الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والضعيف. وأول من علمناه بين ذلك أبو عيسى الترمذي، وقد بين في كلامه هذا أنه لم يسبق إليه، وقد صنف ابن المديني ويعقوب بن شيبة مسانيد معللة.
وأما الأبواب المعللة فلا نعلم أحدا سبق الترمذي إليها، وزاد الترمذي ذكر كلام الفقهاء. وهذا كان قد سبق إليه مالك في الموطأ، وسفيان في الجامع".
وفي مكان آخر يقول ابن رجب: وقد اعترض على الترمذي رحمه الله بأنه في غالب الأبواب يبدأ في الأحاديث الغريبة الإسناد، وليس ذلك بعيب فإنه رحمه الله يبين ما فيها من العلل ثم يبين الصحيح من الإسناد. وكان مقصده رحمه الله ذكر العلل، ولهذا نجد النسائي إذا استوعب طرق الحديث بدأ بما هو غلط ثم يذكر بعد ذلك الصواب المخالف له.
وأما أبو داود رحمه الله فكان عنايته بالمتون، ولهذا يذكر الطرق واختلاف ألفاظها، والزيادات المذكورة في بعضها دون بعض. فكانت عنايته في الحديث أكثر من عنايته في الإسناد.
المطلب الثاني القواعد والفوائد
منهج ابن رجب في الباب الثاني من الكتاب:
يتألف الباب الثاني من الكتاب من مجموعة قواعد وفوائد في علم العلل، وما يتصل به من أحوال الرواة. وكان غرض ابن رجب في هذا النصف الأخير من الكتاب تقريب علم العلل على من ينظر فيه، وقد بدأه بمقدمة، قال فيها:
"ولما انتهى الكلام على ما ذكره أبو عيسى الترمذي رحمه الله في كتاب الجامع، وآخره كتاب العلل، أحببت أن أتبع كتاب العلل بفوائد آخر مهمة
وقواعد كلية، تكون للكتاب تتمة، وأردت بذلك تقريب علم العلل على من ينظر فيه، فإنه علم قد هجر في هذا الزمان".
وفي هذا القسم يجد الباحث نفسه أمام منهج فريد في التصنيف لم يشارك فيه ابن رجب أحد من السابقين، كما سيجد الباحث في هذه القواعد متعة ما بعدها متعة، وتضعه أمام منهج تطبيقي حي.
وفيما يلي عرض للسمات الأساسية لمنهج ابن رجب في هذا الجزء من الكتاب:
أولا - حسن التقسيم ودقته:
وهي سمة أساسية في هذا الجزء من الكتاب تحدد معالم مادته، وتيسر فهمه وإدراكه، ورغم ما في علم العلل من الصعوبة والاتساع إلا أن حسن التقسيم ودقته تجاوزت الصعوبة المعهودة إلى سهولة غير معهودة في كتب العلل السابقة على ابن رجب.
وقد بدأ ابن رجب هذا التقسيم ببيان مكان علم العلل من علوم الحديث، أو على الأخص، من علوم التصحيح والتضعيف، فقال:
"أعلم أن معرفة صحة الحديث وسقمه تحصل من وجهين:
أحدهما: معرفة رجالهم وثقتهم وضعفهم، ومعرفة هذا هين، لأن الثقات الضعفاء قد دونوا في كثير من التصانيف، وقد اشتهرت بشرح أحوالهم التواليف.
والوجه الثاني: معرفة مراتب الثقات وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف إما في الإسناد، وإما في الوصل والإرسال، وإما في الوقف والرفع، ونحو ذلك، وهذا هو الذي يحصل من معرفته وإتقانه وكثرة ممارسته الوقوف على علل الحديث".
وبعد أن حدد ابن رجب رحمه الله مكان علم العلل من علم التصحيح والتضعيف دخل إلى علم العلل فقسمه إلى قسمين رئيسيين:
"القسم الأول: في معرفة مراتب كثير من أعيان الثقات وتفاوتهم، وحكم اختلافهم وقول من يرجع منهم عند الاختلاف.
والقسم الثاني: في معرفة قوم من الثقات لا يوجد ذكر كثير منهم أو أكثرهم في كتب الجرح، قد ضعف حديثهم، إما في بعض الأماكن أو في بعض الأزمان، أو بعض الشيوخ".
ثانيا - التقعيد:
عرف التصنيف على طريقة القواعد الكلية في علوم العقيدة، والتفسير، والفقه، والأصول، منذ زمن بعيد قبل ابن رجب، الذي لم يكن كتابه القواعد بدعا في هذا اللون من التصنيف رغم ما وصفه به صاحب كشف الظنون فقال"وهو كتاب نافع من عجائب الدهر، حتى أنه استكثر عليه، وزعم بعضهم أنه وجد قواعد مبددة لشيخ الإسلام ابن تيمية، فجمعها، وليس الأمر كذلك، بل كان رحمه الله فوق ذلك، كذا قيل".
وأما قواعد ابن رجب في العلل، والتي نحن بصدد التعليق عليها، فهي ولا شك بدع في موضوعها، وأسلوب جديد في عرض علوم الحديث. وهو وإن لم يأتي بجديد في هذه القواعد إلا أنه جمع قواعد مبددة، ولم شعث فروع متشابهه فكان بهذا أول من علمناه صنف كتابا أفرد فيه قواعد العلل في الحديث. ويكون بهذا قد لفت نظر الباحثين إلى اتجاه جديد في دراسة علوم الحديث ينصب على التقعيد، وممن سار على مثل هذا النهج العلامة ظفر أحمد العثماني التهانوي في كتابه "قواعد في علوم الحديث" وعبد الحي اللكنوي في كتابه
"الرفع والتكميل".
وفيما يلي أمثلة من القواعد التي أودعها ابن رجب كتابه هذا:
"قاعدة: الصالحون غير العلماء يغلب على حديثهم الوهم والغلط.
قاعدة: الفقهاء المعتنون بالرأي حتى يغلب عليهم الاشتغال به لا يكادون يحفظون الحديث.
قاعدة: إذا روى الحفاظ الأثبات حديثا بإسناد واحد، وانفراد واحد منهم بإسناد آخر، فإن كان المنفرد منهم ثقة حافظاً فحكمه قريب من حكم زيادة الثقة في الأسانيد والمتون".
قاعدة: قتادة، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم هذه السلسلة لم يثبت منها حديث أصلا من رواية الثقات".
قاعدة: "يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصح منها شيء مسندا".
قاعدة: "كل شيء روى عبيدة السلماني، سوى رأيه فهو عن علي".
قاعدة: حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث ومعرفتهم بالرجال وأحاديث كل منهم لهم فهم خاص يفهمون به أن هذا الحديث يشبه حديث فلان، ولا يشبه حديث فلان".