المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني وسائل الكشف عن العلة - شرح علل الترمذي - جـ ١

[ابن رجب الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌القسم الأول: مقدمة شرح علل الترمذي للدكتور همام عبد الرحيم سعيد

- ‌الباب الأول شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي

- ‌الفصل الأول مقدمة في العلة وميدانها وأشهر علماء العلل

- ‌المطلب الثاني العلة في اصطلاح المحدثين

- ‌المطلب الثاني أهميته واتساعه

- ‌المطلب الثالث أشهر علماء هذا الفن

- ‌الفصل الثاني في التعريف بأصل كتاب شرح علل الترمذي ومنهج ابن رجب فيه وأشهر

- ‌المبحث الأول التعريف بأصل الكتاب وصاحبه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول التعريف بكتاب العلل الصغير

- ‌المطلب الثاني التعريف بالإمام الترمذي (209 - 279ه

- ‌المبحث الثاني نظرة في مناهج كتب العلل المتقدمة

- ‌المبحث الثالث منهج ابن رجب في شرح علل الترمذي

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول "شرح علل الترمذي

- ‌المطلب الثاني القواعد والفوائد

- ‌المطلب الثالث ملاحظات عامة على منهج ابن رجب في الكتاب

- ‌المبحث الرابع دراسة أشهر مصادر ابن رجب في العلل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول العلل، لعلي بن المديني

- ‌المطلب الثاني التاريخ والعلل، ليحيى بن معين

- ‌علل أحاديث من التاريخ والعلل:

- ‌الجرح والتعديل في التاريخ والعلل:

- ‌اختلاف الأقوال في الجرح والتعديل عند يحيى:

- ‌المطلب الثالث علل الإمام أحمد بن حنبل

- ‌المطلب الرابع علل الترمذي الكبير

- ‌المطلب الخامس علل الحديث: لعبد الرحمن بن أبي حاتم (ت 327ه

- ‌المطلب السادس العلل الواردة في الأحاديث النبوية

- ‌الفصل الثالث دراسة حول علم العلل من خلال كتاب ابن رجب "شرح علل الترمذي

- ‌المبحث الأول في أسباب العلة من خلال كتاب ابن رجب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الثاني معرفة العلل والكشف عنها من خلال كتاب ابن رجب

- ‌المطلب الأول: معرفة العلة

- ‌المطلب الثاني وسائل الكشف عن العلة

- ‌المبحث الثالث في أنواع العلل من خلال كتاب ابن رجب

- ‌المطلب الأول علل الإسناد

- ‌إبطال السماع الصريح أو نفي السماع المتوهم بالعنعنة

- ‌ثانيا - علة موضوعها:

- ‌‌‌ قاعدة

- ‌ قاعدة

- ‌ثالثا - علة موضوعها:

- ‌رابعا - علة موضوعها:

- ‌خامسا - علة موضوعها:

- ‌قاعدة:

- ‌المطلب الثاني العلة في متن الحديث

- ‌قاعدة: في تضعيف حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه

- ‌المبحث الرابع الأشباه في العلل

- ‌تمهيد:

- ‌(قاعدة مهمة) :

- ‌الفصل الرابع دراسة لمباحث في مصطلح الحديث من كتاب شرح علل الترمذي

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول في المرسل عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء

- ‌المبحث الثاني في العنعنة عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء

- ‌دخول الوهم على الصيغ الصريحة يجعل التفتيش عن السماع في غير الصريحة أولى:

- ‌خلاصة رد ابن رجب على الإمام مسلم:

- ‌كلام ابن رجب في رده على مسلم:

- ‌كلام ابن رجب على الأسانيد التي وصفها والإمام مسلم بالصحة ولم يثبت اللقاء فيها:

- ‌المبحث الثالث في زيادة الثقة عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء

- ‌الباب الثاني: ترجمة ابن رجب عصره - حياته - جهوده في الحديث

- ‌الفصل الأول عصر ابن رجب

- ‌تمهيد:

- ‌تمهيد

- ‌(أ) الحالة السياسية

- ‌(ب) الحالة الاجتماعية

- ‌(ج) الحالة العلمية

- ‌الفصل الثاني حياة ابن رجب وشيوخه وتلاميذه وآثاره

- ‌المبحث الأول حياة ابن رجب

- ‌1 - اسمه ونسبه ولقبه وكنيته

- ‌ 2 - مولده

- ‌ 3 - أسرة ابن رجب

- ‌ 4 - نشأته ورحلته

- ‌ 5 - وفاته

- ‌ 6 - عقيدة ابن رجب

- ‌ 7 - تأثر ابن رجب بابن تيمية وبابن القيم ومخالفته لهما في بعض المسائل

- ‌ 8 - أخلاقه

- ‌ 9 - ثناء العلماء عليه

- ‌المبحث الثاني شيوخ ابن رجب الحنبلي

- ‌المطلب الأول شيوخ ابن رجب

- ‌المطلب الثاني ترجمة لأشهر شيوخ ابن رجب

- ‌المبحث الثالث تلاميذه وآثاره

- ‌المطلب الأول: تلاميذ ابن رجب

- ‌المطلب الثاني التعريف بأشهر تلاميذ ابن رجب

- ‌المطلب الثالث آثاره العلمية

- ‌الفصل الثالث جهود ابن رجب في الحديث رواية ودراية

- ‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول الرواية عند ابن رجب

- ‌المبحث الثاني دراية ابن رجب في الحديث

- ‌المطلب الأول شرح الترمذي لابن رجب

- ‌باب ما جاء في كراهة خاتم الذهب

- ‌طريق آخر:

- ‌‌‌طريق آخر:

- ‌طريق آخر:

- ‌‌‌‌‌‌‌طريق آخر:

- ‌‌‌‌‌طريق آخر:

- ‌‌‌طريق آخر:

- ‌طريق آخر:

- ‌المطلب الثاني شرح البخاري المسمى "فتح الباري" لابن رجب

- ‌نسخ الكتاب:

- ‌منهج ابن رجب في كتابه فتح الباري:

- ‌المطلب الثالث جامع العلوم والحكم

- ‌المطلب الرابع رسائل ابن رجب التي تضمنت شرح حديث واحد

- ‌الخاتمة في نتائج البحث

- ‌القسم الثاني التحقيق

- ‌وصف لنسخ كتاب "شرح علل الترمذي المخطوطة

- ‌رموز واصطلاحات التحقيق

- ‌الباب الأول" "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم وبع ثقتي وعليه توكلي

- ‌كتاب العلل

- ‌أسانيد أقوال الفقهاء عند الترمذي

- ‌كتاب العلل والرجال

- ‌أهمية علم العلل

- ‌كتاب الحديث والتصنيف فيه

- ‌أبو عيسى أول من تكلم على الصحيح والضعيف في جامعه، وأول من علل الأبواب

- ‌موقف الإمام أحمد من ذكر كلام الفقهاء مع الحديث، ورأي ابن رجب في ذلك

- ‌تدوين الكلام في العلل والتواريخ وأهميته

- ‌وجوب الكلام في الجرح والتعديل

- ‌الكلام في معبد الجهني

- ‌الكلام في طلق بن حبيب

- ‌الكلام في الحارث الأعور

- ‌ابن سيرين أول من انتقد الرجال وفتش عن الإسناد

- ‌بدء السؤال عن الإسناد

- ‌الرواية عن أهل الأهواء والبدع

- ‌من منع مطلقا

- ‌ومن قبل حديثهم

- ‌من فرق بين الداعية وغيره

- ‌حجة المانعين مطلقا

- ‌الرأي المختار

- ‌الإسناد وأهميته

- ‌جواز الرواية عن الضعفاء في الرقائق وضابط ذلك

- ‌المسألة الأولى: "رواية الثقة عن رجل هل ترفع جهالته ومتى ترتفع الجهالة

- ‌من روى عنه واحد ولكنه معروف

- ‌رأى ابن عبد البر فيما يرفع الجهالة

- ‌المسألة الثانية: الرواية عن الضعفاء أهل التهمة بالكذب (والغلط) والغفلة وكثرة الخطأ

- ‌التفريق بين الكتابة عن الضعفاء والرواية عنهم

- ‌المسألة الثالثة

- ‌أبان بن أبي عياش

- ‌أبو مقاتل السمرقندي

- ‌أهل الصدق غير الحفاظ

- ‌أقسام الرواة

- ‌رأي الجمهور جواز الرواية عن هؤلاء

- ‌من لا يحتج بحديث غير الحفاظ المتقنين

- ‌رأي ابن مهدي يوافق رأي الجمهور

- ‌محمد بن عمرو بن علقمة

- ‌عبد الرحمن بن حرملة

- ‌شريك بن عبد الله النخعي

- ‌أبو بكر بن عياش

- ‌الربيع بن صبيح ومبارك بن فضالة

- ‌محمد بن عجلان

- ‌محمد بن إسحاق بن يسار

- ‌حماد بن سلمة

- ‌ ابن أبي ليلى

- ‌مجاهد بن سعيد الهمذاني

- ‌عبد الله بن لهيعة

- ‌الرواية باللفظ والمعنى

- ‌أمثلة لرواية بالمعنى أحالت الحديث عن أصلة

- ‌جواز الرواية بالمعنى وأدلة ذلك من قال به

- ‌اتباع اللفظ ومن قال به

- ‌رأي في جواز النقص دون الزيادة

- ‌رأى ابن حبان اتباع اللفظ لمن ليس بفقيه

- ‌اعتراض على ابن حبان

- ‌الحفاظ المتقنون

- ‌أقسام الرواة

- ‌أخطاء الحفاظ

- ‌تراجم أعيان الحفاظ

- ‌15 - عبد الرحمن بن مهدي، ت 198

- ‌16 - وكيع بن الجراح مليح، ت 196

- ‌الأعلام الذين لم يترجم لهم الترمذي

- ‌17 - عبد الله بن المبارك

- ‌18 - الإمام أحمد بن حنبل، ت 241

- ‌19 - علي بن المديني، ت234

- ‌20 - يحيى بن معين، ت 233

- ‌21 - أبو زرعة، ت 264

- ‌22 - محمد بن إسماعيل البخاري

- ‌23 - عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ت 255

- ‌صيغ الأداء

- ‌أنواع التحمل

- ‌المسألة الأولى: مسألة العرض

- ‌من روى عنه الرخصة في العرض من التابعين

- ‌من كره العرض

- ‌الرواية عن الضرير والأمي إذا لم يحفظا

- ‌حكم التحديث من الكتاب إذا كان المحدث لا يحفظ ما فيه

- ‌المسألة الثانية: فيما يقول من عرض الحديث إذا حدث به

- ‌التفريق بين حدثني وحدثنا، وأخبرني وأخبرنا

- ‌المسألة الثالثة: الرواية بالمناوبة

- ‌قبول حديث أبي اليمان وتخريجه

- ‌المناولة بالكتابة

- ‌الشهادة على الكتاب المختوم

- ‌من فرق بين الرواية والشهادة

- ‌العمل بالوصية المختومة وعمل القاضي بكتاب القاضي

- ‌المسألة الرابعة: الرواية بالإجازة من غير مناولة

- ‌المرسل

- ‌الكلام ههنا في حكم الحديث المرسل

- ‌مرسل الزهري ومنزلته

- ‌مراسيل الحسن

- ‌القول الثاني في المسألة: الاحتجاج بالمرسل

- ‌مضمون كلام الشافعي

- ‌1" في نفس المرسل، وهي ثلاثة:

- ‌وأما مراسيل ابن المسيب

الفصل: ‌المطلب الثاني وسائل الكشف عن العلة

بديهة، وإن شئت فقل هو فن القلة من الناس، وحتى هؤلاء القلة فإنهم متفاوتون في القدرة عليه.

يقول ابن كثير في اختصار علوم الحديث: وإنما يهتدي إلى تحقيق هذا الفن الجهابذة، النقاد، يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه، ومعوجه ومستقيمه، فمنهم من يظن، ومنهم من يقف، بحسب مراتب علومهم وحذقهم واطلاعهم على طرق الحديث، وذوقهم حلاوة عبارة الرسول صلى الله عليه وسلم التي لا يشبهها غيرها من ألفاظ الناس، فمن الأحاديث المروية ما عليه أنوار النبوة. ومنها ما وقع فيه تغيير لفظ أو زيادة باطلة يدركها البصير من أهل هذه الصناعة".

ويقول ابن الصلاح في هذا: "ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي أو بمخالفته غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك، تنبه العارف بهذا الشأن".

أما الخطيب البغدادي فإنه يقول: "السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه وينظر في اختلاف رواته، ويعتبر بمكانتهم من الحفظ ومنزلتهم من الإتقان".

وإن نظرة سريعة يلقيها الباحث في كتب العلل تظهر له أي علم يحتاجه صاحب هذا الفن، وأية معرفة يفتقر إليها، حتى يصبح من أهل هذه الصنعة. إنه يحتاج ملكة علمية متعددة الجوانب، كثيرة العناصر، تمتاز بالشمول والتكامل. لأننا بعد التحقق نستطيع أن نقول: إن كل جزئية من جزيئات علوم الحديث داخلة في علم العلل، إما دخولا مباشرا، أو غير مباشر كخادم لأصول هذا العلم وضروراته.

‌المطلب الثاني وسائل الكشف عن العلة

دفعنا فيما سبق توهم إدراك العلة بالخواطر والتأملات الباطنية، وذكرنا كلام ابن رجب رحمه الله في هذا، وأثبتنا أن كشف العلة لا يكون إلا بعلم ومعرفة وفهم، والدليل على كل علة لا بد من قيامه، وظهور لأهل هذا الفن. وأما موضوعنا هذا فمعقود للكلام عن جوانب من معرفة الناقد وعلمه حتى نتصور كيف تجري عملية الكشف عن العلة، وما هي طبيعة هذا الذهن الذي يتناول النصوص الحديثية بالتمحيص والنقد؟ إيضاحا لهذا نقول:

إن كتب العل تحمل بين طياتها صورة كاملة شاملة لما ينبغي أن يكون عليه رجل هذا الفن، وأنه إن كان حصر جوانب هذه المعرفة لا يمكن في مبحث صغير فإن ذكر أهم هذه الجوانب يسير ومعقول، وفيما يلي بعض هذه الجوانب:

1 -

معرفة المدارس الحديثية، ونشأتها، ورجالها، ومذاهبها العقدية والفقهية وأثرها وتأثيرها في غيرها، وما تميزت به عن غيرها، فقد نشأت للحديث مدارس في المدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام ومصر واليمن.

وبهذه المعرفة يعالج الباحث أسانيد كثيرة فيكشف عن علتها، فإذا كان الحديث كوفيا، احتمل التدليس، أو الرفض. إن كان بصريا احتمل النصب وتأثير الإرجاء والاعتزال في إسناده. فإذا روى المدنيون عن الكوفيين فإنها تختلف الاحتمالات عما إذا روى المدنيون عن البصريين. ولذلك نجد الحاكم يقول بعد ذكره علة حديث: والمدنيون إذا رووا عن الكوفيين زلقوا. أما حديث الشام عن المدارس الأخرى فأكثره ضعيف.

وقد تكلم ابن رجب عن هذا عند كلامه على النوع الثاني من أنواع العلل، وهو من ضعف حديثه في بعض الأماكن دون بعض.

ص: 127

قال ابن رجب: "ومنهم عبيد الله بن عمر العمري، ذكر يعقوب بن شيبة أن في سماع أهل الكوفة منه شيئا. ومنهم الوليد بن مسلم الدمشقي صاحب الأوزاعي، ظاهر كلام الإمام أحمد أنه إذا حدث بغير دمشق ففي حديثه شيء، قال أبو داود: سمعت أبا عبد الله سئل عن حديث الأوزاعي، عن عطاء، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "عليكم بالباءة" قال: هذا من الوليد يخاف أن يكون ليس بمحفوظ عن الأوزاعي لأنه حدث به الوليد بحمص، ليس هو عند أهل دمشق.

ومنهم المسعودي من سمع منه بالكوفة فسماعه صحيح، ومن سمع منه ببغداد فسماعه مختلط".

وكذلك فقد ذكر ابن رجب طائفة من الثقات، حدثوا عن أهل إقليم فحفظوا حديثهم، وحدثوا عن غيرهم فلم يحفظوا:

فمنهم إسماعيل بن عياش الحمصي أبو عتبة، إذا حدث عن الشاميين فحديثه عنهم جيد، وإذا حدث عن غيرهم فحديثه مضطرب.

ومنهم معمر بن راشد كان يضعف حديثه عن أهل العراق خاصة

وأمثلة هذا كثيرة عند ابن رجب، وهذا يلزم الباحث في العلل أن يعرف مدارس الحديث المختلفة ومن أضبط الناس فيها، ومن أكثر الناس خطأ فيها وهكذا.

2 -

معرفة من دار عليهم الإسناد، وأوثق الناس فيهم، وتمييز أصح الأسانيد أضعفها وممن اهتم بهذا، وأرسى قواعده علي بن المديني، فنراه يقول:

نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة: فلأهل المدينة ابن شهاب، ولأهل

ص: 129

مكة عمرو بن دينار، ولأهل البصرة قتادة بن دعامة السدوسي، ويحيى بن أبي كثير، ولأهل الكوفة أبو إسحاق السبيعي، وسليمان بن مهران.

ثم صار علم هؤلاء الستة إلى أصحاب الأصناف ممن صنف، فلأهل المدينة مالك بن أنس، ومحمد بن إسحاق، من أهل مكة عبد العزيز بن جريح، وسفيان بن عيينة. ثم انتهى علم هؤلاء الثلاثة من أهل البصرة وعلم الاثني عشر إلى سنة

وهكذا يمضي علي بن المديني في تأصيل هذه الخبرة الإسنادية وتفريعها.

ومع ذكر الراوي فإنه يذكر أصحابه، ويبين أوثقهم فيه وأكثرهم في الرواية عنه. وهذا جزء هام من علم العلل.

وفيما يلي نص من علل أحمد رحمه الله أوقفي على ارتباط هذا الجانب بعلم العلل، ودوره في الكشف عن العلة، يقول عبد الله بن الإمام أحمد:

سألته عن مطرف بن طريف، فقال: ثقة مطرف، قلت له: أيما أثبت أصحاب الأعمش؟ فقال: سفيان الثوري أحبهم إلي، قلت له: ثم من؟ فقال: أبو معاوية في الكثرة والعلم - يعني عالما بالأعمش - قلت له: أيما أثبت أصحاب الزهري؟ فقال: لكل واحد منهم علة: إلا أن يونس وعقيلا يؤديان الألفاظ وشعيب بن أبي حمزة، وليسوا مثل معمر، معمر يقاربهم في الإسناد، قلت: فمالك؟ قال: مالك أثبت في كل شيء، ولكن هؤلاء الكثرة، كم عند مالك!! ثلاثمائة حديث أو نحو ذا وابن عيينة نحو من ثلاثمائة حديث، ثم قال: هؤلاء الذي رووا عن الزهري الكثير، يونس وعقيل ومعمر، قلت له: شعيب؟ قال: شعيب قليل، هؤلاء أكثر حديثا عن الزهري، قلت: فصالح بن كيسان روايته عن الزهري؟ قال: صالح أكبر من الزهري، قد رأى صالح بن عمر. قلت فهؤلاء أصحاب الزهري، قلت: أثبتهم مالك؟ قال: نعم، مالك

ص: 130

أثبتهم، ولكن هؤلاء الذين بقروا علم الزهري يونس وعقيل ومعمر. قلت له: فبعد مالك من ترى؟ قال: ابن عيينة. انتهى.

ومن خلال هذا النص نلاحظ أمرين لا بد من البحث عنهما ونحن نتناول الرواة عن الثقات، الأول: من أوثق الناس في هذا الشيخ؟ والثاني: من أكثرهم جمعا ورواية عنه؟ وهكذا الأمر في كل ثقة على حدة، ولنتصور حجم هذه المعرفة التي لا بد منها لرجل العلل. وعن طريق مثل هذه المعرفة يتكون عند الناقد منهج يستعين به في نقده.

ولقد أخذ هذا النوع من الدراية الإسنادية مساحة كبيرة من شرح ابن رجب لعلل الترمذي. فذكر تراجم مطولة لمن دار عليهم الإسناد، ولم يكتف بما أوجزه الترمذي عنهم. فجاء كلامه مفصلا مليئا بالمعارف الحديثية، وعدد هذه التراجم اثنتان وعشرون ترجمة.

وأما الأسانيد فقد أمد ابن رجب الباحث في العلل بمجموعة من المعارف الإسنادية وذلك عند كلامه عن مراتب الثقات وقول من يقدم في هؤلاء الثقات، وكان هذا هو القسم الأول من أقسام علم العلل عنده، وقد عنونه بما يلي:

"القسم الأول في معرفة مراتب أعيان الثقات، الذين تدور غالب الأحاديث الصحيحة عليهم، وبيان مراتبهم في الحفظ، وذكر من يرجح قوله منهم عند الاختلاف".

وبدأ ابن رجب بذكر أصحاب ابن عمر، وبعد كلام طويل كأنه مال إلى ترجيح قول نافع مولى ابن عمر على غيره عند الاختلاف، ثم ثنى بذكر أصحاب نافع، ثم أصحاب عبد الله بن دينار

وهكذا، فإن ابن رجب يتابع الكلام في أعيان الثقات فيذكر أصحاب كل واحد منهم، ومن أوثق الناس فيه، وكأن كل واحد من هؤلاء مدرسة حديثية مستقلة.

ص: 131

ولم يكتف ابن رجب رحمه الله بهذه الضروب من المعارف الإسنادية النادرة، بل عقد رحمه الله فصلا هذا عنوانه:

"ذكر الأسانيد التي لا يثبت منها شيء، أو لا يثبت منها إلا شيء يسير مع أنه قد روي بها أكثر من ذلك" وهاك أمثلة على هذه الأسانيد:

قال ابن رجب: قتادة، عن الحسن، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم هذه السلسلة لا يثبت منها حديث أصلا من رواية الثقات.

قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال البرديجي: هذه الأحاديث كلها معلولة.

حميد الطويل، عن أنس، قال أبو داود الطيالسي: قال شعبة: إنما روى حميد عن أنس ما سمعه منه خمسة أحاديث.

الزبير بن عدي، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له إلا حديث واحد".

كل هذا يشكل جانبا لا بد لرجل العلل من معرفته، وعن طريق هذه المعرفة تتشكل صورة واحدة لخريطة الأسانيد وتظهر على هذه الصورة محطات كبرى. هذه المحطات هي من يدور عليهم الإسناد من العلماء في كل زمان ومكان، ولا بد له كذلك من معرفة قواعد التمييز بين هذه الأسانيد، فيعرف الصحيح، والضعيف، والمشهور والغريب، حتى يصل الأمر برجل العلل إلى أن يقول: فلان عن فلان خمسة أحاديث، وهكذا فإنه يذكر مع كل إسناد ما صح به من الحديث وما دخل عليه من الوهم والخطأ.

ص: 132

3 -

معرفة الأبواب: ورجل العلل الحافظ العارف الفهم لم يصل إلى ما وصل إليه إلا بعد أن جمع الأحاديث في الأبواب. وأحاديثه كما سبق وأن قلت: إنها مرتبة على الأسانيد فهي أيضا مرتبة على الأبواب: باب الطهارة.. الصلاة.. الزكاة

وهكذا، والعملية النقدية عنده هي عرض ما يسمعه على أبوابه وأصوله، وبعد هذا العرض يذكر نتيجة من النتائج الكثيرة عنده: معروف.. منكر.. مشهور.. غريب.. شاذ.. لا أصل له

وفي معرفة الأبواب وحصرها اشتهر عدد من العلماء كالإمام أحمد والبخاري وأبي زرعة، وهذا أبو زرعة يقول لعبد الله بن الإمام أحمد:"ذاكرت أباك فوجدته يحفظ ألف ألف حديث، فقال عبد الله: كيف ذاكرته؟ قال أبو زرعة: ذاكرته على الأبواب". ومعنى هذا أنهما يذكران رؤوس الموضوعات، والعناوين التي تضم عددا من الأحاديث.

ولا غرابة في هذه القدرة على جمع الأبواب وعرضها من إمام كأحمد - رضي الله عن هـ - ولكن الغرابة أن يجمع هذا ويعرضه رجل الدولة مع مسؤولياته ومشاغله، فقد أورد الحاكم أبو عبد الله في كتابه معرفة علوم الحديث قصة دارت بين المأمون ورجل ادعى معرفة الحديث وجاء يطلب رفده فقال: يا أمير المؤمنين، صاحب حديث منقطع، فقال له المأمون: أيش تحفظ في باب كذا؟ فلم يذكر فيه شيئا، فما زال المأمون يقول: حدثنا هشيم وحدثنا حجاج بن محمد وحدثنا فلان حتى ذكر الباب، ثم سأله عن باب ثان، فلم يذكر فيه شيء فذكره المأمون".

وروي عن علي بن المديني أنه قال: "الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه".

ص: 133

4 -

معرفة المتشابه من الأسماء والكنى والألقاب:

وكتب العلل مليئة بهذا النوع كمعرفة عامة أو تطبيقية تخدم موضوع العلة. ومثال ذلك: ما ذكره عبد الله بن أحمد رحمه الله في العلل، قال:"حدثني أبي، قال: حدثنا هشيم، قال: زعم لي بعضهم، قال: كتب الحجاج أن يؤخذ إبراهيم بن يزيد إلى عامله فلما أتاه الكتاب قال: فكتب إليه: إن قبلنا إبراهيم بن يزيد التيمي، وإبراهيم بن يزيد النخعي، فأيهما نأخذ؟ قال: فكتب أن يأخذهما جميعا". هذه القصة ظاهرها أنها طرفة، ومقصدها ذكر اثنين من الرواة اجتمعا في الاسم والعصر والرتبة، ومن لا يميز بينهما قد يخلط في حديثهما وقد يقول قائل: ما داما ثقتين فما الضرر من هذا الخلط؟ والجواب على ذلك أن لكل من الرجلين إسناده ولكل منهما رجاله، والخلط بينهما لا يقتصر عليهما بل يتعداهما إلى بقية رجال الإسناد.

وإن الباحث ليدهش وهو يجد أن أربعة عشر رجلا من الثقات يحملون اسم إبراهيم بن يزيد، مما يجعل معرفة هذا الجانب ضرورية لرجل العلل حتى لا تشتبه عليه الأمور.

وكما تتشابه الأسماء تتشابه الكنى، ولا بد من معرفتها من قبل صاحب هذا الشأن.

يقول عبد الله بن أحمد: "سمعت أبي يقول: من كنيته من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبو عبد الرحمن: عبد الله بن مسعود أبو عبد الرحمن، ومعاذ بن جبل أبو عبد الرحمن، وعبد الله بن عمر أبو عبد الرحمن، وعبد الله بن عمروا أبو عبد الرحمن، ويقولون أبو محمد. وفيروز الديلمي أبو عبد الرحمن، وسفينة أبو عبد الرحمن، ومعاوية بن أبي سفيان أبو عبد الرحمن".

ص: 134

هذا التشابه في الصحابة، وهو في غيرهم أكثر، وتمييزه أصعب، وكم من علة دخلت على الحديث بجهل هذا الجانب.

وإلى جانب التشابه في الكنى نجد الكثير من الكنى التي لم تشتهر أصحابها بها فستغلها المدلسون ستارا لتدليسهم، ولكن المعرفة الواسعة التي يتمتع بها الناقد تقف لكل ذلك بالمرصاد.

5 -

معرفة مواطن الرواة:

قال الحاكم أبو عبد الله: "وهو علم قد زلق فيه جماعة من كبار العلماء بما يشتبه عليهم فيه" وقد يثبت هذه المعرفة في كتب العلل لارتباطها وعلاقتها الوثيقة به. ففي علل أحمد: "ابن أبي حسن قرشي مكي، هشام بن حجير مكي، ضعيف الحديث ومحمد بن أبي إسماعيل شيخ كوفي ثقة وعبد الله بن سعيد بن أبي هند شيخ مديني موثق، وإبراهيم بن ميسرة طائفي سكن مكة"

وهكذا، إذ القصد هو التمثيل على هذه المعرفة لا الإحاطة بما كتب عليها، فهو كثير.

6 -

معرفة الوفيات والولادات:

وعن طريق هذه المعرفة - مضافا إليها غيرها - يتأكد الناقد من السماع والمعاصرة أو ينفيهما. وتجد هذه المعرفة مبثوثة في كتب العلل: يقول ابن المديني: "مات أيوب سنة إحدى وثلاثين في الطاعون، ومات يونس سنة تسع وثلاثين، ومات إبراهيم النخعي سنة خمس وتسعين، وقتل ابن جبير سنة خمس وتسعين وفيها مات الحجاج

وهكذا".

ومعرفة الولادات جانب آخر يحدد اللقاء وفترته بين الراوين، فعندما يأتي

ص: 135

حديث يرويه عبد الجبار بن وائل عن أبيه، نجد النقاد يقولون:"عبد الجبار لم يدرك أباه، ولد بعد وفاة أبيه".

7 -

معرفة من أرسل ومن دلس ومن اختلط:

وقد اعتنت كتب العلل اعتناء كبيرا بهذه المعرفة وكثير اما تجد فيها علل الإرسال والتدليس والاختلاط، كما نجد تحديدات دقيقة للاختلاط وتفاوت المراسيل وما دلس من الأسانيد. وقد توسع ابن رجب في الكلام عن الإرسال والتدليس والاختلاط، وقد عرضنا للاختلاط في أسباب العلل، وعرضنا للإرسال في مباحث دراسة علوم المصطلح عند ابن رجب.

8 -

معرفة أهل البدع والأهواء:

وقد سبق وأن ذكرت أن هذه المعرفة جزء من معرفة المدارس الحديثية ولكنها هنا تهتم بالرواة كأفراد كل على حدة. وقد يكون الغالب على مدرسة ما التشيع ولكن فيها الناصبي، والخارجين والمعتزلي، وغير ذلك

وعلى صفحات كتب العلل نجد كلاما كثيرا حول هذا الجانب مثل: "يونس بن عباد كان خبيث الرأي"، "كان يزيد بن عبد الرحمن شيخا فقيرا مرجئيا".

هذه بعض جوانب المعرفة التي لا بد منها للمشتغل بالعلل، وتركت غيرها، لأن الموضوع لا يتسع لعلوم الحديث، إذ ظهر لي بعد البحث والاستقصاء أن أكثر علوم الحديث استمد من علم العلل، وأن أقدم المحاولات في هذا الميدان هي كتب ابن المديني وأحمد الترمذي وأبي زرعة وأبي حاتم وهي كتب شاملة تطبيقية.

ص: 136

وقد قصدت من ذكر هذه الجوانب التمثيل لا الحصر. ولعل أبرز ثمرات هذا الموضوع القناعة التامة بأن علم العلل عماده المعرفة المستفيضة أفقيا وعموديا وهو ما يعبر عنه بعلم الرواية والدراية. ومن تتوافر له هذه المعرفة تنكشف له العلاقات بين الروايات، فيصبح مجال الحديث، سندا ومتنا، بمتناول بصيرته. وعند التعليل يستفيد من كل هذه الجوانب، فجزى الله علماءنا عن أمتهم خير الجزاء، فلقد، والله، حملوا الأمانة التي لا تحملها الجبال الراسيات

ص: 137