الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بديهة، وإن شئت فقل هو فن القلة من الناس، وحتى هؤلاء القلة فإنهم متفاوتون في القدرة عليه.
يقول ابن كثير في اختصار علوم الحديث: وإنما يهتدي إلى تحقيق هذا الفن الجهابذة، النقاد، يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه، ومعوجه ومستقيمه، فمنهم من يظن، ومنهم من يقف، بحسب مراتب علومهم وحذقهم واطلاعهم على طرق الحديث، وذوقهم حلاوة عبارة الرسول صلى الله عليه وسلم التي لا يشبهها غيرها من ألفاظ الناس، فمن الأحاديث المروية ما عليه أنوار النبوة. ومنها ما وقع فيه تغيير لفظ أو زيادة باطلة يدركها البصير من أهل هذه الصناعة".
ويقول ابن الصلاح في هذا: "ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي أو بمخالفته غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك، تنبه العارف بهذا الشأن".
أما الخطيب البغدادي فإنه يقول: "السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه وينظر في اختلاف رواته، ويعتبر بمكانتهم من الحفظ ومنزلتهم من الإتقان".
وإن نظرة سريعة يلقيها الباحث في كتب العلل تظهر له أي علم يحتاجه صاحب هذا الفن، وأية معرفة يفتقر إليها، حتى يصبح من أهل هذه الصنعة. إنه يحتاج ملكة علمية متعددة الجوانب، كثيرة العناصر، تمتاز بالشمول والتكامل. لأننا بعد التحقق نستطيع أن نقول: إن كل جزئية من جزيئات علوم الحديث داخلة في علم العلل، إما دخولا مباشرا، أو غير مباشر كخادم لأصول هذا العلم وضروراته.
المطلب الثاني وسائل الكشف عن العلة
دفعنا فيما سبق توهم إدراك العلة بالخواطر والتأملات الباطنية، وذكرنا كلام ابن رجب رحمه الله في هذا، وأثبتنا أن كشف العلة لا يكون إلا بعلم ومعرفة وفهم، والدليل على كل علة لا بد من قيامه، وظهور لأهل هذا الفن. وأما موضوعنا هذا فمعقود للكلام عن جوانب من معرفة الناقد وعلمه حتى نتصور كيف تجري عملية الكشف عن العلة، وما هي طبيعة هذا الذهن الذي يتناول النصوص الحديثية بالتمحيص والنقد؟ إيضاحا لهذا نقول:
إن كتب العل تحمل بين طياتها صورة كاملة شاملة لما ينبغي أن يكون عليه رجل هذا الفن، وأنه إن كان حصر جوانب هذه المعرفة لا يمكن في مبحث صغير فإن ذكر أهم هذه الجوانب يسير ومعقول، وفيما يلي بعض هذه الجوانب:
1 -
معرفة المدارس الحديثية، ونشأتها، ورجالها، ومذاهبها العقدية والفقهية وأثرها وتأثيرها في غيرها، وما تميزت به عن غيرها، فقد نشأت للحديث مدارس في المدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام ومصر واليمن.
وبهذه المعرفة يعالج الباحث أسانيد كثيرة فيكشف عن علتها، فإذا كان الحديث كوفيا، احتمل التدليس، أو الرفض. إن كان بصريا احتمل النصب وتأثير الإرجاء والاعتزال في إسناده. فإذا روى المدنيون عن الكوفيين فإنها تختلف الاحتمالات عما إذا روى المدنيون عن البصريين. ولذلك نجد الحاكم يقول بعد ذكره علة حديث: والمدنيون إذا رووا عن الكوفيين زلقوا. أما حديث الشام عن المدارس الأخرى فأكثره ضعيف.
وقد تكلم ابن رجب عن هذا عند كلامه على النوع الثاني من أنواع العلل، وهو من ضعف حديثه في بعض الأماكن دون بعض.
قال ابن رجب: "ومنهم عبيد الله بن عمر العمري، ذكر يعقوب بن شيبة أن في سماع أهل الكوفة منه شيئا. ومنهم الوليد بن مسلم الدمشقي صاحب الأوزاعي، ظاهر كلام الإمام أحمد أنه إذا حدث بغير دمشق ففي حديثه شيء، قال أبو داود: سمعت أبا عبد الله سئل عن حديث الأوزاعي، عن عطاء، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "عليكم بالباءة" قال: هذا من الوليد يخاف أن يكون ليس بمحفوظ عن الأوزاعي لأنه حدث به الوليد بحمص، ليس هو عند أهل دمشق.
ومنهم المسعودي من سمع منه بالكوفة فسماعه صحيح، ومن سمع منه ببغداد فسماعه مختلط".
وكذلك فقد ذكر ابن رجب طائفة من الثقات، حدثوا عن أهل إقليم فحفظوا حديثهم، وحدثوا عن غيرهم فلم يحفظوا:
فمنهم إسماعيل بن عياش الحمصي أبو عتبة، إذا حدث عن الشاميين فحديثه عنهم جيد، وإذا حدث عن غيرهم فحديثه مضطرب.
ومنهم معمر بن راشد كان يضعف حديثه عن أهل العراق خاصة
وأمثلة هذا كثيرة عند ابن رجب، وهذا يلزم الباحث في العلل أن يعرف مدارس الحديث المختلفة ومن أضبط الناس فيها، ومن أكثر الناس خطأ فيها وهكذا.
2 -
معرفة من دار عليهم الإسناد، وأوثق الناس فيهم، وتمييز أصح الأسانيد أضعفها وممن اهتم بهذا، وأرسى قواعده علي بن المديني، فنراه يقول:
نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة: فلأهل المدينة ابن شهاب، ولأهل
مكة عمرو بن دينار، ولأهل البصرة قتادة بن دعامة السدوسي، ويحيى بن أبي كثير، ولأهل الكوفة أبو إسحاق السبيعي، وسليمان بن مهران.
ثم صار علم هؤلاء الستة إلى أصحاب الأصناف ممن صنف، فلأهل المدينة مالك بن أنس، ومحمد بن إسحاق، من أهل مكة عبد العزيز بن جريح، وسفيان بن عيينة. ثم انتهى علم هؤلاء الثلاثة من أهل البصرة وعلم الاثني عشر إلى سنة
…
وهكذا يمضي علي بن المديني في تأصيل هذه الخبرة الإسنادية وتفريعها.
ومع ذكر الراوي فإنه يذكر أصحابه، ويبين أوثقهم فيه وأكثرهم في الرواية عنه. وهذا جزء هام من علم العلل.
وفيما يلي نص من علل أحمد رحمه الله أوقفي على ارتباط هذا الجانب بعلم العلل، ودوره في الكشف عن العلة، يقول عبد الله بن الإمام أحمد:
سألته عن مطرف بن طريف، فقال: ثقة مطرف، قلت له: أيما أثبت أصحاب الأعمش؟ فقال: سفيان الثوري أحبهم إلي، قلت له: ثم من؟ فقال: أبو معاوية في الكثرة والعلم - يعني عالما بالأعمش - قلت له: أيما أثبت أصحاب الزهري؟ فقال: لكل واحد منهم علة: إلا أن يونس وعقيلا يؤديان الألفاظ وشعيب بن أبي حمزة، وليسوا مثل معمر، معمر يقاربهم في الإسناد، قلت: فمالك؟ قال: مالك أثبت في كل شيء، ولكن هؤلاء الكثرة، كم عند مالك!! ثلاثمائة حديث أو نحو ذا وابن عيينة نحو من ثلاثمائة حديث، ثم قال: هؤلاء الذي رووا عن الزهري الكثير، يونس وعقيل ومعمر، قلت له: شعيب؟ قال: شعيب قليل، هؤلاء أكثر حديثا عن الزهري، قلت: فصالح بن كيسان روايته عن الزهري؟ قال: صالح أكبر من الزهري، قد رأى صالح بن عمر. قلت فهؤلاء أصحاب الزهري، قلت: أثبتهم مالك؟ قال: نعم، مالك
أثبتهم، ولكن هؤلاء الذين بقروا علم الزهري يونس وعقيل ومعمر. قلت له: فبعد مالك من ترى؟ قال: ابن عيينة. انتهى.
ومن خلال هذا النص نلاحظ أمرين لا بد من البحث عنهما ونحن نتناول الرواة عن الثقات، الأول: من أوثق الناس في هذا الشيخ؟ والثاني: من أكثرهم جمعا ورواية عنه؟ وهكذا الأمر في كل ثقة على حدة، ولنتصور حجم هذه المعرفة التي لا بد منها لرجل العلل. وعن طريق مثل هذه المعرفة يتكون عند الناقد منهج يستعين به في نقده.
ولقد أخذ هذا النوع من الدراية الإسنادية مساحة كبيرة من شرح ابن رجب لعلل الترمذي. فذكر تراجم مطولة لمن دار عليهم الإسناد، ولم يكتف بما أوجزه الترمذي عنهم. فجاء كلامه مفصلا مليئا بالمعارف الحديثية، وعدد هذه التراجم اثنتان وعشرون ترجمة.
وأما الأسانيد فقد أمد ابن رجب الباحث في العلل بمجموعة من المعارف الإسنادية وذلك عند كلامه عن مراتب الثقات وقول من يقدم في هؤلاء الثقات، وكان هذا هو القسم الأول من أقسام علم العلل عنده، وقد عنونه بما يلي:
"القسم الأول في معرفة مراتب أعيان الثقات، الذين تدور غالب الأحاديث الصحيحة عليهم، وبيان مراتبهم في الحفظ، وذكر من يرجح قوله منهم عند الاختلاف".
وبدأ ابن رجب بذكر أصحاب ابن عمر، وبعد كلام طويل كأنه مال إلى ترجيح قول نافع مولى ابن عمر على غيره عند الاختلاف، ثم ثنى بذكر أصحاب نافع، ثم أصحاب عبد الله بن دينار
…
وهكذا، فإن ابن رجب يتابع الكلام في أعيان الثقات فيذكر أصحاب كل واحد منهم، ومن أوثق الناس فيه، وكأن كل واحد من هؤلاء مدرسة حديثية مستقلة.
ولم يكتف ابن رجب رحمه الله بهذه الضروب من المعارف الإسنادية النادرة، بل عقد رحمه الله فصلا هذا عنوانه:
"ذكر الأسانيد التي لا يثبت منها شيء، أو لا يثبت منها إلا شيء يسير مع أنه قد روي بها أكثر من ذلك" وهاك أمثلة على هذه الأسانيد:
قال ابن رجب: قتادة، عن الحسن، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم هذه السلسلة لا يثبت منها حديث أصلا من رواية الثقات.
قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال البرديجي: هذه الأحاديث كلها معلولة.
حميد الطويل، عن أنس، قال أبو داود الطيالسي: قال شعبة: إنما روى حميد عن أنس ما سمعه منه خمسة أحاديث.
الزبير بن عدي، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له إلا حديث واحد".
كل هذا يشكل جانبا لا بد لرجل العلل من معرفته، وعن طريق هذه المعرفة تتشكل صورة واحدة لخريطة الأسانيد وتظهر على هذه الصورة محطات كبرى. هذه المحطات هي من يدور عليهم الإسناد من العلماء في كل زمان ومكان، ولا بد له كذلك من معرفة قواعد التمييز بين هذه الأسانيد، فيعرف الصحيح، والضعيف، والمشهور والغريب، حتى يصل الأمر برجل العلل إلى أن يقول: فلان عن فلان خمسة أحاديث، وهكذا فإنه يذكر مع كل إسناد ما صح به من الحديث وما دخل عليه من الوهم والخطأ.
3 -
معرفة الأبواب: ورجل العلل الحافظ العارف الفهم لم يصل إلى ما وصل إليه إلا بعد أن جمع الأحاديث في الأبواب. وأحاديثه كما سبق وأن قلت: إنها مرتبة على الأسانيد فهي أيضا مرتبة على الأبواب: باب الطهارة.. الصلاة.. الزكاة
…
وهكذا، والعملية النقدية عنده هي عرض ما يسمعه على أبوابه وأصوله، وبعد هذا العرض يذكر نتيجة من النتائج الكثيرة عنده: معروف.. منكر.. مشهور.. غريب.. شاذ.. لا أصل له
…
وفي معرفة الأبواب وحصرها اشتهر عدد من العلماء كالإمام أحمد والبخاري وأبي زرعة، وهذا أبو زرعة يقول لعبد الله بن الإمام أحمد:"ذاكرت أباك فوجدته يحفظ ألف ألف حديث، فقال عبد الله: كيف ذاكرته؟ قال أبو زرعة: ذاكرته على الأبواب". ومعنى هذا أنهما يذكران رؤوس الموضوعات، والعناوين التي تضم عددا من الأحاديث.
ولا غرابة في هذه القدرة على جمع الأبواب وعرضها من إمام كأحمد - رضي الله عن هـ - ولكن الغرابة أن يجمع هذا ويعرضه رجل الدولة مع مسؤولياته ومشاغله، فقد أورد الحاكم أبو عبد الله في كتابه معرفة علوم الحديث قصة دارت بين المأمون ورجل ادعى معرفة الحديث وجاء يطلب رفده فقال: يا أمير المؤمنين، صاحب حديث منقطع، فقال له المأمون: أيش تحفظ في باب كذا؟ فلم يذكر فيه شيئا، فما زال المأمون يقول: حدثنا هشيم وحدثنا حجاج بن محمد وحدثنا فلان حتى ذكر الباب، ثم سأله عن باب ثان، فلم يذكر فيه شيء فذكره المأمون".
وروي عن علي بن المديني أنه قال: "الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه".
4 -
معرفة المتشابه من الأسماء والكنى والألقاب:
وكتب العلل مليئة بهذا النوع كمعرفة عامة أو تطبيقية تخدم موضوع العلة. ومثال ذلك: ما ذكره عبد الله بن أحمد رحمه الله في العلل، قال:"حدثني أبي، قال: حدثنا هشيم، قال: زعم لي بعضهم، قال: كتب الحجاج أن يؤخذ إبراهيم بن يزيد إلى عامله فلما أتاه الكتاب قال: فكتب إليه: إن قبلنا إبراهيم بن يزيد التيمي، وإبراهيم بن يزيد النخعي، فأيهما نأخذ؟ قال: فكتب أن يأخذهما جميعا". هذه القصة ظاهرها أنها طرفة، ومقصدها ذكر اثنين من الرواة اجتمعا في الاسم والعصر والرتبة، ومن لا يميز بينهما قد يخلط في حديثهما وقد يقول قائل: ما داما ثقتين فما الضرر من هذا الخلط؟ والجواب على ذلك أن لكل من الرجلين إسناده ولكل منهما رجاله، والخلط بينهما لا يقتصر عليهما بل يتعداهما إلى بقية رجال الإسناد.
وإن الباحث ليدهش وهو يجد أن أربعة عشر رجلا من الثقات يحملون اسم إبراهيم بن يزيد، مما يجعل معرفة هذا الجانب ضرورية لرجل العلل حتى لا تشتبه عليه الأمور.
وكما تتشابه الأسماء تتشابه الكنى، ولا بد من معرفتها من قبل صاحب هذا الشأن.
يقول عبد الله بن أحمد: "سمعت أبي يقول: من كنيته من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبو عبد الرحمن: عبد الله بن مسعود أبو عبد الرحمن، ومعاذ بن جبل أبو عبد الرحمن، وعبد الله بن عمر أبو عبد الرحمن، وعبد الله بن عمروا أبو عبد الرحمن، ويقولون أبو محمد. وفيروز الديلمي أبو عبد الرحمن، وسفينة أبو عبد الرحمن، ومعاوية بن أبي سفيان أبو عبد الرحمن".
هذا التشابه في الصحابة، وهو في غيرهم أكثر، وتمييزه أصعب، وكم من علة دخلت على الحديث بجهل هذا الجانب.
وإلى جانب التشابه في الكنى نجد الكثير من الكنى التي لم تشتهر أصحابها بها فستغلها المدلسون ستارا لتدليسهم، ولكن المعرفة الواسعة التي يتمتع بها الناقد تقف لكل ذلك بالمرصاد.
5 -
معرفة مواطن الرواة:
قال الحاكم أبو عبد الله: "وهو علم قد زلق فيه جماعة من كبار العلماء بما يشتبه عليهم فيه" وقد يثبت هذه المعرفة في كتب العلل لارتباطها وعلاقتها الوثيقة به. ففي علل أحمد: "ابن أبي حسن قرشي مكي، هشام بن حجير مكي، ضعيف الحديث ومحمد بن أبي إسماعيل شيخ كوفي ثقة وعبد الله بن سعيد بن أبي هند شيخ مديني موثق، وإبراهيم بن ميسرة طائفي سكن مكة"
…
وهكذا، إذ القصد هو التمثيل على هذه المعرفة لا الإحاطة بما كتب عليها، فهو كثير.
6 -
معرفة الوفيات والولادات:
وعن طريق هذه المعرفة - مضافا إليها غيرها - يتأكد الناقد من السماع والمعاصرة أو ينفيهما. وتجد هذه المعرفة مبثوثة في كتب العلل: يقول ابن المديني: "مات أيوب سنة إحدى وثلاثين في الطاعون، ومات يونس سنة تسع وثلاثين، ومات إبراهيم النخعي سنة خمس وتسعين، وقتل ابن جبير سنة خمس وتسعين وفيها مات الحجاج
…
وهكذا".
ومعرفة الولادات جانب آخر يحدد اللقاء وفترته بين الراوين، فعندما يأتي
حديث يرويه عبد الجبار بن وائل عن أبيه، نجد النقاد يقولون:"عبد الجبار لم يدرك أباه، ولد بعد وفاة أبيه".
7 -
معرفة من أرسل ومن دلس ومن اختلط:
وقد اعتنت كتب العلل اعتناء كبيرا بهذه المعرفة وكثير اما تجد فيها علل الإرسال والتدليس والاختلاط، كما نجد تحديدات دقيقة للاختلاط وتفاوت المراسيل وما دلس من الأسانيد. وقد توسع ابن رجب في الكلام عن الإرسال والتدليس والاختلاط، وقد عرضنا للاختلاط في أسباب العلل، وعرضنا للإرسال في مباحث دراسة علوم المصطلح عند ابن رجب.
8 -
معرفة أهل البدع والأهواء:
وقد سبق وأن ذكرت أن هذه المعرفة جزء من معرفة المدارس الحديثية ولكنها هنا تهتم بالرواة كأفراد كل على حدة. وقد يكون الغالب على مدرسة ما التشيع ولكن فيها الناصبي، والخارجين والمعتزلي، وغير ذلك
…
وعلى صفحات كتب العلل نجد كلاما كثيرا حول هذا الجانب مثل: "يونس بن عباد كان خبيث الرأي"، "كان يزيد بن عبد الرحمن شيخا فقيرا مرجئيا".
هذه بعض جوانب المعرفة التي لا بد منها للمشتغل بالعلل، وتركت غيرها، لأن الموضوع لا يتسع لعلوم الحديث، إذ ظهر لي بعد البحث والاستقصاء أن أكثر علوم الحديث استمد من علم العلل، وأن أقدم المحاولات في هذا الميدان هي كتب ابن المديني وأحمد الترمذي وأبي زرعة وأبي حاتم وهي كتب شاملة تطبيقية.
وقد قصدت من ذكر هذه الجوانب التمثيل لا الحصر. ولعل أبرز ثمرات هذا الموضوع القناعة التامة بأن علم العلل عماده المعرفة المستفيضة أفقيا وعموديا وهو ما يعبر عنه بعلم الرواية والدراية. ومن تتوافر له هذه المعرفة تنكشف له العلاقات بين الروايات، فيصبح مجال الحديث، سندا ومتنا، بمتناول بصيرته. وعند التعليل يستفيد من كل هذه الجوانب، فجزى الله علماءنا عن أمتهم خير الجزاء، فلقد، والله، حملوا الأمانة التي لا تحملها الجبال الراسيات