الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث في زيادة الثقة عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء
زيادة الثقة:
عرض ابن رجب زيادة الثقة ضمن مباحث الغريب عند الترمذي. وذلك أن الغريب يطلق عند الترمذي بمعان:
المعنى الأول: أن لا يروى الحديث في أصله إلا من وجه واحد.
والمعنى الثاني: أن يكون الحديث في نفسه مشهورا لكن يزيد بعض الرواة في متنه زيادة تستغرب.
والمعنى الثالث: أن يروى الحديث من أوجه كثيرة، وإنما يستغرب لحال إسناده من أسانيده.
والغريب بالمعنى الثاني هو ما يسمى بزيادة الثقة في المتن، وللعلماء في قبول هذه الزيادة وردها كلام طويل. وقد فصل ابن رجب الكلام فيها أثناء عرضه وشرحه لعبارة الترمذي.
والجدير بالذكر أن الصلة وثيقة بين علم العلل وبين هذا الفن من فنون الحديث، وكثيرا ما يجد الباحث في كتب العلل تطبيقات لزيادة الثقة، وأمام كل زيادة من هذه الزيادات تختلف الأنظار، وذلك حسب موفقة الزيادة أو مخالفتها للأصل المزيد عليه وحسن مكانة الراوي الذي جاء بهذه الزيادة.
وقبل الدخول في عرض هذا الموضوع سنذكر كلام الترمذي، وقد تضمن
مثالا بين فيه صورة الزيادة، كما تضمن إجمالا سريعا لكلام العلماء فيها: قال الترمذي:
"ورب حديث استغرب لزيادة تكون في الحديث، وإنما يصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه، مثل ما روى مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر في رمضان على كل حر وعبد ذكر أو أنثى من المسلمين: صاعا من تمر أو صاعا من شعير.
فزاد مالك في هذا الحديث: "من المسلمين".
وروى أيوب السختياني وعبيد الله بن عمر، وغير واحد من الأئمة هذا الحديث عن نافع، عن ابن عمر، ولم يذكر فيه "من المسلمين" وقد روى بعضهم عن نافع رواية مالك، ممن لا يعتمد على حفظه.
وقد أخذ غير واحد من الأئمة بحديث مالك واحتجوا به، منهم الشافعي وأحمد بن حنبل".
ويلاحظ على المثال الذي ذكره الترمذي ما يلي:
1 -
إن رواة الأصل، دون زيادة، من مشاهير الثقات: أيوب وعبيد الله بن عمر.
2 -
إن المستقل بالزيادة هو كذلك من الأعلام الثقات، وهو مالك بن أنس.
3 -
إن موضوع المزيد والزيادة واحد وهو زكاة الفطر.
4 -
إن الزيادة أعطت حكما جديدا وهو تقييد من تجب عليهم الزكاة بالمسلمين.
عرض لآراء المحدثين والأصوليين في زيادة الثقة:
عالجت كتب مصطلح الحديث والأصول هذا الموضوع، فطول بعضها، وبعضها اختصر، وبعضها اكتفى بإيراد الأمثلة والشواهد دون الخوض في
التفصيل والترجيح، كما فعل الحاكم في معرفة علوم الحديث، مع أن بعض الأمثلة التي ضربها كانت خارجة تماما عن موضوع زيادة الثقة وذلك لأمرين:
1 -
إما لضعف راوي الزيادة، ونحن في زيادة الثقة، لا في زيادة الضعيف.
2 -
وإما لتعدد مخرج الحديثين، ونحن في زيادة الثقة التي تتحد في المخرج مع الحديث الأصل. وكل حديثين في الموضوع الواحد اختلفا في المخرج وفي أحدهما زيادة في الحكم، فإنهما يخضعان للعموم والخصوص أو الإطلاق والتقييد. وقد نبه ابن رجب على هذا الفارق بين زيادة الثقة وغيرها.
أما الخطيب البغدادي فقد فصل في كفايته هذا الموضوع، وعضده، بالأمثلة والشواهد وعرض آراء المحدثين بما فيه كفاية.
وكما تناول الخطيب هذا الموضوع فقد تناوله ابن الصلاح في مقدمته، وجعل الزيادة على ثلاثة أقسام:
(أ) قسم مخالف ومناف لما رواه سائر الثقات فمردود.
(ب) قسم لا مخالفة ولا منافاة فيه لما رواه سائر الثقات، فهذا مقبول.
(ج) قسم بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر من روى الحديث.
ومع أن ابن الصلاح مثل للقسم الثالث بحديث جعلت لنا الأرض مسجدا، الذي وردت عليه زيادة "وتربتها طهورا" إلا أنه لم يمثل للقسم الأول، وكنت أظن أنه تقسيم نظري حتى وحدت مثالا يصلح لهذا القسم، وهو حديث السعاية الآتي فيما بعد.
ونظرا لكثرة الآراء في هذا المسألة فسأوجزها ضمن ثلاثة آراء رئيسية، هي:
أولا: أن ترد الزيادة مطلقا، وحجة هذا الرأي أنه لا يعقل أن يجتمع الجماعة من الحفاظ على الشيء، ويكون قد غاب عنهم بعضه ليذكره واحد بمفرده دونهم.
ثانيا: أن تقبل الزيادة مقيدة، وقد اختلفت الأنظار في القيد الذي تقبل الزيادة معه:
1 -
إذا كان راوي الزيادة غير راوي الحديث بدونها قبلت.
2 -
إذا توافر شرطان في راوي الزيادة قبلت، وهما: أن يذكر أنه سمع الحديث مرتين، وأن يذكر أن رواية الحديث بدونها كان نسيانا منه، وهذا قيد لمن يروي الزيادة والحديث.
3 -
إذا كان رواة الزيادة أكثر من رواه الحديث، أو تساوي رواتها ورواة الحديث قبلت.
4 -
إذا أفادت الزيادة حكما قبلت.
5 -
إذا لم تغير الزيادة الإعراب قبلت.
6 -
إذا لم تناف أصل الحديث قبلت، وإذا قيدت مطلقه قبلت، وهو رأي النووي، وابن الصلاح، وابن حجر، والسيوطي.
7 -
إذا لم يكن رواة الحديث بدونها كثيرين بحيث لا يعقل أن يغفلوا عنها، قبلت.
ثالثا: أن تقبل الزيادة مطلقا: وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء والمحدثين وحكاه الخطيب عنهم، أن زيادة الثقة العدل الضابط مقبولة مطلقان ولا فرق بين
أن تكون من نفس الراوي الذي روى الحديث بدونها أو من غيره، تعلق بها حكم شرعي، أو لم يتعلق بها حكم، أوجبت نقصانا من أحكام ثبتت أو قيدت الحكم الثابت، ويشترط لقبولها أن يكون راويها عدلا حافظا، ومتقنا ضابطا، والدليل على هذا:
(أ) لو انفرد الثقة بحديث لوجب قبوله، فإن قيل إن رواية الجماعة تشير إلى وهم وقع فيه الواحد بهذه الزيادة، يقال بجواز أن يكون الراوي أعاد الحديث بالزيادة، أو بجواز حضور بعضهم كل الحديث، وغياب بعضهم عن بعضه.
(ب) إن الثقة العدل يقول: سمعت وحفظت ما لم يسمعه الباقون، وهم يقولون: ما سمعنا ولا حفظنا، فعند الزائد زيادة علم، والمثبت مقدم على النافي.
الرأي المختار في المسألة:
والرأي المختار أن تقبل الزيادة إذا كانت من حافظ يعتمد على حفظه، وهذا قول الترمذي، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد كما ذكر ابن رجب، نقلا عن رواية صالح عنه قال في زيادة مالك:"من المسلمين": قد أنكر على مالك هذا الحديث، ومالك إذا انفرد بحديث هو ثقة، وما قال أحد بالرأي أثبت منه.
وذكر ابن رجب رواية أخرى عن أحمد قال فيها: كنت أتهيب حديث مالك "من المسلمين" يعني حتى وجده من حديث العمري. وهذه الرواية ظاهرها يناقض الرواية السابقة، حتى قال ابن رجب:"وهذه الرواية تدل على توقفه، ولو جاءت الزيادة من مثل مالك بن أنس". ولكنني أرى أن تهيب أحمد لا يعني توقفه كما ذهب ابن رجب بل قد يكون قبول الزيادة مع هذا التهيب الذي زال عند مجيء المتابعة، والرواية الأولى صريحة في قبول الزيادة إذا كانت من مثل مالك عند أحمد".
وإذا كان الثقة غير مبرز بالحفظ فإن أحمد لا يقبل الزيادة منه مطلقا، ومثل ابن رجب لهذا بمثالين:
الأول: بحديث تفرد به ابن فضيل عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن ابن عطية، عن عائشة، في تلبية النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيها "والملك لا شريك لك".
ولا تعرف هذه عن عائشة، وإنما تعرف عن ابن عمر، وروى الثوري وأبو معاوية، عن الأعمش هذا الحديث، من غير هذه الزيادة.
وبالرغم من أن ابن فضيل ثقة إلا أن الثوري وأبا معاوية أوثق منه في الأعمش، فمن ههنا لم يقبل أحمد هذه الزيادة.
الثاني: روى شعبة وهمام، عن قتادة، حديث أبي هريرة، أن رجلا أعتق شقصا من غلام، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم وغرمه بقية ثمنه.
ورواه سعيد بن أبي عروة بزيادة ذكر الاستسعاء، وصورته أنه إذا كان العبد مشتركا بين رجلين، وأراد أحدهما أن يعتق العبد، وهذا يقتضي تصرفه في حصة شريكه، فإن لم يكن للمعتق مال يدفع قيمة حصة شريكه، فإن العبد يعمل ويسدد حصة الشريك.
ولم يذهب الإمام أحمد إلى هذه الزيادة بالرغم من أن سعيد بن أبي عروبة ثقة. ووجد من يتابعه عليها إلا أن المعتبر عند أحمد الزيادة من المبرز في الحفظ.
ومن المعروف في علم العلل أن شعبة وهماما أوثق الناس في قتادة، وبخاصة من سعيد بن أبي عروبة.
وهذان المثالان يؤكدان أن الإمام أحمد لا يقبل الزيادة مطلقا، وإنما يقبلها من أوثق الناس في المروي عنه وهذا يناقض قول بعض الحنابلة الذين قالوا: إن أحمد يقبل الزيادة مطلقا. واعتمدوا على كلام لأحمد في حديث فوات الحج حيث جاء فيه روايتنا الأولى، فيها القضاء فقط، والثانية فيها زيادة دم، فقال أحمد، والزائد أولى أن يؤخذ.
اعتراض ابن رجب على أصحابه من الحنابلة الذي قالوا أن أحمد يقبل الزيادة مطلقا:
واعتراض ابن رجب على من قال إن أحمد يقبل الزيادة مطلقا، ورد الاستدلال السابق فقال:"وهذا ليس مما نحن فيه فإن مراده أن الصحابة روى بعضهم فيمن يفوته الحج أن عليه القضاء، وعن بعضهم أن عليه القضاء مع الدم فأخذ بقول من زاد الدم، فإذا روي حديثان مستقلان في حادثة، وأحدهما فيه زيادة فإنها تقبل كما لو انفرد الثقة بأصل الحديث. وليس هذا من باب زيادة الثقة، التي صورتها أن يروي جماعة حديثا واحدا بإسناد واحد ومتن واحد، فيزيد بعض الرواة فيه زيادة لم يذكرها بقية الرواة".
ونخلص مما سبق أن الزيادة المقبولة هي زيادة المبرز في الحفظ على غيره، وهذا أمر اعتباري يختلف من راو إلى آخر، فحماد بن سلمة أوثق الناس في ثابت البناني فالزيادة التي ينفرد بها في حديث ثابت مقبولة وأما حماد في غير ثابت ففي حفظه نظر فزيادته في غير ثابت فيها نظر كذلك. وكذلك كل راو من الرواة فإنه مختص برجل يروي عنه فيضبط أحاديثه أكثر من غيره. فزيادة هذا الراوي مقبولة.
زيادة الثقة في الإسناد:
وزيادة الثقة في الإسناد فرع من زيادة الثقة بشكل عام، ولبيان معنى هذا النوع من الزيادة نمثل لها بمثال ذكره أكثر المصنفين وهو حديث "النكاح بلا ولي".
هذا الحديث رواه يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا نكاح إلا بولي".
ورواه شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا. ووافق شعبة سفيان الثوري في هذا.
وقد تباينت أنظار العلماء في زيادة الإسناد هذه:
أولا: نقل الخطيب عن أكثر أصحاب الحديث أن الحكم في هذه أو ما كان بسبيله للمرسل، ومنهم من قدح في عدالة من يصل حديثا أرسله الحفاظ.
ومنهم من قال الحكم للمسند، إذا كان راويه ثابت العدالة ضابطا للرواية. فيجب قبول الخبر ويلزم العمل به، وإن خالفه غيره. وسواء كان المخالف واحدا أو جماعة، قال الخطيب: وهذا هو الصحيح عندنا، لأن إرسال الحديث ليس بجرح للراوي الذي وصله ولا تكذيب له، ولعله أيضا مسند عند الذين رووه مرسلا، أو عند بعضهم، إلا أنهم أرسلوه لغرض، أو نسيان، والناسي لا يقضي على الذاكر.
ثانيا: وقد اشترط ابن رجب لقبول زيادة الإسناد ما اشترطه لقبول زيادة المتن، وأن العبرة في الزيادة التي رواها المبرز في الحفظ والإتقان، ولا يكفي مجرد العدالة والضبط. ويجري تمييز المبرز من غيره في كل إسناد ورواية تبعا لقواعد العلل في تفاوت الرواة:
قال ابن رجب: وكلام أحمد وغيره من الحفاظ إنما يدور على اعتبار قول الأوثق في ذلك، والأحفظ أيضا، وقد قال أحمد في حديث أسنده حماد بن سلمة: أي شيء ينفع وغيره يرسل.
وبهذا يكون رأي ابن رجب واحدا في زيادة المتن وزيادة الإسناد، ولا يترك الأمر على مطلق الحافظ الضابط كما فعل الخطيب بل يتعداه إلى الضابط المبرز، المقدم في شيخه.
اعتراضات ابن رجب على سابقيه في هذه المسألة:
لقد ساق ابن رجب مجموعة من الاعتراضات على سابقيه، ويبدو في هذه الاعتراضات مصنفا بارعا، ومحققا ناقدا، ولم أجد من تعرض لهذه الأمور كما تعرض لها ابن رجب وسنسوق هذه الاعتراضات مع شيء من التفصيل.
الاعتراض الأول:
اعترض ابن رجب على الحاكم أبي عبد الله في كتابه معرفة علوم الحديث الذي لم يقبل الزيادة من الثقة في الإسناد، وقال: أئمة الحديث على أن القول قول الأكثرين الذين أرسلوا الحديث. فاعترض عليه ابن رجب بقوله: وهذا يخالف تصرفه في المستدرك، وذلك لأن الحاكم يقبل زيادة الثقة في الإسناد هناك.
الاعتراض الثاني:
اعترض ابن رجب على الخطيب البغدادي الذي اختار قبول الزيادة في الإسناد، مطلقا، إذا كانت من الثقة الحافظ، وذكره اختياره هذا في كتاب الكفاية. ولكنه خالف هذا في كتاب "تمييز المزيد في متصل الأسانيد" وفي هذا الكتاب قسم زيادة الإسناد إلى قسمين:
- ما حكم فيه بصحة الزيادة في الإسناد.
- ما حكم فيه برد الزيادة وعدم قبولها.
فقال ابن رجب تعقيبا على هذا: ثم إن الخطيب تناقض فذكر في كتاب الكفاية للناس مذاهب في اختلاف الرواة، في إرسال الحديث ووصله، كلها
لا تعرف عن أحد من متقدمي الحفاظ، إنما هي مأخوذة من كتب المتكلمين، ثم إنه اختار أن الزيادة من الثقة تقبل مطلقا، كما نصره المتكلمون وكثير من الفقهاء، وهذا يخالف تصرفه في كتاب "تمييز المزيد" وقد عاب تصرفه هذا في كتاب "تمييز المزيد" محدثي الفقهاء، وطمع فيه لموافقته لهم في كتاب الكفاية.
الاعتراض الثالث:
واعتراض ابن رجب على الخطيب باعتراض آخر، وهو أنه ذكر في كتاب الكفاية، حكاية عن البخاري: أنه سئل عن حديث أبي إسحاق "في النكاح بلا ولي" فقال: الزيادة من الثقة مقبولة، وإسرائيل ثقة.
وهذا يعني أن الزيادة في الإسناد مقبولة على الإطلاق من الثقة عند البخاري ولكن ابن رجب يعترض على هذا بقوله: وهذه الحكاية إن صحت فإن مراده الزيادة في هذا الحديث، وإلا فمن تأمل كتاب البخاري يتبين له قطعا أنه لم يكن يرى أن زيادة كل ثقة في الإسناد مقبولة.
قال ابن رجب: وهكذا الدارقطني يذكر في بعض المواضع أن الزيادة من الثقة مقبولة، ثم يورد في أكثر المواضع زيادات كثير من الثقات، ويرجح الإرسال على الإسناد المتصل.
قال ابن رجب فدل على أن مرادهم زيادة الثقة في مثل تلك المواضع الخاصة وهي إذا كان الثقة مبرزا في الحفظ
قال ابن رجب: وقال الدارقطني في حديث زاد في إسناده رجلان ثقتان رجلا، وخالفهما الثوري فلم يذكره، قال: لولا أن الثوري خالف، لكان القول قول من زاد فيه، لأن زيادة الثقة مقبولة. وهذا تصريح بأنه إنما تقبل زيادة الثقة إذا لم يخالفه من هو أحفظ منه.
الاعتراض الرابع:
واعتراض ابن رجب على تصرف المصنفين قبله كالحاكم والخطيب وابن
الصلاح الذين جعلوا رواية "وجعل ترابها طهورا" زيادة ثقة على أصل الحديث، ولكن ابن رجب عاب صنيعهم هذا، فقال: وهذا ليس مما نحن فيه، لأن حديث حذيفة لم يرد بإسقاط هذه اللفظة وإثباتها، وأكثر الأحاديث فيها:"وجعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا".
وحديث حذيفة فقط هو الذي ورد فيه "وجعل ترابها طهورا"، وقد روى هذا الحديث مسلم في صحيحه، وقد روى مسلم هذا الحديث عن جابر بن عبد الله وأبي هريرة، في نفس الباب، ولم توجد عبارة حديث حذيفة السابق.
وهذا اعتراض وجيه لابن رجب فحديث جابر غير حديث حذيفة، وليس حديث حذيفة زيادة ثقة، بل هو تقييد لمطلق حديث جابر وأبي هريرة، ولو أدرك بعض الفقهاء هذا الفرق بين زيادة الثقة وغيرها من أدلة التقييد لما أسقطوا التيمم بالتراب لأنها زيادة ثقة على أصل الحديث.
الاعتراض الخامس:
ذكر ابن رجب كلاما للإمام مسلم في كتاب التمييز له في قبول زيادة الثقة، جاء فيه "والحديث للزائد والحافظ لأنه في معنى الشاهد، الذي حفظ في شهادته ما لم يحفظ صاحبه".
واعتراض ابن رجب على قياس الزيادة على الشهادة، فقال: وهذا القياس الذي ذكره ليس بجيد، لأنه لو كان كذلك لقبلت زيادة كل ثقة زاد في روايته، كما يقبل ذلك في الشهادة، وليس ذلك قول مسلم ولا قول أئمة الحافظ والله أعلم.