المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني في العنعنة عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء - شرح علل الترمذي - جـ ١

[ابن رجب الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌القسم الأول: مقدمة شرح علل الترمذي للدكتور همام عبد الرحيم سعيد

- ‌الباب الأول شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي

- ‌الفصل الأول مقدمة في العلة وميدانها وأشهر علماء العلل

- ‌المطلب الثاني العلة في اصطلاح المحدثين

- ‌المطلب الثاني أهميته واتساعه

- ‌المطلب الثالث أشهر علماء هذا الفن

- ‌الفصل الثاني في التعريف بأصل كتاب شرح علل الترمذي ومنهج ابن رجب فيه وأشهر

- ‌المبحث الأول التعريف بأصل الكتاب وصاحبه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول التعريف بكتاب العلل الصغير

- ‌المطلب الثاني التعريف بالإمام الترمذي (209 - 279ه

- ‌المبحث الثاني نظرة في مناهج كتب العلل المتقدمة

- ‌المبحث الثالث منهج ابن رجب في شرح علل الترمذي

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول "شرح علل الترمذي

- ‌المطلب الثاني القواعد والفوائد

- ‌المطلب الثالث ملاحظات عامة على منهج ابن رجب في الكتاب

- ‌المبحث الرابع دراسة أشهر مصادر ابن رجب في العلل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول العلل، لعلي بن المديني

- ‌المطلب الثاني التاريخ والعلل، ليحيى بن معين

- ‌علل أحاديث من التاريخ والعلل:

- ‌الجرح والتعديل في التاريخ والعلل:

- ‌اختلاف الأقوال في الجرح والتعديل عند يحيى:

- ‌المطلب الثالث علل الإمام أحمد بن حنبل

- ‌المطلب الرابع علل الترمذي الكبير

- ‌المطلب الخامس علل الحديث: لعبد الرحمن بن أبي حاتم (ت 327ه

- ‌المطلب السادس العلل الواردة في الأحاديث النبوية

- ‌الفصل الثالث دراسة حول علم العلل من خلال كتاب ابن رجب "شرح علل الترمذي

- ‌المبحث الأول في أسباب العلة من خلال كتاب ابن رجب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الثاني معرفة العلل والكشف عنها من خلال كتاب ابن رجب

- ‌المطلب الأول: معرفة العلة

- ‌المطلب الثاني وسائل الكشف عن العلة

- ‌المبحث الثالث في أنواع العلل من خلال كتاب ابن رجب

- ‌المطلب الأول علل الإسناد

- ‌إبطال السماع الصريح أو نفي السماع المتوهم بالعنعنة

- ‌ثانيا - علة موضوعها:

- ‌‌‌ قاعدة

- ‌ قاعدة

- ‌ثالثا - علة موضوعها:

- ‌رابعا - علة موضوعها:

- ‌خامسا - علة موضوعها:

- ‌قاعدة:

- ‌المطلب الثاني العلة في متن الحديث

- ‌قاعدة: في تضعيف حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه

- ‌المبحث الرابع الأشباه في العلل

- ‌تمهيد:

- ‌(قاعدة مهمة) :

- ‌الفصل الرابع دراسة لمباحث في مصطلح الحديث من كتاب شرح علل الترمذي

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول في المرسل عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء

- ‌المبحث الثاني في العنعنة عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء

- ‌دخول الوهم على الصيغ الصريحة يجعل التفتيش عن السماع في غير الصريحة أولى:

- ‌خلاصة رد ابن رجب على الإمام مسلم:

- ‌كلام ابن رجب في رده على مسلم:

- ‌كلام ابن رجب على الأسانيد التي وصفها والإمام مسلم بالصحة ولم يثبت اللقاء فيها:

- ‌المبحث الثالث في زيادة الثقة عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء

- ‌الباب الثاني: ترجمة ابن رجب عصره - حياته - جهوده في الحديث

- ‌الفصل الأول عصر ابن رجب

- ‌تمهيد:

- ‌تمهيد

- ‌(أ) الحالة السياسية

- ‌(ب) الحالة الاجتماعية

- ‌(ج) الحالة العلمية

- ‌الفصل الثاني حياة ابن رجب وشيوخه وتلاميذه وآثاره

- ‌المبحث الأول حياة ابن رجب

- ‌1 - اسمه ونسبه ولقبه وكنيته

- ‌ 2 - مولده

- ‌ 3 - أسرة ابن رجب

- ‌ 4 - نشأته ورحلته

- ‌ 5 - وفاته

- ‌ 6 - عقيدة ابن رجب

- ‌ 7 - تأثر ابن رجب بابن تيمية وبابن القيم ومخالفته لهما في بعض المسائل

- ‌ 8 - أخلاقه

- ‌ 9 - ثناء العلماء عليه

- ‌المبحث الثاني شيوخ ابن رجب الحنبلي

- ‌المطلب الأول شيوخ ابن رجب

- ‌المطلب الثاني ترجمة لأشهر شيوخ ابن رجب

- ‌المبحث الثالث تلاميذه وآثاره

- ‌المطلب الأول: تلاميذ ابن رجب

- ‌المطلب الثاني التعريف بأشهر تلاميذ ابن رجب

- ‌المطلب الثالث آثاره العلمية

- ‌الفصل الثالث جهود ابن رجب في الحديث رواية ودراية

- ‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول الرواية عند ابن رجب

- ‌المبحث الثاني دراية ابن رجب في الحديث

- ‌المطلب الأول شرح الترمذي لابن رجب

- ‌باب ما جاء في كراهة خاتم الذهب

- ‌طريق آخر:

- ‌‌‌طريق آخر:

- ‌طريق آخر:

- ‌‌‌‌‌‌‌طريق آخر:

- ‌‌‌‌‌طريق آخر:

- ‌‌‌طريق آخر:

- ‌طريق آخر:

- ‌المطلب الثاني شرح البخاري المسمى "فتح الباري" لابن رجب

- ‌نسخ الكتاب:

- ‌منهج ابن رجب في كتابه فتح الباري:

- ‌المطلب الثالث جامع العلوم والحكم

- ‌المطلب الرابع رسائل ابن رجب التي تضمنت شرح حديث واحد

- ‌الخاتمة في نتائج البحث

- ‌القسم الثاني التحقيق

- ‌وصف لنسخ كتاب "شرح علل الترمذي المخطوطة

- ‌رموز واصطلاحات التحقيق

- ‌الباب الأول" "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم وبع ثقتي وعليه توكلي

- ‌كتاب العلل

- ‌أسانيد أقوال الفقهاء عند الترمذي

- ‌كتاب العلل والرجال

- ‌أهمية علم العلل

- ‌كتاب الحديث والتصنيف فيه

- ‌أبو عيسى أول من تكلم على الصحيح والضعيف في جامعه، وأول من علل الأبواب

- ‌موقف الإمام أحمد من ذكر كلام الفقهاء مع الحديث، ورأي ابن رجب في ذلك

- ‌تدوين الكلام في العلل والتواريخ وأهميته

- ‌وجوب الكلام في الجرح والتعديل

- ‌الكلام في معبد الجهني

- ‌الكلام في طلق بن حبيب

- ‌الكلام في الحارث الأعور

- ‌ابن سيرين أول من انتقد الرجال وفتش عن الإسناد

- ‌بدء السؤال عن الإسناد

- ‌الرواية عن أهل الأهواء والبدع

- ‌من منع مطلقا

- ‌ومن قبل حديثهم

- ‌من فرق بين الداعية وغيره

- ‌حجة المانعين مطلقا

- ‌الرأي المختار

- ‌الإسناد وأهميته

- ‌جواز الرواية عن الضعفاء في الرقائق وضابط ذلك

- ‌المسألة الأولى: "رواية الثقة عن رجل هل ترفع جهالته ومتى ترتفع الجهالة

- ‌من روى عنه واحد ولكنه معروف

- ‌رأى ابن عبد البر فيما يرفع الجهالة

- ‌المسألة الثانية: الرواية عن الضعفاء أهل التهمة بالكذب (والغلط) والغفلة وكثرة الخطأ

- ‌التفريق بين الكتابة عن الضعفاء والرواية عنهم

- ‌المسألة الثالثة

- ‌أبان بن أبي عياش

- ‌أبو مقاتل السمرقندي

- ‌أهل الصدق غير الحفاظ

- ‌أقسام الرواة

- ‌رأي الجمهور جواز الرواية عن هؤلاء

- ‌من لا يحتج بحديث غير الحفاظ المتقنين

- ‌رأي ابن مهدي يوافق رأي الجمهور

- ‌محمد بن عمرو بن علقمة

- ‌عبد الرحمن بن حرملة

- ‌شريك بن عبد الله النخعي

- ‌أبو بكر بن عياش

- ‌الربيع بن صبيح ومبارك بن فضالة

- ‌محمد بن عجلان

- ‌محمد بن إسحاق بن يسار

- ‌حماد بن سلمة

- ‌ ابن أبي ليلى

- ‌مجاهد بن سعيد الهمذاني

- ‌عبد الله بن لهيعة

- ‌الرواية باللفظ والمعنى

- ‌أمثلة لرواية بالمعنى أحالت الحديث عن أصلة

- ‌جواز الرواية بالمعنى وأدلة ذلك من قال به

- ‌اتباع اللفظ ومن قال به

- ‌رأي في جواز النقص دون الزيادة

- ‌رأى ابن حبان اتباع اللفظ لمن ليس بفقيه

- ‌اعتراض على ابن حبان

- ‌الحفاظ المتقنون

- ‌أقسام الرواة

- ‌أخطاء الحفاظ

- ‌تراجم أعيان الحفاظ

- ‌15 - عبد الرحمن بن مهدي، ت 198

- ‌16 - وكيع بن الجراح مليح، ت 196

- ‌الأعلام الذين لم يترجم لهم الترمذي

- ‌17 - عبد الله بن المبارك

- ‌18 - الإمام أحمد بن حنبل، ت 241

- ‌19 - علي بن المديني، ت234

- ‌20 - يحيى بن معين، ت 233

- ‌21 - أبو زرعة، ت 264

- ‌22 - محمد بن إسماعيل البخاري

- ‌23 - عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ت 255

- ‌صيغ الأداء

- ‌أنواع التحمل

- ‌المسألة الأولى: مسألة العرض

- ‌من روى عنه الرخصة في العرض من التابعين

- ‌من كره العرض

- ‌الرواية عن الضرير والأمي إذا لم يحفظا

- ‌حكم التحديث من الكتاب إذا كان المحدث لا يحفظ ما فيه

- ‌المسألة الثانية: فيما يقول من عرض الحديث إذا حدث به

- ‌التفريق بين حدثني وحدثنا، وأخبرني وأخبرنا

- ‌المسألة الثالثة: الرواية بالمناوبة

- ‌قبول حديث أبي اليمان وتخريجه

- ‌المناولة بالكتابة

- ‌الشهادة على الكتاب المختوم

- ‌من فرق بين الرواية والشهادة

- ‌العمل بالوصية المختومة وعمل القاضي بكتاب القاضي

- ‌المسألة الرابعة: الرواية بالإجازة من غير مناولة

- ‌المرسل

- ‌الكلام ههنا في حكم الحديث المرسل

- ‌مرسل الزهري ومنزلته

- ‌مراسيل الحسن

- ‌القول الثاني في المسألة: الاحتجاج بالمرسل

- ‌مضمون كلام الشافعي

- ‌1" في نفس المرسل، وهي ثلاثة:

- ‌وأما مراسيل ابن المسيب

الفصل: ‌المبحث الثاني في العنعنة عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء

‌المبحث الثاني في العنعنة عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء

العنعنة في اصطلاح المحدثين:

العنعنة من عنعن الحديث إذا رواه بـ (عن) من غير بيان التحديث، أو الإخبار، أو السماع، ويلحق بالمعنعن المؤنن، وهو ما روى بـ (أن) من غير بيان التحديث، أو الأخبار، أو السماع كذلك.

ولقد أولت كتب المصطلح هذه الصيغة قدرا من الاهتمام، ودار جدل كثير حولها، وذلك إنما يرجع إلى أنها تحتمل الاتصال، كما تحتمل الانقطاع. وقد اتخذ منها المدلسون وسيلة يتوصلون بها إلى مرادهم، يضاف إلى هذا كثرة الإرسال في الأسانيد المعنعنة.

وأمام هذه المشكلة من مشاكل الاصطلاح تباينت أنظار العلماء، فرأى الإمام مسلم في مقدمة صحيحه أن المعاصرة والبراءة من التدليس شرطان لا بد من توفرهما لرفع احتمال الانقطاع، وأما البخاري وشيخه علي بن المديني فإنهما يشترطان ثبوت اللقاء، وهو مقتضى كلام الشافعي. وروي عن أبي المظفر بن السمعاني أنه اشترط طول الصحبة بين المعنعن الذي فوقه، وأما أبو عمرو الداني

ص: 195

فيشترط أن يكون الراوي معروفا بالرواية عن المعنعن، واشترط أبو الحسن القابسي إدراك الناقل للمنقول عنه إدراكا بينا.

وما يهمنا من هذه الآراء اثنان: رأي البخاري وابن المديني، ورأي الإمام مسلم الذي حرره في مقدمة الصحيح.

أما رأي البخاري فيتلخص باشتراط ثبوت اللقاء بين الراوي وشيخه، وهذا الرأي استقرأه العلماء من خلال النظر في كتاب البخاري، ورأى بعضهم أن هذا الشرط شرط صحة، لا يصح الحديث إلا به، وهو مقتضى كلام الإمام مسلم في مقدمته ومنهم من يرى أن هذا الشرط هو شرط كتاب، لم يلتزمه البخاري في الأحاديث التي صححها خارج كتابه.

وأما رأي مسلم فيتلخص باشتراط المعاصرة، وهي تساوي إمكان اللقاء، ويضاف إليها البراءة من التدليس.

وفيما يلي عرض لرأي الإمام مسلم، ثم عرض لرأي ابن رجب في هذه المسألة واعتراضه على الإمام مسلم. ثم نورد في ختام هذا البحث ما نرجحه ونراه أقرب وأوفق - إن شاء الله -.

عرض لرأي الإمام مسلم رحمه الله:

"قال الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحة: وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام على الحكاية عن قوله، والإخبار عن سوء رويته، أن كل إسناد لحديث فيه: فلان عن فلان، وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد، وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به، غير أنه لا نعلم له منه سماعا ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط، أو تشافها بحديث، أن الحجة لا تقوم عنده بكل خبر جاء هذا المجيء، حتى يكون عنده العلم بأنهما قد اجتمعا من دهرهما مرة فصاعدا،

ص: 196

أو تشافها بالحديث بينهما، أو يرد خبر فيه بيان اجتماعهما، وتلاقيهما مرة من دهرهما، فما فوقها، فإن لم يكن عنده علم ذلك، ولم تأت رواية صحيحة تخبر أن هذا الراوي عن صاحبه قد لقيه مرة، وسمع منه شيئا، ولم يكن في نقله الخبر عمن روى عنه ذلك حجة، وكان الخبر عنده موقوفا حتى يرد عليه سماعه منه لشيء من الحديث قل أو كثر.

وهذا القول، في الطعن في الأسانيد، قول مخترع مستحدث، غير مسبوق صاحبه إليه، ولا مساعد له من أهل العلم عليه، وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديما وحديثا، أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثا، وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه، لكونهما جميعا كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا، ولا تشافها بكلام فالرواية ثابتة، والحجة بها لازمة، إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئا، فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا، فالرواية على السماع أبدا حتى تكون الدلالة التي بينا.

فيقال لمخترع هذا القول الذي وصفنا مقالته، قد أعطيت في جملة قولك أن خبر الواحد الثقة عن الواحد الثقة حجة، يلزم به العمل، ثم أدخلت فيه الشرط بعد، فقلت حتى نعلم أنهما كانا التقيا مرة فصاعدا، أو سمع منه شيئا، فهل تجد هذا الشرط الذي اشترطته عن أحد يلزم قوله؟ وإلا فهلم دليلا على ما زعمت".

ويطيل الإمام مسلم في عرض هذا الموضوع، ويضيف إلى ما ذكر أمورا منها:

1 -

إن التفتيش عن سماع كل راو عمن روى لم يعرف عن السلف فقال مسلم: "فإن ادعى قول أحد من علماء السلف طولب به ولن يجد هو ولا غيره إلى إيجاده سبيلا".

ص: 197

2 -

ويجيب الإمام مسلم على قول من يرى أن احتمال الإرسال قائم في صيغة العنعنة، ولذلك اشترط التفتيش عن اللقاء أو السماع، ولو مرة واحدة، فيقول:

"فإن كانت العلة في تضعيفك الخبر وتركك الاحتجاج به إمكان الإرسال فيه لزمك أن لا تثبت إسنادا معنعنا حتى ترى فيه السماع من أوله إلى آخره وذلك أن الحديث الوارد علينا بإسناد هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، فبيقين نعلم أن هشاما قد سمع من أبيه، وأن أباه قد سمع من عائشة، كما نعلم أن عائشة قد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم وقد يجوز إذا لم يقل هشام في رواية يرويها عن أبيه: سمعت أو أخبرني، أن يكون بينه وبين أبيه في تلك الرواية إنسان آخر، أخبره بها عن أبيه، ولم يسمعها هو من أبيه، لما أحب أن يرويها مرسلا، ولا يسندها إلى من سمعها منه.

وكما يمكن ذلك في هشام عن أبيه فهو أيضا ممكن في أبيه عن عائشة - رضي الله عن ها - ".

3 -

ويذكر الإمام مسلم لتأييد مذهبه طائفة من الأسانيد التي حكم عليها بالصحة مع أن رواتها لم يثبت لهم لقاء بشيوخهم، ولا سماع منهم، فقال:

(فمن ذلك أن عبد الله بن يزيد الأنصاري، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى عن حذيفة وأبي مسعود الأنصاري، عن كل واحد منهما حديثا يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليس في روايته عنهما ذكر السماع منهما، ولا حفظنا في شيء من الروايات أن عبد الله بن يزيد شافه حذيفة وأبا مسعود بحديث قط، ولا وجدنا ذكر رؤيته إياهما في رواية بعينها، ولم نسمع من أحد من أهل العلم ممن مضى، ولا ممن أدركنا أنه طعن في هذين الخبرين. ولو ذهبنا نعدد

ص: 198

الأخبار الصحاح عند أهل العلم، ممن يهن بزعم هذا القائل، ونحصيها لعجزنا عن تقصي ذكرها".

ابن رجب يعارض مسلما، وينتصر للرأي المنسوب للبخاري:

وقف الإمام ابن رجب موقف المعارض للإمام مسلم، وساق كلاما طويلا في هذه المسألة ينصر به الرأي المنسوب للإمام البخاري، وفي ذلك يقول:

"وما قاله ابن المديني والبخاري هو مقتضى كلام أحمد، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وغيرهم من أعيان الحفاظ، بل كلامهم يدل على اشتراط ثبوت السماع، فإنهم قالوا في جماعة من الأعيان ثبتت لهم الرواية عن بعض الصحابة، وقالوا مع ذلك لم يثبت لهم السماع منهم فرواياتهم عنهم مرسلة. منهم الأعمش، ويحيى بن أبي كثير، وأيوب، وابن عون، وقرة بن خالد، رأوا أنسا، ولم يسمعوا منه، فرواياتهم عنه مرسلة، كذا قاله أبو حاتم، وقاله أبو زرعة في يحيى بن أبي كثير. وقال أحمد في يحيى بن أبي كثير: رأى أنسا، فلا أدري سمع منه أم لا؟ ولم يجعلوا روايته عنه متصلة لمجرد الرواية. والرواية أبلغ من إمكان اللقى، وكذلك كثير من صبيان الصحابة رأوا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصح لهم سماع فرواياتهم عنه مرسلة، كطارق بن شهاب وغيره، وكذلك من علم منه أنه مع اللقاء لم يسمع ممن لقيه إلا شيئا يسيرا، فرواياته عنه زيادة على ذلك مرسلة، كرواية ابن المسيب عن عمر - رضي الله عن هـ - فإن الأكثرين نفوا سماعه منه.

وقال أبو حاتم: الزهري لا يصح سماعه من ابن عمر، رآه ولم يسمع منه، ورأى عبد الله بن جعفر، ولم يسمع منه، وأثبت أيضا دخول مكحول على واثلة بن الأسقع ورؤيته له ومشافهته، وأنكر سماعه منه.

وقال أحمد: أبان بن عثمان لم يسمع من أبيه، من أين سمع منه؟ ومراده من أين صحت الرواية بسماعه منه، وإلا فإن إمكان ذلك واحتماله غير مستبعد".

ص: 199

ويواصل ابن رجب عرض أقوال العلماء الذين فتشوا عن السماع، ولم يكتفوا بمجرد المعاصرة، أو حتى اللقى والرواية، ويخلص من هذا العرض بقوله:

"فدل كلام أحمد وأبي زرعة، وأبي حاتم، على أن الاتصال لا يثبت إلا بثبوت التصريح بالسماع. وهذا أضيق من قول ابن المديني والبخاري، فإن المحكى عنهما أحد أمرين: إما السماع، وإما اللقاء، وأحمد ومن تبعه لا بد عندهم من ثبوت السماع".

ويقول ابن رجب أيضا: "اعتبار السماع أيضا لاتصال الحديث هو الذي ذكره ابن عبد البر، وحكاه عن العلماء، وقوة كلامه تشعر بأنه إجماع منهم، وقد تقدم أنه قول الشافعي أيضا".

ما يستدل به على عدم ثبوت السماع

وأما الدليل الذي يكشف عدم السماع والاتصال في الرواية، فهو كما يقول ابن رجب أحد أمرين:

1 -

"أن يروي الراوي عن شيخ من غير أهل بلده، ولم يعلم أنه دخل إلى بلده، ولا أن الشيخ قدم إلى بلد كان الراوي عنه فيه، ومثاله ما نقله مهنا عن أحمد، قال: لم يسمع زرارة بن أوفى من تميم الداري، تميم بالشام وزرارة بصري، وقال ابن المديني: لم يسمع الحسن من الضحاك بن قيس كان الضحاك يكون بالبوادي

2 -

أن يروي عمن عاصره أحيانا، ولكن لم يثبت عدم لقيه له، ثم يدخل أحيانا بينه وبينه واسطة.

فهذا يستدل به هؤلاء الأئمة على عدم السماع، ومثاله: قال أحمد: البهي ما أراه سمع من عائشة إنما يروى عن عروة عن عائشة. وقال في حديث زائدة

ص: 200