الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعرفوا، لأن بعضهم - من الذين ضعفوا - كان صاحب بدعة وبعضهم كان متهما في الحديث، وبعضهم كانوا أصحاب غفلة وكثرة خطأ، فأراد هؤلاء الأئمة أن يبينوا أحوالهم، شفقة على الدين وتثبيتا، لأن الشهادة في الدين أحق أن يتثبت فيها من الشهادة في الحقوق والأموال.
"
وجوب الكلام في الجرح والتعديل
"
مقصود الترمذي رحمه الله أن يبين أن الكلام في الجرح والتعديل جائز، قد أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، لما فيه من تمييز ما يجب قبوله من السنن مما لا يجوز قبوله.
وقد ظن بعض من لا علم عنده أن ذلك من باب الغيبة، وليس كذلك، فإن ذكر عيب الرجل إذا كان فيه مصلحة، ولو كانت خاصة كالقدح في شهادة شاهد الزور، جائز بغير نزاع، فما كان فيه مصلحة عامة للمسلمين أولى.
وروى ابن أبي حاتم، بإسناده، عن بهز بن أسد، قال:
لو أن لرجل على رجل عشرة دراهم، ثم جحده، لم يستطع أخذها منه إلا بشاهدين عدلين، فدين الله أحق أن يؤخذ في بالعدول.
وكذلك يجوز ذكر العيب إذا كان فيه مصلحة خاصة، كمن يستشير في نكاح أو معاملة، وقد دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس:
"أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه".
وكذلك استشار النبي صلى الله عليه وسلم عليا وأسامة في فراق أهله، لما قال أهل الإفك ما قالوا.
ولهذا كان شعبة يقول:
تعالوا حتى نغتاب في الله ساعة، يعني: نذكر الجرح والتعديل.
وذكر ابن المبارك رجلا فقال: يكذب.
فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، تغتاب؟
قال: اسكت، إذا لم نبين كيف يعرف الحق من الباطل؟.
وكذا روي عن ابن علية، أنه قال في الجرح: إن هذا أمانة، ليس بغيبة.
وقال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أبا مسهر يسأل عن الرجل يغلط ويهم ويصحف.
فقال: بين أمره، فقلت لأبي زرعة: أترى ذلك غيبة؟ قال: لا.
وروى أحمد بن مروان المالكي، (ثنا) عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: جاء أبو تراب النخشبي إلى أبي، فجعل أبي يقول: فلان ضعيف، وفلان ثقة.
فقال أبو تراب: يا شيخ، لا تغتب العلماء.
قال: فالتفت أبي إليه، قال: ويحك. هذا نصيحة، ليس هذا غيبة.
وقال محمد بن بندار السباك الجرجاني: قلت لأحمد بن حنبل: أنه ليشتد علي أن أقول: فلان ضعيف، فلان كذاب.
قال أحمد: إذا سكت أنت، وسكت أنا فمن يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟
وقال إسماعيل الخطبي، (ثنا) عبد الله بن أحمد، قلت لأبي: ما تقول في أصحاب الحديث يأتون الشيخ لعله أن يكون مرجئا أو شيعيا أو فيه شيء من خلاف السنة، أيسعني أن أسكت عنه، أن أحذر عنه.
فقال أبي: إن كان يدعو إلى بدعة، وهو إمام فيها ويدعو إليها، قال: نعم، تحذر عنه.
وقد خرج ذلك كله أبو بكر الخطيب في كتاب الكفاية، وغيره من أئمة الحفاظ.
وكلام السلف في هذا يطول ذكره جدا.
وذكر الخلال، عن الحسن بن علي الإسكافي، قال: سألت أبا عبد الله، يعني أحمد بن حنبل، عن معنى الغيبة. قال: إذا لم ترد عيب الرجل.