الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث ملاحظات عامة على منهج ابن رجب في الكتاب
سبق أن عرضنا بعض ملاحظاتنا الخاصة بكل قسم من أقسام الكتاب، وفيما يلي عرض للملاحظات العامة على منهج ابن رجب في كتاب شرح علل الترمذي كله:
أولا: منهج ابن رجب في شرح علل الترمذي منهج نظري تطبيقي، ونقصد بالنظري أنه يذكر جوانب الموضوع الواحد المتكامل في بناء نظري ضمن تقسيمات علمية دقيقة، ثم لا يترك هذا البناء بعيدا عن التطبيق العملي بل يزوده بالأمثلة المتنوعة معتمدا في ذلك على حشد هائل من مراجع السنة سواء الصحيح منها أو ما كتب في العلل، ولا يترك ابن رجب رحمه الله قضية نظرية إلا ويؤيدها بشاهد عملي، ففي موضوع مراتب الرواة جعلهم ابن رجب أربع مراتب:
1 -
الثقات الحفاظ الذين يندر الغلط في حديثهم.
2 -
الثقات الذين يكثر في حديثهم الوهم والغلط.
3 -
الرواة الذين يغلب عليهم الوهم والغلط.
4 -
المتهمون بالغفلة وكثرة الغلط أو الكذب.
ومع كل زمرة من هذه الزمر نماذج من الرواة وبيان شاف كاف لأحوال ورواياتهم.
وهذا كله في القسم الأول، وكذلك الحال في القسم الثاني الذي هو تعقيبات لابن رجب على الكتاب. ففي موضوع مراتب الثقات، ومعرفة قول من منهم يقدم عند الاختلاف، يذكر مراتب هؤلاء، ثم يعرض حشدا من الأسانيد التي وقع الخلاف بين العلماء في ترجيح بعضها على بعض.
وكذلك إذا ذكر القاعدة النظرية فإنه يبتعها بالعديد من الأمثلة التي تجلي هذه القاعدة وتوضحها.
وكل باحث في شرح الترمذي سيجد أن الفرق واسع بينه وبين كتب المصطلح السابقة وذلك في حدود المواضيع التي تناولها، وسيلاحظ أن الكتب السابقة تجنح إلى الجانب النظري أكثر من الجانب العملي، وأما كتاب ابن رجب ففيه توازن بديع بين هذين الجانبين.
ثانيا: وبالرغم من ميل ابن رجب إلى الناحية التطبيقية إلا أنه يورد الأحاديث والأسانيد على درجة بالغة في الاختصار والإيجاز، فيوعر طريق الباحث ويجهده في الوصول إليها. وقل أن نجد حديثا واضحا بإسناده ومتنه يمكنك من سرعة الوصول إليه، بل تجده يقول:"ومنها حديث التيمم إلى نصف الذراعين"، أو يقول: ومنها حديث أنس في أكل البرد للصائم، أو يقول:"حديث ابن عمر في الصلاة" ولا يزيد على هذا. وقد بذلت جهدي لتخريج هذه الأحاديث والأسانيد، فأكملت عمل ابن رجب في هذا الكتاب، ولله الحمد والمنة.
ثالثا: وابن رجب يغترف مادته وأمثلته من مجموعة كبيرة من المصادر الأصلية ولا يذكر شيئا من كتاب معاصريه أو سابقيه من رجال قرنه. حتى ابن تيمية والذهبي والمزي وابن القيم، حتى هؤلاء لا يوجد لهم ذكر في كتابه. وأكثر اعتماده على رجال القرون الأربعة الأولى. وقد أخذ من كتب العلل السابقة بنصب وافر، وأكثر اعتماده على مسائل الإمام أحمد.
وأما اعتماده على كتب التواريخ والرجال فكبير جدا. ومن مصادره الأساسية تواريخ البخاري، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، والكامل لابن عدي، والضعفاء للعقيلي وأمثال هذه الكتب.
وقد لاحظت أثناء تخريج نقول ابن رجب من هذه الكتب دقة الرجل في النقل وأمانته العلمية في نسبة كل قول إلى قائله.
ولما كانت كتب العلل من أهم مصادر ابن رجب، ولأهميتها في هذه الدراسة ولصلتها المباشرة بشرح علل الترمذي فقد أفردت الحديث عنها مبحث مطول