الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سلطان مختصر، إلا أن دمشق تقف بين النيابات الشامية مقام السلطان في أكثر الأمور، ونائبها هو الذي يكتب عنه التوقيع، مع بقاء بعض المراكز الكبرى في النيابة من اختصاص السلطان، وذلك لضمان عدم الخروج عليه.
وكان في كل نيابة أربعة قضاة يمثلون المذاهب الأربعة، ووزير يتمتع بما يتمتع به الوزير في مصر، ويسمى ناظر النظار.
وأما الدواوين: فأشهرها ديوان الإنشاء، وديوان النظر، وديوان الجيش ويلقب صاحب ديوان الإنشاء بكاتب السر، ويمثل ديوان النظر الإدارة المالية.
ومما يمتاز به عصر المماليك أن الأحداث والمناصب السياسية حكر على عنصر المماليك، لا يشاركهم فيها أحد من عامة الناس، وإنما دور بقية الناس يقف عند مراقبة الأحداث، فإذا تغلب مملوك على آخر فعلى العامة أن تقيم الزينات، وتعلن الابتهاج، وكل ما يحدث في مركز الدولة تتأثر به دمشق وسائر النيابات، ونواب دمشق وغيرها، كسادتهم في القاهرة، بين جديد تقام له الزينات، وطريد غير مأسوف عليه، وهكذا دواليك.
(ب) الحالة الاجتماعية
في معرض الكلام عن الحالة الاجتماعية في العصر المماليكي سنتكلم إن شاء الله على ناحيتين بارزتين مؤثرتين في المجتمع:
الأولى: فئات الناس الاجتماعية وأوضاعها المعيشية.
الثانية: الأوبئة والمجاعات التي كان يتعرض لها المجتمع.
أما عن الأولى: فإن الباحث في تاريخ هذا العصر يجد أمامه فئات من الناس، كل فئة لها حالتها الاجتماعية الخاصة، وهذه الفئات هي: المماليك، والعلماء، والتجار، والعامة، والفلاحون، والعربان.
فالمماليك هم الطبقة الأولى في المجتمع وهم أصحاب السلطان والجاه في الدولة، ويرجع هؤلاء في أصلهم إلى جنسيات مختلفة، فمنهم التركي، ومنهم الجركسي، ومنهم المغولي، ومنهم الصيني، وينسب هؤلاء إلى سيدهم الذي اشتراهم إن كان سلطان من السلاطين أو تاجرا من التجار، كالمماليك الأشرفية والخليلية نسبة للسلطان الأشرف خليل، وكبرقوق العثماني، نسبة للتاجر الذي اشتراه.
ولقد اعتنى السلاطين عناية فائقة بمماليكهم، وحرصوا على تربيتهم تربية سليمة، فإذا اشترى السلطان عددا من المماليك فإنه يرسلهم إلى الفحص أولا، للتأكد من سلامة أبدانهم، وبعد ذلك ينزل كل مملوك في طبقة جنسه، وكان في القلعة طباق، خصص لكل جنس من أجناس المماليك طبقة معينة. ويقوم بتربية هؤلاء المماليك مجموعة من الطواشية ويتردد عليهم الفقهاء والقراء ويعلمونهم القرآن والفقه كما يعلمونهم الخط
وكان هؤلاء المماليك يتقلبون في رغيد العيش، ويلقون من سلاطينهم كل تكريم وحنو، ولم يكن ينظر إليهم كالعبيد الأرقاء، وإنما ينظر إليهم بعين الإحسان والتربية، وهذا يعلل قوة ارتباطهم بأسانيدهم.
وعندما يبلغ المملوك سن البلوغ يتلقى فنون الفروسية والحرب، وبعدها يخرج من الطباق، ثم يتدرج في الخدمة السلطانية، ويترقى حتى يصل إلى رتبة الأمراء.
ولقد حرص السلاطين والأمراء على بقاء الانفصال تاما بين المماليك وسائر الناس، ومن مظاهر هذا الانفصال منع الزواج بين هذه الفئة وغيرها من
فئات المجتمع، وكان السلاطين يؤيدون هذا الانفصال بالتحذيرات المستمرة، وفرض العقوبات الرادعة.
وهذه العزلة أوجدت هوة كبيرة بين المماليك الذين هم الحكام من جهة، وبين المحكومين من جهة أخرى، وأصبح الشعب لا يبالي بما يجري من الأحداث ولا تحركه أشجان السلاطين ومآسيهم إذا دارت الدائرة عليهم.
ولم تسجل الكتب التي بين أيدينا موقف حاسمة لجماهير الناس فيما عدا بعض المواقف النادرة كنصرة العامة للسلطان الناصر محمد بن قلاوون سنة 708هـ عندما تحالف زعيما البحرية والبرجية للتخلص منه، ولم يكن معه إلا عدد قليل من المماليك، ولم يخلصه من هذه الورطة - التي أوشكت أن تودي بحياته - إلا العامة الذين ثبتوا في أماكنهم وهم يصرخون "يا ناصر يا منصور، الله يخون من يخون ابن قلاوون" وهذا من الموقف النادرة التي شارك فيها الناس لتأييد سلطانهم.
وأما العلماء: فقد لقي هؤلاء تكريم سلاطين المماليك، وكان للعلماء كلمتهم المسموعة، وسلطانهم الكبير على العامة، وهذا السلطان مكن بعضهم من الوقوف في وجه السلاطين، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويصدعون بالحق، كالعز ابن عبد السلام، وشمس الدين الحريري قاضي الحنفية، وابن تيمية الحراني.
وأما التجار: فقد شعر السلاطين بأن التجار هم المصدر الأول الذي يعتمدون عليه في سد حاجاتهم في الأوقات العصبية، لذا فقد كانت هذه الفئة تتمتع بمكانة مرموقة، وقد نشط السلاطين الحركة التجارية في بلادهم، وأعطوا التجار الأجانب امتيازات وتسهيلات تجارية، كل ذلك فتح الباب أمام التجار المسلمين لأن يجمعوا ثروات طائلة لانعكاس تلك التسهيلات عليهم، وقد
استفادوا كثيرا من ذلك المركز التجاري الممتاز، الذي جعل بلاد المماليك ملتقى النشاط التجاري العالمي آنذاك.
والجدير بالذكر أنه بالرغم من هذه المكانة التي حظي بها التجار عند السلاطين، إلا أنهم كانوا يتعرضون لسطوتهم، فيؤخذ منهم المال الوفير بين الحين والآخر.
وأما العامة: فتتألف من العمال، والصناع، والسقائين، والسوقة، والمكاريين، وكان أفراد هذه الفئة على درجة كبيرة من الفقر والحاجة.
وأما الفلاحون: وهم سواد الناس، فلم يكن نصيبهم سوى الإهمال، وقد وصلت أحوالهم إلى درجة كبيرة من السوء، وزاد من هذا السوء كثرة المغارم، التي حلت بهم، والضرائب التي فرضت عليهم، علاوة على أنهم لم يسلموا من فئة العربان وبطشهم.
وأما العربان فهؤلاء لهم شخصيتهم المتميزة، وهم المنافس الوحيد لفئة المماليك، ولذلك فهم يثورون بين الفينة والفينة، وفي بعض الأوقات يتمنعون عن دفع الضرائب والخراج.
ومن أشهر ثورات هؤلاء الأعراب ثورة بدر بن سلام سنة 779هـ، الذي هاجم دمنهور وفتك في أهلها، ولم تتمكن الدولة من إخماد هذه الثورة إلا بعد ثلاث سنين، أي سنة 782هـ.
ولقد جرب العربان حظهم مرة أخرى بالثورة، ومعهم الخليفة المتوكل والمماليك الأشرفية، وحاولوا قتل السلطان برقوق وتنصيب الخليفة المتوكل سلطانا، ولكن هذه المحاولة لم تفلح.