر بن عياش

- ‌الربيع بن صبيح ومبارك بن فضالة

- ‌محمد بن عجلان

- ‌محمد بن إسحاق بن يسار

- ‌حماد بن سلمة

- ‌ ابن أبي ليلى

- ‌مجاهد بن سعيد الهمذاني

- ‌عبد الله بن لهيعة

- ‌الرواية باللفظ والمعنى

- ‌أمثلة لرواية بالمعنى أحالت الحديث عن أصلة

- ‌جواز الرواية بالمعنى وأدلة ذلك من قال به

- ‌اتباع اللفظ ومن قال به

- ‌رأي في جواز النقص دون الزيادة

- ‌رأى ابن حبان اتباع اللفظ لمن ليس بفقيه

- ‌اعتراض على ابن حبان

- ‌الحفاظ المتقنون

- ‌أقسام الرواة

- ‌أخطاء الحفاظ

- ‌تراجم أعيان الحفاظ

- ‌15 - عبد الرحمن بن مهدي، ت 198

- ‌16 - وكيع بن الجراح مليح، ت 196

- ‌الأعلام الذين لم يترجم لهم الترمذي

- ‌17 - عبد الله بن المبارك

- ‌18 - الإمام أحمد بن حنبل، ت 241

- ‌19 - علي بن المديني، ت234

- ‌20 - يحيى بن معين، ت 233

- ‌21 - أبو زرعة، ت 264

- ‌22 - محمد بن إسماعيل البخاري

- ‌23 - عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ت 255

- ‌صيغ الأداء

- ‌أنواع التحمل

- ‌المسألة الأولى: مسألة العرض

- ‌من روى عنه الرخصة في العرض من التابعين

- ‌من كره العرض

- ‌الرواية عن الضرير والأمي إذا لم يحفظا

- ‌حكم التحديث من الكتاب إذا كان المحدث لا يحفظ ما فيه

- ‌المسألة الثانية: فيما يقول من عرض الحديث إذا حدث به

- ‌التفريق بين حدثني وحدثنا، وأخبرني وأخبرنا

- ‌المسألة الثالثة: الرواية بالمناوبة

- ‌قبول حديث أبي اليمان وتخريجه

- ‌المناولة بالكتابة

- ‌الشهادة على الكتاب المختوم

- ‌من فرق بين الرواية والشهادة

- ‌العمل بالوصية المختومة وعمل القاضي بكتاب القاضي

- ‌المسألة الرابعة: الرواية بالإجازة من غير مناولة

- ‌المرسل

- ‌الكلام ههنا في حكم الحديث المرسل

- ‌مرسل الزهري ومنزلته

- ‌مراسيل الحسن

- ‌القول الثاني في المسألة: الاحتجاج بالمرسل

- ‌مضمون كلام الشافعي

- ‌1" في نفس المرسل، وهي ثلاثة:

- ‌وأما مراسيل ابن المسيب

الفصل: ‌المبحث الأول في المرسل عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء

‌المبحث الأول في المرسل عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء

تعريف المرسل في الاصطلاح:

يطلق المرسل عند علماء المصطلح على قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما اختاره الحاكم في معرفة علوم الحديث، وسار عليه أبو عمرو بن الصلاح في مقدمته، تابعه على ذلك شراح المقدمة ومختصروها.

أما الخطيب البغدادي فقد أطلق المرسل على ما انقطع إسناده مطلقا، وعليه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان،والدارقطني وهو المشهور عند الفقهاء والأصوليين.

ص: 183

ورغم هذا الاختلاف الظاهر في الاصطلاح إلا أن الحقيقة المختلف عليها واحدة، وبيان ذلك: أن المرسل عند أهل المصطلح نوع خاص من المنقطع، وهو ما انقطع بعد التابعي، وقول الخطيب ومن سبقه أو لحقه عام في كل منقطع، يضاف إلى هذا أن المرسل الذي دار حوله الخلاف، بين التصحيح والتضعيف والقبول والرد، هو مرسل التابعي، وأما المنقطع دون التابعي فهذا لا جدال في ضعفه، وأهل الاصطلاح وغيرهم يقرون بضعفه.

ولما كانت صورة الخلاف الحقيقي هي مرسل التابعي كانت صور الانقطاع الأخرى محل نزاع لفظي لا نزاع حقيقي.

المرسل عند ابن رجب:

أما ابن رجب فإنه لم يتعرض لتعريف المرسل كما فعل سلفه وخلفه من أهل المصطلح، وإنما اكتفى بالأمثلة التطبيقية تحدد مفهومه عن المرسل، وفي شرح العلل له تبعا لأصله، صور من المرسل، هاك أمثلتها:

1 -

أن يقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يفعل سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء بن أبي رباح ويحيى بن أبي كثير. وهذا هو الأعم الأغلب في المرسلات.

2 -

أن يسقط التابعي راويا بينه وبين الصحابي: كرواية مجاهد عن علي، وبينهما ابن أبي ليلى. أو يقال: سعيد بن المسيب عن عمر حجة، رغم انه لم يسمع من عمر كثيرا، ولكنه أرسل عنه كثيرا.

3 -

أن يقول تابع التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كمالك مثلا، ومن في طبقته جاء في علل الترمذي قوله: قال علي: قلت ليحيى: فمرسلات مالك؟ قال: هي أحب إلي. ثم قال يحيى: ليس في القوم أحد أصح حديثا من مالك.

ص: 184

عرض الترمذي لمذاهب العلماء في المرسل / واعتراضات ابن رجب عليه:

المذهب الأول - تضعيف المراسيل:

وفي ذلك يقول الترمذي: "والحديث إذا كان مرسلا فإنه لا يصح عند أكثر أهل الحديث". ومن أهل الحديث الذين استدل الترمذي بقولهم الإمام الزهري الذي قال لإسحاق بن أبي فروة، وكان يرسل الحديث مالك - قاتلك الله - تجيئنا بأسانيد لا خطم لها ولا أزمة، فرأى الإمام الترمذي أن هذا دليل على تضعيف الزهري لمطلق المراسيل، وانه لا يحتج بها.

ولكن ابن رجب اعترض في الشرح على هذا الاستدلال، وقال: ليس هذا دليلا على رد الزهري للمراسيل عموما، وإنما هو تضعيف خاص لمراسيل ابن أبي فروة الذي عرف أن الإرسال عادة له، ويضاف هذا إلى ما كان عليه هذا الرجل من الضعف، إذ أن كتب الجرح طافحة بكلام العلماء في جرحه.

وأما بيان المحدثين الذين قالوا بتضعيف المرسل فلم يرد على لسان الترمذي، وإنما ذكر على سبيل الإجمال أن هذا مذهب أكثر أهل الحديث، ولقد ذكر الحاكم أبو عبد الله أسماء عدد من هؤلاء المحدثين. وفي هذا يقول ابن رجب: وحكاه الحاكم عن جماعة من أهل الحديث من فقهاء الحجاز وسمى منهم: سعيد بن المسيب، والزهري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، والشافعي وأحمد، فمن بعدهم من فقهاء المدينة.

وبعد إجمال الترمذي وبيان الحاكم قال ابن رجب: وفي حكايته عن أكثر من سماهم نظر، ولا يصح عن أحدهم الطعن في المراسيل عموما، ولكن في بعضها.

وهذا اعتراض وجيه من ابن رجب على الترمذي والحاكم، لأن لكل واحد من أهل الحديث كلاما طويلا في المراسيل، وهو كلام يدل على تفاوتها في الاحتجاج والرتبة، حتى يصل بعضها إلى منتهى درجات الضعف، فيقال:

ص: 185

مرسلات فلان رياح. وفي الوقت نفسه يقول نفس القائل ومرسلات فلان أحب إلي، أو يقول: ومرسلات فلان صحاح.

وكلام يحيى بن سعيد القطان الذي ذكره الترمذي يبين قدر التفاوت بين المرسلات. قال ابن رجب: وذكر الترمذي - أيضا - كلام يحيى بن سعيد القطان في أن بعض المرسلات أضعف من بعض. ومضمون ما ذكره عنه تضعيف مرسلات عطاء، وأبي إسحاق والأعمش، والتيمي، ويحيى بن أبي كثير والثوري، وابن عيينة، وأن مرسلات مجاهد، وطاوس، وسعيد بن المسيب، ومالك أحب إليه منها.

ضابط التفاوت بين المراسيل:

وهذا التفاوت الكبير بين المراسيل يحتاج إلى ضابط يحكم هذه المرسلات ويحدد قيمتها العلمية، وهذا ما استدركه ابن رجب على الترمذي عندما عرض آراء يحيى بن سعيد القطان الكثيرة، فقال ابن رجب:

وكلام يحيى بن سعيد في تفاوت مراتب المرسلات بعضها على بعض يدور على أربعة أسباب:

أحدهما: أن من عرف بروايته عن الضعفاء ضعف مرسله بخلاف غيره.

الثاني: أن من عرف له إسناد صحيح إلى من أرسل عنه فإرساله خير ممن لم يعرف له ذلك. وهذا معنى قوله: مجاهد، عن علي ليس به بأس، قد أسند عن ابن أبي ليلى عن علي.

الثالث: إن من قوي حفظه يحفظ كل ما يسمعه، ويثبت في قلبه، ويكون فيه ما لا يجوز الاعتماد عليه، بخلاف من لم يكن له قوة الحفظ ولهذا كان سفيان إذا مر بأحد يتغنى يسد أذنيه حتى لا يدخل إلى قلبه ما يسمعه منه، فيقر فيه، وقد أنكر مرة يحيى بن معين على علي بن عاصم حديثا، وقال: ليس هو من

ص: 186

حديثك إنما ذوكرت به فوقع في قلبك، فظننت أنك سمعته ولم تسمعه، وليس هو من حديثك.

الرابع: إن الحافظ إذا روى عن ثقة لا يكاد يترك اسمه، بل يسميه، فإذا ترك اسم الراوي دل إبهامه على أنه غير مرضي، وقد كان يفعل ذلك الثوري وغيره، يكتبون عن الضعيف ولا يسمعونه، بل يقولون، عن رجل وهذا معنى قول القطان: لو كان فيه إسناد صاح به، يعني: لو كان أخذه عن ثقة لسماه.

وبناء على هذه الضوابط التي قعدها ابن رجب نحكم على مرسلات الزهرى والشعبي بالضعف، كما نحكم على مرسلات كل من عرفنا له رواية عن الضعفاء. ولا يفوتني هنا أن أنوه بعقلية ابن رجب العلمية القادرة على جمع نثار المتفرقات ضمن قواعد وضوابط.

ورغم هذا التفاوت في المراسيل، ورغم الضوابط التي وضعها ابن رجب لكلام يحيى القطان إلا أن المراسيل تبقى في دائرة الضعيف، وقد ذكر ابن رجب كلاما لابن المبارك، وابن سيرين، وأبي حاتم، وأبي زرعة والدارقطني، يشهد بضعف المراسيل.

المذهب الثاني - الاحتجاج بالمرسل:

قال ابن رجب، وحكاه الترمذي عن بعض أهل العلم، وذكر كلام النخعي أنه كان إذا أرسل فقد حدثه به غير واحد.

قال ابن رجب: "وقد استدل كثير من الفقهاء بالمرسل، وهو الذي ذكره أصحابنا أنه الصحيح عن الإمام أحمد، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وأصحاب مالك وحكى الاحتجاج بالمرسل عن أهل الكوفة وعن أهل العراق جملة، وحكاه الحاكم عن إبراهيم النخعي، وحماد بن أبي سليمان وأبي حنيفة".

ص: 187

رأي ابن رجب في الاحتجاج بالمرسل:

بعد أن ذكر ابن رجب هذين المذهبين حاول التوفيق بينهما فقال: "واعلم انه لا تنافي بين كلام الحفاظ وكلام الفقهاء في هذا الباب، فإن الحفاظ إنما يريدون صحة الحديث المعين إذا كان مرسلا، وهو ليس بصحيح على طريقتهم، لانقطاعه وعدم اتصال إسناده.

وأما الفقهاء فمرادهم صحة ذلك المعنى الذي دل عليه الحديث فإذا عضد ذلك المرسل قرائن تدل على أنه له أصلا قوي الظن بصحة ما دل عليه فاحتج به مع ما احتف به من القرائن.

قال ابن رجب: "وهذا هو التحقيق في الاحتجاج بالمرسل عند الأئمة، كالشافعي وأحمد وغيرهما مع أن في كلام الشافعي ما يقتضي صحة المرسل حينئذ".

القول الثالث في المرسل:

وهو تصحيح المرسل بشروط: وهذا ما عليه الشافعي - رحمه الله تعالى - ولقد عرض ابن رجب مضمون كلام الشافعي عرضا غير مسبوق إليه - فيما أعلم - فقال بعد أن ساق كلامه في الرسالة: وهو كلام حسن جدا، ومضمونه: إن الحديث المرسل يكون صحيحا ويقبل بشروط منها.

1 -

في نفس المرسل، وهي ثلاثة:

أحدهما: أن لا يعرف له رواية عن غير مقبول الرواية.

ثانيهما: أن لا يكون ممن يخالف الحفاظ إذا أسند الحديث فيما أسندوه.

ثالثهما: أن يكون من كبار التابعين فإنهم لا يروون غالبا إلا عن صحابي، أو تابعي كبير.

ص: 188

2 -

وأما الخبر الذي يرسله:

فيشترط لصحة مخرجه وقبوله أن يعضده ما يدل على صحته، وأن له أصلا والعاضد له أشياء.

أحدهما: وهو أقوها، أن يسنده الحفاظ المأمونون، من وجه آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى ذلك المرسل، فيكون ذلك دليلا على صحة المرسل، وأن الذي أرسل عنه ثقة".

وقد تنبه ابن رجب إلى ظاهر كلام الشافعي: "فيكون ذلك دليلا على صحة المرسل"، فرد قول من زعم أن العمل يكون عند الاعتضاد بالمسند، لا بالمرسل وذلك لتصريح الشافعي رحمه الله بكون المسند دليلا على صحة المرسل.

اعتراض ابن رجب على أبي العباس بن سريج:

ذكر ابن رجب أن أبا العباس بن سريج يرى أن مراد الشافعي أن المرسل للحديث ينظر في مراسيله هل توافق ما أسنده الحفاظ المأمونون، فإن وجد ذلك كذلك فإن أي مرسل له بعد ذلك يقبل وإن لم يسنده الحفاظ.

واعتراض ابن رجب على ابن سريج من وجهين:

الوجه الأول: أنه مخالف لما فهم من كلام الشافعي وان العبرة في البحث عن عاضد لكل مرسل على حدة.

الوجه الثاني: أن هذا الكلام قد يؤدي إلى خلاف المطلوب وذلك إذا وجدنا أن المرسلات الأولى، التي بحثنا عن عاضد لها، ليس لها ما يؤيدها، فنحكم على بقية مرسلاته بالضعف، وتكون النتيجة عكس ذلك إذا عثرنا على ما يعضد هذه المرسلات أولا، فنمد الأمر إلى باقي المرسلات ونحكم لها بالصحة.

والثاني: أن يوجد مرسل آخر موافق له عن عالم يروي عن غير من يروي

ص: 189

عنه المرسل الأول، فيكون ذلك دليلا على تعدد مخرجه، وهذا الثاني أضعف من الأول.

والثالث: أن لا يوجد شيء مرفوع يوفقه، لا مسند ولا مرسل، لكن يوجد ما يوافقه من كلام بعض الصحابة فيستدل به على أن للمرسل أصلا صحيحا أيضا، لأن الظاهر أن الصحابي إنما أخذ قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والرابع: أن لا يوجد للمرسل ما يوافقه، لا مسند، ولا مرسل، ولا قول صحابي، لكنه يوجد عامة أهل العلم على القول به، فإنه يدل على أن له أصلا.

المرسل المعتضد بالقرائن دون المتصل الصحيح:

وبالرغم من صحة المرسل إذا وجدت معه بعض هذه القرائن، إلا أن الشافعي رحمه الله لا يجعله في منزله المتصل، وذلك لورود بعض الاحتمالات عليه كأن يكون أصل المرسل ضعيفا، ولو وجد حديث صحيح بمعناه، وإن عضده مرسل فيحتمل أن يكون أصلهما واحد

وهكذا.

موقف الشافعي من مراسيل ابن المسيب:

ظاهر كلام الشافعي انه يقبل مراسيل ابن المسيب جميعها، ونجد هذا في قوله: لا نحفظ لابن المسيب منقطعا إلا وجدنا ما يدل على تسديده، وكلام الشافعي رحمه الله ليس على إطلاقه إذ أنه يقول بمرسل ابن المسيب إذا احتفت به القرائن التي سبق ذكرها واشتراطها لقبول المرسل، ولذلك فإن الشافعي لم يقبل مرسل ابن المسيب في زكاة الفطر "مدين من حنطه" ولا بمرسله في التولية في الطعام ولا بمرسله في دية المعاهد، ولا بمرسله "من ضرب أباه فاقتلوه". وبذلك يكون كلام الشافعي محمولا على المراسيل المؤيدة بالقرائن أو التي لا معارض لها.

ص: 190

موقف الشافعي من مراسيل غير ابن المسيب:

ولا يقتصر الشافعي على تصحيح مرسل ابن المسيب إذا احتفت به القرائن بل يحكم كذلك بصحة غيره من مراسيل كبار التابعين إذا وجدت الشروط المطلوبة. وقد نقل ابن رجب كلاما للبيهقي في هذا "أنكر فيه البيهقي على أبي محمد الجويني قوله: لا تقوم الحجة بسوى مرسل ابن المسيب، وأنكر البيهقي صحة ذلك عن الشافعي، قال ابن رجب، وكأنه لم يطلع على رواية الربيع عنه التي قدمنا ذكرها.

ورواية الربيع عنه قوله في الرهن الصغير: كيف قبلتم عن ابن المسيب منقطعا ولم تقبلوه عن غيره؟ قال: لا نحفظ لابن المسيب منقطعا إلا وجدنا ما يدل على تسديده ولا أثر عن أحد عرفناه عنه إلا عن ثقة معروف، فمن كان مثل حاله قبلنا منقطعه".

وفي رواية الربيع هذه لا يعتد الشافعي بمرسل ابن المسيب فقط، بل يؤكد على قبول مرسل من كانت حاله كحال ابن المسيب، وهذا يجعل قول الجويني مردودا قال البيهقي: وليس الحسن، وابن سيرين، بدون كثير من التابعين وإن كان بعضهم أقوى مرسلا منهما، أو من أحدهما، وقد قال الشافعي بمرسل الحسن حين اقترن به ما يعضده في مواضع منها:"النكاح بلا ولي"، وفي "النهي عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان"، وقال بمرسل طاوس، وعروة، وأبي أمامة بن سهل، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار، وغيرهم من كبار التابعين، حين اقترن به ما أكده.

وبهذا يكون المرسل عند الشافعي قسمين:

1 -

صحيح محتج به، وهو مراسيل كبار التابعين بشرائط مخصوصة، ومرسل ابن المسيب وغيره في ذلك سواء.

ص: 191

2 -

ضعيف غير محتج به: وهو كل مرسل فقد الشرائط المذكورة، ومرسل ابن المسيب وغيره في ذلك سواء.

اتفاق الإمام أحمد مع الشافعي في هذا المذهب:

الشائع والمعروف عند أهل المصطلح أن الشافعي انفرد بهذا المذهب في المراسيل، ولكن ابن رجب يثبت في شرح الترمذي أن الإمام أحمد يشارك الشافعي في هذا، فنجده يقول:

"وهذا المعنى الذي ذكره الشافعي من تقسيم المراسيل إلى صحيح محتج به، وغير محتج به، يؤخذ من كلام غيره من العلماء، كما تقدم عن أحمد وغيره تقسيم المراسيل إلى صحيح وضعف، ولم يصحح أحمد المرسل مطلقا، ولا ضعفه مطلقا، وإنما ضعف مرسل من يأخذ عن غير ثقة، كما قال في مراسيل الحسن وعطاء، وهي أضعف المراسيل، لأنهما يأخذان عن كل أحد. وقال أيضا: لا تعجبني مراسيل يحيى بن أبي كثير لأنه يروي عن رجال ضعاف صغار. وقال مهنا: قلت لأحمد: لم كرهت مرسلات الأعمش؟ وقال: كان الأعمش لا يبالي عمن حدث".

"قال أبو طالب: قلت لأحمد: سعيد بن المسيب عن عمر حجة؟ قال: هو عندنا حجة، قد رأى عمر، وسمع منه".

الأصل الذي بنى عليه الإمام أحمد احتجاجه بالمرسل:

عرفنا ان الأصل الذي بنى عليه الشافعي احتجاجه بالمرسل هو إلحاق المرسل بالصحيح إذا احتفت به القرائن. أما الإمام أحمد فقد بنى احتجاجه بالمراسيل على قاعدة معروفة عنه وهي:

العمل بالحديث الضعيف ما لم يرد خلافه:

قال الأثرم: كان أبو عبد الله ربما كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 192

وفي إسناده شيء، فيأخذ به إذا لم يجئ خلافه أثبت منه مثل حديث عمرو بن شعيب، وإبراهيم الهجري، وربما أخذ بالحديث المرسل إذا لم يجئ خلافه.

وقال أحمد في رواية مهنا، في حديث معمر عن سالم، عن ابن عمر:"إن غيلان أسلم وعنده عشر نسوة". قال أحمد: ليس بصحيح والعمل عليه، ويعني أن الحديث لم يصح، مع أن العمل عليه، بأن يطلق ما عدا أربع نسوة.

وكلام أحمد هذا ينطبق على المرسل الذي احتفت به القرائن، قال الإمام أحمد في حديث عراك، عن عائشة، تروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:"حولوا مقعدتي إلى القبلة" هو أحسن ما روي في الرخصة وإن كان مرسلا فإن مخرجه حسن، ويعنى بإرساله أن عراكا لم يسمع من عائشة، وقال: إنما يروى عن عروة عن عائشة. فلعله حسنه لأن عراكا قد عرف أنه يروي حديث عائشة، عن عروة عنها.

قال ابن رجب:

"وظاهر كلام أحمد أن المرسل عنده من نوع الضعيف، ولكنه يأخذ بالحديث إذا كان فيه ضعف، ما لم يجئ عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه خلافه".

ص: 193